رابعاً : إدعاء علم الغيب والأعتماد على الكواكب :
ثم هؤلاء القوم تخنثوا وتميعوا فى دينهم , وأظهروا أموراً قبيحة مستنكرة , مستخفين بالعقول مستظرفين الدم وما أثقلة , ترى الرقة فى دين أحدهم ما تتعجب له , فالرجال منهم ممسوخون بطريقة النساء فى التزين والتطيب والتجميل , فأحدهم يحلق لحيتة ولا يبالى ولقد سار كثير من أبناء المسلمين على هذه الطريقة أعنى حلق اللحى , لكن هؤلاء أظهروا التدين والتعفف والتقشف والزهادة , فكان حرى بهم بأن يتأسوا بالرجال , ثم هم يعظمون الكواكب والنجوم , وينكرون على من أنكر عليهم تعظيمهم بأن هذا هو شرك أو بعض شرك قوم إبراهيم كما قال ابن تيمية "ومن الشرك ما كان أصله عبادة الكواكب إما الشمس وإما القمر وإما غيرهما وصورت الأصنام طلاسم لتلك الكواكب وشرك قوم إبراهيم - والله أعلم - كان من هذا أو كان بعضه من هذا" .
يقولون كانوا يعبدونهم ويصورون لهم ونحن لا نصنع ذلك , وقصروا العبادة على السجود والركوع , فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا , إن تعظيم هذه الكواكب والأعتقاد بأن لها تأثير أو أن لها تفسير للحوادث فيه شرك بالله من غير ما ركوع ولا سجود , وكثير من هؤلاء لديهم كتب فيها من الطلاسم والأمور العجيبة وأسماء للجان ما يعتمدون عليه فى تفسير بعض الأمور والأشياء وكلها كذب وزور , إلا ما شاء الله تعالى , ولقد أرانى واحد مما يهتم بالكواكب والنجوم كتابا فيه من الكفر والشرك والسحر والاعتقاد بالكوكب والنجوم والتوكل على غير الله تعالى ما الله به عليم , ولما سألته عن هذا العجب أتهمنى بالتوهب وأخذ الدين من ظواهر النصوص لا من بواطنها , والله المستعان .
ومن هذا الباب ما تراه فى الجرائد والمجلات وقنوات فضائية تمرر هذا الكفر البواح , والشرك الصريح , من إدعائهم بعلم الغيب , فتجد أن ساقطة من ساقطات الزمان قد سطرت بيد وقحة أن الغد ملئ بالمفاجأت وأن اليوم لبرج كذا مشؤم بالمهمات , فيرسخون عند العامة والدهماء التشاؤم والتفائل كما كان فى الجاهلية الأولى , ومرروا الأعتقاد بأن ثم علما بالتوقعات مرتبط بالفلك , وكله من باب التحايل على الشرع والدين ولا يخرج هذا أو ذاك من جملة الشرك بالله والأعتماد على النوء والخزعبلات .
وخلاصة بعض ما ينكر على هؤلاء :
1 إدعائهم علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله جل فى علاه .
2 استخفافهم بالدين والشريعة لما استباحوا لآنفسهم المزاح فى مثل هذا الجد إذا ما شددت على أحدهم بالإدلة والبيان .
3 تأصيل مبدئ التشاؤم والتفائل كما كان فى الجاهلية الأولى .
4 التقول على الله بغير علم لما قالوا إن غدا فيه كذا من الخير أو الشر ولا يقدر هذا إلا الله سبحانه , كله بيد الله فكيف يقولون على الله وعلى مشيئتة.
5 إستخدامهم كتب السحر والطلاسم , وإعتمادهم على كتب الفلك المسمومة المسخوطة المكتوبة بأيدى الفلاسفة , أفلا يعقلون , يأخذون دين الإسلام من كتب اليونان.
6 إرتدائهم ثوب العرافة والكهانة ولو أدعوا غير ذلك فالعبرة بالعمل لا بالمسمى .
7 كثر منهم يعمل بالسحر والشعوذة والإستعانة بالجن حتى نقل لى أن أحدهم قال " أنا أعلم الغيب " .
--------------------------------------------------------
مجموع الفتاوى - شيخ الإسلام ابن تيمية .
|