عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2007-09-08, 05:02 PM
سيف الكلمة سيف الكلمة غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2007-07-23
المشاركات: 144
سيف الكلمة
افتراضي حقوق غير المسلمين فى المجتمع المسلم / إعجاز تشريعى/د.منقذ محمود السقار / مقارنة أديان

من الإعجاز التشريعى
حقوق غير المسلمين في المجتمع المسلم
بقلم الدكتور منقذ محمود السقار
دكتوراه في مقارنة الأديان ـ جامعة أم القرى

تمتع غير المسلمين - المقيمون في بلاد المسلمين – بسلسلة من الضمانات التي منحها لهم المجتمع المسلم بهدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ولسوف نعرض لأهم هذه الضمانات، ونوثقها بشهادة التاريخ ونصوص الفقهاء، حراس الشريعة، ورثة النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن هذه الضمانات:

أولاً : ضمان حرية المعتقد

يعتقد المسلمون أن دينهم هو الحق المبين، وأن ما عداه إنما هي ديانات حُرفت ونُسخت بالإسلام أو ضلالات وقع فيها البشر جهلاً منهم بحقيقة الدين والمعتقد.

وقد عمل المسلمون على استمالة الأمم والشعوب التي اختلطوا بها إلى الإسلام، وذلك بما آتاهم الله من حجة ظاهرة وخلق قويم ودين ميسر تقبله الفطر ولا تستغلق عن فهم مبادئه العقول.

ولم يعمد المسلمون طوال تاريخهم الحضاري العظيم إلى إجبار الشعوب أو الأفراد الذين تحت ولايتهم، وذلك تطبيقاً لمجموعة من المبادئ الإسلامية التي رسخت فيهم هذا السلوك:

أً. حتمية الخلاف وطبيعته

إن التعدّد في المخلوقات وتنوّعها سنة الله في الكون وناموسه الثابت، فطبيعة الوجود في الكون أساسها التّنوّع والتّعدّد.

والإنسانية خلقها الله وفق هذه السنة الكونية، فاختلف البشر إلى أجناس مختلفة وطبائع شتى، وكلّ من تجاهل وتجاوز أو رفض هذه السُّنة الماضية لله في خلقه، فقد ناقض الفطرة وأنكر المحسوس.

واختلاف البشر في شرائعهم هو أيضاً واقع بمشيئة الله تعالى ومرتبط بحكمته، يقول الله: [لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً] (المائدة: 48).

قال ابن كثير : "هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث اللّه به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد ".[1]

وقال تعالى: [ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين # إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ] ( هود : 118– 119).

قال ابن حزم: "وقد نص تعالى على أن الاختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به، وإنما أراده تعالى إرادة كونٍ، كما أراد الكفر وسائر المعاصي".[2]

وقال ابن كثيرعن قول الله [ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك] : "أي: ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم .. قال الحسن البصري: الناس مختلفون على أديان شتى إلا من رحم ربك، فمن رحم ربك غير مختلف".[3]

ولما كان الاختلاف والتّعدّد آية من آيات الله، فإنّ الذي يسعى لإلغاء هذا التّعدّد كلية، فإنما يروم محالاً ويطلب ممتنعاً، لذا كان لابد من الاعتراف بالاختلاف.

ب. مهمة المسلمين الدعوة إلى الله لا أسلمة الناس

أدرك المسلمون أن هداية الجميع من المحال، وأن أكثر الناس لا يؤمنون، وأن واجب الدعاة الدأب في دعوتهم وطلب أسباب هدايتهم. فإنما مهمتهم هي البلاغ فحسب، والله يتولى حساب المعرضين في الآخرة، قال الله مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم : [فإن تولوا فإنما عليك البلاغ[ (النحل: 82). وقال تعالى: [فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصيرٌ بالعباد] (آل عمران: 20).

قال القرطبي: " فإن تولوا أي أعرضوا عن النظر والاستدلال والإيمان؛ فإنما عليك البلاغ، أي ليس عليك إلا التبليغ، وأما الهداية فإلينا".[4]

قال الشوكاني في سياق شرحه لقول الله تعالى: [ فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب] (الرعد: 40): " أي: فليس عليك إلا تبليغ أحكام الرسالة، ولا يلزمك حصول الإجابة منهم، لما بلّغته إليهم، [وعلينا الحساب] أي: محاسبتهم بأعمالهم ومجازاتهم عليها، وليس ذلك عليك".[5]

وقال تعالى: [فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر] (الغاشية: 21-22).

ولذلك فإن المسلم لا يشعر بحالة الصراع مع شخص ذلك الذي تنكب الهداية وأعرض عن أسبابها، فإنما حسابه على الله في يوم القيامة ، فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: [ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ] (البقرة: 272). وقال له وللأمة من بعده: [فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير] (الشورى: 15).

ج. التكريم الإلهي للإنسان، ومبدأ عدم الإكراه على الدين

خلق الله آدم عليه السلام، وأسجد له ملائكته [ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناً [ (الإسراء: 61)، وندبه وذريته من بعده إلى عمارة الأرض بمنهج الله: ] إني جاعل في الأرض خليفة] (البقرة: 30).

ووفق هذه الغاية كرم الله الجنس البشري على سائر مخلوقات الله [ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً ] (الإسراء: 70).

وأكد نبينا صلى الله عليه وسلم وصحبه احترام النفس الإنسانية ، ففي الخبر أن سهل بن حنيف وقيس بن سعد كانا قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، أي من أهل الذمة فقالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام. فقيل له: إنها جنازة يهودي؟! فقال: ((أليست نفساً)).[6]

ومن تكريم الله للجنس البشري ما وهبه من العقل الذي يميز به بين الحق والباطل {وهديناه النجدين } (البلد: 10) ، وبموجبه وهبه الحرية والإرادة الحرة لاختيار ما يشاء { إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } (الإنسان: 3) { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } (يونس: 99).

وعليه فالإنسان يختار ما يشاء من المعتقد{ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} (البقرة: 256) ، والله يتولى في الآخرة حسابه {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها} (الكهف: 29).

قال ابن كثير : "أي لا تُكرِهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بَيِّن واضح، جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته؛ دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره؛ فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً".[7]

و يقول تعالى: {قل الله أعبد مخلصاً له ديني * فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين} (الزمر: 14- 15)، ويقول: [وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون * الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون] (الحج: 68-69).

وقد امتثل سلفنا هدي الله، فلم يلزموا أحداً بالإسلام إكراهاً، ومن ذلك أن عمر بن الخطاب قال لعجوز نصرانية: أسلمي تسلمي، إن الله بعث محمداً بالحق قالت: أنا عجوز كبيرة، والموت أقرب إليّ! فقال عمر: اللهم اشهد، وتلا: [ لا إكراه في الدين] (البقرة: 256).[8]

والإيمان ابتداء هو عمل قلبي، فليس بمؤمن من لم ينطو قلبه على الإيمان، ولو نطق به كرهاً فإنه لا يغير في حقيقة قائله ولا حكمه، وعليه فالمكره على الإسلام لا يصح إسلامه، ولا تلزمه أحكامه في الدنيا، ولا ينفعه في الآخرة.

قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة: "لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه؛ أنه أجبر أحداً من أهل الذمة على الإسلام ... وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم؛ لم يثبت له حكم الإسلام حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعاً؛ مثل أن يثبت على الإسلام بعد زوال الإكراه عنه، وإن مات قبل ذلك فحكمه حكم الكفار، وإن رجع إلى دين الكفر لم يجز قتله ولا إكراهه على الإسلام .. ولنا أنه أكره على ما لا يجوز إكراهه عليه، فلم يثبت حكمه في حقه، كالمسلم إذا أكره على الكفر والدليل على تحريم الإكراه قول الله تعالى : [ لا إكراه في الدين ] (البقرة: 256)".[9]

وبمثله قال الفقيه الحنبلي ابن قدامة: "وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم؛ لم يثبت له حكم الإسلام حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعاً".[10]

وهذا ما حصل بالفعل زمن الحاكم بأمر الله الذي يصفه ترتون بالخبل والجنون، وقد كان من خبله أن أكره كثيرين من أهل الذمة على الإسلام، فسمح لهم الخليفة الظاهر بالعودة إلى دينهم، فارتد منهم كثير سنة 418هـ. [11]

ولما أُجبر على التظاهر بالإسلام موسى بن ميمون فر إلى مصر، وعاد إلى دينه، ولم يعتبره القاضي عبد الرحمن البيساني مرتداً، بل قال: "رجل يكره على الإسلام، لا يصح إسلامه شرعاً"، وعلق عليها الدكتور ترتون بقوله: "وهذه عبارة تنطوي على التسامح الجميل".[12]

لقد فقه المسلمون هذا ووعوه، فتركوا لرعاياهم من غير المسلمين حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر التعبدية، ولم يأمروا أحداً باعتناق الإسلام قسراً وكرهاً.

يتبع

<!-- / message -->
__________________
سيدتي المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة
رد مع اقتباس