مما يدفع هذه الفرية عن شيخ الإسلام أنه كان شديد الذم للنواصب
يقول : ( وهؤلاء هم الذين نصبوا العداوة لعلي ومن والاه ، وهم الــذين استحلوا قتــلـه وجـعـلـوه كـافراً ، وقتـلـه أحــد رؤوسـهــم " عبدالرحمن بن ملجم المرادي " فهؤلاء النواصب الخوارج المارقون إذا قالوا : إن عثمان وعلي بن أبي طالب ومن معهما كانوا كفاراً مرتدين ، فإن من حجة المسلمين عليهم ما تواتر من إيمان الصحابة ، وما ثبت بالكتاب السنة الصحيحة من مدح الله تعالى لهم ، وثناء الله عليهم ، ورضاء عنهم ، وإخباره بأنهم من أهل الجنة ، ونحو ذلك من النصوص . . )
وقال – رحمه الله - :
( وأما جواز الدعاء للرجل وعليه فبسط هذه المسئلة في الجنائز ، فإن موتى المسلمين يصلي عليهم برهم وفاجرهم ، وإن لعن الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه ، لكن الحال الأولى أوسط وأعدل ، وبذلك أجبت مقدم المغول بولاي ، لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة ، وجرت بيني وبينه وبين غيره مخاطبات ، فسألني فيما سألني : ما تقول في يزيد ؟ فقلت : لا نسبه ولا نحبه ، فإنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه ، ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه .
فقال : أفلا تلعنونه ؟ أما كان ظالماً ؟ أما قتل الحسين ؟
فقلت لـه : نحن إذا ذكر الظالمون كالحججاج بن يوسف وأمثاله : نقول كما قال الله في القرآن : ( ألا لعنه الله على الظلمين ) ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه ، وقد لعنه قوم من العلماء وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد ، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن .
وأما من قتل " الحسين " أو أعان على قتله ، أو رضي بذلك فعليه لعنـة الله والـملائـكة والنـاس أجـمـعيـن ، لا يـقـبل الله منـه صرفـاً ولا عدلاً .
قال مقدم المغول : فمن يبغض أهل البيت ؟
قلت : من أبغضهم فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً .
ثم قلت للوزير المغولي : لأي شئ قال عن يزيد وهذا تتري ؟
قال : قد قالوا له إن أهل دمشق نواصب .
قلت بصوت عال : يكذب الذي قال هذا ، ومن قال هذا فعليه لعنة الله ، والله ما في أهل دمشق نواصب ، وما علمت فيهم ناصبياً ولو تنقص أحد علياً بدمشق لقام المسلمون عليه ، لكن كان قديماً – لما كان بنو أمية ولاة البلاد – بعض بني أمية ينصب العداوة لعلي ويسبه ، وأما اليوم فما بقي من أولئك أحد )
من كلام ابن تيمية في فضل الصحابة وعلى وأهل البيت – رضي الله عنهم –
قوله في الصحابة عامة رضي الله عنهم :
قال ابن تيمية رحمه الله : ( ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة ، وما من الله به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمها عند الله تعالى).
وقال رحمه الله : ( ومن أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما وصفهم الله في قوله تعالى : ( والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخوننا الذين سبقونا بالإيمن ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) .
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه "
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وقاتل – وهو صلح الحديبية – على من أنفق من بعده وقاتل ، ويقدمون المهاجرين على الأنصار ، ويــؤمـنون بــأن الله قـال لأهـل بـدر – وكانـوا ثـلاثـمائة وبضعة عشر - : " اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم " وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة –
ويشهدون بالجنة لمن شهد لــه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة ، وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة .
ويقرون بما تواتر بن النقل عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره ، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ، ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم ، كما دلت عليه الآثار ، وكما أجمع على تقديم عثمان في البيعة ، مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي – رضي الله عنهما – بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل ، فقدم قوم عثمان وسكتوا ، أو ربعوا بعلي وقدم قوم علياً ، وقوم توقفوا ، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي .
وإن كانت هذه المسألة – مسألة عثمان وعلي – ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة ، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة ، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، ومن طعن في خلافة أحد هؤلاء فهو أضل من حمار أهله )
قوله في أهل البيت عامة رضي الله عنهم :
قال ابن تيمية رحمه الله :
( محبتهم - يقصد أهل البيت - عندنا فرض واجب ، يؤجر عليه ، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعي خماً ، بين مكة والمدينة فقال " أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله " فذكر كتاب الله وحض عليه ، ثم قال : " وعترتي أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهــل بـيـتـي " قـلـت لـمـقدم : ونحن نقول في صلاتنا كل يوم : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد "
قوله في علي رضي الله عنه :
لشيخ الإسلام – رحمه الله – مواضع عديدة يمدح فيها علياً رضي الله عنه ، ويثني عليه ، وينزله في المنزلة الرابعة بعد أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – كما هو منهج أهل السنة والجماعة ، وهي واضحة صريحة تلوح لكل قارئ لكتب الشيخ
وقد أكثرت من النقل عن كتاب " منهاج السنة " لأنه عمدة الطاعنين والمتهمين للشيخ بأن فيه عبارات توحي بانحرافه عن علي – رضي الله عنه – أو توهم تنقصه له ، فوددت أن أبين لهؤلاء أنهم قوم لم يفقهوا مقاصد الشيخ من عباراته لأنهم ينظرون بعين السخط وعين العداوة في الدين ومثل هذه الأعين لا يفلح صاحبها .
يتبع إن شاء الله