الموضوع
:
تحذير العلماء السلفيين من الخوض في مسألة جنس العمل وهل العمل شرط كمال أو شرط صحة في الإيمان
عرض مشاركة واحدة
#
3
2013-02-06, 08:48 PM
الاسيف
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
تاريخ التسجيل: 2010-07-17
المشاركات: 380
) التهوين من عمل القلب وأثره في الكفر والإيمان أو قصر النظر إلى عمل الجوارح والعكس.
قلتُ: في الوقت الذي يهوِّن البعض من عمل القلب وأثره في كفر صاحبه وإيمانه بذريعة أنَّ العبرة بالظاهر والله يتولَّى السرائر، يهوِّن البعض الآخر من عمل الجوارح في الكفر والإيمان بذريعة أنَّ الأحكام مبنية على النيَّات والمقاصد.
والواجب التوسِّط في ذلك: فمن أعمال الجوارح ما قد يدلُّ على كفر صاحبها يقيناً كدوس المصحف أو التكلُّم بكلمة الكفر من غير إكراه عالماً بما يتكلَّم قاصداً لِما يقول، فمن تكلَّم بكلمة الكفر أو ارتكب مكفِّراً بتلك الشروط كفر وإنْ لم يقصد الكفر والردة عن الإسلام
؛ لأنه لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله
.
فقصد القلب الذي يُعتبر في التكفير هو إرادة القول أو الفعل وليس المراد به إرادة الكفر؛ فإنَّ هذا ليس بمانع من التكفير، بدليل كفر المستهزىء الذي يتمازح بالكفر على سبيل اللعب والضحك لا على سبيل الكفر والردة، بينما لا يكفر الغاضب الذي بلغ به الغضب ما بلغ بنبي الله موسى عليه السلام حين ألقى الألواح، فالممازح قاصد لما يقول أو يفعل مع أنَّه قد يكون غير قاصد للردة، بينما الغاضب غير قاصد لما يقول أو يفعل أصلاً
، فتنبَّه لهذا الفرق.
15) التشكيك في الخلاف الواقع بين السلف في تارك الصلاة، وإحياء الخلاف بينهم في باقي المباني الأربعة.
قلتُ: الكثير ممن خاض في مسألة كفر تارك الصلاة أو في مسألة جنس العمل أصبح يُشكِّك في خلاف السلف في تارك الصلاة ولعلَّ ذلك مبني على النقول عن بعض أئمة السلف وعلماء الدعوة في إثبات الإجماع عن الصحابة في كفر تارك الصلاة؛ ولو كان هذا الإجماع ثابتاً حقاً لوجب أن يُفهم محله
وهو الامتناع لا الترك المجرد،
وإلا لزم منه تضليل من خالف الإجماع ممن لم يُكفِّر تارك الصلاة وهم جمع من أئمة السلف معروفين، فنقل الإجماع دون بيان موضعه إيهام يُورث التشكيك
في الخلاف الواقع بين السلف في تارك الصلاة، بينما هو خلاف مشهور ثابت، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى يسعى البعض جاهداً لإحياء الخلاف في باقي المباني الأربعة لا من أجل ما تبيَّن له من أدلة وإنما لمجرد كونها من أعمال الجوارح وأنَّ عمل الجوارح شرط في صحة الإيمان، بل هي من أعظم الأعمال فكيف لا يكفر تاركها؟!؛ هكذا أصبح محل الخلاف عندهم!!، وهكذا أصبحت طريقة الاستدلال في نظرهم!!.
16) ربط مسألة كفر مَنْ يحكم بالقوانين الوضعية بمسألة كفر تارك جنس العمل.
العجيب أنَّه في الوقت الذي أُثير الخلاف في مسألة جنس العمل أُثير معه الخلاف في كفر من يحكم بالقوانين الوضعية وهذا أمر معلوم؛ وهو يؤكِّد ويوضح المقصد الأصلي من إثارة الكلام في جنس العمل؛ وهو: كفر مَنْ لم يحكم بشيء مما أنزل الله تعالى، لأنَّ ذلك فرع من مسألة: كفر مَنْ لم يعمل شيئاً بجوارحه، وكما أنَّ الكلام في أعمال الجوارح انقسم إلى جنس وآحاد، فكذلك الكلام في الحكم بغير ما أنزل الله انقسم إلى ترك وتبديل، ولا ندري لعلَّ الخلاف في فاعل الكبيرة ينقسم كذلك إلى الفعل والإصرار!!، بل لقد فاح شيء من ذلك في كلام البعض، وبهذا فلا يحتاج الأمر إلى تعليق؛ فكلَّما أراد أحد أن يُخالِف عقيدة السلف في شيء أحدث تقسيماً، فإن أنكر البعض عليه قولَه وأنَّ ذلك خلاف عقيدة السلف؛ قال: السلف تكلَّموا في صورة ونحن نتكلَّم في صورة أُخرى فلا بدَّ من التقسيم خشية الالتباس أو للتفريق بين عقيدة السلف من جهة وعقيدة الخوارج والمرجئة من جهة أخرى!!.
كأنْ يأتي أحد فيقول: فاعل الكبائر كافر؛ فإنْ قيل له: لكنَّ السلف لم يُكفِّروا فاعل الكبيرة وإنما هذه عقيدة الخوارج، قال: السلف تكلَّموا عن فاعل الكبيرة أو فاعل بعض الكبائر أما أن يفعل كلَّ الكبائر فلا خلاف بين السلف في كفره!!؛ ثم يُواصل فيقول: ففعل الكبائر كلها يدل على انتفاء إيمان القلب؛ وذلك للتلازم بين إيمان القلب وأعمال الجوارح وإلا وقعنا في مذهب الإرجاء الذين يؤخِّرون العمل عن الإيمان ويقولون لا يضر مع الإيمان معصية!!، هكذا يستدل وبمثل هذا الكلام يقول، ثم يلج في الخلاف من لا يعرف حقيقته ولم ترسخ قدمه في مسائل الإيمان والكفر، فيتنقل الخلاف الذي كان بين السلف والخوارج في فاعل الكبيرة إلى الخلاف بين المنتسبين للسلف في فاعل الكبائر!! فليُفطن لذلك.
17) تضعيف أثر ابن عباس رضي الله عنهما "كفر دون كفر" وتعميم القول في قوله تعالى: ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)).
فبعد أن كان أثر ابن عباس رضي الله عنهما "كفر دون كفر" في تفسير آية: ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) سدَّاً منيعاً في وجه شبهات التكفيريين ونوايا الخوارج؛ انخرق هذا السدُّ بعد الخوض في مسألة الجنس والآحاد، وتُكلِّم في سند الأثر وضعَّفه البعض تشهياً لنوايا في نفسه
وليس
تحقيقاً
للحديث
ولا تقليداً
لأحد أئمة الحديث
، فرجع الخلافُ الذي كان بين السلف والخوارج قديماً في تعميم الآية أو تخصيصها؛ ولكن هذه المرَّة بين المنتسبين إلى السلف، ولما تيقَّن البعض من صحة إسناده نحى منحاً آخر في إيقاف دلالته أو العمل به فقال: هذا الأثر كان في عهد الخليفة الراشد علي رضي الله عنه عندما خرج عليه الخوارج وحكموا بكفره فكان ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يُناقش بعضهم وكان من ضمن جوابه على استدلالهم بالآية هذا الأثر؛ قالوا: فالأثر محله في حاكم يحكم بما أنزل الله في الجملة ولكنَّه في واقعة معيَّنة حكم لهوى أو بظلم فحكمه "كفر دون كفر"، أما حاكم لا يحكم بما أنزل الله في الجملة أو يُبدِّل شريعة الرحمن بالقوانين الوضعية سواءً كان في الجملة أو في واقعة معيَّنة فهذا "كفر أكبر" ولا يُستدل بالأثر في هذا الصورة.
وهذا تحريف لمدلول الأثر واضح؛ بل هو تحريف للآية، فالآية نزلت في اليهود الذين جحدوا شريعة الله
؛
فكيف تُنزَّل على مَنْ لم يجحد؟! ولكن العجب ممن ينتسب إلى السلف الصالح؛ كيف يوافق القطبيين على هذا التحريف للآية والأثر؟!!.
1
التكلُّف في تأويل النصوص الموافقة أو المخالفة بما يدل على الابتعاد عن التجرد للحق.
الواجب على مَنْ يبحث في مسألة اختلف فيها الناس أن يتجرَّد في فهم النصوص؛ فيكون فهم التنزيل سابقاً للتأصيل وليس العكس، ولكن الملاحظ في كثير ممن خاض في مسألة الجنس والآحاد عدم التجرد في فهم النصوص، بل فهم النصوص تبع لِما تأصَّل في نفوسهم من أفهام.
مثال ذلك: كمَنْ قال بكفر من بدَّل شريعة الرحمن بالقوانين الوضعية ولو كان في واقعة واحدة واستدلَّ بحادثة اليهود الذين غيَّروا حكم رجم الزاني بالتحميم وأنَّهم كفروا لذلك؛ بينما كان ذلك منهم جحوداً لما أنزل الله ونسبة للباطل إلى شريعة الله تعالى؛ فهم أنكروا الرجم ونسبوا التحميم إلى الشرع، فهل بلغ الحكَّام المعاصرين الذين غيَّروا شيئاً من شريعة الرحمن بالقوانين الوضعية إلى هذا المستوى؟! فكيف يصح القياس إذن؟!!
ومثال آخر: كمن يقول بكفر تارك جنس عمل الجوارح؛ ويرد ما استدل به مخالفُه بحديث: ((لم يعملوا خيراً قط)) بأنَّ هذا خاص بالأمم الماضية ولا تدخل فيه أمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!، وهذا يعني أنَّ الأمم الماضية سوف تنال رحمة الله ما لا تناله هذه الأمة المحمَّدية؛
والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((إنَّ هذه الأمة أمة مرحومة؛ عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال: هذا فداؤك من النار)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
19) تقويل الأئمة والعلماء ما لم يُصرِّحوا به من أقوال وتحميل كلامهم ما لا يحتمل.
وسبب ذلك هو نفسه ما سبق وهو التأصيل قبل الاستدلال؛ فمثلاً أصَّل البعض: أنَّ السلف يُكفِّرون تارك عمل الجوارح بالكلية ولا خلاف بينهم في ذلك، ثم نظر في نصوص العلماء الذين يُكفِّرون تارك الصلاة تهاوناً أو امتناعاً أو في كلامهم لإثبات التلازم بين الباطن والظاهر أو عند ردِّهم على المرجئة القائلين بأنَّ الإيمان قول بلا عمل فينسب لهم تكفير تارك جنس العمل
.
فيأتي الأخر فيقول: بل إنَّ السلف لا يُكفِّرون تارك عمل الجوارح بالكلية ثم ينظر إلى كلامهم في مراتب الإيمان وأنَّ له أصل وكمال والأصل في القلب والأعمال الظاهرة من كمال الإيمان وأنَّ الكفر بالاعتقادات وأنَّ من ثبت له أصل التوحيد فلا يُخلَّد في جهنَّم ولو لم يعمل بجوارحه خيراً قط وينظر في ردِّهم على الخوارج الذين يُكفِّرون بالعمل فينسب للسلف عدم تكفير تارك جنس العمل
.
ثم
يبدأ كلٌّ منهم بالاستدلال بكلام الأئمة والعلماء ويُحمِّل كلامهم - سواء ما وافقه أو ما خالفه - ما لا يحتمل؛ بل كثيراً ما يستدل المختلفان بنفس الإمام أو العالم حتى يظنّ البعض أنَّ هذا الإمام له قولان أو قد تناقض، بل وقد يستدلان بنفس المقطع أو الجملة بعد قطعها من السياق ومن غير النظر في منهج أو مذهب هذا الإمام أو العالم من حيث العموم بعد استقراء في مواطن كثيرة من كلامه في المسألة المتنازع فيها
.
فيبقى القارىء لهم في ريبة من أمره وفي تردد ولا يدري ما هو مذهب الإمام أو العالم الفلاني في تلك المسألة؟! وأما التحريف أو بتر النصوص فقد أصبحا عادة في الردود عند كثير من المؤلفين في المسائل المتنازع فيها،
وفي الوقت نفسه
أصبحا تهمة سهلة على الألسن يُتَّهم بها المخالِف ولو كان القول
ُ
صريحاً يدل على معنى واحد لا غير أو كان المحذوف الساقط بعد عدة صفحات وليس له ارتباط بما سبق!!.
20) الردود والمناظرات بين السلفيين في المسألة، والانشغال عن العلم والدعوة والرد على المخالفين لهم.
إنَّ الناظر في الكتب والمقالات والفتاوى والرسائل والردود بين المتنازعين في مسألة تارك جنس العمل ممن هم على عقيدة السلف الصالح يجد العجب العجاب من كثرتها ومن كثرة المنشغلين بها، ثم لو نظر هذا الناظر إلى بيان عقيدة ومنهج السلف الصالح في غيرها من المسائل وإلى الردود في بيان المخالفين وكشف شبهات المنحرفين لو وجدها قليلة لقلة المهتمِّين بذلك، وبالأخص عند المقارنة مع المؤلفات العلمية والدعوية في بيان عقيدة السلف والرد على المخالفين قبل ظهور الخلاف في مسألة جنس العمل؛ وكفى بهذه مفسدة نتجت من الخوض في تلك المسألة، ولهذا ضعف أثر الدعوة السلفية في واقع الناس وظهرت الدعوات المخالفة على الساحة بقوة، والله المستعان.
21) زعزعة الثقة ببعض العلماء وببعض المشايخ الذين لهم الأثر الكبير في نشر الدعوة السلفية في أنحاء العالم لكونهم مخالفين في هذه المسألة، وترك التعرض إلى رؤوس الفتن ومنبع الضلال من الدعاة الموافقين في هذه المسألة.
وهذه تبع لِما سبق، فقد نتج من الخوض في مسألة الجنس والآحاد زعزعة في مكانة العلماء الأكابر والمشايخ الأفاضل في قلوب الناس؛ وهذا بدوره يؤدي إلى قطع الطريق أمام الناس من الانتفاع بكتب وأشرطة أولئك العلماء والمشايخ اللذين لهم الأثر الكبير في نشر الدعوة السلفية في أرجاء المعمورة، ومعلوم أنَّ النفس تنفر من المخالِف في مسائل الاعتقاد ولو تكلَّم في غير المسائل المتنازع فيها. بينما نجد دعاة الفتنة وأئمة الضلال لا يتعرَّض إليهم الكثير من دعاة المنهج السلفي حتى ولا بكلمة فضلاً عن رد أو فتوى بل قد يُثنى عليه بشيء من الكلام، ولو فتشنا عن سبب ذلك لوجدناه
لا لشيء إلا
أنَّه يوافقه في المسائل المتنازع فيها أو قد تكون في مسألة واحدة أو مسألتين.
ولهذا نجد بعد ظهور الخلاف في جنس العمل أُسقِط بعض العلماء والمشايخ السلفيين بينما رُفِع في الساحة الدعوية رؤوس البدعة والضلال، والمقياس في ذلك الموافقة والمخالفة في حكم تارك جنس العمل وما أُثير معها من مسائل في الغالب
!!!
.
وأخيراً:
فهذه جملة من الآثار التي نتجت بعد أن خاض الناس في مسألة تارك جنس العمل؛ فجزى الله خيراً كلَّ مَنْ سكت عن الكلام في هذه المسألة، وليعلم الجميع أنَّ سكوت مَنْ سكت عن الخوض فيها لا عن عجز أو جهل وإنما عن حكمة وفطنة، وإذا استمر السلفيون في الخوض في مسألة جنس العمل فستظهر بعد فترة من الزمان آثار أخرى، ويزداد بينهم الخلاف ويتسع، ويسقط العالم تلو العالم والشيخ تلو الشيخ
،
والرابح في الأخير هم القطبيون؛ فتنبَّهوا يرحمكم الله لذلك.
وأختم أخيراً بما قاله العلامة الكبير الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في مقاله [
كلمة حق حول جنس العمل
] المؤرَّخ 21/5/1425هـ، ففيه الكفاية لِمن رام النجاة:
((بسم الله الرحمن الرحيم؛ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه؛ أما بعد: فمما نكب به الإسلام والمسلمون في هذا العصر وخاصة أهل المنهج السلفي فكر سيد قطب وعقائده الفاسدة وما أكثرها وأخطرها. ومنها قضية تكفير المجتمعات الإسلامية التي جدد وطور بها مذهب الخوارج في التكفير والخروج على الحكام والعلماء.
وقد تلقف هذه الفتنة عنه أناس تلبسوا بالسلفية فزادوها قوة وانتشاراً، إذ كان سيد قطب يكفر الحكام والمجتمعات الإسلامية بالحاكمية فقط. أما هؤلاء فقد مكروا وتحايلوا لترويجها وإلباسها لباس المنهج السلفي فوجدوا فكرة تكفير تارك جنس العمل وتكفير تارك الصلاة أعظم وسيلة لترويج فكرتهم وأعظم مصيدة للشباب السلفي، ومن أعظم الوسائل لتفريقهم وضرب بعضهم ببعض، ووجدوا منهما جسراً لرمي أهل السنة بالإرجاء, فالذي لا يركض من أهل السنة معهم في ميدان الخوارج فيكفر الحكام بالطريقة الخارجية الجاهلة فهو مرجيء وعميل وخائن ..الخ، والذي لا يكفر تارك الصلاة منهم مرجئ.
وأدركت دندنة هؤلاء حول إنكار أحاديث الشفاعة؛ ولا سيما حديث أبي سعيد الخدري فكنت أكره الحديث عنه – أي جنس العمل – والخوض فيه، لا سيما وكثير ممن يردده لا يفهم معناه وكثير ممن يعرض عليهم من أذكياء حملة العلم يشتبه عليهم؛ حتى قال لي بعض المدرسين الجامعيين الأذكياء قبل أيام: أنا لا أدري ما المراد بجنس العمل إلى الآن؟!!
وفي نادر من الأحيان يسألني عنه بعض الناس فأنهاه عن الخوض فيه؛ فإذا ألَحّ ولـجّ اعترضت ببعض أحاديث الشفاعة كحديث أنس رضي الله عنه يخرج من النار: "من عنده أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان"، فلا يحير جواباً.
وفي هذه الأيام كتب أخونا حمد بن عبد العزيز العتيق مقالاً تحت عنوان "
تنبيه الغافلين إلى إجماع المسلمين على أنَّ ترك جنس العمل كفر في الدين
" فشرعت في قراءته إلى أن وصلت إلى الصحيفة الخامسة فإذا فيها: "الفصل الثالث: ترك جنس العمل كفر أكبر: المبحث الأول: صورة المسألة: هي في رجل نطق بالشهادتين ثم بقي دهراً لم يعمل خيراً مطلقاً لا بلسانه ولا بجوارحه ولم يعد إلى النطق بالشهادتين مطلقاً مع زوال المانع" فقلت: إنْ كان المراد بجنس العمل هذه الصورة فإني لا أتردد ولا يتردد مسلم في تكفير من هذا حاله وأنه منافق زنديق إذ لا يفعل هذا من عنده أدنى حد للإيمان.
لكني لا أحب للسلفيين التعلق بلفظ "جنس العمل" لأمور:
أولها:
أنه لفظ مجمل يحتمل هذه الصورة ويحتمل غيرها؛ وهو ما يريده التكفيريون.
ثانيها:
كما قال أخونا حمد العتيق: " إنها مسألة غير عملية بمعنى أنه لا يمكن أن يقال: إنَّ هناك زيداً - من الناس – قد شهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، ولم يعمل بعدها خيراً قط، فإنَّ هذا النفي المطلق لا يمكن لأحد إلا الله أن يحيط به" ، والأمر كما ذكر الأخ حمد.
ثالثها:
دندنة التكفيريين حوله لمقاصد سيئة منها رمي أئمة السنة بالإرجاء؛ فمن لا يكفر تارك الصلاة عندهم مرجيء أو أتي من شبهة الإرجاء!!، ومن لا يكفر الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله تكفيراً مخرجاً من الملة فهو مرجيء وإنْ فصَّل على طريقة السلف وإنْ قال بكفر تارك الصلاة!!.
رابعها:
من أجل ما في هذا اللفظ من الإجمال المشار إليه سلفاً يقع من إطلاقه من اللبس على كثير من الناس، و لما يوقع من الخلاف بين أهل السنة والشحناء والفتن بينهم، ترجح لي: أنه يجب الابتعاد عنه؛ لأنَّ الجنس قد يراد به الواحد وقد يراد به الكل وقد يراد به الغالب، ومن هنا إذا دندن حوله السلفيون حصل بينهم الخلاف الذي يريده التكفيريون، وتكثَّروا بمن يقول به منهم، فيقولون: هذا فلان السلفي يقول بتكفير تارك جنس العمل فيجرون الناشيء إلى مذهبهم في تكفير الحكام على منهجهم وإلى رمي علماء السنة بالإرجاء ... الخ.
وأنصح السلفيين:
أن يلتزموا بقول السلف الشائع المتواتر من أول عهد السلف إلى يومنا هذا ألا وهو قولهم: إن الإيمان قول وعمل؛ قول بالقلب واللسان وعمل بالقلب والجوارح، أو إنَّ الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، أو كما قال الإمام أحمد رحمه الله: "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" أو كما قال البخاري: "كتبت عن ألف شيخ وزيادة ولم أكتب إلا عمن يقول: الإيمان قول وعمل"، ونحو هذه العبارات الموروثة عن السلف التي لا تخرج عن هذا المعنى.
فالتزام عبارات السلف فيه رد لضلال المرجئة؛ وهو رد كاف شاف، وفيه أمان وضمان للسلفيين من الاختلاف والقيل والقال، وحماية من استغلال التكفيريين لإطلاق بعض السلفيين لجنس العمل.
ومن أصول أهل السنة:
وجوب سد الذرائع ووجوب درء المفاسد، وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح، فإطلاق جنس العمل فيه مفاسد لما فيه من الإجمال الموقع في اللبس، ولما يثيره من الاختلاف والفرقة فيجب اجتنابه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله زاجراً عن إطلاق الألفاظ المجملة:
فعليك بالتفصيل والتبيين فالـ إطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ أذهان والآراء كل زمـان
وهنا ملاحظة مهمة:
ينبغي لفت النظر إليها؛ وهي أنَّ الصورة التي ذكرها الأخ حمد وفقه الله لا يجوز لمسلم أن يتردد في تكفير صاحبها إنْ وجد؛ ولكنها في الوقت نفسه هي نظرية غير واقعية ولا عملية!!، إذ لا يتصور وقوعها من مسلم، والشرائع لم تبن على الصور النادرة كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله.
فكيف نزج بدعوتنا وشبابنا في الصور المستبعدة أو المستحيلة!!، وتشحن النفوس وتضيع الأوقات في القيل والقال، بل توقع الشباب في الشبكة التي نصبها لهم التكفيريون!!.
فإذا كان لابد من الكلام فيها:
فيكون من العالم الفطن عند الحاجة؛ كأن يسأله تكفيري عن كفر تارك جنس العمل: فيقول له هذه كلمة مجملة فماذا تريد بها فبين لي ما تقصده؟ فإنْ ذكر له صوراً باطلة ردها عليه بالحجة والبرهان، وإنْ ذكر الصورة السابقة قال له هذا حق وأنا معك ولكني أحذرك من التلبيس على الناس بذكر غير هذه الصورة.
فهذا ما أقوله وأنصح به السلفيين في هذه المسالة، وأنصحهم بشدة عن تعاطي أسباب الخلاف ومثيراته، والحرص على ما يؤلف القلوب ويجمعها على الحق بالحكمة والرفق، أسأل الله الكريم تبارك وتعالى أن يجمع كلمة أهل السنة والمسلمين عموماً على الحق والهدى وأن يجنبهم أسباب الخلاف والفتن)).
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
كتبه
رائد آل طاهر
__________________
ساهموا أخوتي في نشر صفحتنا
(السُنــــــــة النبــــــــوية
)
Facebook
Twitter
الاسيف
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى الاسيف
البحث عن المشاركات التي كتبها الاسيف