المطلب الثاني:
مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي
<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون للناس هدايةً في جميع شؤون الحياة الخاصّة والعامّة، وليبيّن لهم ما ينفعهم ويرجون خيره في دنياهم وأخراهم، قال تعالى: (( الـر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ )) (إبراهيم:1). <o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وقال سبحانه: (( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ))(النحل:89).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وقد تلقّى الصحابة القرآن الكريم مشافهة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بكتابته، ثم نُقِل كذلك نقلاً متواتراً في العصور التالية.
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
ومن هنا كان المسلمون في حاجة إلى معرفة كتاب الله تعالى، والعلم بأحكامه وتشريعاته وما فيه من التوجيهات والآداب.
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
ونظراً لذلك، فقد اتفـق المسلمون قديماً وحديثاً على أنّ سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي المصدر الثاني في التشريع الإسلامي الذي لا غنى لكل مسلم ومسلمة عنها([1]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
يقول الشوكاني رحمه الله: ((إنّ ثبوت حجيّة السّنّة المطهّرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظّ له في الإسلام)) ([2]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
فالسنة بهذا الاعتبار هي ((أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم الذي هو كلام الله رب العالمين، منـزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود)) ([3]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
والنصوص الموضِّحة لذلك عديدة ومتنوّعة من الكتاب والسنة وإجماع السلف.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
فمن الكتاب الكريم:<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
قوله تعالى: (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى )) (النجم:3-4).<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وقوله تعالى : (( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) (النحل:44).<o:p></o:p>
وقال سبحانه: (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ))(الحشر:7).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وقال سبحانه: ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) (النساء:65).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وقال جل شأنه: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )) (الأحزاب:21).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة: هذه الآية الكريمة أصلٌ كبير في التأسِّي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأحواله([4]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وأمّا النصوص من السنّة فهي عديدة، ومنها:<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
ما رواه أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ألفينّ أحدكم متّكئاً على أريكته يأتيه أمرٌ مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)) ([5]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وعن المقدام بن معديكرب أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا إنّي أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه، ألا وإنّ ما حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حرَّم الله)) ([6]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وعن العرباض بن سارية أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشيّاً، فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين، تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) ([7]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وأمّا أقوال السلف فعديدة وأكثر من أن تحصى ومنها:<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
قول حسّان بن عطيّة: ((كان جبريل ينـزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسّنّة كما ينـزل عليه بالقرآن)) ([8]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وعن الأوزاعي قال: قال أيوب السختياني: ((إذا حدّثت الرجل بالسنّة فقال: دعنا من هذا وحدثنا من القرآن، فاعلم أنّه ضالّ)) ([9]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وقال الأوزاعي، ومكحول، ويحيى بن كثير وغيرهم: ((القرآن أحوج إلى السنّة من السنّة إلى الكتاب، والسنّة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب قاضياً على السنّة)) ([10]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وقال الفضل بن زياد: ((سمعتُ أبا عبد الله – يعني أحمد بن حنبل – وسئل عن الحديث الذي روي أنّ السنة قاضية على الكتاب، فقال: ما أجسر على هذا أن أقوله، ولكن السنّة تفسّر الكتاب، وتعرِّف الكتاب وتبيِّنه)) ([11]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وقال الحافظ ابن عبد البر: ((البيان منه - صلى الله عليه وسلم - على ضربين: الأول: بيان المجمل في الكتاب العزيز كالصلوات الخمس في مواقيتها، وسجودها، وركوعها وسائر أحكامها، وكبيانه للزكاة وحدها ووقتها وما الذي تؤخذ منه الأموال، وبيان مناسك الحج…
الثاني: زيادة على حكم الكتاب كتحريم نكاح المرأة على عمّتها وخالتها، وكتحريم الحُمُر الأهليّة، وكل ذي ناب من السِّباع إلى أشياء يطول ذكرها…)) ([12]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
ومن مجموع النصوص السابقة يتضح لنا بجلاء أنّ السنّة ((مصدر تشريعي مهمّ لا بد منه وأنّها صنو الكتاب – العزيز – تسايره في الأحكام والتشريع على السواء، وأنّها لا يمكن الاستغناء عنها، ولا يمكن فصل السنّة عن الكتاب بحال من الأحوال)) ([13]).
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
ويؤكِّد ذلك كلّه قول الإمام الشافعي رحمه الله: ((فكلّ من قَبِلَ عن الله فرائضه ، قَبِلَ عن رسول الله سنّته، بفرض الله طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خلقه، وأن ينتهوا إلى حكمه، ومن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن الله قبل، لما افترض الله من طاعته)) ([14]).<o:p></o:p>
<HR align=left width="33%" SIZE=1>
([1]) انظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي ص (49). <o:p></o:p>
([2]) إرشاد الفحول للشوكاني ص (29). <o:p></o:p>
([3]) تدوين السنة النبوية، د. محمد مطر الزهراني ص (19). <o:p></o:p>
([4]) تفسير ابن كثير ص (1487). <o:p></o:p>
([5]) رواه أبو داود في سننه (5/12) كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم الحديث (4605)، ورواه الترمـذي في سننه (5/37) كتاب العلـم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم الحديث (2663)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. <o:p></o:p>
([6]) رواه أبو داود في سننه (5/10) كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم (4604)، ورواه الترمذي في سننه (5/38) كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم الحديث (2664)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. <o:p></o:p>
([7]) رواه أبو داود في سننه (5/13) كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم (4607)، ورواه الترمذي في سننه (5/44) كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم الحديث (2676)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.<o:p></o:p>
([8]) رواه الدارمي في السنن (1/177) المقدمة، باب السنة قاضية على كتاب الله، رقم (594)، والخطيب في الكفاية ص (48)، وابن عبد البر في الجامع (1/191). <o:p></o:p>
([9]) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث، ص (65)، والخطيب في الكفاية ص (49). <o:p></o:p>
([10]) رواه الدارمي في السنن (1/177)، المقدمة، باب السنة قاضية على كتاب الله، رقم (593). <o:p></o:p>
([11]) أخرجه الخطيب في الكفاية ص (47)، وابن عبد البر في الجامع (2/191). <o:p></o:p>
([12]) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/190). <o:p></o:p>
([13]) السنّة في مواجهة الأباطيل، محمد طاهر حكيم ص (15). <o:p></o:p>
([14]) الرسالة للإمام الشافعي ص (33). <o:p></o:p>