#1
|
|||
|
|||
الإحكام في فقه الرؤى والحلام
نعرض إن شاء الله لجملة من أحكام الرؤى والأحلام بصورة سهلة ومبسطة :
معنى الرؤيا ، والحُلْم : الرؤيـــا : ما يراه الإنسان في نومه ، وجمعها (رُؤىً) أما الرؤية بالتاء المربوطة ، فقد قال الراغب([1]) : إدراك المرء بحاسة البصر (بمعنى: ما يراه الإنسان بالعين) . وتطلق على ما يدرك بالتخيل ، نحو : أرى أن زيدا مسافر ، وعلى التفكر النظري ، نحو : (إني أرى ما لا ترون) وعلى الرأي ، وهو : اعتقاد أحد النقيضين على غلبة الظن . انتهى والحُــلْـمُ([2]) : بضم الحاء ، يعني الرؤيا ، أي مايراه الإنسان في نومه أيضا ، وجمعه (أحلام) فالرؤيا والحُلم بمعنى واحد ، إلا أنَّ النبي r قد فرَّقَ بينهما([3]) ، فجعل الرؤيا في الخير ، وهي من الله ، أما الحُلم فجعله في الشر ومن الشيطان. قال ابن الجوزي رحمه الله([4]): اعلم أن الرؤيا والحلم بمعنى واحد ، غير أن صاحب الشرع ، خصَّ الخيرَ باسم الرؤيا ، والشرَ باسم الحُلم . قال ابن حجر رحمه الله([5]): وظاهر قوله r" الْرُؤيا مِن اللهِ ، والْحُلْمُ مِن الشَّيْطَانِ " ([6]) أن التي تُضاف إلى الله لا يُقال لها حُلم ، والتي تُضاف للشيطان لا يُقال لها رؤيا ، وهو تصرف شرعي ، وإلا فالكل يُسمى رؤيا ، وقد جاء في حديث آخر (الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ)([7]) فأطلق على كلٍ رؤيا . بيان لمعنى بعض الكلمات : - تعبير الرؤيا أو عبارة الرؤيا : أي تفسير الرؤيا . قال المناوي رحمه الله([8]): التعبير مُخْتص بتفسير الرؤيا ، وهو العبور من ظواهرها إلى بواطنها ، وهو أخص من التأويل، فإن التأويل: يُقال فيه (أي : في تفسير الرؤيا) وفي غيره. - مُعَبِرُ أو عَابر الرؤيا : يُقصد بهذا : مُفسر الرؤيا . قال في القاموس ([9]): عبَرَ الرُّؤيا عَبْراً وعِبارةً وعَبَّرَها : فَسَّرَها وأخْبَرَ بآخِرِ ما يَؤُولُ إليه أمْرُها . واسْتَعْبَرَه إيَّاها : سَألَه عَبْرَها . وفي المصباح([10]) : ( عَبَرْتُ ) الرؤيا ( عَبْرًا ) أيضا و ( عِبَارَةً ) فسرتها و بالتثقيل مبالغة وفي التنزيل ( إِنْ كُنْتُمْ للرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) يقال([11]) : عَبَرتُ الرُّؤْيا أعبُرُها عَبْراً وعَبَّرتُها تَعْبيراً إذا أوّلْتَها وفَسَّرتها وخَبَّرت بآخِر مَا يؤَول إليه أمرُها . يقال : هو عَابِرُ الرُّؤْيا وعابرٌ للرُّؤْيَا وهذه اللام تُسَمى لاَمَ التَّعْقِيب لأنَّها عَقَّبَت الإضافَة. وقال ابن منظور رحمه الله([12]): قيل لعابر الرؤيا : عابر ؛ لأنه يتأمل ناحيتي الرؤيا([13])، فيتفكر في أطرافها ، ويتدبر كل شيء منها ، ويمضي بفكره فيها ، من أول ما رأى النائم إلى آخره - أضغاث أحلام : الأضغاث مفردها : الضِّغْث ، وهو الشيء المختلط في بعضه فلا يتضح ، أو الشيء الذي التبس بعضه ببعض. فأضغاث أحلام : بمعنى الأحلام التي لا تأويل لها ولا خير فيها لاختلاطها ، ودخول بعضها في بعض. فقوله تعالى : (قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ) {أي: رؤياك أخلاط([14]) (ملتبسة) ليست برؤية بَيِّنةٍ. - الحِلْمُ ([15]): الحلم بالكسر الأناة والصفح ، فالحليم الذي لا يستفزه غضب ، ولا يستخفه جهل جاهل ولا عصيان عاص. ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحلم وقال المناوي رحمه الله ([16]): الحلم احتمال الأعلى الأذى من الأدنى ، وهو ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب ، وعَبَّرَ عنه بعضهمبالطمأنينة عند الغضب. أقسام الرؤى والأحلام([17]) الرؤيا أو الحُلم التي يراها الإنسان في نومه لا تخرج عن ثلاثة أقسام : 1-رؤيا حسنة. 2- حُلم سيء. 3- الأضغاث. أولاً : الرؤيا الحسنة أو الصالحة أو الصادقة([18]): هي التي ترى فيه ما تحب، أو ما يمنعك عن شر تريد فعله. ثانياً :الحلم السيء : هو الذي ترى فيه ما يحزنك ، أو يفزعك. ثالثاً : الأضغاث : أي الأخلاط : وهي أنواع : الأول : تلاعب الشيطان بالإنسان ، كأن يرى رأسه قُطعت وهو يتبعه([19]). الثاني : أن يرى بعض الأفاضل ، أو أهل الصلاح يحرضونه على الشر أو على المحرمات . الثالث : أن يرى ما يحدث به نفسه أو يتمناه : كأن يشغلك أمر ما ، وتكثر التفكير فيه، فلمَّا تنام تراه في نومك. أو تكون معتاد على فعل شيء في يقظتك كأن تتناول الطعام في وقت معين، ثم تنام فيه، فترى في منامك أنك تأكل، أو تنام ممتلأ البطن من الطعام، فترى أنك تتقيأ، أو ما شابه ذلك. فمثل هذا النوع من الأحلام لا تعبير له أو تفسير إنما هو أضغاث أحلام فلا يشغلك. ودليل هذ : عن أبي هريرةt قال رسول الله r : (... الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ...)([20]) قال البغوي رحمه الله([21]): قوله (الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ) فيه بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا ، ويجوز تعبيره(تفسيره) ، إنما الصحيح منها ما كان من الله عزوجل يأتيك به ملك الرؤيا([22]) من نسخة أم الكتاب ، وما سوى ذلك أضغاث أحلام. انتهى. للموضوع تتمة إن شاء الله ..... ـــــــــــــــــ 1) فتح الباري لابن حجر [ج12- ص 369] ونقل أيضا في الفتح كلام القرطبي في "المفهم" فقال : قال بعض العلماء : قد تجيء الرؤية بمعنى الرؤيا كقوله تعالى (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) فزعم أن المراد بها ما رآه النبي r ليلة الإسراء من العجائب وكان الإسراء جميعه في اليقظة . قلت : وعكسه بعضهم فزعم أنه حجة لمن قال أن الإسراء كان مناما ، والأول المعتمد وقد تقدم في تفسير الإسراء قول ابن عباس إنها رؤيا عين . ويحتمل أن تكون الحكمة في تسمية ذلك رؤيا لكون أمور الغيب مخالفة لرؤيا الشهادة فأشبهت ما في المنام 2) قال البغوي رحمه الله في شرح السنة [ج6- ص295] يُقال : حَلَمَ ، يَحْلُم ، حُلماً ، إذا رأى في منامه شيئا ، وحَلُمَ : بضم اللام : يحلُمُ ، حُلما : إذا توقَّرَ فلم يخف بسماع ما يكره= = وحَلِمَ الأديم (الجلد) بكسر اللام ، يحلَمُ ، إذا فسد قبل الدباغ . وقال أبو العباس القرطبي في (المفهم) [ج6- ص3] الحُلْم ـ بضم الحاء وسكون اللام _ مصدر حَلَمت ـ بفتح الحاء واللام ـ إذا رأى في منامه رؤيا ، وتُجمع على أحلام في القلَّة ، وفي الكثرة : حلوم ، وإنما جُمِع ، وإن كان مصدراً لاختلاف أنواعه ، وهو في الأصل عبارة عما يراه الرائي في منامه حسناً كان أو مكروها . 3) هذا معنى حديث صحيح ، سيأتي بلفظه ، إن شاء الله. 4) غريب الحديث [ج1-ص 239] 5) فتح الباري شرح صحيح البخاري [ج12- ص386] 6) (صحيح) البخاري ، كتاب التعبير [6984] 7) هذا جزء من حديث صحيح سيأتي إن شاء الله. 8) التعاريف للمناوي [ص184] وانظر الفتح [ج12- ص369] فيه قال الحافظ : التعبير خاص بتفسير الرؤيا ، وهو العبور من ظاهرها إلى باطنها ، وقيل النظر في الشيء فيعتبر بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه ، حكاه الأزهري ، وبالأول جزم الراغب ، وقال : أصله من العَبْر بفتح ثم سكون وهو التجاوز من حال إلى حال .وخصوا تجاوز الماء بسباحة أو في سفينة أو غيرها بلفظ العُبُور بضمتين.وعَبر القوم إذا ماتوا ، كأنهم جازوا القنطرة من الدنيا إلى الآخرة . قال : والاعتبار والعبرة الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد. ويُقالُ : عَبَرتُ الرؤيا بالتخفيف إذا فسرتها ، وعَبَّرتُها بالتشديد للمبالغة في ذلك ، وأما الرؤيا فهي ما يراه الشخص في منامة وهي بوزن فُعْلى. 9) القاموس المحيط ، باب الراء فصل العين 10) المصباح المنير [ج2- ص 389] 11) النهاية في غريب الأثر [ج3 - ص373] 12) لسان العرب [ج4- ص529] ط دار صادر 13) يقصد بناحيتي الرؤيا : باطنها وظاهرها ، كما يظهر من حال الشخص الذي رآها . 14) تفسير ابن كثير [ج2] ولسان العرب لابن منظور [ج2- ص 163] 15) المطلع للبعلي [صفحة 397 ] 16) التعاريف [ص294] التعريفات الجرجاني [ص125] وزاد : الحلم : تأخير مكافأة الظالم. 17) ذكر ابن حجر في الفتح [ج12 – ص371] أن جميع المرائي تنحصر على قسمين : الصادقة : وهي رؤيا الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين ، وقد تقع لغيرهم بندور وهي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم ، والأضغاث : وهي لا تنذر بشيء ، وهي أنواع : الأول : تلاعب الشيطان ليحزن الرائي كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه ، أو رأى أنه واقع في هول ، ولا يجد من ينجده ونحو ذلك ، الثاني : أن يرى أن بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات مثلا ونحوه من المحال عقلا ، الثالث : أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه فيراه كما هو في المنام ، وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة أو ما يغلب على مزاجه ويقع عن المستقبل غالبا وعن الحال كثيرا وعن الماضي قليلا. 18)الرؤيا الصادقة : فهي ما يقع في الواقع كما رآه في النوم ، أو ما يفسر في المنام ، أو يخبر بها ما لا يكذب ، الفتح[ج12- ص371] وسيأتي الحديث عن الرؤيا الصادقة ، إن شاء الله . 19) هذا معنى حديث صحيح سيأتي ذكره إن شاء الله . 20) (صحيح) مسلم [2263] أبو داود [ج4-5019] الترمذي [4 – 2270] 21) شرح السنة للبغوي [ج1 – ص 297] ط دار الكتب العلمية 22) سيأتي إن شاء الله ، بيان أنه لا دليل من الشرع على وجود ملك مخصص للرؤيا. |
#2
|
|||
|
|||
بارك الله فيك وجزاك كل خير
دمت بخير وللخير |
#3
|
|||
|
|||
تابع الإحكام في فقه الرؤى والأحلام
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، آداب الــــــرؤى ولكل نوع من هذه الرؤى آداب وسلوكيات يجب أن يراعيها العبد ، حتى يتم له الخير ، إن كانت حسنة ، أو يدفع عنه السوء إن كان الحلم سيئاً. أولاً : الرؤيا الحسنة أو الصالحة : فَمَنْ أَنْعَمَ الله عليه برؤية حسنة فعليه : أن يعلم أنها من الله . وأن يستبشر بها خيراً. وأن يحمد الله عليها. وأن يحكيها إن شاء، ولكن لمن يحبه فقط([1]). ويد ل على ما سبق : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ r يَقُولُ : (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ ، فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا ..)([2]) وفي لفظ عند مسلم من حديث أبي قتادة t «... فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً فَلْيُبْشِرْ وَلاَ يُخْبِرْ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ »([3]) الرؤيا الحسنة ، قد لا تتحق ، وقد تكون من تليس الشيطان. - وقد يرى أحدهم رؤيا حسنة ، ولكنها قد تكون من تلبيس الشيطان وخداعه بالعبد ، وخاصة إذا كان قريب عهد بطاعة ربه ، وقليل العلم ، فيجعله يرى نفسه قد وصل إلى منزلة ، لم يصل غيره لها ، أو أنه أصبح من أهل الجنة ، فينخدع بعمله فيهلك . عن حارثة بن مضرب : أن رجلا رأى رؤيا : من صلى الليلة في المسجد دخل الجنة ، فخرج عبد الله بن مسعود t وهو يقول : (اخرجُوا ، لا تَغْترُوا ، فَإِنَّمَا هِي نَفْخَةُ شَيْطَانٍ)([4]) و قال الطبري رحمه الله([5]): فإن قال قائل: فإن كانت كل رؤيا حسنة وحى من الله وبشرى للمؤمنين، فما باله يرى الرؤيا الحسنة أحيانًا، ولا يجد لها حقيقة فى اليقظة؟ فالجواب: أن الرؤيا مختلفة الأسباب فمنها من وسوسة وتخزين للمؤمن ، ومنها من حديث النفس فى اليقظة فيراه فى نومه ، ومنها ما هو وحى من الله ، فما كان من حديث النفس ووسوسة الشيطان ، فإنه الذي يكذب، وما كان من قبل الله فإنه لا يكذب. الرؤية الصالحة : من مبشرات النبوة . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍt قَالَ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ r السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ t فَقَالَ « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ ..»([6]) وفي حديث أبي هريرة قال رسول الله : r (لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ ، قَالُوا : وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ)([7]) قال ابن حجر رحمه الله([8]): عند قوله : r (لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ) ظاهر هذا ، مع ما تقدم من أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة ، أن الرؤيا نبوة ، وليس كذلك ، إذ المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة ، أو لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له ، كمن قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، رافعا صوته ، لا يُسمى مؤذنا ، ولا يُقال : أنه أذن ، وإن كانت جزءا من الأذان ، وكذا لو قرأ شيئا من القرآن وهو قائم لا يُسمى مُصليا ، وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة . ويؤيده : حديث أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : (ذَهَبَتْ النُّبُوَّةُ ، وَبَقِيَتْ الْمُبَشِّرَاتُ)([9]) أخرجه أحمد وبن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ولأحمد عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : (لا يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ ، إِلا الْمُبَشِّرَاتُ)([10]) وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r (إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ ، فَلا رَسُولَ بَعْدِي وَلا نَبِيَّ ، قَالَ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ ، قَالَ : قَالَ : وَلَكِنْ الْمُبَشِّرَاتُ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : رُؤْيَا الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ)([11]) قال المهلب : ما حاصله التعبير بالمبشرات خرج للأغلب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله للمؤمن رفقا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه. انتهى . وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : } لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا { فَقَالَ : " مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ مُنْذُ أُنْزِلَتْ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ "([12]) الـرؤيــا الصــادقــة بالجملة : فإن أهل العلم يتفقون على أن الرؤيا الصادقة من الله تعالى ، وأن التصديق بها حق ، وتحتاج إلى التأويل الحسن ، ولا ينبغي أن تُعبر إلا من أهل العلم العارفين بالتأويل ، كما أن فيها من بديع صنع الله ، وجميل لطفه ما يزيد المؤمن فى إيمانه . الرؤيا الصادقة قسمان : الأول : رؤيا لا تحتاج إلى تفسير ، كأن يرى الإنسان في نومه شيئاً ما ، ثم يُصبح يراه في الحقيقة كما رآه في النوم. الثاني : رؤيا تحتاج إلى تفسير ، كأن يرى الإنسان في نومه إشارات أو دلالات ، أو إيحاءات تدل على شيء معين ، يحتاج إلى إدراكها وفهمها ، إعمال العقل والتفكير . كما أن الرؤيا الصادقة ، ربما لا تكون سارة ، بل قد تأتي محذرة من شيء ، قد يقع بالإنسان فيستعد له ، أو تنبه على محرم هو يقع فيه ، فينتهي عنه . أصناف الناس في رؤياهم من حيث الصدق والكذب ، وموافقتها للواقع . 1- الأنبياء ([13]): رؤياهم كلها صادقة ، إذ هي وحي من عند الله عز وجل ، وإن احتاجت أحياناً للتفسير. فَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ"([14]) 2- الصالحون([15]) : الأغلب في رؤياهم الصدق ، وقد لا تحتاج أحياناً إلى تفسير، فتقع كما يراها. 3- مستورون: بمعنى أن حالهم مع الله وسط، فكذلك يكون ما يرونه في نومهم، وسط بين الصواب والتخليط. 4- الفسقة والمبتدعة: فالغالب على رؤياهم التخليط والكذب، وإن ظهر أحيانا في رؤياه الصدق، فغالبا يكون من الشيطان، ليخدعه بنفسه ويزين له ما هو عليه من الباطل، فيعتقد أنه على خير، ويقول له أمارة ذلك أنك ترى الرؤيا فتقع لك. 5- الكفار : يندر في رؤياهم الصدق، وإن وُجِدَ أحياناً كما كان في رؤيا عزيز مصر، ورؤيا السجينين اللذين كانا مع يوسف u. قال ابن حجر رحمه الله([16]): قال أهل العلم بالتعبير : إذا رأى الكافر أو الفاسق الرؤيا الصالحة ، فإنها تكون بشرى له بهدايته إلى الإيمان مثلا أو التوبة ، أو انذار من بقائه على الكفر أو الفسق . وقد تكون لغيره ممن ينسب إليه من أهل الفضل . وقد يرى ما يدل على الرضا بما هو فيه ، ويكون من جملة الابتلاء والغرور والمكر ، نعوذ بالله من ذلك . قال العيني رحمه الله([17]) : معلقا على عنوان البخاري رحمه الله (باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك) أشار (أي : البخاري رحمه الله) بهذا إلى أن الرؤيا الصالحة معتبرة في حق هؤلاء ، بأنها قد تكون بشرى لأهل السجن بالخلاص ، وإن كان المسجون كافرا تكون بشرى له بهدايته إلى الإسلام ، كما كانت رؤيا الفتيين اللذين حُبِسَا مع يوسف عليه السلام صادقة. وقال أبو الحسن بن أبي طالب : وفي صدق رؤيا الفتيين حجة على من زعم أن الكافر لا يرى رؤيا صادقة . وأما رؤيا أهل الفساد فتكون بشرى لهم بالتوبة والرجوع عمَّا هم فيه ، وأما رؤيا الكافر فتكون بشرى له بهدايته إلى الإيمان . انتهى. ،،،، للموضوع تتمة إن شاء الله ...... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ 1) سيأتي بيان سبب تخصيص حكايتها لمن يحبه ، إن شاء الله. 2) (صحيح) البخاري [6584] 3) (صحيح) مسلم [2261] 4) (صحيح) مصنف ابن أبي شيبة [ج 6-30475] 5) شرح ابن بطال لصحيح البخاري [ج9] 6) (صحيح) مسلم [479] 7) (صحيح) البخاري [6990] 8) فتح الباري لابن حجر [ج12- ص392] 9) (صحيح) مسند أحمد [ج6-27185] 10) (صحيح) مسند أحمد [ج6- 25021] 11) (صحيح) مسند أحمد [ج3- 13851] 12) (حسن لغيره) سنن الترمذي [ج4 – 2273] وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت في سنن الترمذي [ج4-2275] وسنن ابن ماجة [ج2- ص3898] مسند احمد [ج5-ص22739] 13) رؤيا الأنبياء ، فإنها حق ووحي ، ومن ذلك قول إبراهيم الخليل - عليه السلام - لابنه : (( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ))[الصافات 102] ومن ذلك رؤيا يوسف عليه السلام حيث قال فيما قص الله سبحانه لنا من خبره : ((يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)) [سورة يوسف الآية 4] وجاء تأويلها في آخر السورة عند قوله تعالى : ((وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا )). [سورة يوسف الآية 100] 14) (صحيح) البخاري ، كتاب التعبير [6982] 15) قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري [ج9] قال المهلب: « الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح » إنما يريد عامة رؤيا الصالحين، وهى التى يُرجى صدقها ؛ لأنه قد يجوز على الصالحين الأضغاث فى رؤياهم . لكن لما كان الأغلب عليهم الخير والصدق وقلة تحكم الشيطان عليهم فى النوم أيضًا، ولما جعل الله فيهم من الصلاح وبقى سائر الناس غير الصالحين تحت تحكم الشيطان عليهم فى= =النوم؛ مثل تحكمه عليهم فى اليقظة فى ألب أمورهم، وإن كان قد يجوز منهم الصدق فى اليقظة فكذلك يجوز فى رؤياهم الصدق أيضًا. 16) الفتح [ج12- ص397] 17) عمدة القاري شرح صحيح البخاري [ج 24- 137] |
أدوات الموضوع | |
|
|