عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 2015-01-19, 07:25 AM
الصورة الرمزية غريب مسلم
غريب مسلم غريب مسلم غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-06-08
المشاركات: 710
غريب مسلم غريب مسلم غريب مسلم غريب مسلم غريب مسلم غريب مسلم غريب مسلم غريب مسلم غريب مسلم غريب مسلم غريب مسلم
افتراضي

الضابط الثاني: أن تقع النُّصرة بطرق شرعية ووسائل مجدية موصلة إلى الأغراض الشرعية.
إن النُّصرة المعتبرة – شرعاً- والغالبة – قدراً- هي التي تقوم بالشجاعة الإيمانية لا بالاندفاعات العاطفية، وبالغيرة الشرعية لا بالانفعالات النفسية ، وبالحمية الإسلامية لا بالحمية الجاهلية، وبالوسائل الشرعية لا بالطرق البدعية، وبالآداب الحميدة لا بالأخلاق الذميمة، وهي التي تصان بوصايا الأنبياء لا بوساوس الشيطان، وتدوم بالسياسات العادلة لا بالسياسات الجائرة ، وهي التي توجه بنصائح العلماء لا بتوجيهات الدخلاء ، ووهي التي تقرر في مجالس الحكماء لا في مجامع الغوغاء... فهي نصرة شرعية جامعة بين الوسائل النافعة والمقاصد السامية بلا إفراط ولا تفريط .
ومن المعلوم أنه لم يكن دفع المؤمنين عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- في وقت البعثة النبوية- قائماً على مبدأ الاستئصال والانتقام؛ بل كان دفع حرص ورغبة وطمع في إيمان أولئك الكفار المعتدين من جهة، ودفع شرهم عن الإسلام وأهله بحسب الإمكان من جهة أخرى؛ فدفعوا بالتي هي أحسن إلى التي هي أقوم ؛ وقد أمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- بذلك ؛ فقال تعالى في آية مكية: [ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ] {المؤمنون:96} ؛ قال ابن كثير رحمه الله: "ثم قال مرشدًا له إلى التِّرْياق النافع في مخالطة الناس، وهو الإحسان إلى من يسيء، ليستجلب خاطره، فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة"([37]).
وقال تعالى –أيضاً-: [ وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] {فصِّلت:34} .
قال الرازي رحمه الله: "يعني ادفع سفاهتهم وجهالتهم بالطريق الذي هو أحسن الطرق؛ فإنك إذا صبرت على سوء أخلاقهم مرة بعد أخرى ، ولم تقابل سفاهتهم بالغضب ولا إضرارهم بالإيذاء والإيحاش استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا تلك الأفعال القبيحة" ([38]).
ولم يقف الأمر بالنسبة إلى معاملة المشركين عند الدفع بالتي هي أحسن؛ بل كان دفع النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم دفع من يريد أن يعود إليهم؛ لهذا أظهرت الآية المصلحة من المدافعة بالحسنى: ﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ ؛ أي : يتحول العدو إلى وليِّ صديق.
وهذا المعنى ظاهر في آية مكية أخرى؛ كما قال تعالى: [ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا] {المزمل:10} ، والهجر في الآية: "هو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه، فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن"([39]).
وقد فسّر الشيخ عبد الرحمن حبنّكة الميداني الهجر الجميل؛ فقال: "والهجر الجميل هو الهجر الذي لم يقترن بغضب ولا مخاصمة ولا عتاب، فهو هجرُ الراغب في العودة إلى المهجورين، الحريص على خيرهم ونجاتهم وسعادتهم، ودخولهم في عباد الله الصالحين" ([40]).
وقد تكرّر هذا المعنى في السور المدنية؛ فقال تعالى: [ عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {الممتحنة:7} .
وجاء هذا المعنى في السّنة النبوية – أيضا- ؛ كما في حديث رجوع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطائف، وقال له ملك الجبال: [إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا] ([41])، وقد دخل كثير من الناس في الإسلام ممن شملهم رجاء النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فكانوا بمكة مدفوعين، وبالمدينة يدفع الله بهم الكفار.
إذن ؛ فيجب أن تكون وسائل النصرة شرعية ومتفقة مع أحكام الشريعة ومنسجمة معها وبعيدة كل البعد عن الحرام والشبهة ، وأن تندرج هذه الوسائل تحت معاني كتاب الله تعالى وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وما أُثر عن سلف الأمة؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ؛ فالوسيلة إلى أفضل قصد هي أفضل الوسائل وأنفعها؛ يقول العز ابن عبد السلام – رحمه الله - :" وكلما قويت الوسيلة في الأداء إلى المصلحة، كان أجرها أعظم من أجر ما نقص عنها، فتبليغ رسالات الله من أفضل الوسائل، لأدائه إلى جلب كل صلاح دعت إليه الرسل، وإلى درء كل فاسد زجرت عنه الرسل، والإنذار وسيلة إلى درء مفاسد الكفر والعصيان، والتبشير وسيلة إلى جلب مصالح الطاعة والإيمان. وكذلك المدح والذم، وكذلك الأمر بالمعروف وسيلة إلى تحصيل ذلك المعروف المأمور به، رتبته في الفضل والثواب مبنية على رتبة مصلحة الفعل المأمور به في باب المصالح، فالأمر بالإيمان أفضل أنواع الأمر بالمعروف" ([42]).
ولا يمنع أن يتوصل المؤمن إلى النُّصرة الشرعية ببعض الأمور والأسباب الدقيقة اللطيفة ؛ كالكيد الممدوح الذي لا تستحل به الحرمات ولا تسقط به الواجبات ؛ فهذا النوع ونحوه جائز شرعاً في بعض الأوقات ؛ لكن لا يصار إليه إلا بعد أخذ توقيع العلماء الربانين عليه حتى لا يكون ذريعة إلى الإفساد في الدين .
يقول ابن القيم - رحمه الله- :" فالطرق التي تتضمن نفع المسلمين والذب عن الدين ونصر المظلومين وإغاثة الملهوفين ومعارضة المحتالين بالباطل ليدحضوا به الحق من أنفع الطرق وأجلها علما وعملا وتعليما ؛ فيجوز للرجل أن يظهر قولاً أو فعلاً مقصوده به مقصود صالح وإن ظن الناس أنه قصد به غير ما قصد به إذا كان فيه مصلحة دينية مثل دفع ظلم عن نفسه أو عن مسلم أو معاهد أو نصرة حق أو إبطال باطل من حيلة محرمة أو غيرها أو دفع الكفار عن المسلمين أو التوصل إلى تنفيذ أمر الله تعالى ورسوله ؛ فكل هذه طرق جائزة أو مستحبة أو واجبة .
وإنما المحرم أن يقصد بالعقود الشرعية غير ما شرعت له فيصير مخادعا لله فهذا مخادع لله ورسوله وذلك مخادع للكفار والفجار والظلمة وأرباب المكر والاحتيال فبين هذا الخداع وذاك الخداع من الفرق كما بين البر والإثم والعدل والظلم والطاعة والمعصية ؛ فأين من قصده إظهار دين الله تعالى ونصر المظلوم وكسر الظالم إلى من قصده ضد ذلك؟" ([43]).
وهاهنا تنبيه : وهو أنه إذا كانت نتيجة الانتصار معدومة أو ضعيفة ؛ فمن العبث الكلام في وسائلها وطرقها ؛ لأن الوسيلة إذا لم تفضِ إلى مقاصدها سقط اعتبارها؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :" وإذا كان المقصود لا يحصل منه شيء لم يكن بنا حاجة إلى إثبات الوسيلة ؛ لأن الوسائل لا تُراد إلا لمقاصدها ، فإذا جزمنا بانتفاء المقاصد كان الكلام في الوسيلة من السعي الفاسد، وكان هذا بمنزلة من يقول الناس يحتاجون إلى من يطعمهم ويسقيهم وينبغي أن يكون الطعام صفته كذا، والشراب صفته كذا، وهذا عند الطائفة الفلانية، وتلك الطائفة قد عُلم أنها من أفقر الناس، وأنهم معروفون بالإفلاس" ([44]).
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
رد مع اقتباس