منتدى السنة للحوار العربى - وقفة مع حديث (( لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن ))

السلام عليكم و رحمة الله

الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على النبي المصطفى و على اله و صحبه و من اقتفى
نقف اليوم مع حديث من احاديث رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ ، فعن أبي هريرة أن رسول الله _ صل الله عليه وسلم _ : قال (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن ))1

و احتج بهذا الحديث ، الخوارج و المعتزلة ، على خروج مرتكب الكبيرة من الاسلام و خلوده في النار ، و احتجت به الجهمية و الجبرية ، على ان ايمان الفاسق ثابت ، لا يزيد و لا ينقص ، و ان ايمان الفساق كايمان الشيخين _ رضي الله عنها _ .
و اما اهل التحصيل و التحقيق ، اهل السنة و الجامعة ، فكانوا وسطا بين طرفي النقيض ، و لهم قولان ، نقلهما شيخ الاسلام في رسالته (2) ، حيث قال : " و يقولون _ اي اهل السنة _ ان الايمان يتفاضل ، و ليس ايمان من نفى الشارع عنه ايمان كايمان ابي بكر و عمر _ رضي الله عنهمها _ ، و منهم من ينفي عنه اطلاق الاسم ( اي اسم الايمان ) ، و يقول : خرج من الايمان الى الاسلام " (3) انتهى
و في تحقيق ماتع بين شيخ الاسلام(4) _ رحمه الله _ ان نفي الايمان في الحديث على من زنى و سرق ....، كان نفيا للايمان المطلق و ليس نفيا لمطلق الايمان ، فالاول هو ما يشمل فعل المستحبات وترك المكروهات ، و هو الايمان الكامل ، و نفيه عن المسلم لا يخرجه من الاسلام ، و الثاني هو اصل الايمان و فيكون صاحبه على ايمان ثابت في الاصل مع فعله للمعاصي و انغماسه في المباحات ، و هذا اذا نفي عن صاحبه يخرج من الملة .
و دليله هو قوله تعالى (( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) الحجرات 14 . فهنا نفى عن الاعراب الايمان المطلق و ليس مطلق الايمان ، و تحت هذه المعاني يندرج الحديث .

و نحن هنا نضيف شيئا في البيان ، من باب اكثار الحجج في الانتصار لمذهب السلف ، حيث قال الاديب الاريب عبد الله بن المفع _ رحمه الله _ : " أَنَّ الْعَاقِلَ يَنْظُرُ فِيمَا يُؤْذِيهِ وَفِيمَا يَسُرُّهُ، فَيَعْلَمَ أَنَّ أَحَقَّ ذَلِكَ بِالطَّلَبِ إِنْ كَانَ مِمَّا يُحِبُّ، وَأَحَقَّهُ بِالاتِقَاءِ إِنْ كَانَ مِمَّا يَكْرُهُ، أَطْوَلُهُ وَأَدْوَمُهُ وَأَبْقَاهُ؛ فَإِذَا هُوَ قَدْ أَبْصَرَ فَضْلَ الآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا، وَفَضْلَ سُرُورِ الْمُرُوءَةِ عَلَى لَذَّةِ الْهَوَى، وَفَضْلَ الرَّأْيِ الْجَامِعِ الْعَامِّ الَّذِي تَصْلُحُ بِهِ الْأَنْفُسُ وَالْأَعْقَابُ عَلَى حَاضِرِ الرَّأْيِ الَّذِي يُسْتَمْتَعُ بِهِ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ (4)، وَفَضْلَ الْأَكَلاَتِ عَلَى الْأَكْلَةِ، وَالسَّاعَاتِ عَلَى السَّاعَةِ " (5)
و اذا ابصر العاقل و علم فضل الاخرة على الدنيا ، و فضل سرور المروءة على لذة الهوى ، و فضل الراي الجامع العام الذي تصلح به الانفس و الاعقاب على حاضر الراي الذي يستمتع به قليلا ثم يضمحل .... ، فاذا علم العاقل هذا ثم عمل بخلافه ، ففضل الدنيا على الاخرة ، و فضل لذة الشهوة على سرور المروءة ، فقد عمل بغير ما يقتضيه ما عقله و ابصره و امعن النظر فيه ، فلا يحسب في تلك اللحظة ، التي عمل فيها بخلاف ما عقله و علمه و ابصره و امعن النظر فيه ، من العقلاء و اولي الالباب ، لانه عمل بخلاف ما يعلم ، مع انه في الاصل من العقلاء ، لانه لا يعرف احدهم احد هذه الامور و يميز خيرها من شرها ، الا وكان عاقلا ، و كذلك القول في المؤمن الذي علم ان الزنى و السرق و غيرهما من الكبائر حرام ، ثم اتاها ، فسيكون عمل بغير ما علم ، فلا يكون مؤمنا في تلك اللحظة التي اتى فيها الفاحشة ، و الله اعلم .
و ما يقوي ما زدناه من بيان قوله _ صل الله عليه و سلم _ (( إذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَادَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ ))(6)
فيتبين ان خروجه من الايمان لم يكن خروجا مطلقا ، و انما هو خروج لحظة و ساعة وقوع الفعل المنهي عنه ، ليعود اليه ايمانه بعد ذلك.
هذا و اقول ان هذا التفصيل هو خاص بهذا الحديث ، و ليس له علاقة بحالات اخرى ، فلكل مقام مقال .
**************
(1) البخاري ، كتاب الحدود ، باب لا يشرب الخمر ، رقم 6390
(2) عنوانها : شرح حديث لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن
(3)كتاب : شرح حديث لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن ص 25
(4) انظر من ص 27
(5) الادب الصغير ص 26
(6) جامع الترمذي ، كتاب الايمان ، رقم الحديث 2567

كتب السبت 13 جمادى الثانية 1439 ( 03/03/2018)