جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ( البقـرة:184)
هذا النص القرآني الكريم جاء في نهاية الثلث الثاني من سورة البقرة, وهي سورة مدنية, وآياتها مائتان وست وثمانون(286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي تلك المعجزة التي أجراها الله ـ تعالي ـ علي يد عبده ونبيه موسي ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ حين تعرض شخص من قومه للقتل ولم يعرف قاتله, فأوحي الله ـ تعالي ـ إلي عبده موسي أن يأمر قومه بذبح بقرة, وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله, ويخبر عن قاتله, ثم يموت إحقاقا للحق, وشهادة الله ـ تعالي ـ بالقدرة علي إحياء الموتى. هذا وقد سبق لنا استعراض سورة البقرة وما جاء فيها من التشريعات, والعبادات, وركائز العقيدة, ومكارم الأخلاق, والقصص, والإشارات الكونية, ونركز هنا علي بعض أوجه الإعجاز في عبادة الصيام كما جاء ذكرها في القرآن والسنة, وكما أجمله النص القرآني الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال. من أوجه الإعجاز في النص المختار: جاء ذكر الصيام في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة في احدي عشرة آية, موزعة في ست سور هي:( البقرة:183 ـ196,187),( النساء:92),( المائدة:95,89),( مريم:26),( الأحزاب:35),( المجادلة:4), وجاء ذكر شهر رمضان مرة واحدة في القرآن الكريم كله. وجاءت خمس آيات في سورة البقرة(183 ـ187) عن صيام شهر رمضان, وآية واحدة(196) في صيام كفارة التحلل للمحصر, إذا لم يكن قد اشترط في نية الحج أو العمرة, وجاءت الإشارة إلي الصيام في سورة النساء كفارة للقتل الخطأ للمؤمن إذا لم يستطع القاتل تحرير رقبة مؤمنة ودفع الدية. وجاءت الإشارة إلي الصيام في سورة المائدة مرة بمعني كفارة لليمين, وأخري كفارة لقتل الصيد في أثناء الإحرام بالحج والعمرة أو بهما معا, وجاءت الإشارة إلي الصوم في سورة مريم بمعني الامتناع عن الكلام مع الآخرين, وهي خصوصية كانت لكل من زكريا ـ عليه السلام ـ والسيدة مريم ـ عليها رضوان الله. وجاءت الإشارة إلي الصائمين والصائمات لكل من الفرض والنوافل في سورة الأحزاب, كما جاءت الإشارة في سورة المجادلة إلي الصيام وكفارة للظهار. وفي سورة البقرة يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة:183). والخطاب هنا للمؤمنين في زمن البعثة المحمدية الشريفة يخبرهم أن الصيام كتب عليهم كما كتب علي الذين من قبلهم( من لدن آدم إلي زمانهم), وفي ذلك تأكيد علي وحدة رسالة السماء المستمدة من وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ, وتأكيد كذلك علي أن الله ـ تعالي ـ قد ختم رسالات السماء ببعثة الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ فليس من بعده نبي ولا رسول, لذلك قال ـ تعالي ـ:... كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم.. ويدعم ذلك استخدام الفعل( كتب) بدلا من( شرع) أو( فرض) أو( وصي) لأن هذه الأفعال وقتية, تتعلق بالشرائع الخاصة بأمة من الأمم في زمن من الأزمان, لكن الفعل( كتب) يشير إلي ثبات الحكم إطلاقا, بمعني أن صيام شهر رمضان المبارك بالهيئة التي حددها لنا كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كان مكتوبا علي الأمم من قبلنا كما هو مكتوب علينا, وإن انحرف أهل الكتاب عنه, وابتدعوا فيه ما لم ينزل به الله سلطانا. والصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب وعن غيرهما من المفطرات نهارا كاملا من طلوع الفجر الصادق, إلي غروب الشمس, والصيام منه المفروض وهو صيام شهر رمضان أداء وقضاء, وهو ركن من أركان الإسلام, ومنه صيام الكفارات, والصيام المنذور, وهناك الصيام المسنون أو المندوب, ومنه الصوم في شهر المحرم( وأفضله التاسع والعاشر منه), والصيام في رجب وشعبان وبقية الأشهر الحرم, ومنه صيام ثلاثة أيام من كل شهر, ويندب أن تكون هي الأيام البيض( أي: الثالث عشر إلي الخامس عشر من الشهر العربي), كما يندب صوم التاسع من ذي الحجة( يوم عرفة) لغير القائم بأداء الحج, ويندب صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع, وصوم ست من شوال مطلقا, وللقادر علي صيام يوم وإفطار يوم أفضل أنواع الصيام المندوب. أما الصيام المكروه فهو إفراد يوم الجمعة وحده, أو يوم معلوم من أيام أصحاب المعتقدات الفاسدة وحده بالصيام, ومن المكروه وصل الصيام في شعبان بصوم رمضان. ومن الصيام المحرم صيام يوم العيدين( عيد الفطر وعيد الأضحي), وصيام أيام التشريق, وصيام المرأة نفلا بغير إذن زوجها, ومنه صيام الدهر, وصوم الوصال( وهو مواصلة الإمساك نهارا وليلا), ومنه صوم الصمت( أي الامتناع عن الكلام لفترة طويلة). أوجه الحكمة من الصيام: وأوجه الحكمة من الصيام عديدة, منها ما يلي: 1- تقوي الله, لذلك ختمت الآية الكريمة بقوله ـ تعالي ـ:.. لعلكم تتقون, والتقوي تعرف بالإيمان بالله الخالق, البارئ المصور, والخضوع لجلاله وحده بالعبودية والطاعة, وخشيته في السر والعلن, وهو ما يعبر عنه بتعبير الخوف من الجليل, والعمل بالتنزيل أي تطبيق القرآن الكريم أمرا واقعا في حياة الناس أفرادا وجماعات, والاستعداد ليوم الرحيل أي: الاستعداد للموت, وهذه القضايا الثلاث تؤصل فهم رسالة الإنسان في هذه الحياة, عبدا لله ـ تعالي ـ يعبده بما أمر, وينفذ أوامره, ويتقي محارمه, ومستخلفا ناجحا في الأرض, مطالبا بعمارتها وإقامة شرع الله وعدله فيها طيلة عمره( أجله) الذي ليس له من بعده إلا الموت, وحياة البرزخ, ثم البعث والحشر والحساب والجزاء. والذي يصل إلي هذا المستوي من الفهم هو المؤمن الفاقه لدينه, الذي يزيده الصيام طاعة لله, وإيثارا لمرضاته, وتزيده تقوي الله حرصا علي حسن أداء العبادات, ومنها الصيام الذي تحرسه تقوي الله من أي مفسدة لهذه العبادة العظيمة التي قال عنها الله ـ تعالي ـ في الحديث القدسي الذي يرويه المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ عن ربه: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف, إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به.., وقال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد. 2 ـ زيادة الإخلاص في قلب الصائم تجعل الصيام خالصا لوجه الله ـ تعالي ـ وتقوية للإرادة عنده بمداومة المقاومة لكل من الجوع والعطش, ولغيرهما من الشهوات والمغريات, ولذلك قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, وقال: الصوم جنة أي وقاية من المعاصي ومن النار بحرص الصائم علي غض البصر, وستر البدن, وكف الأذي عن الناس, لذلك قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له. 3 ـ إشعار الأغنياء بما يعانيه الفقراء والمعوزون في المجتمعات الإنسانية من معاناة الجوع والعطش وآلام الفاقه, فيذكرهم ذلك بحقوق المحتاجين عليهم, ويعودهم علي حسن الرعاية لهم, وجاء في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: إن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن, فلا رسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ أجود بالخير من الريح المرسلة. فشهر رمضان هو شهر تدريب المسلمين علي الجود والكرم والبذل في سبيل الله, وفي ذلك يقول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء. 4 ـ تذكير المسلمين بمدارسة القرآن الكريم في الشهر الذي أنزل فيه هذا الكتاب العزيز هدي ورحمة للمؤمنين, حتي يتعودوا علي ملازمته في حياتهم قراءة وفهما وتدبرا وتطبيقا واقعا في حياة الناس, ورسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول: الصيام والقرآن يشفعان يوم القيامة للعبد, يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه, ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه, قال: فيشفعان. 5 ـ تعويد الصائم علي ضبط النفس, والبعد بها عن جميع صور الحرام من الغش والاحتيال والظلم والسرقة والربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل, وتعويدها علي تقويم السلوك, والالتزام بمكارم الأخلاق, فالرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يقول: إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب, فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم. ويقول ـ صلي الله عليه وسلم ـ: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه. 6 ـ تعويد المسلم علي الاجتهاد في العبادة: فرائضها ونوافلها, فيجمع إلي الصلوات المفروضة العديد من السنن, ومنها سنة صلاة التراويح, وقيام الليل, والمواظبة علي تلاوة القرآن والتفقه في الدين, وحضور مجالس العلم, وأداء العمرة إن استطاع إلي ذلك سبيلا لقول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم: عمرة في رمضان تقضي حجة معي, وكان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يجتهد في العبادة طوال شهر رمضان ما لا يجتهد في غيره, خاصة في العشر الأواخر منه, فعن أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: إن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل, وأيقظ أهله, وشد المئزر, وعنها ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتي توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده, وروي الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. 7 ـ تعريض المسلم لبركات ليلة القدر التي يصفها القرآن الكريم بأنها خير من ألف شهر( أي: أن العبادة فيها تعدل العبادة في أكثر من83 سنة), ورسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, وقال: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان, هذا فضلا عن بركات شهر رمضان, وهو الشهر الوحيد الذي ذكر اسمه صراحة في كتاب الله, والذي اختصه الله ـ تعالي ـ بإنزال القرآن الكريم فيه, فقال ـ عز من قائل ـ: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان( البقرة:185), لذلك قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة, وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين. ويؤكد رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن جميع ما نعلم من رسالات السماء أنزل في هذا الشهر الفضيل, فقال: أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان, وأنزلت التوراه لست مضت من رمضان, وأنزل الزبور لثلاث عشرة مضت من رمضان, وأنزل الإنجيل لثماني عشرة خلت من رمضان, وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان, وهذا يؤكد مرة أخري وحدة رسالة السماء المنبثقة من وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ كما يؤكد علي حرمة وكرامة هذا الشهر عند رب العالمين, لذلك قال المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ: من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه. 8 ـ إحياء روح الجهاد في أمة الإسلام, وذلك بتذكير المسلمين بأن جميع انتصاراتهم العسكرية كانت في هذا الشهر الفضيل من غزة بدر الكبري, إلي فتح مكة, إلي معركة الشرف والكرامة في العاشر من رمضان سنة1393 هـ/1973 م. 9 ـ إتاحة الفرصة لأجساد الصائمين بأخذ فترة راحة استشفائية يتم خلالها إصلاح أعطابها, وتطهيرها مما تجمع فيها من الدهون, والشحوم, والسموم, والنفايات علي مدي السنة, خاصة عند المصابين بالالتهابات المزمنة في الجهاز الهضمي وغدده, والمبتلين بزيادة الوزن مما يؤدي إلي التهابات المفاصل التنكسي في الركبتين, وعند المصابين بارتفاع ضغط الدم واضطرابات الجهاز الدوري بصفة عامة, وذلك لأن10% من كمية الدم التي يدفع بها القلب إلي الجسم تذهب إلي الجهاز الهضمي في أثناء عملية الهضم, ويتوقف ضخ هذه الكمية في أثناء الصيام مما يقلل من جهد عضلة القلب ويريحها طوال فترة الصيام. هذا بالإضافة إلي ما ثبت للصوم من تأثيره الإيجابي علي قدرات التفكر والتذكر, وتقوية جهاز المناعة, والشفاء من العديد من الأمراض من مثل أمراض الكلي والمثانة وغيرها, ولذلك قيل: صوموا تصحوا. 10 ـ صوم شهر رمضان يذكر المسلمين بحقيقة أنهم أمة واحدة, لديها من عوامل التوحد ما لا يتوافر لغيرها من الأمم التي أدركت أننا نعيش اليوم في عالم التكتلات البشرية الكبيرة, فتوحدت, في الوقت الذي تسعي لمزيد من تفتيت المسلمين بعد أن قطعت أوصالهم في أكثر من57 دولة ودويلة فبعثرت إمكاناتهم المادية والمعنوية والبشرية, وأدت إلي تخلفهم في كل منحي من مناحي الحياة, ولعل كل رمضان يمر بالمسلمين يذكرهم بحقيقة أنهم أمة واحدة حتي يبادروا بتجسيد ذلك أمرا واقعا, إنقاذا لأنفسهم وللبشرية الضالة من حواليهم من الهلاك. من أجل ذلك قال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ( البقرة:183 ـ184). وفي ختام هاتين الآيتين الكريمتين يتضح عدد من أوجه الإعجاز العلمي والتشريعي والإنبائي في النص القرآني الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال, فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. |
#2
|
|||
|
|||
ونفع بكم وبعلمكم
|
أدوات الموضوع | |
|
|