![]() |
جديد المواضيع |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() ![]() هل للعلمانية في العالم الإسلامي مبرر؟ الكاتب: د. أحمد فريد الفتح العلمانية فكرة مستوردة لا يشك فى ذلك أعداؤها، ولا يمارى فيها أحد من دعاتها، ومعنى ذلك بداهة أنها ليست من صميم الإسلام، ولا هى من إنتاج المنتسبين إليه، ولذلك وجب قبل كل شيء أن ننظر إليها نظرتنا إلي أية بضاعة مستوردة، من جهة حاجتنا إليها أو عدمها، فما لم نكن بحاجة إليه، فإن المفروض فينا باعتبارنا عقلاء أن نميز ونختار، ونأخذ أخذ الواعى الخبير. وبتطبيق هذه البديهية على العلمانية نجد أنها بضاعة نحن في غنى تام عنها، أى أن من الحمق والغباء أن نستجلبها. إن العلمانية رد فعل خاطئ لدين محّرف، وأوضاع خاطئة كذلك، وإنها نبات نكد خرج من تربة خبيثة ونتاج سيء لظروف غير طبيعية. فأوروبا نكبت بالكنيسة وديانتها المحرّفة، وطغيانها الأعمى، وسارت أحقاباً من الدهر فتعثر في ركابها، ثم انتفضت عليها وتمردت على سلطتها، فانتقلت إلى انحراف آخر، وسارت فى خط مضاد، إلا أنه أعظم خطراً وأسوأ مصيراً. انتقلت من جاهلية تلبس مسوح الدين إلى جاهلية ترتدى مسوح التقدم والتطور، وهربت من رجالىّ الدين والإقطاعيين، فوقعت فى قبضة الرأسماليين وأعضاء الحزب الشيوعي. إذا كان هناك عذر لوجود العلمانية في الغرب، فليس هناك أى عذر لوجودها فى بلاد المسلمين، لأن النصرانى إذا حكمة قانون مدنى وضعى لا ينزعج كثيراً ولا قليلاً، لأنه لا يعطل عليه قانون فرضه عليه دينه وليس في دينه ما يعتبر منهجاً للحياة، أما مع المسلم، فالأمر مختلف حيث يوجب عليه إيمانه الاحتكام لشرع الله. فإنه إذا انفصلت الدولة عن الدين بقي الدين النصراني قائماً فى ظل سلطته القوية الفتية المتمكنة، وبقيت جيوش من الراهبين والراهبات والمبشرين و المبشرات تعمل فى تطبيق المنهج التجريبى ونشر العلوم. ويقول الدكتور القرضاوى: لا يتصور للعلمانية أن تنجح فى بلد إسلامى، لأنها مناقضة لطبيعة الإسلام الذى تدين به الشعوب المسلمة، ومناقضة لمفاهيمه وسلوكه وتاريخه، ولا يوجد أى مبرر لقيامها، كما وجد ذلك فى الغرب النصرانى. كل ما تفعله العلمانية أنها تحاول تغيير طبيعة الأمة واتجاهها، والأمة لا تستجيب لها، حيث ترفض أجهزة المناعة في كيانها زرع هذا الجسم الغريب في داخلها، وتقاومه بكل قوة، فينشأ بين الحكم العلماني والأمة المسلمة صراع، يظهر حيناً ويختفى أحياناً، ويمتد يوماً وينكمش يوماً آخر ولكنه صراع باق مستمر، لأنه صراع بين الذات، وبين العدوان على الذات. وأبرز بلد إسلامى حكمته العلمانية ونفّذت فيه خططها، وضربت بيد من حديد كل من يقاومها، وخاضت فى ذلك بحراً من الدم هو تركيا بلد الخلافة الإسلامية الأخيرة الذى قهره "أتاتورك" علي تطبيق النموذج الغربي في الحياة كلها، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والثقافة، وسلخه من تراثه وقيمه وتقاليده كما تسلخ الشاة من جلدها، وأقام دستوراً لا دينياً، يعزل الدين عن الحياة عزلاً تاماً كاملاً، قامت على أساسه قوانين مجافية للإسلام كل المجافاة، حتى في شئون الأسرة والأحوال الشخصية، فهل استطاع أتاتورك وخلفاؤه من بعده، ومعهم الدستور والقوانين والتعليم والإعلام والجيش والشرطة ومن ورائهم الغرب بكل جبروته وقوته أن يجتثوا بذور الأفكار الإسلامية والمشاعر الإسلامية والتطلعات الإسلامية من حياة الشعب التركى المسلم؟ الواقع الذي يشهده كل من زار تركيا في السنين الأخيرة تشهد به المساجد المزدحمة بالمصلين من كل الأجيال، وتشهد به المدارس القرآنية التي تعد بالآلاف، وتشهد به معاهد الأئمة والخطباء، ويشهد به انتشار الكتب الإسلامية ويشهد به على الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا وغيرها من بلاد أوروبا، هذا الواقع يقول لا وألف لا وهذا الكتاب صدر قبل النهضة المعاصرة الإسلامية والحضارية, لتركيا فى عهد أردوجان او كلما تخلصت تركيا من علمانيتها، انطلقت في الحضارة، وكذا الريادة فى سياسة العالم، وهذا يدل على فشل العلمانية فى بلاد الإسلام، فليبشر دعاة العلمانية، والذين يخرجون على شاشات الفضائيات وفى الصحف والمجلات، والذين ينفقون الملايين لنشر العلمانية في بلاد المسلمين قال تعالى {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلي جهنم يحشرونٍ} [الأنفال:36] أسأل الله أن يعّز الإسلام والمسلمين، وأن يذل الكفر والكافرين. وإذا كانت الكنيسة وقفت موقف العداء من العلم والعلماء في أوروبا فإن الإسلام لم يقف موقف العداء في الشرق الإسلامى من العلم والعلماء. يقول" الفرد هوايت هيو" (ما من مسألة ناقض العلم فيها الدين، إلا وكان الصواب بجانب العلم، والخطأ حليف الدين) وهذا القول إن صح بين العلم واللاهوت فى أوربا فهو قول مردود ولا يصح مجالا فيما يخص الإسلام، حيث لا تعارض إطلاقاً بين الإسلام وحقائق العلم، ولم يقم بينهما أى صراع كما حدث فى النصرانية، وقد نقل عن أحد الصحابة قوله عليه السلام: [ما أمر بشيء فقال العقل: ليته نهى عنه ، ولانهى عن شىء فقال العقل ليته أمر به] وهذا القول تصدقه الحقائق العلمية والموضوعية، وقد أذعن لذلك صفوة من علماء الغرب، وأفصحوا عن إعجابهم وتصديقهم لتك الحقيقة في مئات النصوص الصادرة عنهم. ويقول الدكتور يوسف القرضاوي تحت عنوان: "العلمانية مبدأ مستورد": والعلمانية من ناحية أخرى مبدأ مستورد ضد أصالتنا وسيادتنا، لأنها مبدأ مستورد من خارج أرضنا ومن قوم غير قومنا لهم تاريخ غير تاريخنا ومفاهيم غير مفاهيمنا، وقيم غير قيمنا، وعقائد غير عقيدتنا، وقوانين غير شريعتنا، وأوضاع غير أوضاعنا. إنهم احتاجوا إلي العلمانية لظروف خاصة بهم ونحن لا حاجة لنا إلى العلمانية لأنها كانت حلاً لمشكلهم مع كنيستهم، وهى عندنا تكون مشكلا فى ذاتها. والعلمانية لا تصادم عقيدتهم ولا شريعتهم، ولا تعارض أحكاماً إلهية مفروضة عليهم من ربهم، ولكنها عندنا تصادم العقيدة التى من مقتضياتها النزول على حكم الله ورسوله، وتعارض الشريعة التى أنزلها الله منظمة لحياة الناس بوضع الأصول الضابطة لها، والأحكام الهادية لمسيرتها. والعلمانية عندهم لم تمح سلطة الدين ورجاله إنما فصلت بين السلطتين الروحية والزمنية، وتركت لكل منهما مجالها ونفوذها وحرية تحركها، وقد بقيت هناك سلطة الكنيسة تمارس نشاطها بما تملك من مال ورجاله وسلطان. أما نحن، فليس لنا سلطة دينية مستقلة مقتدرة، فالعلمانية عندنا تغني تصفية الوجود الإسلامي، بحيث لا يبقى له قدرة ولا سلطان، ولا حرية مالم يكن خادماً للسلطة السياسية القائمة.
__________________
![]() ![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
|
|