#1
|
||||
|
||||
إرسال هود عليه السلام إلى عاد.
الحمد لله المتفرد بالجلال والبقاء والعظمة والكبرياء، والعز الذي لا يرام، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الملك الذي لا يحتاج إلى أحد، العلي عن مداناة الأوغاد، الجليل العظيم الذي لا تدركه العقول والأفهام، الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، فكل من عليها مفتقرٌ إليه على الدوام، وفق من شاء من عباده فآمن به واستقام، وحكم على آخرين بالشقاوة فباءوا بالطرد والحرمان، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الجسام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عز من اعتز به فلا يضام، وذل من تكبر عن طاعته ولقي الآثام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هذا القرآن الذي بين أيديكم تتلونه وتسمعونه وتحفظونه هو كلام ربكم رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، وهو الذكر المبارك، والنور المبين، تكلم الله به حقيقة على الوصف الذي يليق بجلاله وعظمته، وألقاه على جبريل الأمين، أحد الملائكة الكرام المقربين، فنزل به على قلبِ محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكون من المنذرين بلسانٍ عربي مبين، ووصفه الله بأوصاف عظيمة لتعظموه وتحترموه. عباد الله: في القرآن عبرة لمن اعتبر، وتذكرة لمن أراد أن يتذكر، فيه أخبار الأنبياء والمرسلين مع أممهم، ولقد سمعتم في الجمعة الماضية قصة نوح عليه السلام، وأنه أول رسول أرسله الله إلى قومه يدعوهم إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلم يجدِ فيهم، فدعا عليهم فأغرقهم الله جميعاً إلا من ركب مع نوحٍ في السفينة. ثم بعث الله من بعد نوحٍ وقومه أمة أخرى قصهم الله علينا في القرآن العظيم، وهم عاد قوم هود عليه السلام، قال الله جل وعلا: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:65-68]. قوم عاد ورغد العيش نعم يا أمة الإسلام! نعم يا أمة القرآن! هذا هود بعثه الله إلى عادٍ؛ وهم عرب يسكنون الأحقاف ؛ وهي جبال الرمل قريباً من حضرموت من جهة بلاد اليمن ، وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب.اعتبروا يا أولي الأبصار! اعتبروا يا أهل الفلل والقصور! اعتبروا يا أهل السيارات والبيوت! اعتبروا واعلموا أن الله قويٌ شديد العقاب، اعتبروا يا أهل البهارج التماثيل! اعتبروا يا أهل الصواريخ والبازوكا، إن الله على كل شيء قدير، اعتبروا يا أهل القنبلة الذرية! اعتبروا واعتبروا ثم اعتبروا!كانوا في غاية من التركيب والقوة، والبطش الشديد، والطول المزيد، والأرزاق الدارة، والأموال والجنات، والأنهار والأطيار، والزروع والثمار، ولكنهم مع هذا كله كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى؛ يعبدون الأوثان والأصنام، فبعث الله إليهم هوداً عليه السلام؛ رجلاً منهم بشيراً ونذيراً؛ يدعوهم إلى عبادة الله الواحد القهار، إلى عبادة الحي القيوم؛ الذي بيده النفع والضر، الذي لا يحتاج إلى أحدٍ في قليل ولا كثير، وحذرهم نقمته وعذابه، وهو -عليه السلام- لا يريد منهم أجرة على هذا النصح والبلاغ والإرشاد؛ إنما يبغي ثوابه من الله الذي فطره. يتبع... |
#2
|
||||
|
||||
هود عليه السلام يدعو قومه إلى التوبة والاستغفار قال الله تعالى عن هودٍ عليه السلام: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ * يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ [هود:50-51] ثم حثهم -عليه السلام- على الاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة، وأمرهم بالتوبة فيما سيتقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة -أي: بكثرة الاستغفار- يسر الله عليه رزقه، وسهل عليه أمره، وحفظ شأنه، يروى في الحديث: {من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب }. وقال عليه الصلاة والسلام: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52] فأخبر الله جل وعلا أنهم ردوا عليه دعوته، وعاندوا وجحدوا وكذبوا، فقال الله مخبراً عنهم في محكم البيان: قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [الشعراء:136-138] افتراءً على الله تعالى. عصيان قوم هود عليه السلام لأوامر الله ويخبر ربنا جلَّ وعلا في الآيات البينات عن قوم هود عليه السلام أنهم بغوا وعصوا وعتوا، فقال تعالى: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [فصلت:15] ثم إنهم أعجبوا بشدة تركيبهم، وثقل وزنهم وقواهم، واعتقدوا أنهم يعتصمون بها من بأس الله جل وعلا وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15] فرد الله تعالى عليهم قائلاً: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15] أي: ما لهؤلاء القوم لا يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة، فإنهم يبارزون العظيم؛ الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها، وأن بطشه شديد، أولئك عاد حاربوا الجبار بالعداوة، وجحدوا بآياته البينات الواضحات، وعصوا رسله، وعند ذلك قال الله فيهم ورسولهم يعتذر إلى الله: قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود:54-56]. عقوبة تكذيبهم لنبيهم عليه السلام ولما تبرأ منهم عليه السلام ومن أعمالهم، وأنهم كذبوه، أخبر الله عنهم فقال: كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر:18-20].اسمعوا يا عباد الله، أيها المتكبرون! يا من لا تلين قلوبهم! اسمعوا كلام الله: تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر:20] وقبل أن يحل بهم العذاب أمسك الله عليهم المطر ثلاث سنين، حتى أصابهم الوحل، ثم أنشأ الله سحابات ثلاثاً: بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى كبيرهم الذي ذهب يستسقي لهم في جبال تهامة ، ناداه منادٍ من السماء: اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب، فقال: اخترت السحابة السوداء؛ فإنها أكثر السحاب ماءً. فناداه مناد: اخترت رماداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً، لا والداً يترك ولا ولداً، إلا جعلته همداً. وساق الله السحابة السوداء التي اختارها بما فيها، فخرجت عليهم من وادٍ يقال له المغيث، ولما رأوها استبشروا قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف:24] قال الله تعالى: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ [الأحقاف:24] هذا هو الذي تحادون الله به، هذا العذاب الذي تتحدون الله به: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف:24-25] إنها ريح فيها عذاب، رأت امرأة من قوم عاد يقال لها: مميت ، فلما تبينت ما في هذه الريح صاحت ثم صعقت، فلما فاقت قالوا: ما رأيت يا مميت ؟ قالت: ريحاً فيها شبه النار أمامها رجال يقودونها. فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، كما قال الله تعالى: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:6-8] فتح الله عليهم من الريح قدر الخاتم، فأتت مع من يقودونها، فكانت الريح تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تمزقه على أم رأسه فتسلخ رأسه حتى تفصله من جثته.نعم يا عباد الله! نعم يا أمة الإسلام! تلكم القصص في القرآن العظيم تسلية لإمام الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وتحذيراً للأمة المحمدية من أعمال أولئك الكفرة العصاة، حتى لا يسلكوا طريقتهم. فالحذر الحذر يا عباد الله من المعاصي فإنها بريد الكفر! والحذر الحذر من الاغترار بهذه الدنيا وما فيها من الحطام الزائل! اللهم أيقظنا من رقدة الغفلة، ووفقنا لما تحبه وترضاه، واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين. اللهم أجرنا من عذابك، اللهم أجرنا من نقمتك، اللهم إنا نعوذ بوجهك العظيم وكلماتك التامة من غضبك ومن أليم عقابك، ومن شر عبادك.ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم. للشيخ : ( عبد الله حماد الرسي ). |
#3
|
|||
|
|||
جزاك الله خير الجزاء
|
#4
|
|||
|
|||
جزاك الله الخير كله
بارك الله فيك كتبت فاوجزت فأفدت ودمتم |
أدوات الموضوع | |
|
|