تقريب الفصل الأول
قال شيخ الإسلام :
المقصود هنا الكلام على قول القائل : " إذا تعارضت الأدلة السمعية و العقلية ... ... إلخ "
• الجواب على اعتراض الرازي و الفلاسفة :
وحينئذٍ نقول الجواب من وجوه :
الوجه الأول :
أن قوله : " إذا تعارض النقل و العقل " إما أن يريد به القطعييَن , فلا نسلم إمكان التعارض حينئذ ٍ . و إما يريد به الظنييَن , فالمقدم هو الراجح مطلقا .
و إما أن يريد به أن أحدهما قطعي , فالقطعي هو المقدم مطلقا , و إذا قدر أن العقلي هو القطعي كان تقديمه لكونه قطعيا . لا لكونه عقليا .
فعلم أن تقديم العقلي مطلقا خطأ كما أن جعل جهة الترجيح كونه عقليا خطأ .
الوجه الثاني :
أن يقال لا نسلم انحصار القسمة فيما ذكرناه من الأقسام الأربعة , إذ من الممكن أن يقال :
يقدم العقلي تارة و السمعي أخرى , فأيهما كان قطعيا قدم , و إن كانا جميعا قطعيين , فيمنع التعارض و إن كانا ظنيين فالراجح هو المقدم .
فدعوى المدعي : أنه لابد من تقديم العقلي مطلقا أو السمعي مطلقا , أو الجمع بين النقيضين , أو رفع النقيضين – دعوى باطلة – بل هناك قسم ليس من هذه الأقسام كما تقدم , بل هو الحق الذي لا ريب فيه .
الوجه الثالث :
هو العقل أصل في إثبات الشرع في نفسه أم أصل في علمنا به ؟
قوله : " إن قدما النقل كان ذلك طعنا في أصله الذي هو العقل , فيكون طعنا فيه " غير مُسَلم .
وذلك لان قوله : " إن العقل أصل النقل " إما أن يريد به :
أنه أصل في ثبوته في نفس الأمر أو أصل في علمنا بصحته .
فالأول لا يقوله عاقل , فإن ما هو ثابت في نفس الأمر بالسمع أو بغيره هو ثابت , سواء علمنا بالعقل أو بغير العقل ثبوته و عدم علمنا بالحقائق و لا ينفي ثبوتها في أنفسها .
فتبين بذلك أن العقل ليس أصلا لثبوت الشرع في نفسه .
الوجه الرابع :
أن يقال إما أن يكون عالما بصدق الرسول , و ثبوت ما أخبر به في نفس الأمر ,
و إما أن لا يكون عالما بذلك .
فإن لم يكن عالما امتنع التعارض عنده إذا كان المعقول معلوما له , لان المعلوم لا يعارضه المجهول و إن لم يكن المعقول معلوما لم يتعارض مجهولان .
الوجه الخامس :
هل أخبرت الرسل بموارد النزاع ؟
إنه إذا علم صحة السمع و إن ما أخبر به الرسول فهو حق فإما أن يعلم أنه أخبر بمحل النزاع , أو يظن أنه أخبر به أو لا يعلم ولا يظن .
فإن علم أنه أخبر به امتنع أن يكون في العقل ما ينافي المعلوم بسمع أو بغيره , فإن ما علم ثبوته أو انتفاؤه لا يجوز أن يقدم دليل يناقض ذلك .
و إن لم يكن في السمع علم و لا ظن فلا معارضة حينئذ ٍ , فتبين بذلك أن الجزم بتقديم العقل مطلقا خطأ و ضلال .
الوجه السادس :
يجب تقديم الشرع عند مظنة التعارض
أن يقال إذا تعارض الشرع و العقل وجب تقديم الشرع , لان العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به و الشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به , و لا العلم بصدقه موقوف على كل ما يخبر به العقل .
و معلوم أن هذا إذا قيل أوجه من قولهم كما قال بعضهم : يكفيك من العقل أن يعلمك صدق الرسول و معاني كلامه و بين ابن تيمية رحمه الله في هذا الوجه أن معارضة الشرع للعقل ليس فيه حجة على تقديم أراء العقلاء على الشرع .
|