جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
لشيخ النابلسي شهيد على مسلخ الطاغية
الشيخ النابلسي شهيد على مسلخ الطاغية للشيخ جمال محمد الباشا رحمك الله أيها العالم العَلم، فقد علّمت العلماء كيف يكون العمل بالعلم، وكيف يكون العلماءُ من أمام العامة لا من ورائهم، وكيف يجود العالم بنفسه وهو يصدع بكلمة الحق عند سلاطين الجور والبغي. رحمك الله أيها العالم المجاهد، فقد علمتنا أن الفرق كبير بين التنظير والتطبيق. ففي الوقت الذي ذلّت فيه رقابُ علماء السوء للطاغية، ولهجت فيه ألسنتهم بالتسبيح بحمده، وقفت كالطود الشامخ أمام جبروته، لم تهتز فيك شعرة، ولم ترعبك منه زفرة، فصدعت بالحق، وأمرت بالعدل، فأبرأت ذمتك، وأعذرت إلى ربك، لقد عظّمت مولاك فصغر في عينك كل شيء دونه. في الوقت الذي رضي الآخرون لأنفسهم بالدنية، وباعوا دينهم بدنيا طاغوتهم، فعظموه ومجدوه إلى حد الردة، حين قال قائلهم: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكمْ فأنت الواحد القهـار فكأنّـما أنـت النــبي محمـــــــــد وكأنما أنصـــــارك الأنصـــــــــار يا ترى من يكون هذا القزم الرافضي لكي يوصف بهذا الوصف! إنه لم يكن سوى حاكم طائفي جائر، يدّعي حب آل البيت، وينتسب إليهم كذباً وزوراً، وسمى دولته بالدولة الفاطمية، نسبة إلى فاطمة رضي الله عنها، ليخدع بذلك من تخطف الظواهرُ أبصارَهم، ويسحَرُ زيف اللفظ ألبابهم، فكأنه لا عقل ولا بصر! لقد عاث بنو عبيد القداح في الأرض فساداً، فقدموا من بلاد المغرب إلى القاهرة، ليقهروا أهلها من أهل السنة ويسحقوهم باسم حبّ آل البيت، فأعلنوا سبّ الصحابة الكرام على المنابر، وأبطلوا التراويح وصلاة الضحى، وأمروا بالقنوت في الظهر بالمساجد، وتحوّلت مصر في زمن الحاكم بأمر الله العبيدي إلى دولةٍ شيعية، حرب على السُنة وأهلها. لم يُطق العالم المحدّث الجليل أبو بكر النابلسي أن يسكت مع الساكتين، ولا أن يُطأطئ مع المطأطئين، إذن فما فائدة العلم الذي تعلّمه، وأين شرفُ حمل الحديث الذي تحمّله، أوَليس أهلُ الحديث هم أهل النبيّ وخاصته؟! أهل الحـــــــــديث همُ أهل النبي وإنْ لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا ذلكم الإمام هو محمد بن أحمد بن سهل بن نصر، أبو بكر الرملي الشهيد المعروف بابن النابلسي، كان عابداً صالحاً زاهداً، قوالاً بالحق، وكان إماماً في الحديث والفقه، صائم الدهر، كبير الصولة عند الخاصة والعامة. كان من المحدثين الكبار، فقد حدّث عن سعيد بن هاشم الطبراني، ومحمد بن الحسن بن قتيبة، ومحمد بن أحمد بن شيبان الرملي، كما حدّث عنه تمام الرازي، والدارقطني، وعبد الوهاب الميداني، وعلي بن عمر الحلبي، وغيرهم. لما استولى هؤلاء الرافضة على بلاد المسلمين، لم يهنأ للإمام عيشُ الصامتين، في ظلّ نظام الفاسدين، فأطلق صرخته المدوية الشجاعة التي زلزلت أركان الطاغية، وأرعدت فرائصه، حيث قال: "إذا كان مع الرجل عشرةُ أسهم؛ وجب أن يرمي في الروم سهماً وفي بني عبيد تسعة"! يا له من موقف، و يا لها من كلمة، لا يزال صداها يتردد في أرجاء الدنيا فيحدث لها وقع عظيم في قلوب الأبرار الأحرار. فماذا كان من الطاغوت بعدُ! لقد أمر( شبيحته) بإحضاره بين يديه، فأحضروه، فسأله قائلاً: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً وفيناً تسعة! فقال الإمام النابلسي: ما قلت هكذا. ففرح عدو الله، وظن أن الإمام سيرجع عن قوله، فقال له: فكيف قلت؟ قال الإمام النابلسي بحزم وثبات: قلت: إذا كان معه عشرة وجب أن يرميكم بتسعة، ويرمي العاشر فيكم أيضاً. فسأله: ولم ذلك؟! قال: لأنكم غيّرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم. فأمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضُرب في اليوم الثاني بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً. وفي اليوم الثالث؛ أمر جزاراً يهودياً بسلخه، فسُلخ من مفرق رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله ويصبر، حتى بلغ العضد، فرحمه السلاخ وأخذته رقة عليه، فوكز السكين في موضع القلب، فقضى عليه، وحُشي جلده تبناً، وصُلب. لم يكن الشيخ الشهيدُ يردد حينها سوى قوله تعالى: }كانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً{. لقد كان قتل الإمام النابلسي سنة ثلاثٍ وستين وثلاثمئة من الهجرة. وذكر ابن الشعشاع المصري أنه رآه في النوم بعدما قُتل، وهو في أحسن هيئة، قال: فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: حبـــــــــاني مالكــــــي بدوام عزٍّ وواعـدني بقـرب الانتصــــــارِ وقرّبنـي وأدنـــــــــــــــــــــاني إليـــه وقال انعم بعيشٍ في جواري رحمك الله أيها المحدث المجاهد، لقد أمر الطاغوتُ بسلخ جلدك لأنك أبيت أن تلبس جلداً غير جلدك، وأنِفتَ أن تكون مثل الحُرباء التي يتلوّن جلدُها بحسب الحاجة، فجزى الله الشدائد كل خير، يُعرف بها العدو من الصديق، والصادق من الكاذب، فيرفع الله بالبلاء أقواماً ويضع آخرين، قال الله تعالى: }ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم{، وقال تعالى: }ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين{.. فيا لِله! كم فضحت الشدائد من رِعديد جبان، وكم هتكت من فِصامٍ نكدٍ بين القول والعمل. لقد سقط أقوامٌ عِدادهم من العلماء المكثرين في التأليف والتنظير، سارت بكتبهم الركبان، ونُشِّئ على دراستها الولدان، تُرسّخ عظائم الأمور في الوجدان، كالولاء والنصرة لأولياء الرحمن، والمستضعفين من أهل الإيمان، والبراءة من أولياء الشيطان، فلما وقع البلاء والتمحيص، كانوا أول المخالفين لأقوالهم، الكافرين بمبادئهم، فتهاوى في أيام قلائل مجدُهم، وسقطت من أعين الأتباع هيبتهم، وهتف الناس في الميادين بلعنهم، فيا للعجب! كيف استطاع هؤلاء المعمَّمون المطَربَشون أن يسوِّغوا للطواغيت القتلة إجرامهم، بل كفرهم! لقد سمعنا كبير المسفسطين منهم يقول على الملأ؛ إن سقط سيده وولي أمره طاغوتُ الشام، فإن الإسلام سيسقط! هل يُعقل هذا؟ متى كان الإسلام منوطاً بالأشخاص وجوداً وعدماً؟! لقد سمعنا هذا المُنظِّر يجيب من سأله عن حكم من يُكره الناسَ على السجود على صور الطاغوت، وعلى قول "لا إله إلا الطاغوت" قائلاً: إنّ الخارجين على النظام الهاتفين ضده في الشوارع هم السبب، فلو جلسوا في بيوتهم لما وقع شيء من ذلك!! إنّ من يقرأ ويسمع لهؤلاء القوم تعظيمهم لله تعالى وحسن الظن به وصدق التوكل عليه، وأنّ من خاف الله خوّف اللهُ منه كل شيء، ومن لم يخف الله خوّفه الله من كل شيء، وغير ذلك الكثير الكثير؛ لا يكاد يصدق أنهم هم أنفسهم أصحاب هذه المواقف الانبطاحية المتخاذلة. فالموقف أصدقُ إنباءً من الكتب، في جَدِّه الحدُّ بين الصدق والكذب. وفي الختام نقول: وداعاً أيها الشيخ المجاهد، يا شهيد كلمة الحق، وكأني بك الآن تحلّق في الجنان، تحت عرش الرحمن، وقد أبدلك الله جلداً خيراً من جلدك، فيا لحسن العاقبة، فوالله ما هي إلا غمضة عين وإذا بالأرواح في عليين، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر. كأني بك أيها العملاقُ تستقبل اليوم طوابير المسلوخين، الذين يفدون إليك كل يوم وقد فعل بهم أحفادُ قاتليك ما فعله بك أجدادُهم، وكأني بك وإياهم على سرر الذهب متقابلين، يحكي بعضكم لبعض قصة البطولة والرجولة، قصة النهاية الحميدة، وتلعنون علماء السوء وعُباد الطاغوت، ممن يصدق عليهم قوله تعالى: }واتلُ عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب{.. إن هؤلاء العلماء قد انسلخوا عن الآيات، فهم مسلوخون، ولكن شتان بين سلخ وسلخ! أين استقرت يا تُرى أرواحُ هؤلاء الأذناب، الذين باعوا آخرتهم بدنيا طواغيتهم! فذهبوا وذهبت دنياهم وذهبت طواغيتهم؟ أين الذين التمسوا رضا المخلوق بسخط الخالق، وهم قد رجعوا إلى الخالق وفارقوا المخلوق؟! أما شأنُ هؤلاء المسلوخين عن العلم والرجولة، في الدنيا، فقد رأيناهم مصنفين مع الأصاغر في مزبلة التاريخ، قد لعنتهم الأجيال تلو الاجيال، ولا كرامة. وداعاً أيها الشيخ النابلسي، وداعاً إلى حين، لن نبكي عليك، فقد عرفت كيف يكون التوفيق لصنع خاتمةٍ سعيدةٍ، فلا أقول لك: نَم قريرَ العين، بل عِش قريرَ العين عند ربك. ولا نامت أعين الجُبناء ! مصادر القصة: • العبر في خبر من غبر، للإمام الذهبي (الجزء الثاني). • شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي (المجلد الثالث، ص: 153). • البداية والنهاية، للإمام ابن كثير (الجزء الحادي عشر، ص: 241). • الكامل في التاريخ، لابن الأثير (المجلد السابع، ص: 344). |
أدوات الموضوع | |
|
|