بخصوص قوله أن الأصل فى العادت هو الحل والإباحة : فهذا شئ لا خلاف عليه بيننا وبينه ، ولكن الخطأ الذى وقع فيه هو اعتباره أن المطاهرات الشعبية هى من قبيل العادات. وهنا نقول :
أن العادات تخرج من حكم الحل وافباحة إلى حكم آخر إذا جاء بشأنها نص.
مثال : الطعام والشراب الأصل فيه أنه من العادت وهو حلال مباح. ولكن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر تحول إلى الحرمة ووجوب الترك بعد ورود النص الموجب لهذا.
ولقد تواترت الأدلة على حرمة المظاهرات الشعبية فى القرآن والسنة على السواء وسوف أجمع بعض الأدلة التى سيسرها الله لى فى الآتى :
أولاً : الأدلة القرآنية على تحريم المظاهرات الشعبية :
1- قوله تعالى فى سورة آل عمران : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ). [ آل عمران : 103 ]
وجه الاستدلال من الآية :
1. يأمرنا سبحانه بفعل الأمر ( اعتصموا ) والفعل الأمر - فى الأصل - يفيد الوجوب ، يأمرنا سبحانه أن نعتصم بحبل الله.
2. يأمرنا سبحانه ألا نتفرق. والأمر هنا عام ولم يخصص بشئ معين بل أطلقه ليشمل كل أنواع التفرق. فكل تفرق إذن محرم.
3. نتأمل قوله سبحانه ( جميعاً ) الذى يفيد أن الأمر يكون لجميع الأمة وليس للحكام دون المحكومين ،ولا للمحكومين دون الحكام ، بل الأمر بعدم التفرق يشمل الحكام والمحكومين ، ولاشك أن المظاهرات والخروج على الحكام يناقض هذه الآية الكريمة.
2- قوله تعالى فى سورة الأنفال : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) ) .
وجه الاستدلال من الآية :
1. ينهانا الله سبحانه عن التنازع ،والنه هنا عام كذلك غير مقيض بنزاع فى مسألة ما.
2. جاءت الآية بسياق النهى ،وثابت عند البلاغيين أن النهى أقوى دلالة من الأمر.
3. يكرّهنا سبحانه فى التفرق والنزاع بأن بيّن لنا مغبة التنازع وهو الفشل وذهاب القوة والريح ، وهنا نجد أن المولى سبحانه بين لنا الحكمة من وجوب ترك التنازع ، وهذا شئ تفردت به هذه الآية الكريمة ، حيث نجد أن الكثير من المحرمات التى فصلها لنا القرآن لم يبين فيها حكمة التحريم أو العلة منه ، ولكن هذه الآية فصل الله سبحانه الحكمة من التحريم تأكيداً على أهمية اتباع هذا الأمر.
4. نتأمل قوله سبحانه فى نفس هذه الآية : ( واصبروا إن الله مع الصابرين ) وهو تزكية للصبر على الحكام ولو كانوا جائرين ، ثم بين الله سبحانه أنه مع الصابرين وهذا اعظم أجر يناله كل من يصبر على الجور والظلم ، ولا يقابله بشئ نهى عنه الشرع.
3- قوله تعالى فى سورة النساء : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) ).
وجه الاستدلال من الآية :
1. يأمرنا سبحانه بطاعة أولى الأمر منا ، والطاعة هنا عامة فيما نحب ونكره كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسوف يأتى فى أدلة السنة. والخروج فى المظاهرات لاشك أنه يخالف أوامر أولى الأمر. فمن فعله فهو مخالف لقول الله سبحانه بنص هذه الآية.
2. يأمرنا ربنا عند الخلاف بين الحاكم والمحكوم أن نرد الأمر لله وللرسول ، فلا نحكم العوام من الناس ولا الطغمة الدهماء التى تنقاد وراء كل ناعق. وفى هؤلاء يقول ربنا سبحانه : ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [ الأنعام : 116 ]
3. يصدّر ربنا سبحانه الآية بنداء جميل : ( يأيها الذين آمنوا ) ليبين أن طاعة الله وطاعة رسوله وأولى الأمر من علامات المؤمنين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر.
4. ذكر الإيمان باليوم الآخر فى ختام الآية فيه إشارة عظيمة جداً مفادها أن يقول للمؤمنين : إن وقع عليكم ظلم من قبل الحكام وأولى الأمر فإن الله سبحانه سيفصل بينكم وبينهم يوم القيامة ، ولكن ليس عليكم فى الدنيا إلا طاعتهم بالمعروف والصبر عليهم.
هذا ما يسره الله لى من أدلة القرآن الكريم على حرمة المظاهرات ويليها أدلة السنة بإذن الله.