منتدى السنة للحوار العربى

منتدى السنة للحوار العربى (https://www.alsonah.org/vb//index.php)
-   موضوعات عامة (https://www.alsonah.org/vb//forumdisplay.php?f=34)
-   -   المسلسل الرمضاني صور من حياة السلف - الحلقة الرابعة (https://www.alsonah.org/vb//showthread.php?t=24392)

غريب مسلم 2011-08-04 06:50 PM

المسلسل الرمضاني صور من حياة السلف - الحلقة الرابعة
 
[CENTER]:بس:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى أصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حياكم الله إخوتي وأخواتي الكرام.
نكمل معكم اليوم بإذن الله تعالى سلسلتنا الأدبية القصصية التاريخية، التي تعرض صوراً واقعية لأناس عاشوا وتربوا على أيدي خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، أو على أيدي أصحابه الأبرار رضوان الله عليهم، وعاشوا في خير القرون وأفضلها، وبذلوا لها كل نفيس، فصاروا أعلاماً يقتدى بهم، وكانوا المؤسسين إلى مدرستنا، مدرسة السلف الصالح.
إن كنت سأختار لبطل قصتنا لحلقة اليوم لقباً فسيكون غير ما لقبه به رسول الله :ص: وهو "الصحابي الأمين".

أبو عبيدة بن الجراح
(لكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة) [محمد رسول الله :ص:]
كان وضيء الوجه ، بهي الطلعة ، نحيل الجسم ، طويل القامة ، خفيف العارضين ، ترتاح العين لمرآه ، وتأنس النفس للقياه ، ويطمئن إليه الفؤاد .
وكان إلى ذلك رقيق الحاشية ، جم التواضع (1) ، شديد الحياء ، لكنه كان إذا حزب الأمر (2) وجد الجد يغدو كأنه الليث عادياً .
فهو يشبه نصل السيف رونقاً وبهاء ، ويحكيه (3) حدة ومضاء .
ذلكم هو أمين أمة محمد (:ص:) ، عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي ، المكنى بأبي عبيدة .
نعته عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال : ثلاثة من قريش أصبح الناس وجوهاً ، وأحسنها أخلاقاً وأثبتها حياء ، إن حدثوك لم يكذبوك (4) وإن حدثتهم لم يكذبوك : أبو بكر الصديق ، وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح .

[URL]http://www.quicklook4u.com/gallery/data/thumbnails/22/28.gif[/URL]

كان أبو عبيدة من السابقين الأولين إلى الإسلام ، فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر ، وكان إسلامه على يدي الصديق نفسه ، فمضى به وبعبد الرحمن بن عوف (5) وبعثمان بن مظعون وبالأرقم بن أبي الأرقم إلى النبي :ص: فأعلنوا بين يديه كلمة الحق ، فكانوا القواعد الأولى التي أقيم عليها صرح الإسلام العظيم .

[URL]http://www.quicklook4u.com/gallery/data/thumbnails/22/28.gif[/URL]

عاش أبو عبيده تجربة المسلمين القاسية في مكة منذ بدايتها إلى نهايتها ، وعانى مع المسلمين السابقين من عنفها وضراوتها وآلامها وأحزانها ما لم يعانه أتباع دين على ظهر الأرض ، فثبت للابتلاء (6) وصدق الله ورسوله في كل موقف .
لكن محنة أبي عبيدة يوم بدر فاقت في عنفها حسبان الحاسبين وتجاوزت خيال المتخيلين .

[URL]http://www.quicklook4u.com/gallery/data/thumbnails/22/28.gif[/URL]

انطلق أبو عبيدة يوم بدر يصول بين الصفوف صولة من لا يهاب الردى ، فهابه المشركون ، ويجول جولة من لا يحذر الموت ، فحذره فرسان قريش وجعلوا يتنحون عنه كلما واجهوه ...
لكن رجلاً واحداً منهم جعل يبرز لأبي عبيدة في كل اتجاه ، فكان أبو عبيدة يتحرف (7) عن طريقه ويتحاشى لقاءه (8) .
ولج الرجل في الهجوم ، وأكثر أبو عبيدة من التنحي ، وسد الرجل على أبي عبيدة المسالك ، ووقف حائلاً بينه وبين قتال أعداء الله .
فلما ضاق به ذرعاً (9) ضرب رأسه بالسيف ضربة فلقت هامته فلقتين ، فخر الرجل صريعاً بين يديه .
لا تحاول -أيها القارئ الكريم- أن تخمن من يكون الرجل الصريع ...
أما قلت لك : إن عنف التجربة فاق حسبان الحاسبين ، وجاوز خيال المتخيلين ؟
ولقد يتصدع رأسك إذا عرفت أن الرجل الصريع هو عبد الله بن الجراح والد أبي عبيدة .

[URL]http://www.quicklook4u.com/gallery/data/thumbnails/22/28.gif[/URL]

لم يقتل أبو عبيدة أباه ، وإنما قتل الشرك في شخص أبيه .
فأنزل الله سبحانه في شأن أبي عبيده وشأن أبيه قرآناً فقال -علت كلمته- :
:(: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ :): (10) .

[URL]http://www.quicklook4u.com/gallery/data/thumbnails/22/28.gif[/URL]

لم يكن ذلك عجيباً من أبي عبيدة ، فقد بلغ من قوة إيمانه بالله ونصحه لدينه ، والأمانة على أمة محمد (:ص:) مبلغاً طمحت إليه نفوس كبيرة عند الله .
حدث محمد بن جعفر ، قال : قدم وفد من النصارى على رسول الله :ص: فقال : يا أبا القاسم ، ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا ليحكم بيننا في أشياء من أموالنا اختلفنا فيها ، فإنكم عندنا معشر المسلمين مرضيون .
فقال رسول الله :ص: : ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين .
قال عمر بن الخطاب :
فرحت إلى صلاة الظهر مبكراً ، وإني ما أحببت الإمارة حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحب هذا النعت ...
فلما صلى بنا رسول الله :ص: الظهر ، جعل ينظر عن يمينه وعن يساره ، فجعلت أتطاول له ليراني ، فلم يزل يقلب بصره فينا حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح ، فدعاه فقال :
(اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه) ، فقلت : ذهب بها أبو عبيدة .

[URL]http://www.quicklook4u.com/gallery/data/thumbnails/22/28.gif[/URL]

ولم يكن أبو عبيدة أميناً فحسب ، وإنما كان يجمع القوة إلى الأمانة ، وقد برزت هذه القوة في أكثر من موطن :
برزت يوم بعث الرسول (:ص:) جماعة من أصحابه ليقتلوا عيراً (11) لقريش ، وأمر عليهم أبا عبيدة رضي الله عنهم وعنه ، وزودهم جراباً من تمر ، لم يجد لهم غيره ، فكان أبو عبيدة يعطي الرجل من أصحابه كل يوم تمرة ، فيمصها الواحد منهم كما يمص الصبي ضرع أمه ، ثم يشرب عليها ماء ، فكانت تكفيه يومه إلى الليل .

[URL]http://www.quicklook4u.com/gallery/data/thumbnails/22/28.gif[/URL]

وفي يوم أحد حين هزم المسلمون وطفق صائح المشركين ينادي :
دلوني على محمد ... دلوني على محمد ... كان أبو عبيدة أحد النفر العشرة الذين أحاطوا بالرسول :ص: ليذودوا عنه (12) بصدورهم رماح المشركين .
فلما انتهت المعركة كان الرسول :ص: قد كسرت رباعيته (13) وشج جبينه وغارت في وجنته حلقتان من حلق درعه ، فأقبل عليه الصديق يريد انتزاعهما من وجنتيه فقال له أبو عبيدة : أقسم عليك أن تترك ذلك لي ، فتركه ، فخشي أبو عبيدة إن اقتلعهما بيديه أن يؤلم رسول الله (:ص:) ، فعض على أولاهما بثنيته (14) عضاً قوياً محكماً فاستخرجها ووقعت ثنيته ...
ثم عض على الأخرى بثنيته الثانية فاقتلعها فسقطت ثنيته الثانية ...
قال أبو بكر : (فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتماً (15) ) .

[URL]http://www.quicklook4u.com/gallery/data/thumbnails/22/28.gif[/URL]

لقد شهد أبو عبيدة مع رسول الله صلوات الله عليه المشاهد كلها منذ صحبه إلى أن وافاه اليقين (16) .
فلما كان يوم السقيفة (17) ، قال عمر لأبي عبيدة :
ابسط يدك أبايعك ، فإني سمعت رسول الله :ص: يقول :
(إن لكل أمة أميناً ، وأنت أمين هذه الأمة ) .
فقال أبو عبيدة : ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله :ص: أن يؤمنا في الصلاة فأمنا حتى مات .
ثم بويع بعد ذلك لأبي بكر الصديق ، فكان أبو عبيدة خير نصيح له في الحق ، وأكرم معوان له على الخير .
ثم عهد أبو بكر بالخلافة من بعده إلى الفاروق فدان له أبو عبيدة بالطاعة ، ولم يعصه في أمر ، إلا مرة واحدة .
فهل تدري ما الأمر الذي عصى فيه أبو عبيدة أمر خليفة المسلمين ؟!
لقد وقع ذلك حين كان أبو عبيدة بن الجراح في بلاد الشام يقود جيوش المسلمين من نصر إلى نصر حتى فتح الله على يديه الديار الشامية كلها ... فبلغ الفرات شرقاً وآسيا الصغرى شمالاً .
عند ذلك دهم بلاد الشام طاعون ما عرف الناس مثله قط يحصد الناس حصداً ...
فما كان من عمر بن الخطاب إلا أن وجه رسولاً إلى أبي عبيدة برسالة يقول فيها :
إني بدت (18) لي إليك حاجة لا غنى لي عنك فيها ، فإن أتاك كتابي ليلاً فإني أعزم عليك (19) ألا تصبح حتى تركب إلي ، وإن أتاك نهاراً فإني أعزم عليك ألا يمسي حتى تركب إلي .
فلما أخذ أبو عبيدة كتاب الفاروق قال :
قد علمت حاجة أمير المؤمنين إلي ، فهو يريد أن يستبقي من ليس بباق ، ثم كتب إليه يقول :
يا أمير المؤمنين ، إني قد عرفت حاجتك إلي ، وإني في جند من المسلمين ولا أجد بنفسي رغبة عن الذي يصيبهم (20) ...
ولا أريد فراقهم حتى يقضي الله في وفيهم أمره ...
فإذا أتاك كتابي هذا فحللني من عزمك ، وائذن لي بالبقاء .
فلما قرأ عمر الكتاب بكى حتى فاضت عيناه ، فقال له من عنده -لشدة ما رأوه من بكائه- :
أمات أبو عبيدة يا أمير المؤمنين ؟
فقال : لا ، ولكن الموت منه قريب .
ولم يكذب ظن الفاروق ، إذ ما لبث أبو عبيدة أن أصيب بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة أوصى جنده فقال :
إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير :
أقيموا الصلاة ، وصوموا شهر رمضان ، وتصدقوا ، وحجوا واعتمروا ، وتواصوا ، وانصحوا لأمرائكم ولا تغشوهم ولا تلهكم الدنيا ، فإن المرء لو عمر ألف حول ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون ...
والسلام عليكم ورحمة الله .
ثم التفت إلى معاذ بن جبل (21) وقال : يا معاذ ، صل (22) بالناس .
ثم ما لبث أن فاضت روحه الطاهرة ، فقام معاذ وقال :
أيها الناس : إنكم قد فجعتم برجل -والله- ما أعلم أني سمعت رجلاً أبر صدراً ، ولا أبعد غائلة (23) ولا أشد حباً للعاقبة ولا أنصح للعامة منه ، فترحموا عليه يرحمكم الله (24) .
ونلتقي غداً إن شاء الله تعالى في قصة جديدة لصحابي جليل اسمه أبو هريرة الدوسي.

[URL]http://files2.fatakat.com/2010/12/12927003501249.gif[/URL]

(1) جم التواضع : كثير التواضع .
(2) حزب الأمر : اشتد الأمر .
(3) يحكيه : يماثله .
(4) لم يكذبوك : لم يكذبوا عليك .
(5) انظر سيرته في ص 254 .
(6) الابتلاء : الاختبار .
(7) يتحرف عن طريقه : يتنحى عن طريقه .
(8) يتحاشى لقاءه : يتجنب لقاءه ويتوقاه .
(9) ضاق به ذرعاً : لم يستطع الصبر عليه .
(10) سورة المجادلة : الآية رقم (22) .
(11) عيراً : قافلة .
(12) ليذودوا عنه : ليدافعوا عنه .
(13) الرباعية : السن التي بين الثنية والناب .
(14) الثنية : وجمعها ثنايا وهي أسنان مقدم الفم .
(15) الأهتم : من انكسرت ثنيتاه .
(16) وافاه اليقين : جاءه الموت .
(17) يوم السقيفة : المراد به يوم بيعة أبي بكر رضي الله عنه ، فقد تمت بيعته في سقيفة بني ساعدة .
(18) بدت : ظهرت .
(19) أعزم عليك : أطلب منك بإلحاح وقوة ، وأقسم عليك .
(20) لا أجد بنفسي رغبة عن الذي يصيبهم : أي لا أرغب في أن أحفظ نفسي مما يصيبهم .
(21) انظر سيرته ص 497 .
(22) صل بالناس : كن إماماً لهم .
(23) الغائلة : وجمعها الغوائل وهي الشر والحقد الباطن .
(24) للاستزادة من أخبار أبي عبيدة بن الجراح انظر :
1- طبقات ابن سعد (انظر الفهارس) .
2- الإصابة الترجمة : 4400 .
3- الاستيعاب 3 / 2 (طبعة السعادة) .
4- حلية الأولياء : 1 / 100 .
5- البدء والتاريخ : 5 / 87 .
6- ابن عساكر : 7 157 .
7- صفة الصفوة : 1 / 142 .
8- أشهر مشاهير الإسلام : 504 .
9- تاريخ الخميس : 2 / 244 .
10- الرياض النضرة : 307 .[/CENTER]

مجاهد 2011-08-20 05:43 PM

[CENTER][SIZE="5"][URL="http://www.alsonah.org/vb/showthread.php?t=24636"]المسلسل الرمضاني صور من حياة السلف - فهرس الحلقات[/URL]
[/SIZE][/CENTER]


الساعة الآن »06:18 PM.

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2025 Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة - فقط - لأهل السنة والجماعة