,*, السلام عليكم ورحمة الله ,*,
لنبدا على بركة الله تعالى ,
فاستمعوا جيدا وانصتوا ,*,وخذوا العبرة والعظة عسى اللهان يصلح حالنا جميعا ,*,
أناس كثر نراهم في هذهالحياة..لا نرى سوى أقنعة وجوههمالجميلة..
ثم ما نلبث أن نصدم بحقيقةقبحهم..وآخرون.. على العكستماماً..
تنضح أرواحهم الجميلة من أعينهم.. رغمالأقنعة..رغم الألم
ولا حول ولا قوة إلا باله
كان يوماً عادياً من أيامدراستي في المعهد..حين رأيتها تدخل علينا على استحياء فيالقاعة..
- عفواً أستاذة لمياء.. أناالطالبة الجديدة في هذه الدورة.. أروى عبد الله.. هل يمكننيالدخول؟
نظر إليها الجميع باستغراب..الطالبات.. المدرسة.. الكليتفرس في وجهها الغريب..
لكن كان من الواضح.. أنها كانت مستعدةلهكذانظرات..
ابتلعت المعلمة ريقهابصعوبة وقالت هي تحاول أن تتماسك وتخفي نظرة استغرابها أو تخوفها المفاجئ..
- حسناً.. تفضلي يا أروى
بقينا ننظر بغباء وكأننا نريد أن نشفيغليلنا من شيء ما.. نتفرس في الوجه المشوهالغريب..
كانت تسير بهدوء وثقة.. بينما أخذتالفتيات يبتعدن بكراسيهن المتحركة عن طريقها.. وكأنهن يشعرن بشيء من خوف أو ريبة من هذه الإنسانةالمسكينة..وقفت تبحث عنمكان تجلسفيه
كانت معظم الأماكن مليئة.. لا يوجد سوى مقعدين فارغين فقط..حين اقتربت من شيماء لتجلسقربها.. قالت بسرعة.. وعلى وجهها ملامح غريبة تجمع الشعوربالتقزز مع الشفقة مع الخوف مع أشياءأخرى..
- هذا الجهازمعطل.!كنا نعلم أن الجهاز يعمل.. لكنناسكتنا..علمت أنها شعرت بأنها غير مرحببها..
شعرت بنسمة إنسانية تمر على قلبي.. ضغطتعلى نفسي ودعوتها لتجلس قربي.. هذا المكانفارغ.. تفضلي..
أتت بهدوء.. وحيناقتربت.. شعرت أكثر بمدى غرابة وجهها..
لكني حاولت تركيز نظري علىالجهاز حتى لا أنظر إليها..في البداية كنت حين ألتفتفجأة لأنظر إليها.. أشعر بشيء من الخوف..كانت بلا أنف تقريباً.. وبلا شفتين..وعيناها بالكاد تظهران منفتحتين صغيرتين.. مع تجعدات كثيرة على جوانب وجهها..وحين انتهى اليوم.. خرجت بهدوءوحدها..
فبدأت همهمات البنات وأصواتهنالحادة..
يا الله.. مسكييييينة.. !يا حرااام...
لكن الأمر لم يتوقف عند هذاالحد..إذبدأ البعض بإبداء مشاعر التقزز والخوف منها..
قالتإحداهن.. صراحة شكلها يخوف.. خفت منهامرة.. فعلاً أنا بصراحة لا أستطيع التحمل.. أنا لم أدفع ماليلحضور دورة مع هكذا أناس..!
سبحانالله! قلت في نفسي.. ألهذه الدرجة نتجرد منإنسانيتناأحياناًكانت تحاول دائماً أن تخفي وجهها عنا فتلفت إلى أحدالجانبين..
وكنت أحاول بدوري أن أعود نفسي على النظرإليها، حتى أتخلص من شعور الصدمة الذييباغتنيكلما التفت نحوها..
انسحبت شذى من الدورة فهيكما تقول لم تستطع الجلوس في المكان فقد كانت تشعر (بالخوف) والرغبة في البكاء كلما نظرت إليأروى..
وعرفت كيف أن أقسى الناس قلوباً هم منيدعون أنهم الأكثر (رقة) وحساسية أحياناً..
البقية لم يوضحوا أي مشاعر،لكن تصرفاتهم كانت جامدة جداً وحذرة مع المسكينة.. وأحياناً كانوا يتفرسون في وجهها حين تتكلم بشكلواضح..
أما أنا فحاولت أن أكون طبيعية قدرالإمكان معها..ويوماً بعد يوم بدأت أعرف الروح الجميلة التي فيداخلها..كانت أروى فنانة في الرسم..وحين أبديت لها بعضالاهتمام..
وجدتها تحضر لي بعض رسوماتهاالرائعة.. والتي وقفت مبهورة أمام جمالها وألوانهاالرائعة التي تكادتنضح بالحياة... يااااااا الله وسبحان ان الله ان اخد شيئا منه عوضه خير منهكل هذا الجمال في داخلها؟ سألت نفسي.. سبحان الله..كانت دقيقة في عملها.. مرتبة..وكانت أسرعنا تعلماً.. وأكثرنا مهارة فيالحاسب..وذات يوم سألتها..في أي مرحلة دراسية أنت ياأروى..؟
- أنا؟ضحكت ثمقالت..- ستفاجئين!
- لماذا..
- لا زلت أدرس في الصف الثالث المتوسط..مسائي..
سكتت.. فقد كانت بالفعل تبدوعلى الأقل في المرحلة الجامعية..لكنها قطعت تعجبيوقالت..
- تركت الدراسة لمدة سبع سنوات بعد الحادث الذي شوهوجهي..
شعرت بالرهبة لأنها بدأتلأول مرة تتحدث عن هذا الأمر..م أعرف ماذا أقول.. لكنيابتسمت وأبديت اهتمامي.. فأخذت توضح..
كنتقد أنهيت الصف الثاني المتوسط.. وفي أول أيام العطلةالصيفية.. حدث حريق كبير في بيتنا.. وكنت وحدي في غرفتي.. محاطةبالنيران..)
ابتلعت ريقها وقالت وهي تشير لوجهها وتتحاشى النظرإلي..
(طبعاً احترق ثلاثة أرباع جسمي.. بل إنهم حين أخرجوني لميكن لي وجه..!
ابتسمت وكأنها قالت نكتة.. لتحاولأن تخفف من الشعور بالألمالذي بداخلي وجهي..)كانت تمسك بفأرة الحاسبوتحاول أن تشغل نفسها بفتح بعض الملفات وهي تتحدث ..
(مكثت ثلاثسنوات وأناتحت أيدي جراحي التجميل.. أتحملا الآلام المبرحة.. القاتلة لكي تظهر لي معالم وجه..! وبعد جهد جهيد.. ظهر هذا الوجه.. ولله الحمد.. أفضل من لاشيء!!)
الحقيقة استغربت من قوتها.. وكيفتتحدث عن الأمر بشكل عادي.. شعرت بإعجاب شديد بشخصيتها..(
في السنوات الثلاث الأولى كان تفكيري ودعائي منصباً على أنيرحمني الله بالموت.. وأتخلص من الألم القاتل.. ألم الحروق.. وألم فقدانوجهيالذي كان جميلاً.. وألم فقدان قدرتي على الذوق والبلعبسهولة.. على التحسسبأصابعي.. ألم فقدانيلأنوثتي).
تنهدتوهي تبتسم بمرارة..
(فيما بعد.. بدأت أقتنع شيئاً فشيئاً أن هذاابتلاء من الله.. وصبرت واحتسبت.. لكن الألم الأشد الذي بدأ يواجهني.. هو.. مواجهة الناس..
إنه أشد الآلام فتكاً يانورة.. ألم لا تتصورينه.. ألم يحرقني أكثر مما أحرقتنا النار نفسها.. نظراتهم.. شفقتهم.. تقززهم.. أو استهزاءهمأحياناً..تخيلي أن تصرخ فتاة وتقوللزميلتها..
"انظري انظري! المسكينة.. انظري إلى وجهها كيف يبدو..!"وبصوت تعلم جيداً أنه يصللمسمعي..)
شعرت بالخجلالشديد أثناء حديثها.. لأن هذا هو ما يحدث بالفعل للأسفالشديد:
(انطويت في بيتي سبع سنوات كاملة.. لم أكن أريدأن أخرج لأحد أو أن يرانيأحد..حتى بنات عمي لم أكن أشعربالراحة من رؤيتهن لي وهمساتهن الواضحة بعد قيامي..
كنت كمن ينتظر الموتالبطيء..فقط أصلي وأقرأ القرآن.. وأشغل وقتي بأي شيء..
لكن شاء الله أن تتوفىأمي.. رحمها الله.. وهي التي كانت تسندني وتدعمني وتشدمنأزري..
توفت وأنا في أشد الحاجةإليها..
فهي التي تغدق علي بالحنان.. وتواسينيوتذكرني برحمة الله.. وهي التي كانت توفرلي ماأحتاجه..
شعرت بصدمة قوية بعدفراقها..
أصبحت الدنيا أكثرألماً..و انعزلت أكثر في غرفتي فترةأبكي)..
تنهدت بألم وبدا عليها التأثر وأكملتحديثها وكأنها لأول مرة تتحدث هكذا:
(بعد وفاتها بفترة.. عرفت أن علي أن أتحرك.. أن أفعل شيئاً.. أن أنفض غبار اليأس والحزن عني.. فالعزلة لنتنفعني..
ربما كانت أمي توفر لي حاجزاً يحميني من الناس..لكن بعد أن فقدتها كانعلي أنا أن أواجه الناس بشكل أوبآخر..
دعوت الله كثيراً أن يثبتني ويمنحنيالقوة..وبدأت بالخروج شيئاً فشيئاً..عدت بصعوبة لمقاعدالدراسة..
وبدأت أتعود على نظرات الحمقىوالقساة..أحاول أن أعزي نفسي بأن هذاقضاء الله وقدره.. وعلي أن أرضا به.. والحمد لله..إذا كان الله قد أخذ وجهيفي الدنيا فأسأل الله أن يمنحني وجهاً خيراً منه في الآخرة..وإذاكان الله قد أذاقني ألم نار الدنيا فأسأل الله عز وجل أن يقيني نارالآخرة ...آمـــــــين
كنت مبهورة بقصتها وبكلامها فقلتبهدوء..
- (ياااه.. ما شاء الله عليك..!)
- (الدنيا لا تستحق أن نحزن عليها يا نورة.. والله لا تستحق.. هذا ماتعلمته..فلاشيء باق.. جمالك قد يذهب في أي لحظة.. وحياتككذلك..الأهم.. هو.. مصيرنا في الآخرة..)
شعرت بأني صغيرة أمام حكمتها.. قوتها.. جمال روحها.. وإيمانها.. اللهم ارزقنا الحكمة لحسن التصرف
ولأول مرة رأيت بالفعل وجهاً آخرلأروى..وجهاً جميلاً.. رائعاً.. مشرقاً.
لا إله الا انت سبحانك إنى كنت منالظالمين
اللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيمسلطانك