جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
كن صحابيا: جيل فريد
بسم الله الرحمن الرحيم كن صحابيا: جيل فريد بقلم د. راغب السرجانى مقدمة جيل فريد إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: فهذا البحث في الحقيقة هو محاولة للإقتراب كثيرًا من جيل الصحابة، هذا الجيل الراقي الرفيع المستوى الذي لم يتكرر مثله في التاريخ، سواء في السابق لجيل الصحابة، أو في اللاحق له، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لن يأتي جيل مثله إلى يوم القيامة. وعظمة هذا الجيل، وقيمته تأتي من كونه بأكمله يتصف بصفات معينة، من سلامة العقيدة، وكمال الأخلاق، وأمانة النقل، وصفاء القلب، وقوة العزيمة، وحب الجهاد، جيل بأكمله على هذه الدرجة الراقية من الأخلاق والصفات. قد يظهر إنسان نابغة في زمان من الأزمان، أو تظهر مجموعة من الأمناء الصادقين الأبرار في جيل من الأجيال، أما أن يكون الجيل بكامله على هذه الصورة من النقاء، والبهاء، فهذا هو الغريب حقًا، وهذا هو اللافت للنظر فعلًا في أمر هذا الجيل الفريد. فلو ظهر في زمن من الأزمان رجل مثل عمر بن الخطاب مثلا، فهذا من سعادة هذا الجيل، ومن سعادة هذا الزمن، وكذا لو ظهر رجل مثل أبي بكر الصديق، أو رجل مثل طلحة بن عبيد الله، أو مثل خالد بن الوليد، أو مثل أبي هريرة، وهكذا لو ظهر رجل واحد فقط من هذا الصنف من الرجال، لأصبح من سعادة هذا الجيل أن ظهر فيهم مثل هذا الإنسان. لكن أن يظهر كل هؤلاء في زمن واحد هذا هو الأمر العجيب حقًا والفريد حقا. وليس الغرض في هذا البحث أن نسرد الأقوال، والأفعال التي قام بها الصحابة، فهو ليس مجرد سِيَرٍ ذاتية لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود منه التعرض لكل الأحداث التي مرّ بها الصحابة رضي الله عنهم، ولكن المقصود هو أن نتعلم كيف نقلّد جيل الصحابة؟ كيف نكون كجيل الصحابة؟ كيف نسير في طريق الصحابة؟ كيف نصل إلى ما وصل إليه الصحابة سواء في الدنيا أو في الآخرة؟ يتبع إن شاء الله
__________________
وقال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله: انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلا عن الناطق. و ما ضر المسك معاوية عطره
أن مات من شمه الزبال والجعل رغم أنف من أبى |
#2
|
||||
|
||||
قيمة جيل الصحابة ولكن قبل أن نتعلم كيف وصل الصحابة إلى هذا المستوى الراقي، وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، قبل أن نتعلم كيف يمكن أن نسير في طريقهم، أريد في البداية أن أتحدث عن قيمة هذا الجيل. قيمة هذا الجيل في ميزان الإسلام. قيمة هذا الجيل في ميزان التاريخ. بل قيمة هذا الجيل في ميزان الله عز وجل. وسبحان الله، هذا هو الجيل الوحيد الذي تستطيع أن تعرف قيمته في ميزان الله عز وجل؛ لأن هذا لا يتأتى، ولا يمكن معرفته أبدًا على وجه اليقين إلا بإخبار من الله عز وجل في القرآن الكريم، أو عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما عموم البشر بعد هذا الجيل فلا يمكن الجزم أبدا بأن هذا الجيل جيل ثقيل في ميزان الله عز وجل، فمن أين نعرف هذا؟! من الممكن أن نرجح أن هذا إنسانٌ فاضل، أو أنه يسير على طريق الهدى، لكن لا يمكن الجزم بأنه فعلا على طريق الله عز وجل؛ لأن التقييم الإلهي للفرد لا يعتمد فقط على ظاهر الأعمال التي نراها نحن بأعيننا، وإنما يعتمد أيضا على القول، وعلى النيات، وهذا لا يمكن للبشر أن يتيقنوا منه أبدا. نعم هناك شواهد تشير إلى فضائل الرجال والنساء، ولكن هذا كما ذكرنا لا يمكن أن يكون على وجه اليقين، ومن الممكن أن نرى إنسانًا ما، ظاهر الصلاح بينما هو في حقيقته يختلف تمامًا، ولا يعلم ذلك إلا الله عز وجل. تعالوا بنا نقرأ ونتدبر ما قاله الله عز وجل عن أصحاب بيعة الرضوان: [لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبً] {الفتح:18} . هذه الآية لم تُذكر في حق صحابي واحد، أو اثنين، بل ذُكرت في حق ألف وأربعمائة من الصحابة، وقد رضي الله عنهم جميعًا. أيضا اسمع وتدبر قول الله تعالى: [لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {التوبة:117} . فهذه الآية نزلت في حق ثلاثين ألفًا من الصحابة رضي الله عنهم، وهم من شارك في غزوة تبوك. أما الأجيال التي جاءت بعد جيل الصحابة رضي الله عنهم، فمن المستحيل أن نصل إلى يقين أن الله عز وجل تاب على فلان بعينه، لأن الإنسان مهما بلغ من العمل في الدنيا، لا يستطيع أحد أن يجزم بخيريته، أو مكانته عند الله أو درجته في الجنة، أو يتيقن من نجاته من النار. وقد غرس الرسول صلى الله عليه وسلم في صحابته رضي الله عنهم هذا المعنى اللطيف، والذي نستطيع أن نستوعبه مما رواه البخاري عن خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ- امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً، فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ. أي أنه لما ذهب المهاجرون إلى المدينة، قام النبي صلى الله عليه وسلم بتقسيم المهاجرين على دور الأنصار، وذلك عن طريق القرعة، تقول السيدة أم العلاء رضي الله عنها: فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، وَغُسِّلَ، وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ. وسبحان الله من يستطيع منا أن يصل إلى ما وصل إليه عثمان بن مظعون رضي الله عنه، من سَبْقٍ إلى الإسلام، وهجرةٍ إلى الحبشة، وهجرةٍ إلى المدينة، وقد فقد رضي الله عنه عَيْنَهُ في سبيل الله، من يستطيع منا أن يصل إلى ما وصل إليه عثمان بن مظعون رضي الله عنه من ثبات وعزيمة وجهاد وصحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، إنسان متكامل حقًا، ومع هذا كله يقول النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة أم العلاء عندما سمعها تقول هذا الكلام: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ. تقول السيدة أم العلاء: فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ. فعثمان بن مظعون من أهل الجنة فعلا، ويرجو له الرسول صلى الله عليه وسلم الخير كله، لكنه يريد أن يزرع في قلب أم العلاء، وفي قلوب كل المسلمين أننا لا يمكن أبدًا أن نجزم يقينًا أن إنسانًا معينا قد أكرمه الله عز وجل إلا عن طريق الوحي، وعن طريق إخبار الله عز وجل في القرآن، أو إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة المطهرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم قولة عجيبة جدًا، بل في منتهى الغرابة، وهذا من تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي. [/يتحدث عن نفسه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ما زال على قيد الحياة: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي. فقالت السيدة أم العلاء: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا. فقد فهمت رضي الله عنها الدرس، واستوعبت الحكمة التي أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك نفهم ما قاله الصحابي الكريم أبو بكرة رضي الله عنه وأرضاه كما جاء في البخاري ومسلم قَالَ: أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ. مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ. والشاهد من كل هذه الروايات أن الأجيال التي جاءت بعد جيل الصحابة لا يمكن أبدا الجزم بخيريتها، ولا يمكن الجزم بخيرية رجل بعينة ما دام القرآن، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجزم بذلك، ولم يذكر ذلك بوحي، أو بدليل من عند الله عز وجل، وبالطبع هذا ليس مع جيل الصحابة، لأنه قد عُلم على وجه اليقين أنهم سبقوا، وقد عُلم على وجه اليقين أن الله عز وجل قد زكّاهم، فلا يصح أن يقال:عمر بن الخطاب رضي الله عنه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا. لأن عمر بن الخطاب قد زكاه الله عز وجل، وزكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه خاصية فريدة جدًا جدًا لجيل الصحابة، فجيل الصحابة هذا جيل فريد، فريد حقًا، ولن يتكرر، ولأسباب هامة لن يتكرر في التاريخ. فلماذا وصل هذا الجيل إلى هذا المستوى الراقي جدًا؟ أنا أعتبر وصول هذا الجيل إلى هذا المستوى الراقي راجع إلى أسباب ثلاثة: السبب الأول: أن هذا الجيل جيل مختار من الله عز وجل، وهذا يعني أن هؤلاء الصحابة بأعيانهم خُلقوا ليكونوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا بد من وجود أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأن له دورًا لا بدّ له من أن يؤديه، لا بد من وجود عمر بن الحطاب رضي الله عنه؛ لأن عليه دورًا يجب أن يقوم به، ولن يقوم به غيره، لا بد من وجود عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وبلال، وخالد، والسيدة خديجة، والسيدة عائشة، كل الصحابة لا بد من وجودهم بأعيانهم، فالله عز وجل كما يصطفى رسله من الملائكة، ويصطفى رسله من البشر، فكذلك هو يصطفي أصحاب رسوله [اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ]{الحج:75} . لنتدبر كيف يتحدث الله عز وجل عن أصحاب عيسى عليه السلام: [وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ]{المائدة:111} . أي أن الله عز وجل خاطب أصحاب عيسى عليه السلام عن طريق الإلهام، أو الوحي غير المباشر، لا بد أن يعينه على تبليغ رسالته، فيختارهم الله عز وجل بطريقة معينة، بل ما هو أصعب، أصحاب موسى عليه السلام وكلنا يعرف ما اشتهروا به من الشر، والأذى، وسوء الأدب، ومع ذلك يقول الله عز وجل عنهم في كتابه: [وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى العَالَمِينَ(32)وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ] {الدُخان:32،33} . هذا في حق أصحاب موسى عليه السلام مع ما اشتهروا به من الأذى والشر. أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى الإمام أحمد بسنده عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: فَقَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً أَصْحَابُهُ، وَكَانُوا إِذَا نَزَلُوا أَنْزَلُوهُ أَوْسَطَهُمْ. فهم يجعلون رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسطهم حمايةً له صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظوا من نومهم في جوف الليل، ولم يجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عبادة بن الصامت: فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا غَيْرَهُمْ، فَإِذَا هُمْ بِخَيَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَبَّرُوا حِينَ رَأَوْهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْفَقْنَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اخْتَارَ لَكَ أَصْحَابًا غَيْرَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. الصحابة مختارون؛ لأن على أكتافهم تبعة حمل هذا الدين كاملًا من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض أجمعين، ليس هناك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول فماذا لو كان أصحابة يتصفون بكذب، أو بخيانة، أو بكسل، أو بفتور، أو بحبٍ للدنيا، أو انغماس فيها، ماذا سيكون حال الأرض إلى يوم القيامة لو نقل إلينا الدين مشوهًا؟ أو نقل إلينا الدين مغيرًا أو مبدلًا، لذلك اختار الله عز وجل من البشر من يستمعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإنصات، ويستمعون إليه بإمعان وتقدير ثم ينقلون هذا الذي ،استمعوا إليه جميعا فيقيمون بذلك الحجة على أهل الأرض أجمعين، وإلا كيف يحاسب الله أهل الأرض؟ كيف يحاسب من يأتي من البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد قال الله عز وجل: [وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولً] {الإسراء:15} . إذن لا بد أن يوجد جيل يحمل الأمانة، ويُحمّل الأجيال التي تأتي من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانة تمامًا كأن في وسطهم رسول، وليس هناك رسول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الأمر الأول الذي من أجله كان هذا الجيل فريدًا، وغير متكرر، إنه جيل اختاره الله عز وجل بعناية لصحبة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. السبب الثاني: هو أن هذا الجيل مرّ بتجربة فريدة تمامًا ، تراكم خبرات لم يرها أحد من المسلمين بعدهم، هذا الجيل مرّ بتجربة في غاية الندرة، تعالوا بنا نرى هذه التجربة، وهذا الجيل الفريد: يتبع إن شاء الله
__________________
وقال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله: انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلا عن الناطق. و ما ضر المسك معاوية عطره
أن مات من شمه الزبال والجعل رغم أنف من أبى |
#3
|
||||
|
||||
كن صحابيا قيمة جيل الصحابة أولا: رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوه رأي العين، واجتمعوا به، وتعاملوا معه، وصلوا خلفه، واستمعوا إلى حديثه، وهذا الأمر هائل في حد ذاته، إن المؤمن بعد جيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جيلنا الآن، وإلى يوم القيامة إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يعتبر هذا حدثًا ضخمًا، وهو بالفعل حدث ضخم، والرسول صلى الله عليه وسلم يهتم جدًا بهذا الحدث، تخيل مجرد رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، هذا أمر يهتم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي. وأعظم من ذلك ما رواه البخاري أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فَي الْيَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي. وفي رواية: فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ. فمجرد الرؤية أمر جليل، وعظيم جدًا فما بالكم بمن كان يراه بعينه في كل يوم، وفي كل لحظة ليس في المنام فحسب، بل في الحقيقة، وليس ساعة أو ساعتين لا، بل عمرًا كاملًا. وأريد منك أن تتخيل معي هذا الموقف: عندما أصف لك إنسانًا ما أنه أسدى إلى أحد الناس معروفًا، فإنك تحبه لهذه الصفة الحسنة، فماذا يكون منك إذا كان هذا الإنسان قد أسدى هذا المعروف إليك أنت، هذا بلا شك يزرع محبته في قلبك. إذا سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، غُرسَت محبته في قلبك، فما بالك إذا كان هذا العطاء لك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يعطيك بنفسه، وأنت الذي تأخذ منه بنفسك. عندما تسمع ما قاله عبد الله بن الحارث رضي الله عنه وأرضاه كما جاء في الترمذي يقول: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عندما تعرف هذا الأمر تزداد محبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالك إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم لك، وأنت بنفسك ترى وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم يبتسم في وجهك. عندما أقول لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعود المرضى، ويشهد الجنائز، لا شك أنك تحبه فما بالك إذا كنت أنت المريض الذي زاره النبي صلى الله عليه وسلم، وما بالك إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يشهد جنازة قريبٍ لك، كيف ستكون علاقتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم تكون درجة إيمانك به. والنظر في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم له تأثير خاص، لنسمع عبد الله بن سلام يصف لنا شعوره عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف كما في الترمذي قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ. قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فمجرد الرؤية لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تترك في القلب أثرًا لا ينسى، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ. كما أن رؤية خاتم النبوة تترك في نفس من يراه أثرًا لا ينسى، وكثير من صحابة النبي صلى الله عليه رأوا بأعينهم خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء الصحابة الذين رأوا هذا الخاتم سلمان الفارسي رضي الله عنه، وعبد الله بن سرجس رضي الله عنه، وعمرو بن أخطب رضي الله عنه، وغيرهم كثير رأوا هذا الخاتم، ولا شك أن رؤية هذا الخاتم تترك أثرًا في نفس من يراه، وليس من رأى كمن سمع. فهذا هو الأمر الأول في التجربة الفريدة التي مرّ بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثانيًا: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعايشون القرآن، فإذا كنا نحن نقرأ القرآن، ونسمع عن أسباب النزول، فإن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عاشوا هذه الأسباب، وتعايشوا مع القرآن، وهو ينزل في الأوقات المختلفة، رأوه حال حدوثه، ولا شك أن هذه الرؤية وهذه المعايشة كانت ترفع درجة إيمانهم إلى أكبر درجة يمكن أن نتخيلها. لنتخيل معًا أمر هذه المرأة التي جاءت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر زوجها، ومدى تفاعلها مع الآيات التي نزلت في حقها، وتخيّل حالها وهي تصلى بسورة المجادلة أو تقرأها أو تسمعها "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها" هي بنفسها السيدة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها وأرضاها تقرأ قد سمع الله: [قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ] {المجادلة:1} . من المؤكد أن تفاعلها مع كل كلمة مختلفٌ تمامًا عن تفاعل بقية المسلمين مع نفس الآيات، وتخيل أيضًا تفاعل زوجها أوس بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه مع الآيات، تخيل وهو يسمع هذا التحذير الإلهي: [الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ القَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ] {المجادلة:2} . لا شك أنه وهو يسمع هذه الآيات ليس كأحد منا، لأنه عاش هذه الآيات حال حدوثها وحال نزولها. تخيل أيضًا تفاعل جيران السيدة خولة بنت ثعلبه رضي الله عنها وأرضاها، وهم يقرءون صدر سورة المجادلة، يعلمون أنها نزلت في جارتهم هذه بعينها خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، تخيل تفاعل المجتمع المسلم بكامله مع هذه الآيات. خرج عمر بن الخطاب، ومعه الناس فمرّ بعجوز فاستوقفته، فوقف فجعل يحدثها وتحدثه فقال له رجل: يَا أَمِيرُ الْمَؤُمِنِيَن، حبست الناس على هذه العجوز. كان لا يعرفها، فقال: ويلك، تدري من هي؟ سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات هذه خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها : [قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ] {المجادلة:1} . والله لو أنها وقفت إلى الليل ما فارقتها إلا للصلاة، ثم أرجع إليها. أرأيت مدى تعظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لأمر هذه السيدة؛ لأن هذه الآيات نزلت في حقها. ضع هذا المفهوم على كل آيات القرآن الكريم، لأن كل آيات القرآن نزلت في حوادث معينة، أو في ظروف معينة، أو في وقت معين كان الصحابة رضي الله عنهم يعيشون مع كل كلمة، لا أقول مع كل آية، بل مع كل كلمة في كل آية تنزل من عند الله عز وجل. تخيل نفسك أنك تشارك في غزوة بدر، ثم تسمع سورة الأنفال بعد هذه المشاركة، من المؤكد أن إحساسك بالآيات سيكون مختلفا تمامًا عن إحساس عامة المسلمين الذين يقرءون سورة الأنفال، ويتخيلون- مجرد تخيل- ما حدث للمسلمين في بدر. الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يتخيلون هذا الأمر، بل إنهم عاشوا هذه التجربة كاملة، عاشوا غزوة بدر من أولها إلى آخرها [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] {الأنفال:1} . فالصحابي عندما يقرأ هذه الآيات، أو يسمعها يتذكر ما حدث عند تقسيم الأنفال، وما حدث من مشادة عندها. [وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ] {الأنفال:7} . فالصحابي عندما يقرأ هذه الآيات يتذكر أنهم إنما كانوا يريدون القافلة، ومع ذلك أراد الله أمرًا آخر، فهم يعيشون مع كل كلمة من كلمات الله عز وجل. [إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ] {الأنفال:11} . النعاس نزل على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وتكرر ذلك في غزوة أحد، كما قال الله عز وجل: [ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً] {آل عمران:154} . قال أبو طلحة الأنصاري: كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد، ولقد سقط السيف من يدي مرارًا يسقط، وآخذه، يسقط وآخذه، ولقد نظرت إليهم يميدون، وهم تحت الحجب، فسيدنا أبو طلحة الأنصاري عندما يقرأ هذه الآيات [ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً]{آل عمران:154} . ويكون هو ممن غشيه النعاس في هذه الغزوة ويقصّ لمن حوله من الناس انظر كيف يكون تفاعلهم مع الآيات. [وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ] {الأنفال:44} هذه الآيات نزلت في غزوة بدر، وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: لقد قُلّلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تُراهم سبعين؟ ألف من المشركين يراهم المسلمون سبعين فقط، فقال له الرجل: أراهم مائة. قال : فأسرنا رجلًا منهم فقلنا: كم هم؟ قال: ألفًا. كان الصحابة رضي الله عنهم يتفاعلون مع الحديث القرآني عن أحد، وعن تبوك، وعن غيرها من المواقف، والغزوات، والأحداث التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعايشون كل آيةٍ من القرآن الكريم معايشةً كاملةً، وهذا يعطي بعدًا آخر لهذا الجيل الفريد. عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه، هذا الصحابي الجليل الذي نزلت فيه صدر سورة (عبس) وكلنا يعرف هذه القصة المشهورة، تخيلوا عبد الله بن أم مكتوم وهو يقرأ [عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] {عبس:1، 2،3} إلى آخر الآيات. هل يمكن أن يسهو في الصلاة؟! كيف لا يخشع في صلاته؟! وتخيل أيضًا الرجل الذي يقف بجواره في الصلاة، خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسمع الآيات من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم أن المقصود بهذه الآيات هو عبد الله بن أم مكتوم الذي يقف بجواره في الصف. تخيل حال سيدنا أبي بكرٍ صديق ودرجة إيمانه ودرجة قربه من الله عز وجل وهو يقرأ قول الله تعالى: [وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى(17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى(19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى(20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى]. {الليل:17 21}. ويعلم أن هذه الآيات نزلت فيه هو شخصيًا، كيف يكون إحساسه وهو يقرأ هذه الآيات؟ تُرى ما هو إحساس زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه وهو يقرأ: [فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولً] {الأحزاب:37} . كيف يكون إحساسه رضي الله عنه وهو يقرأ هذه الآيات ويعلم أن الله عز وجل قد سمّاه باسمه. إنه أمر هائل، يقول الله عز وجل: [فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ] فالله عز وجل سمى زيدًا باسمه في القرآن، وتخيل إحساس السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها، وأرضاها وهي تقرأ: [فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَ] من السيدة زينب[وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَ] أي زوجناك السيدة زينب بنت جحش، كانت السيدة زينب بنت جحش تفخر على زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول لهن: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات. تخيل معايشة السيدة زينب، ومعايشة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومعايشة كل نساء المسلمين أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم يجلسون مع السيدة زينب بنت جحش، وهم يعرفون فيمن نزلت هذه الآيات، ويعرفون أحداث هذه القصة بالتفصيل. إذن فالصحابة كانوا يعايشون القرآن تمامًا، ويتفاعلون مع كل آية، ومع كل كلمة، وينصتون إلى الخطاب الإلهي لهم بأذن تختلف كثيرًا عن آذان غيرهم من المسلمين، وبقلوب تختلف كثيرًا عن قلوب كثير من المسلمين، فهؤلاء هم الصحابة رضي الله عنهم. الأمر الثالث الذي يضيف بُعدًا آخر لتجربة الصحابة الفريدة أن الصحابة رضي الله عنهم رأوا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغيب، نحن أيضًا نسمع عن ذلك، لكن ليس من رأى كمن سمع، فالذين يعيشون في الحدث، ويتشوقون لمعرفة ما يحدث على بعد مئات، أو آلاف الأميال، ليس كمن يسمع عن هذا الأمر بعد مائة سنة، أو مائتين، أو بعد ألف سنة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر صحابته بأمر حدث على بعد مئات أو آلاف الأميال. تعالوا بنا نرى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقفون حوله في المدينة المنورة، وهو يصف لهم ما يحدث في سرية مؤتة على بعد مئات الأميال من المدينة المنورة. وتخيلوا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهم يستمعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف لهم أحداث المعركة يقول صلى الله عليه وسلم: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ الرَّايَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ الرَّايَةَ فَأُصِيبَ- وعيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان الدمع- ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وبعد ذلك يرجع الجيش المسلم، ويعرف المسلمون في المدينة المنورة أن كل كلمة قالها الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم كانت كلمة صدق، وكلمة حق كم يكون إيمان الصحابة بهذا الرسول وبهذا الدين؟! لقد عاشوا رضي الله عنهم رؤية إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغيب. تخيلوا عندما يأتي عاملا كسرى يطلبان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب معهما إلى كسرى فارس، قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رَبِّي قَتَلَ رَبَّكُمَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ. وهذا الكلام كان ليلة الثلاثاء 10 جمادى الأولى في سنة 7 من الهجرة، وحدد الصحابة هذه الليلة وعُلم أن كسرى فارس كان قد قُتل في ذات الليلة. نحن نسمع الآن عن الحدث، لكن الصحابة عاشوا في الحدث، وانتظروا مرور الأيام وعلموا أن كسرى فارس قُتل في هذه الليلة، إن هذا الأمر يعمق الإيمان في قلوب الصحابة رضي الله عنهم. الصحابة شاهدوا المعجزات الحسية أيضا التي نسمع عنها الآن. لا شك أن القرآن الكريم أعظم معجزة بين أيدينا، لكن الصحابة رضي الله عنهم مع القرآن الكريم شاهدوا المعجزات الحسية، مثل: - معجزة انشقاق القمروقد حُكي ذلك من روايات عدة في البخاري وغيره، يقول جبير بن مطعم: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار فرقتين، فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد. وقالوا: إن كان سحرنا، فإنه لا يسحر الناس كلهم. فقالوا: انظروا السفار- أي المسافرين- القادمين من خارج مكة، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق- صلى الله عليه وسلم- وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به. فسُئل السفار، وكانوا قد قدموا من كل جهة فقالوا: رأينا. أي رأوا انشقاق القمر، فأنزل الله عز وجل: [اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ] {القمر:1} . أنا أريدك أن تتخيل نفسك تعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في داخل مكة، وأنت ترى القمر يُشق إلى فرقتين، هذا يغرس الإيمان العجيب القوي جدًا في قلوب الصحابة. يتبع إن شاء الله
__________________
وقال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله: انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلا عن الناطق. و ما ضر المسك معاوية عطره
أن مات من شمه الزبال والجعل رغم أنف من أبى |
#4
|
||||
|
||||
كن صحابيا قيمة جيل الصحابة - شاهدوا حنين جذع النخلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ، فَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ- صدر مه صوتُ حنينٍ وألمٍ لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم- فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْتَضَنَهُ، فَسَكَنَ، وَقَالَ: لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وفي رواية جابر بن عبد الله يقول: حتى سمعه- أي سمع حنين الجذع- أهلُ المسجد. تخيّل نفسك في المسجد، وفد سمعت بأذنيك حنين جذع النخلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. - شاهدوا البركة في الطعام، والشراب، والسلاح، والصحة، وفي كل شيء أمثلة كثيرة لا تحصى، وكلها عجيب. موقف جابر بن عبد الله في الأحزاب، رأى رضي الله عنه وأرضاه جوعًا شديدًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه سرًا ليأكل في بيته من طعام قليل عنده طعام قليل جدا (ماعز وخبز) حتى أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه سماه طعيمًا قال: يا رسول الله عندي طُعَيم. ودعا رسول الله، واثنين، أو ثلاثة على الأكثر من أصحابه صلى الله عليه وسلم، قال جابر بن عبد الله فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الخندق جميعًا، فجاء من سمع النداء، وكانوا قد تجاوزوا الألف، فأكلوا جميعًا من الطعام وشبعوا، وبقيت برمة اللحم ملأى بما فيها حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر زوجة جابر أن توزّع الطعام على جيرانها، تخيل نفسك ممن أكل من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهويمسك ببرمة طعام صغيرة لا تكفي إلا لإطعام ثلاثة أو أربعة ومع هذا يأكل منها ألف ويتم توزيع الباقي، على جيران جابر بن عبد الله. - موقف قتادة بن النعمان رضي الله عنه وأرضاه في غزوة أحد لما سقطت عينه على وجنتيه، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يحمل عينه على يده، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى مكانها، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما. تخيّل نفسك قتادة بن النعمان أو تخيل نفسك من أصحاب قتادة الذين شاهدوا عينه تقع على وجنته، وشاهدوا عينه بعد ذلك، وهي صحيحة في مكانها كم يكون الإيمان في قلبك؟. ومن هذا القبيل من الأحداث ما لا يحصى، الصحابة رأوا بأعينهم صورًا يستحيل على غيرهم أن يراها. - شاهدوا الملائكة في بدر في صحيح مسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ. فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ، فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. وتخيل مدى إحساس هذا الصحابي بمعايشة الملائكة له في أرض المعركة وفي أرض القتال، يقول أبو داود المازني رضي الله عنه وأرضاه من المسلمين الذين شاركوا في بدر: إني لأتبع رجلًا من المشركين لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري. من قتله؟ لا شك أنه ملك من الملائكة. الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرون جبريل عليه السلام، وقد أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صورة رجل، وبعد أن يذهب من بينهم كانوا يعرفون أن من كان يقف بينهم منذ قليل هو جبريل عليه السلام أعظم الملائكة على الإطلاق. روى مسلم عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ- وصف دقيق فهو يعيش التجربة كلها- وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ،أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ... قَالَ عمر: ثُمَّ انْطَلَقَ- أي الرجل- فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. وكان جبريل عليه السلام يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة أحد الصحابة الذين اشتهروا بالجمال وهو (دحية الكلبي) رضي الله عنه وأرضاه، وكان الصحابة يعرفون على أي صورة كان يأتي جبريل عليه السلام، ومن لم ير الموقف أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه على صورة دحية الكلبي، وكلهم يعرفه، فيتخيلون موقف مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة هذا الصحابي الذي يعرفونه جميعًا. وهذا الموقف تكرر كثيًرا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. - تخيلو أيضًا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يحدّث المسلمين عن عمرو بن لُحَي، وهو أول من جمع العرب على الأصنام، وجاء بعبادة الأصنام من الشام إلى مكة، ويحكي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمرو بن لُحَي، ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَأَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَكْثَمَ. وهو أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فيتعايش الصحابة مع قصة هذا الرجل الذي أدخل الأصنام إلى جزيرة العرب معايشة أكبر بتخيلهم له، وهو على صورة رجل منهم يعرفونه جميعًا، فيسأل معبد بن أكثم، وكان جالسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول معبد بن أكثم: أي رسول الله، يُخشى عليَّ من شبهه؟ قال: لَا، أَنْتَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ. - بل أكثر من ذلك، فتنة الدجال الضخمة التي ستأتي بعد ذلك، وهي من علامات الساعة الكبرى، تخيلوا الرسول صلى الله عليه وسلم يحكي لصحابته عن الدجال، وكما نقرأ نحن الأحاديث الصحيحة التي جاءت في وصف الدجال، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يضيف نقطة أخرى استفاد منها صحابة النبي صلى الله عليه وسلم قال: فَإِنَّهُ- أي الدجال- أَعْوَرُ الْعَيْنِ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ- أي يوجد انحصار لمقدمة الرأس من الشعر، أي نصف أصلع- عَرِيضُ النَّحْرِ، فِيهِ دَفَأٌ- أي انحناء في الجسد- كَأَنَّهُ قَطَنُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى. وفي رواية أخرى: كَأَنَّهُ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ قَطَنٍ. وهو أحد الصحابة، فقال هذا الصحابي: يا رسول الله، هل يضرني شبهه؟ قال: لَا، أَنْتَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ امْرُؤٌ كَافِرٌ. أي أن الصحابة رضي الله عنهم يعرفون كيف يكون شبه الدجال، نحن نتخيل الدجال من الأحاديث التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الصحابة فكانوا يعرفون ملامحة دون تخيّلٍ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شَبّهه في هيئته بأحد الصحابة، وهم يعرفونه جميعًا، وهذا الأمر يضيف بُعدًا آخر لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. شيء آخر انفرد به صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم بُشّروا بالجنة وهم ما زالوا أحياء. كان الصحابي يسير على الأرض، وهو يعلم علم اليقين أنه من أهل الجنة، كيف يصبر على الحياة بعد ذلك؟! هذا ليس فقط في حق العشرة المبشرين بالجنة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة، وسعيد بن زيد، بل إن كثيرًا من صحابته صلى الله عليه وسلم بُشرّوا بالجنة وهم أحياء. في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ- يَعْنِي تَحْرِيكَ- نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. فكان رضي الله عنه يعيش في الدنيا وهو يعلم أنه من أهل الجنة، لأجل هذا وعند موته رضي الله عنه كانت زوجته تبكي وتصرخ فقال لها: لماذا تبكين؟ غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه. انظروا إلى أي مدى يقبل بلال على الموت، فهو رضي الله عنه يقبل على الموت بفرحة شديدة؛ لأنه على يقين أنه ذاهب إلى الجنة، لقد أخبره بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، كان يجلس مع الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، فصعد شجرة ليأتي بعود من الأراك، أو بتمر من نخلة- على اختلاف الروايات- فضحك الصحابة من دقة ساقيْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ. تخيّل كيف يعيش عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بعد ذلك في الدنيا وهو يعلم أنه أثقل في ميزان الله من جبل أحد. - الحسن والحسين: روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. كم تكون قيمة الدنيا في عين الحسن والحسين وقد علما أنهما سيدا شباب أهل الجنة. - السيدة خديجة رضي الله عنها. يخاطب جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري عن أبي هريرة: أَقْرِئْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ- أي لؤلؤ- لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ. أي لا ضوضاء ولا تعب في هذا البيت، فالسيدة خديجة رضي الله عنها تعلم أنها من أهل الجنة، بل يُقرأ عليها السلام من ربها ومن جبريل، ولها قصر في الجنة من لؤلؤ لا صخب فيه ولا نصب، فكيف تتعلق بالدنيا مع هذا كله ؟! كيف لا تخشع في صلاتها؟ كيف لا تكثر من الإنفاق في سبيل الله؟ كيف لا تشتاق إلى الجنة؟ فهي رضي الله عنها بُشرت بالجنة باسمها. - ولما تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، قال له عكّاشة بن محصن: ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم. قال: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ. ولما قام رجل آخر يطلب نفس الطلب قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ. من هذا نستطيع أن نفهم لماذا عاش عكاشة رضي الله عنه حياتا كلها جهاد في سبيل الله، فشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمرّ على ذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى استشهد في اليمامة، وهو يحارب المرتدين؛ لأنه يعلم أنه من أهل الجنة. وهذا الأمر نقل الصحابة رضي الله عنهم من المرحلة الإيمانية المسماة بعلم اليقين، إلى المرتبة الإيمانية الأعلى المسماة بمرتبة عين اليقين [كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ(5)لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ(6)ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ] {التَّكاثر5: 7}. فالصحابة كانوا يرون كل شي بأعينهم، وحتى أمور الغيب رأوا منها الكثير بأعينهم بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذن فهذه تجربة فريدة جدًا مرّ بها جيل الصحابة، وهو جيل مختلف عن كل الأجيال التي سبقته والتي لحقته في أنه: أولًا: جيل مختار، اختاره الله عز وجل لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثانيًا: أنه عاش تجربة فريدة لم يعشها جيل سابق، أو لاحق على جيلهم رضي الله عنهم. ثالثًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صرّح بأن هذا الجيل هو خير الأجيال، روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. هذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمران: فلا أدري أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرة أو ثلاثة. فخير الأجيال وخير الناس هم قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جيل رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ. تخيل أن لك مثل جبل أحد ذهبًا وأنقفته كله في سبيل الله، فهذا لا يساوي ملء الكفين من إنفاق أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم. لماذا؟ لأن لهم أجرالسبق فهم الذين علمونا الإنفاق، وعلمونا قهر النفس، وانفاق الأموال في سبيل الله عز وجل، وهذا يعطيهم الأجر العظيم ويصل بهم إلى أن يكونوا خيرالناس وخير القرون وخير الأجيال. من كل ما سبق يتضح لنا أننا نتعامل مع أرقى جيل في الوجود، مع الجيل الذي يصلح تمامًا أن يُتخذَ قدوة، كما قال عبد الله بن مسعود: من كان مستنًا فليستن بمن قد مات فإن الحيّ لا تُؤمن عليه الفتنة. ونحن نرى عظماء كثيرين يعيشون بيننا، لكننا لا نعرف من فيهم سيثبت على الحق، ومن فيهم سيغيّر ويبدّل بعد ذلك، لكن من مات فقد علمنا أنه قد مات على الحق وخاصّة جيل الصحابة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا يستطيع أحد أن يقول أنه يذكر ذلك تعظيمًا لنفسه، بل إنه يذكر حقيقةً لا بدّ أن يعلمها كل المسلمين وإذا علموها استفادوا منها استفادة جمة لذلك وجب عليه أن يذكر هذا الأمر، وكتمان هذه الحقيقة إنما هو كتمان لعلم هام جدًا هو علم تقدير الصحابة، وتعظيمهم، وتكريم هذا الجيل بأكمله، لأنهم جيل القدوة، يقول عبد الله بن مسعود: كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفًا، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. لذلك علينا أن نجعل هدفنا من مطالعة هذا البحث أن نتعلم كيف نكون مثل الصحابة؟ وهذا معناه أننا نريد أن نتعلم كيف نكون مسلمين حق الإسلام؟ كيف نؤمن بالله عز وجل حق الإيمان؟ كيف نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الحب؟ كيف نفهم هذا الدين حق الفهم؟ دراسة حياة الصحابة هي دراسة الإسلام، السير في طريق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هو السير في طريق الجنة. نسأل الله عز وجل أن يلحقنا بهم في أعلى عليين في صحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وإن شاء الله سيكون له بقية فى موضوع أخر كن صحابيا :القابضون على الجمر المصدر قصة الإسلام
__________________
وقال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله: انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلا عن الناطق. و ما ضر المسك معاوية عطره
أن مات من شمه الزبال والجعل رغم أنف من أبى |
#5
|
||||
|
||||
بارك الله فيك ونفع بك اللهم إنك تعلم أننا لن نبلغ مد أحدهم ولانصيفه ، اللهم برحمتك لاتحرمنا محبتهم والأقتداء بهم في الدنيا ومرافقتهم في الجنة مع الأنبياء صلى الله عليهم وسلم .
__________________
[flash=http://up.2sw2r.com/upswf/EdT20253.swf]WIDTH=470 HEIGHT=200[/flash] |
#6
|
||||
|
||||
بارك الله فيك ونفع بك
__________________
|
أدوات الموضوع | |
|
|