التجديد في الفقه الاسلامي
المراد في التجديد في الفقه الإسلامي تنمية الفقه الإسلامي من داخله و بأساليبه هو مع الاحتفاظ بخصائصه الأصلية وبطابعه المميز،فهو يقتضي الإحتفاظ بجوهره القديم و الإبقاء على طابعه و خصائصه ، وترميم ما بلي منه ، و تقوي ما ضعف من أركانه ، و إدخال التحسينات عليه التي لا تغير من صفته و لا تبدل من طبيعته ، فالتجديد يأتي من داخل مفاهيم الإسلام و تعاليمه وليس من خارجه ، فليس من التجديد السير وراء غيرنا وإتباع سننهم ، لأنه بذلك نفقد ذاتنا و نذيب شخصيتنا ، ونرضى لأنفسنا موقف التبعية والخضوع، وليس من التجديد تطويع الفقه السلامي ليساير القوانين الغربية ، فهذا ليس من التجديد في شئ بل تحريف و تزييف. وكذلك ليس من التجديد محاولة بعض الكتاب إسقاط نظريات غربية حديثة على الإسلام فهذا يؤدي الى سحب المفاهيم الإسلامية على المفاهيم التي جائت منها تلك النظريات، والذين يتحمسون و يتسارعون للقول بتجديد الفقه الاسلامي من خارجه او بغير اطاره الشرعي هم يتأثرون بعمل رجال القانون الوضعي، كما يتأثرون بآراء وكتابات المستشرقين، و طروحاتهم التجديدية لهذا الفقه، وقد تتلمذ بعضهم على يديهم، وهم بهذا يعملون على هدم الشريعة والفقه و الإبتعاد عنه، وجعل الاحكام الشرعية عرضة للتبديل والتغيير و الإلغاء محتمين بالغيرة على المسلمين والشفقة على أوضاعهم، و هذا وهم باطل وخداع واضح، لأن تخلف اوضاع المسلمين ليس منشأة العمل بالشريعة الإسلامية فقد عملوا بالقوانين الأجنبية وجربوا الأنظمة المستوردة و هم ما زالوا على موقفهم يراوحون مكانهم.
و ليس من التجديد الاستخفاف بكل قديم، و فتح الأبواب لكل جديد بدعوى ان الجديد يمثل الرقي و التقدم، والقديم يمثل التخلف والإنحطاط فهذه الدعوى مرفوضة، فكم من جديد سئ وكم من قديم صالح، فلا يجوز في منطق العقل السليم أن يكون مجرد مرور الزمن هو الحاكم على الأشياء بالبطلان.
ويحسن بنا أن نذكر ما قال عبد الرزاق السنهوري، قال:"لن يكون همنا في هذا البحث إخفاء ما بين الفقه الاسلامي و الفقه الغربي من فروق في الصنعة و الأسلوب و التصوير بل على النقيض من ذلك سنعنى بإبراز هذه الفروق، حتى يحتفظ الفقه الإسلامي بطابعه الخاص، ولن نحاول أن نصطنع التقريب ما بين الفقه الإسلامي و الفقه الغربي على أسس موهومة أو خاطئة، فإن الفقه الإسلامي نظام قانوني عظيم، له صنعة يسقل بها، و يتميز عن سائر النظم القانونية في صياغته، و تقتضي الدقة والأمانة العلمية علينا ان نحتفظ لهذا الفقه الإسلامي الجليل بمقوماته وطابعه ونحن في هذا أشد حرصا من بعض الفقهاء المحدثين فيما يؤنس منهممن ميل إلى تقريب الفقه الإسلامي من الفقه الغربي فإن هذا لا يكسب الفقه الإسلامي قوة بل لعله يبتعد به عن الجدة و الإبداع، و هو جانب للفقه الإسلامي منه حظ عظيم.
فالتجديد لايراد منه التخلص من القديم أو محاولة هدمه بل الإحتفاظ به و الإبقاء على طابعه وخصائصه، وترميم ما أصابه من خلل، و تقوية ما ضعف من أركانه و إدخال تحسينات عليه لا تغير من صفته ولا تبدل من طبيعته، و نحن مع التجديد في الفقه الإسلامي، من داخله و في الإطار الممكن و المسموح به شرعا ضمن قيود وضوابط و قواعد وأصول محددة، أي تجديد في ظل الأصالة الإسلامية التي يفرق فيها بين ما يجوز اقتباسه و ما لا يجوز و يميز بين ما يلائم وما لا يلائم .
|