وقد أنشد فيه ابن المبارك أبيات عظيمة نقلها عنه الصفدي في كتابه "الوافي بالوفيات" يقول فيها كلامًا رائعًا:
رأيتُ أبا حنيفةَ كلَّ يومٍ ... يَزيدُ نَبالةً ويزيد خُبرا
ويَنطِقُ بالصَواب ويَصطَفيه ... إذا ما قال أهل الهُجر هُجرا
رأيتُ أبا حنيفة حين يُؤتَى ... ويُطلَبُ عِلمُه بَحرا غَزيرا
يقايس من يقايسه بلُبٍّ ... فمن ذا تجعلونَ له نظيرا
كفانا فَقد حمادٍ وكانت ... مُصيبتُنا به أمراً كبيرا
فردّ شماتة الأعداء عنّا ... وأبدَى بعده علماً كثيرا
إذا ما المشكلات تدافَعَتها ... رجال العلم كان بها بصيرا
محنته ثم وفاته:
ذكر ابن الأهدل أن أبا جعفر المنصور نقله إلى بغداد؛ ليوليه القضاء فأبى، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل، فأمر بحبسه، وقيل أنه كان يرسل إليه في الحبس: (أنك إن أحببت وقبلت ما طلبت منك لأخرجنك من الحبس ولأكرمنك)،
فأبى، فأمر بأن يخرج كل يوم فيضرب عشرة أسواط، فكان يخرج به كل يوم، فيضرب فأكثر الدعاء، فلم يلبث إلا يسيرًا، حتى مات في الحبس مبطونًا سنه 150 هجرية، فأخرجت جنازته، وكثر بكاء الناس عليه، وصلى عليه خمسون ألفًا في مقابر الخيزران في بغداد.
فلله دره من إمام عظيم، ويكفي في الختام أن نذكر وصف أحد تلامذته وهو أبو يوسف حين سأله هارون الرشيد رحمه الله عن خلال أبي حنيفة فقال: (شديد الذب عن محارم الله أن تؤتى، وشديد الورع أن ينطق في دين الله بما لا يعلم، يحب أن يطاع الله ولا يُعصى، طويل الصمت دائم الفكر، على علم واسع، لم يكن مهدارًا ولا ثرثارًا، إن سُئل عن مسألة كان عنده فيها علم نطق به وأجاب فيها بما سمع، وإن كان غير ذلك قاس على الحق واتبعه، صائنًا لنفسه ودينه، بذولًا للعلم والمال، مستغنيًا بنفسه عن جميع الناس، لا يميل إلى طمع، بعيد الغيبة لا يذكر أحد إلا بخير) [مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة، المكي، ص(206)].
أهم المراجع:
1.سير أعلام النبلاء، الذهبي.
2.تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي.
3.مناقب الإمام العظيم أبي حنيفة، المكي.
4.الوافي بالوفيات، الصفدي.
5.وفيات الأعيان، ابن خلكان.
6.الطبقات السنية في تراجم الحنفية، التقي الغزي.
7.محاضرات في تاريخ المذاهب الفقهية، د.محمد أبو زهرة.
8.تاريخ الإسلام، الذهبي.
المصدر لواء الشريعة