الوجه السابع :
أن يقال : تقديم المعقول على الدلالة الشرعية ممتنع متناقض و أما تقديم الأدلة الشرعية فهو ممكن مؤتلف .
فلو قيل بتقديم العقل على الشرع , و ليست العقول شيئا واحدا بينا بنفسه بل فيه الاختلاف و الاضطراب و أما الشرع فهو في نفسه قول الصادق و هذه صفة لازمة له لا تنفك عنه و لا تختلف باختلاف الناس .
الوجه الثامن :
موارد النزاع من الأمور الخفية
أن يقال : المسائل التي يقال أنه قد تعارض فيها العقل و السمع من المسائل البينة المعروفة بصريح العقل , كمسائل الحساب الهندسة و نحو ذلك بل لم ينقل أحد بإسناد صحيح عن نبينا صلى الله عليه و سلم شيئا من هذا الجنس إلا في حديث مكذوب موضوع يعلم أهل النقل أنه مكذوب مثل حديث عرق الخيل و أمثالها من الأحاديث المكذوبة الموضوعة باتفاق أهل العلم فلا يجوز لأحد أن يدخل هذا و أمثاله في الأدلة الشرعية .
الوجه التاسع :
إلى عقل من نحتكم عند النزاع ؟
و هو أن يقال : القول بتقديم الإنسان معقولة على النصوص النبوية قول لا ينضبط ,
و ذلك لان أهل الكلام و الفلسفة المتنازعين فيما يسمونه عقليات كل منهم يقول : " إنه يعلم بضرورة العقل أو بنظره ما يدعى الأخر أن المعلوم بضرورة العقل أو بنظره نقيضه .
الوجه العاشر :
مجادلة أهل الباطل بالتي هي أحسن
أن يعارض دليلهم بنظير ما قالوه , فيقال إذا تعارض العقل و النقل وجب تقديم النقل لان الجمع بين المدلولين جمع بين نقيضين و رفعهما رفع للنقيضين و تقديم العقل ممتنع , لان العقل دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه و سلم فلو أبطلنا النقل لكنا أبطلنا دلالة النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل لم يصح أن يكون معارضا للنقل فكان تقديم العقل موجبا عدم تقديمه فلا يجوز تقدمه .
الوجه الحادي عشر :
الدليل اليقيني هو القطعي في دلالته
إن ما يسميه الناس دليلا من العقليات و السمعيات ليس كثير من دليلا و إنما بظنه الظان دليلا و هذا متفق عليه بين العقلاء .
فنقول :
أما المتبعون للكتاب و السنة من الصحابة و التابعين و تابعيهم فهم متفقون على دلالة ما جاء به الشرع في باب الإيمان و الأسماء و الصفات و اليوم الأخر و ما يتبع ذلك و المعارضون لذلك من أهل الكلام لم يتفقوا على دليل واحد من العقليات مع العلم أن أهل الحق لا يطعنون في جنس هذه الأدلة العقلية و إنما فيما يدعي المعارض أنه يخالف الكتاب و السنة و ليس في ذلك دليل صحيح في نفس الاسم و لا دليل مقبول عند عامة العقلاء .
الوجه الثاني عشر :
كل ما عارض الشرع علم فساده بالعقل
إن كل ما عارض الشرع من العقليات فالعقل يعلم فساده و إن لم يعارض العقل و ما علم فساده بالعقل لا يجوز أن يعارض به لا عقل و لا شرع .
و هذه الجملة تفصيلها هو الكلام على حجج المخالفين للسنة من أهل البدع بأن نبين بالعقل فساد تلك الحجج و تناقضها و من تأمل ذلك وجد في المعقول مما يعلم فساد المعقول المخالف للشرع مالا يعلمه إلا الله .
الوجه الثالث عشر :
علم المحدثين بمقاصد الرسول
أن يقال : إن أهل العناية بعلم الرسول , العالمين بالقرآن عندهم من العلوم الضرورية بمقاصد الرسول و مراده ما لا يمنعهم دفعه عن قلوبها و لهذا كانوا متفقين على ذلك من غير تواطؤ و لا تشاغر كما اتفق أهل الإسلام على نقل حروف القرآن و نقل الصلوات الخمس و القبلة بالتواتر ومعلوم أن النقل المتواتر يفيد العلم اليقيني سواء كان التواتر لفظيا أو معنويا .
الوجه الرابع عشر :
الأمور الشرعية فطرية
بأن يقال : الأمور السمعية التي يقال أن العقل عارضها كإثبات الصفات و المعاد
و نحو ذلك , و هي مما علم بالاضطرار أن الرسول صلى الله عليه و سلم جاء بها و ما كان معلوما بالاضطرار من دين الإسلام امتنع أن يكون باطلا مع كون الرسول رسول الله حقا , و فمن قدح في ذلك و أدعى أن الرسول لم يجئ به كان قوله معلوم الفساد بالضرورة من دين المسلمين .
الوجه الخامس عشر :
الدليل إما قطعي و إما غير قطعي
أن يقال : كون الدليل عقليا أو سمعيا ليس هو صفة مدحا أو ذما و لا صحة ولا فسادا بل ذلك يبين الطريق الذي به علم , و هو السمع أو العقل وان كان السمع لابد له من العقل و كذلك كونه عقليا أو نقليا , و إما كونه شرعيا فلا يقابل بكونه عقليا
و إنما بكونه دعيا إذ البدعة تقابل الشرعة و كونه يدعيا صفة ذم و شرعيا صفة مدح وما خالف الشريعة فهو باطل .
|