منتدى السنة للحوار العربى
 
جديد المواضيع

 مأذون شرعي بمدينة الرياض   Online quran classes for kids 



العودة   منتدى السنة للحوار العربى > حوارات عامة > موضوعات عامة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2013-02-08, 05:14 PM
فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد غير متواجد حالياً
محـــاور
 
تاريخ التسجيل: 2009-06-25
المشاركات: 686
فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد
افتراضي طاعة ولي الأمر المسلم ، أين الغلوّ؟

الحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فقد قلت سابقا وفي أكثر من مكان إنّ من أسوء مفرزات ما يُسمى بـ(الربيع العربي) – بغض النظر عن الموقف منه إيجابيا كان أو سلبيا - هو صيال أهل الأهواء على ثوابت الشريعة وأصول السنة الثابتة ، وبروز شخصيات غير مؤهلة في منهجها ولا رجاحة عقولها ولا أسنانها لتوجيه الأمّة ، أصبحت هي الموجهة في المسائل الحادثة خاصة الفتن الحادثة بين الناس والولاة .

ومن المسائل الّتي ثار حولها خلاف متجدد هو مسألة طاعة ولاة الأمور ، وجواز المشاركة في المظاهرات والاعتصامات والعصيان الذي يفعله المشاركون في الثورات .

ورأيي في هذه الثورات قلته قديما وليس غرضي العودة إليه . وإنّما أزعجني ما ثار مؤخرا وعلى يد بعض من نحبهم ونكره أن نرى منهم ما يُشمّ منه التعرض لمقام الشريعة والأصول التي أصّلها أئمّة السلف، من استخفاف بشريعة السمع والطاعة لأئمّة الجور والظلم .

ولم أكن أحب الخوض في هذا الأمر لسببين ، أولهما غلبة الأهواء وتسلطها في هذه الأيّام ، والآخر : أنّ غالب المفرزات كانت تصدر ممّن لا أكترث لكلامهم .

لكن لما رأيت بعض الفضلاء قد خاض في هذا الأمر ونسي أصوله التي يرفعها دائما، وربّما غرّته وقائع الأيّام والدهور أحببت اجتزاء وصلة من التاريخ لنرى كيف تصرف أئمة السنة حيالها ، وقدر الله أنّي كنت أطالع مقدمة تحقيق كتاب الشريعة للآجري التي كتبها الدكتور عبدالله الدميجي، فرأيتها مناسبة لأن أعرضها على القارئ الكريم ولنر كيف كانت ردة فعل أئمة السنة، ولينظر طالب الحق اين يقف من منهج هؤلاء الأعلام والمسافة التي تفصله عنهم ، وما هي حقيقة الغلو في الطاعة التي يتحدث عنها هؤلاء الفضلاء .

الفترة التي سنتحدث عنها هي ما بين 250 إلى 360ه تقريبا تزيد أو تنقص قليلا،، و حالة البلاد الإسلامية سأوجزها من خلال كلمات يسيرة عن حالها في عهد كل خليفة ، وأهمّ ما أريد الإشارة إليه هو ضعف منصب الإمامة وتضييع الأمانة فيه ، وتسلط أهل البدع والسفهاء واللصوص على مقاليد الأمور، والحالة الاجتماعية والاقتصادية،وهي أهمّ ما يسوّغ البعض لنفسه إهدار أصل السمع والطاعة لأجله : الاستبداد، تولية الفاسدين، نهب الأموال، تسليط العدو الخارجي على الدولة إضعاف المسلمين ....إلخ.

توارد على منصب الولاية في هذه الفترة اثنا عشر خليفة ، وهم كما يلي :

1- المستعين بالله أبو العباس:

المستعين بالله: أبو العباس أحمد بن المعتصم بن الرشيد، وهو أخو الواثق والمتوكل .

قال الذهبي : «وكان متلافا للمال, مبذرا، فرق الجواهر، وفاخر الثياب, اختلت الخلافة بولايته، واضطربت الأمور»

وقال : « وهاجت الفتنة الكبرى بالعراق، فتنكر الترك للمستعين، فخاف، وتحول إلى بغداد، فنزل بالجانب الغربي على نائبه ابن طاهر، فاتفق الأتراك بسامراء، وبعثوا يعتذرون، ويسألونه الرجوع، فأبى عليهم، فغضبوا، وقصدوا السجن، وأخرجوا المعتز بالله، وبايعوا له، وخلعوا المستعين، وبنوا أمرهم على شبهة، وهي أن المتوكل عقد للمعتز بعد المنتصر، فجهز المعتز أخاه أبا أحمد لمحاربة المستعين، وتهيأ المستعين، وابن طاهر للحصار، وإصلاح السور، وتجرد أهل بغداد للقتل، ونصبت المجانق، ووقع الجد، ودام البلاء أشهرا، وكثرت القتلى، واشتد القحط، وتمت بينهما عدة وقعات بحيث إنه قتل في نوبة من جند المعتز ألفان إلى أن ضعف أهل بغداد وذلوا وجاعوا وتعثروا، فما أصبرهم على الشر والفتن!»

تسلط الأتراك في ولايته وخاصة وزيراه وصيف وبغا ، ولم يكن للمستعين مع وصيف وبغا أمر حتى قيل في ذلك:

خليفة في قفص ... بين وصيف وبغا

يقول ما قالا له ... كما تقول الببغا

2- المعتز بالله: محمد بن المتوكل بن المعتصم.

المعتز بالله: محمد -وقيل: الزبير- أبو عبد الله بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد.

ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وأمه أم ولد رومية تسمى قبيحة، وبويع له عند خلع المستعين في سنة اثنتين وخمسين، وله تسع عشرة سنة؛ ولم يل الخلافة قبله أحد أصغر منه.

وهو أول خليفة أحدث الركوب بحلية الذهب، وكان الخلفاء قبل يركبون بالحلية الخفيفة من الفضة..

وكان المعتز مستضعفًا من الأتراك، فاتفق أن جماعة من كبارهم أتوه وقالوا: يا أمير المؤمنين أعطنا أرزاقنا لنقتل صالح بن وصيف، وكان المعتز يخاف منه، فطلب من أمه مالًا لينفقه فيهم، فأبت عليه وشحت نفسها، ولم يكن بقى في بيوت المال شيء، فاجتمع الأتراك على خلعه، ووافقهم صالح بن وصيف، ومحمد بن بغا، فلبسوا السلاح وجاءوا إلى دار الخلافة، فبعثوا إلى المعتز أن اخرج إلينا، فبعث يقول: قد شربت دواء وأنا ضعيف، فهجم عليه الجماعة، وجروا برجله، وضربوه بالدبابيس، وأقاموه في الشمس في يوم صائف، وهم يلطمون وجهه ويقولون: اخلع نفسك، ثم أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب والشهود وخلعوه، ثم أحضروا من بغداد إلى دار الخلافة -وهي يومئذ سامرا- محمد بن الواثق، وكان المعتز قد أبعده إلى بغداد، فسلم المعتز إليه بالخلافة وبايعه، ثم إن الملأ أخذو المعتز بعد خمس ليالٍ من خلعه، فأدخلوه الحمام فلما اغتسل عطش، فمنعوه الماء، ثم أخرج -وهو أول ميت مات عطشًا- فسقوه ماء بثلج، فشربه وسقط ميتًا.

3- المهتدي بالله: محمد بن الواثق بن المعتصم.

المهتدي بالله الخليفة الصالح: محمد أبو إسحاق -وقيل: أبو عبد الله- بن الواثق بن المعتصم بن الرشيد.

كان المهتدي أسمر، رقيقًا، مليح الوجه، ورعًا متعبدًا، عادلًا، قويًّا في أمر الله، بطلًا، شجاعًا لكنه لم يجد ناصرًا ولا معينًا.. فكانت خلافته سنة إلا خمسة عشر يومًا .

4- المعتمد على الله: أحمد بن المتوكل بن المعتصم.

ولما قتل المهتدي وكان المعتمد محبوسًا بالجوسق، فأخرجوه وبايعوه، ثم إنه استعمل أخاه الموفق طلحة على المشرق، وصير ابنه جعفرًا ولي عهد، وولاه مصر والمغرب، لقبه المفوض إلى الله، وانهمك المعتمد في اللهو واللذات، واشتغل عن الرعية، فكرهه الناس.

وفي أيامه دخلت الزنج البصرة وأعمالها وأخربوها، وبذلوا السيف وأحرقوا وخربوا وسبوا، وجرى بينهم وبين عسكره عدة وقعات وأمير عسكره في أكثرها الموفق أخوه، وأعقب ذلك الوباء الذي لا يكاد يتخلف عن الملاحم بالعراق، فمات خلق لا يحصون، ثم أعقبه هزات وزلازل، فمات تحت الردم ألوف من الناس، واستمر القتال مع الزنج من حين تولى المعتمد سنة ست وخمسين إلى سنة سبعين، فقتل فيه رأس الزنج لعنه الله واسمه بهبوذ، وكان ادعى أنه أرسل إلى الخلق فرد الرسالة وأنه مطلع على المغيبات.

وذكر الصولي أنه قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف آدمي، وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف، وكان له منبر في مدينته يصعد عليه ويسب عثمان، وعليًّا، ومعاوية، وطلحة، والزبير، وعائشة، رضي الله عنهم.

وكان ينادي على المرأة العلوية في عسكره بدرهمين وثلاثة وكان عند الواحد من الزنج العشر من العلويات يطؤهن ويستخدمهن .

وفي سنة 271ه « دخل إلى المدينة النبوية محمد وعلي ابنا الحسين بن جعفر بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقتلا خلقا من أهلها وأخذا أموال جزيلة، وتعطلت الصلوات في المسجد النبوي أربع جمع لم يحضر الناس فيه جمعة ولا جماعة، فإنا لله وإنا إليه راجعون وجرت بمكة فتنة أخرى واقتتل الناس على باب المسجد الحرام أيضا»

ثم تضعضع أمر الخلافة ولم يكن للمعتمد حل ولا ربط وقال المعتمد في ذلك:

أليس من العجائب أن مثلي ... يرى ما قل ممتنعًا عليه؟

وتؤخذ باسمه الدنيا جميعًا ... وما من ذاك شيء في يديه

إليه تحمل الأموال طرًّا ... ويمنع بعض ما يجبى إليه

يقول ابن الأثير واصفا حالة البلاد في تلك الفترة : « وفيها – أي سنة 266ه- اشتد الحال وضاق الناس ذرعا بكثرة الهياج والفتن وتغلب القواد والأجناد على كثير من البلاد بسبب ضعف منصب الخلافة»

5- المعتضد بالله: أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل بن المعتصم.

وكان المعتضد شهمًا، جلدًا، موصوفًا بالرجولة، قد لقى الحروب، وعرف فضله، فقام بالأمر أحسن قيام، وهابه الناس، ورهبوه أحسن رهبة، وسكنت الفتن في أيامه لفرط هيبته.

وكانت أيامه طيبة، كثيرة الأمن والرخاء.

وكان قد أسقط المكوس، ونشر العدل، ورفع الظلم عن الرعية.

وكان يسمى السفاح الثاني؛ لأنه جدد ملك بني العباس، وكان قد خلق وضعف، وكاد يزول، وكان في اضطراب من وقت قتل المتوكل ..

قال ابن جرير: وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية على المنابر، فخوفه عبيد الله الوزير اضطراب العامة، فلم يلتفت، وكتب كتابًا في ذلك، ذكر فيه كثيرًا من مناقب علي، ومثالب معاوية، فقال له القاضي يوسف: يا أمير المؤمنين! أخاف الفتنة عند سماعه، فقال: إن تحركت العامة وضعت السيف فيها، قال: فما تصنع بالعلويين الذين هم في كل ناحية قد خرجوا عليك؟ وإذا سمع الناس هذا من فضائل أهل البيت كانوا إليهم أميل، فأمسك المعتضد عن ذلك.

6- المكتفي بالله: علي بن المعتضد.

المكتفي بالله: أبو محمد علي بن المعتضد، ولد في غرة ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين، وأمه تركية اسمها جيجك.

بويع بالخلافة عند موت والده بعهد منه، في جمادى الأولى، سنة تسع وثمانين، فاستخلف ستة أعوام ونصفا، وأهمّ أحداث خلافته هو فتنة القرامطة وما أحدثوه في المسلمين من قتل وسبي .

ومات المكتفي شابا: في سابع ذي القعدة من سنة 295ه.

7- المقتدر بالله: جعفر بن المعتضد.

قال المسعودي في التنبيه : « وكان ربع القامة الى القصر ما هو، دري اللون، صغير العينين، أحور حسن الوجه واللحية أصهبها، أفضت الخلافة اليه، وهو صفير، غرّ ترف، لم يعان الأمور، ولا وقف على أحوال الملك. فكان الأمراء والوزراء والكتاب، يدبرون الأمور، ليس له في ذلك حل ولا عقد، ولا يوصف بتدبير ولا سياسة وغلب على الأمر النساء والخدم وغيرهم، فذهب ما كان في خزائن الخلافة من الأموال والعدد بسوء التدبير الواقع في المملكة، فأداه ذلك الى سفك دمه، واضطربت الأمور بعده، وزال كثير من رسوم الخلافة»

ولم يلِ الخلافة قبله أصغر منه؛ فإنه وليها وله ثلاث عشرة سنة، فاستصباه الوزير العباس بن الحسن، فعمل على خلعه، ووافقه جماعة على أن يولوا عبد الله بن المعتز، وبعث ابن المعتز إلى المقتدر يأمره بالانصراف إلى دار محمد بن طاهر لكي ينتقل ابن المعتز إلى دار الخلافة، فأجاب، ولم يكن بقي معه إلا طائفة يسيرة، فقالوا: يا قوم! نسلم هذا الأمر ولا نجرب نفوسنا في دفع ما نزل بنا، فلبسوا السلاح وقصدوا المخرم وبه ابن المعتز، فلما رآهم من حوله ألقى الله في قلوبهم الرعب، فانصرفوا منهزمين بلا قتال، وهرب ابن المعتز، ووزيره وقاضيه، ووقع النهب والقتل في بغداد، وقبض المقتدر على الفقهاء والأمراء الذين خلعوه، وسلموا إلى يونس الخازن فقتلهم إلا أربعة -منهم القاضي أبو عمر- سلموا من القتل، وحبس ابن المعتز، ثم أخرج فيما بعد ميتًا، واستقام الأمر للمقتدر؛ فاستوزر أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات، فسار أحسن سيرة، وكشف المظالم، حض المقتدر على العدل، ففوض إليه الأمر لصغره، واشتغل باللعب واللهو، وأتلف الخزائن .

وفي عهده بنى القرمطي دارًا سماها دار الهجرة، وكان في هذه السنين قد كثر فساده وأخذه البلاد وفتكه المسلمين، واشتد الخطب به، وتمكنت هيبته في القلوب، وكثر أتباعه، وبث السرايا، وتزلزل له الخليفة، وهزم جيش المقتدر غير مرة، وانقطع الحج في هذه السنين خوفًا من القرامطة، ونزح أهل مكة عنها، وقصدت الروم ناحية خلاط، وأخرجوا المنبر من جامعها وجعلوا الصليب مكانه ..

وفي عهده هاجت فتنة كبرى ببغداد بسبب قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] فقالت الحنابلة: معناها يقعده الله على عرشه، وقال غيرهم: بل هي الشفاعة، ودام الخصام، واقتتلوا جماعة كثيرة.

قال السيوطي : كان المقتدر جيد العقل، صحيح الرأي لكنه كان مؤثرًا للشهوات والشراب مبذرًا، وكان النساء غلبن عليه، فأخرج عليهن جميع جواهر الخلافة ونفائسها، وأعطى بعض حظاياه الدرة اليتيمة ووزنها ثلاثة مثاقيل، وأعطى زيدان القهرمان سبحة جوهر لم ير مثلها، وأتلف أموالًا كثيرة، وكان في داره أحد عشر ألف غلام خصيان غير الصقالبة والروم والسود .

8- القاهر بالله: محمد بن المعتضد.

أمر بتحريم القيان والخمر، وقبض على المغنين، ونفى المخانيث، وكسر آلات اللهو، وأمر ببيع المغنيات من الجواري على أنهن سواذج، ليشتريهن برخص، وكان مع ذلك لا يصحو من السكر، ولا يفتر عن سماع الغناء.

ومن جوره أنّه قتل إسحاق بن إسماعيل النوبختي ، ألقاه على رأسه في بئر وطمت، وذنبه أنه زايد القاهر قبل الخلافة في جارية، واشتراها، فحقد عليه .

قال محمد الأصبهاني: كان سبب خلع القاهر سوء سيرته، وسفكه الدماء فامتنع من الخلع، فسملوا عينيه حتى سالتا على خديه .

وقال الصولي: كان أهوج، سفاكًا للدماء، قبيح السيرة، كثير التلون والاستحالة، مدمن الخمر، ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل.

وكان قد صنع حربة يحميها، فلا يطرحها حتى يقتل بها إنسانًا.

وفي عهده هاجت الفتن يقول السيوطي : « وفي سنة خمس وعشرين اختل الأمر جدًّا، وصارت البلاد بين خارجي قد تغلب عليها أو عامل لا يحمل مالًا، وصاروا مثل ملوك الطوائف، ولم يبقَ بيد الراضي غير بغداد والسواد مع كون يد ابن رائق عليه، ولما ضعف أمر الخلافة في هذه الأزمان ووهت أركان الدولة العباسية، وتغلبت القرامطة والمبتدعة على الأقاليم»..

9- الراضي بالله: محمد بن المقتدر بن المعتضد.

الراضي بالله: أبو العباس محمد بن المقتدر بن المعتضد بن طلحة بن المتوكل.

ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، وأمه أم ولد رومية اسمه ظلوم، بويع له يوم خلع القاهر، فأمر ابن مقلة أن يكتب كتابًا فيه مثالب القاهر ويقرأ على الناس .

وفي سنة تسع وعشرين اعتل الراضي، ومات في شهر ربيع الآخر وله إحدى وثلاثون سنة ونصف، وكان سمحًا، كريمًا، أديبًا، شاعرًا، فصيحًا، محبًّا للعلماء، وله شعر مدون، وسمع الحديث من البغوي وغيره. قال الخطيب: للراضي فضائل: منها أنه آخر خليفة له شعر مدون، وآخر خليفة خطب يوم الجمعة، وآخر خليفة جالس الندماء، وكانت جوائزه وأموره على ترتيب المتقدمين، وآخر خليفة سافر بزي القدماء .

10- المتقي لله: إبراهيم بن المقتدر بن المعتضد.

المتقي لله: أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل.

بويع له بالخلافة بعد موت أخيه الراضي، وهو ابن أربع وثلاثين سنة، وأمه أمة اسمها خلوب، وقيل: زهرة، ولم يغير شيئًا قط، ولا تسرى على جاريته التي كانت له، وكان كثير الصوم والتعبد، ولم يشرب نبيذًا قط، وكان يقول: لا أريد نديمًا غير المصحف، ولم يكون له سوى الاسم، والتدبير لأبي عبد الله أحمد بن علي الكوفي كاتب بجكم.

11- المستكفي بالله: عبد الله بن المكتفي بن المعتضد.

المستكفي بالله: أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بن المعتضد، أمه أم ولد اسمها أملح الناس، بويع بالخلافة عند خلع المتقي، في صفر سنة ثلاث وثلاثين وعمره إحدى وأربعون سنة، ومات تورون في أيامه، ومعه كاتبه أبو جعفر بن شيرزاد فطمع في المملكة، وحلف العساكر لنفسه، فخلع عليه الخليفة، ثم دخل أحمد بن بويه بغداد فاختفى ابن شيرزاد، ودخل ابن بويه دار الخلافة، فوقف بين يدي الخليفة فخلع عليه ولقبه: معز الدولة، ولقب أخاه عليًّا: عماد الدولة، وأخاهما الحسن: ركن الدولة، وضرب ألقابهم على السكة، ولقب المستكفي نفسه: إمام الحق، وضرب ذلك على السكة، ثم إن معز الدولة قوي أمره وحجر على الخليفة، وقدر له كل يوم برسم النفقة خمسة آلاف درهم فقط، وهو أول من ملك العراق من الديلم، وأول من أظهر السعاة ببغداد، وأغرى المصارعين والسباحين، فانهمك شباب بغداد في تعلم المصارعة والسباحة، حتى صار السباح يسبح وعلى يده كانون وفوقه قدرة، فيسبح حتى ينضج اللحم.

ثم إن معز الدولة تخيل من المستكفي، فدخل عليه في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين فوقف -والناس وقوف على مراتبهم- فتقدم اثنان من الديلم إلى الخليفة فمد يديه إليهما ظنًّا أنهما يريدان تقبيلها، فجذباه من السرير حتى طرحاه إلى الأرض، وجراه بعمامته، وهاجم الديلم دار الخلافة إلى الحرم ونهبوها، فلم يبق فيها شيء، ومضى معز الدولة إلى منزله، وساقوا المستكفي ماشيًا إليه، وخلع، وسملت عيناه يومئذ، وكانت خلافته سنة وأربعة أشهر، وأحضروا الفضل بن المقتدر وبايعوه، ثم قدموا ابن عمه المستكفي، فسلم عليه بالخلافة، وأشهد على نفسه بالخلع، ثم سجن إلى أن مات سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة وله ست وأربعون سنة وشهران وكان يتظاهر بالتشيع.

وفي عهده سنة 333ه يقول الذهبي : « عظم الغلاء ببغداد حتى هرب الناس وبقي النساء. فكن المخدرات يخرجن عشرين عشرين من بيوتهن، ممسكات بعضهن بعضا، يصحن: الجوع الجوع. وتسقط الواحدة منهن بعد الأخرى ميتة من الجوع. فإنا لله وإنا إليه راجعون»

وفي نهاية عهده يقول ابن كثير متحدثا عن سنة 334ه: « وفي هذه السنة وقع غلاء شديد ببغداد حتى أكلوا الميتة والسنانير والكلاب، وكان من الناس من يسرق الأولاد فيشويهم ويأكلهم.وكثر الوباء في الناس حتى كان لا يدفن أحد أحدا، بل يتركون على الطرقات فيأكل كثيرا منهم الكلاب، وبيعت الدور والعقار بالخبز، وانتجع الناس إلى البصرة فكان منهم من مات في الطريق ومنهم من وصل إليها بعد مدة مديدة»

12- المطيع لله: الفضل بن المقتدر بن المعتضد.

المطيع لله: أبو القاسم الفضل بن المعتضد، أمه أم ولد اسمها شغلة ولد سنة إحدى وثلاثمائة، وبويع له بالخلافة، عند خلع المستكفي في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وقرر له معز الدولة كل يوم نفقة مائة دينار فقط.

وكان مع معز الدولة ابن بويه كالأسير .

وفي عهده كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد لعنة معاوية، ولعنة من غصب فاطمة حقها من فدك، ومن منع الحسن أن يدفن مع جده، ولعنة من نفى أبا ذر، ثم إن ذلك محي في الليل، فأراد معزل الدولة أن يعيده فأشار عليه الوزير المهلبي أن يكتب مكان ما محي: لعن الله الظالمين لآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصرحوا بلعنة معاوية فقط .

وفي عهده وفي سنة اثنتين وخمسين يوم عاشوراء ألزم معز الدولة الناس بغلق الأسواق ومنع الطباخين من الطبيخ ونصبوا القباب في الأسواق، وعلقوا عليها المسوح، وأخرجوا النساء منتشرات الشعور يلطمن في الشوارع ويقمن المآتم على الحسين، وهذا أو يوم نيح عليه فيه ببغداد، واستمرت هذه البدعة سنين .

يقول ابن كثير : «ثم دخلت سنة تسع وخمسين وثلثمائة في عاشر المحرم منها عملت الرافضة بدعتهم الشنعاء فغلقت الأسواق وتعطلت المعايش ودارت النساء سافرات عن وجوههن ينحن على الحسين بن علي ويلطمن وجوههن، والمسوح معلقة في الأسواق والتبن مدرور فيها.

وفيها دخلت الروم إنطاكية فقتلوا من أهلها الشيوخ والعجائز وسبوا الصبايا والأطفال نحوا من عشرين ألفا فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وذلك كله بتدبير ملك الأرمن نقفور لعنه الله، وكل هذا في ذمة ملوك الأرض أهل الرفض الذين قد استحوذوا على البلاد وأظهروا فيها الفساد قبحهم الله»

قال الذهبي: كان المطيع وابنه مستضعفين مع بني بويه .. وهم شيعة .

وفي عهده اشتد الغلاء ببغداد حتى أكلوا الجيف، والروث وماتوا على الطرق، وأكلت لحومهم، وبيع العقار بالرغفان، ووجدت الصغار مشوية مع المساكين، واشترى لمعز الدولة كر دقيق بعشرين ألف درهم، والكر سبعة عشر قنطارًا بالدمشقي .

قال ابن كثير : «ثم جاءت سنة 351 وفيها كان دخول الروم إلى حلب صحبة الدمستق ملك الروم لعنه الله، في مائتي ألف مقاتل .. فأول ما استفتح به الدمستق قبحه الله أن استحوذ على دار سيف الدولة، وكانت ظاهر حلب ، فأخذ ما فيها من الأموال العظيمة والحواصل الكثيرة، والعدد وآلات الحرب، أخذ من ذلك ما لا يحصى كثرة، وأخذ ما فيها من النساء والولدان وغيرهم، ثم حاصر سور حلب فقاتل أهل البلد دونه قتالا عظيما، وقتلوا خلقا كثيرا من الروم، وثلمت الروم بسور حلب ثلمة عظيمة، فوقف فيها الروم فحمل المسلمون عليهم فأزاحوهم عنها، فلما جن الليل

جد المسلمون في إعادتها فما أصبح الصباح إلا وهي كما كانت، وحفظوا السور حفظا عظيما، ثم بلغ المسلمون أن الشرط والبلاحية قد عاثوا في داخل البلد ينهبون البيوت، فرجع الناس إلى منازلهم يمنعونها منهم قبحهم الله، فإنهم أهل شر وفساد، فلما فعلوا ذلك غلبت الروم على السور فعلوه ودخلوا البلد يقتلون من لقوه، فقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا وانتهبوا الأموال وأخذوا الأولاد والنساء.

وخلصوا من كان بأيدي المسلمين من أسارى الروم، وكانوا ألفا وأربعمائة ، فأخذ الأسارى السيوف وقاتلوا المسلمين، وكانوا أضر على المسلمين من قومهم، وأسروا نحوا من بضعة عشر ألفا ما بين صبي وصبية، ومن النساء شيئا كثيرا، ومن الرجال الشباب ألفين، وخربوا المساجد وأحرقوها، وصبوا في جباب الزيت الماء حتى فاض الزيت على وجه الأرض، وأهلكوا كل شئ قدروا عليه، وكل شئ لا يقدرون على حمله أحرقوه، وأقاموا في البلد تسعة أيام يفعلون فيها الأفاعيل الفاسدة العظيمة، كل ذلك بسبب فعل البلاحية والشرط في البلد قاتلهم الله.

وكذلك حاكمهم ابن حمدان كان رافضيا يحب الشيعة ويبغض أهل السنة، فاجتمع على أهل حلب عدة مصائب، ثم عزم الدمستق على الرحيل عنهم خوفا من سيف الدولة، فقال له ابن أخيه: أين تذهب وتدع القلعة وأموال الناس غالبها فيها ونساؤهم؟ فقال له الدمستق: إنا قد بلغنا فوق ما كنا نأمل، وإن بها مقاتلة ورجالا غزاة، فقال له لابد لنا منها، فقال له: اذهب إليها، فصعد إليها في جيش ليحاصرها فرموه بحجر فقتلوه في الساعة الراهنة من بين الجيش كله، فغضب عند ذلك الدمستق وأمر بإحضار من في يديه من أسارى المسلمين، وكانوا قريبا من ألفين ، فضربت أعناقهم بين يديه لعنه الله، ثم كر راجعاً.



تعليق :

والله إني حين اخترت هذه المقاطع كنت في حيرة من كثرة ما قرأت من الأحداث العظيمة التي مرت بالأمّة، أستطيع أن أقول وبجلاء: إنّ البلاد العربية الّتي تثور هذه الأيّام لم تجرّب عشر معشارها سواء من حيث تردي الحالة الاقتصادية والاجتماعية ، أو من حيث سفك الدماء والسجن والنفي ، أو من حيث نهب أموال الأمّة واللعب بها .. والمصادر موجودة ليرجع كل مستبصر إليها ويقرأ بتمعّن وليقارن ، هذا إذا أسقطنا من الحساب غياب الآلة الإعلامية التي تنقل لنا الأحداث ، وقد تضخّمها، فلا أشكّ أنّ المدوّن في كتب التاريخ والتراجم هو أقلّ بكثير من الواقع في تلك الفترة .

وأنا لا أقول هذا مدافعا عن ظالم أو سارق ، أو مغتصب أو مستبد، أو مهوّنا من حالة البلاد العربية وتردّيها، لكني أريد أن أنطلق من هذا إلى زبدة المقال ، ألا وهي موقف الأئمة -أئمة السلف- الذين اتفق على إمامتهم والتأسي بهم أهل السنة السلفيّون ، لننظر ماذا كان موقفهم من ولاة الأمور في ذلك الوقت ومن الدعوة لعصيانهم في غير معصية ، فنحن نرى بجلاء أنّ كل المعطيات الّتي رتّب عليها (جفاة الطّاعة) رأيهم في جواز العصيان والتظاهر والاعتصام لخلع السلطان أو للضغط عليه كل تلك المعطيات كانت متوافرة في تلك الحقبة ، ومع هذا لا تجد لأولئك الأئمة فيما اطلعت عليه تأليبا على الولاة أو كلاما فيهم أو مشاركة في ثورة أو شغب أو تمرد .. فما السبب يا ترى ؟

هل كانوا من علماء السلاطين كما يُتهم كبار العلماء السلفيين اليوم ؟

أم كانوا أهل ظلم وموالاة لأعداء الشعب والمستبدين كما يُقال ؟

أم كانوا منكفئين لا يعلمون ما يجري ولا يهتمون لمصاب الناس ؟

أم كانوا أهل ترف ورغد عيش ولهذا لا يحسون بغيرهم ؟

على كل طالب حق أن يتأمّل الأسماء التالية جيدا ويبحث عن كلماتهم في تلك الأحداث ومواقفهم ، وليسأل نفسه أين هم عن أحداث الأمة الجسام ؟

فنحن للأسف الشديد نحسب لصوص الفتن ومستغلي عواطف الجمهور ومتسلقي المنابر خطباء الفتن نحسبهم هم أهل العلم الحقيقيين ، وأنّهم أشفق على الأمة وأنصح لها ممن ينصح بالكف والسكينة والصبر والاعتزال.. ولو تأمّلنا جيدا لعرفنا أنّ المهيّجين والفوضويين ومثيري الفتن والشغب هم القساة الذين دفعوا بالضعفاء في فم التنّين ثم اقاموا عليهم اللطميات .

عاش في الفترة التي ذكرناها (250-360) أو جزء منها مجموعة من أئمّة السنة وهم كما يلي دون مراعاة ترتيب:

عبد بن حميد صاحب المسند.

الحارث بن مسكين.

أبو حاتم السجستاني .

الدارمي صاحب المسند.

البخاري .

مسلم.

أبو داود.

الترمذي .

ابن ماجه.

المزني.

يونس بن عبد الأعلى

محمد بن يحيى الذهلي.

أبو زرعة الرازي.

محمد بن عبد الله بن عبد الحكم.

بقي بن مخلد.

أبو حاتم الرازي.

ابن أبي الدنيا.

الحارث بن أبي أسامة.

عبد الله بن أحمد بن حنبل.

الإمام البزار صاحب المسند.

الإمام الحافظ صالح بن محمّد الملقب :جزرة.

محمد بن نصر المروزي الإمام.

أبو جعفر الترمذي شيخ الشافعية بالعراق

محمد بن داود الظاهري.

ابن سريج شيخ الشافعية.

أبو بكر البرديجي المحدث.

جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض.

النسائي صاحب السنن.

أبو يعلى الموصلي صاحب المسند.

وأبو بكر الروياني صاحب المسند.

وابن المنذر الإمام صاحب الأوسط .

وابن جرير الطبري المحدث المفسر المؤرخ.

ومحمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح.

وأبو بكر بن أبي داود السجستاني.

وأبو عوانة صاحب الصحيح.

وأبو القاسم البغوي المسند.

الإمام الطحاوي شيخ الحنفية.

وابن مجاهد المقرئ.

وابن أبي حاتم المحدث صاحب التفسير.

والإصطخري شيخ الشافعية.

القاضي أبو عبد الله المحاملي.

الحافظ أبو العباس بن عقدة.

أبو بكر الخرقي شيخ الحنابلة.

أبو إسحاق المروزي إمام الشافعية.

والكرخي شيخ الحنفية.

والقاضي أبو القاسم التنوخي.

وأبو علي بن أبي هريرة من كبار الشافعية.

محمد بن حبان صاحب الصحيح.

ابن الأعرابي .

أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم .

الحافظ محمد بن إسحاق بن منده

الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني



ولاحظ أنّه في وسط تلك الفتن المدلهمّة وانغماس الناس فيها انشغل هؤلاء الأئمة بتصنيف مجموعة من أعظم كتب الإسلام كالصحيحين والسنن الأربعة مثلا ، ومسند البزار، وصحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة ، ومعجم ابن الأعرابي، ومعاجم الطبراني وسنن الدارقطني والعلل له، وعلل ابن أبي حاتم وتفسير الطبري وتفسير ابن أبي حاتم .

وكتب السنة كالسنة لعبدالله بن أحمد والإيمان والتوحيد لابن منده ، والتوحيد لابن خزيمة، وتعظيم قدر الصلاة للمروزي والسنة له ، والرد على المريسي للدارمي أبي عثمان والرد على الجهمية له ، والشريعة للآجري والإبانة لابن بطة وشرح أصول الاعتقاد لللالكائي والسنة للبربهاري والسنة للطبري والإمامة لأبي نعيم ، وفضائل الخلفاء والنزول والعرش للدارقطني وغيرها كثير ..

كلها صنفت في هذه الفترة العصيبة أو جزء منها.. تصور لو أنّ أصحابها شغلوا بالفتن والثورات والمشاركة فيها ؟

شغل هؤلاء الأئمة بما كلفهم الله به من حفظ العلم والسنة وتبليغها للناس ، ولم يتدخّلوا فيما يقدره الله من الثورات والفتن التي تثور بسبب البعد عن شريعة الله ، وهي جزء من سنة التدافع الكونيّة، التي يصحّح الله بها الموازين المختلّة، فاقتصر عملهم على بيان حكم الله في الحاكم والمحكوم دون محاباة .

فهُم كما أنّهم لم يشاركوا العامة غضبهم وثوراتهم لم يشاركوا السلاطين والظلمة في دفع نتائج جورهم وظلمهم ، بل لزموا الحياد واكتفوا بتبليغ السنة والشريعة أحب من أحب وكره من كره .

ولهذا فإني حاولت أن أجد لهم كلمة فيما حصل في تلك الأزمنة من فتن فلم أجد إلاّ تثبيت العلم والسنّة وذمّ البدعة ومفارقة أهلها .. فلله درّهم .

وخاتمة القول : إنّ على طالب الحق أن لا يغترّ بتأصيلات المرحلة ، أعني بها تلك الآراء الّتي تتولّد قوّتها لا من قوّة المرجعيّة والأصل الّذي تستند عليه ، وإنّما من دافعيّة الواقع والحالة النفسية الّتي يعيشها كثير من المؤصِّلين في هذه الأيّام ، وأكثرهم يُرضي جماهير غاضبة ولا يكترث لرضا الله تعالى أو على الأقل الموضوعية والمنهجيّة العلميّة .

فالسّمع والطّاعة أصل عظيم من أصول السنّة تمّ الاستخفاف به للأسف الشّديد على يد ثلّة ممّن يرفع عقيرته بالشّريعة ، فلمّا خالفت الشريعة رغبته وهواه انقلب ساخرا ذاما لها تحت غطاء السخرية بـ(غلاة الطاعة) أو (الجاميّة) ..وهذا منهج غير منصف ، فمن غلا في أصل مشروع وجب بيان وجه غلوّه والرد عليه بعلم ، أمّا السخرية والتّجييش العاطفي الّذي نال أذاه سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومنهج السّلف فليس من العلم في قليل ولا كثير .

ما دام الحاكم مسلما فإنّ له على من تحت يده السّمع والطّاعة ، يُعان على ما فيه طاعة الله ورسوله ، ويُعان على ما فيه مصلحة عامة ، ويُطاع – وإن كرهنا – فيما اجتهد فيه ولم يخالف نصا محكما أو شريعة مُجمعاً عليها ، ويُدعى له ، ومن كرهه أو ناله منه مظلمة فلا يُكلّف الدعاء لكن لا يجوز له النهي عن الدعاء له وتأزيم العلاقة بينه وبين رعيته.

وإذا أمر بمعصية فلا طاعة ، ولا يُعان على معصية الله ، ولكن لا يُؤلب عليه ولا يُسخر منه ويُستخف به، ولا يُنصح علانية في غيبته في أمور شخصية ليست عامّة ، وما كان فيه ضلال الأمّة فيُبيّن الحق فيه دون تعرّض له واستفزاز، فليس ذلك من منهج السلف ولا من منهج كبار أهل العلم بالسنة من المتأخرين والمعاصرين .

وما يسمّيه البعض صدعا بالحق هو في حقيقة الأمر تأليب وإيغار للصدور لم يكن من منهج علمائنا الذين عاشوا على السنة وماتوا عليها، وأقل ما في الأمر أنّه موضع خلاف لا يجوز التبديع فيه ولا نبز المخالف لأجله .

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولاية يوسّعها ولي الأمر ويضيقها بحسب المصلحة ، فإذا اجتهد فيها لا يجوز الافتئات عليه ولو كان في ذلك ما نظنه مصلحة ، فإنّ مفسدة كسر النظام وتعويد النّاس على المعصية والتمرد أعظم وأشدّ من مفسدة منكر يفوت على الشخص إنكاره ، وإذا كان ولي الأمر قد نهاك عن الإنكار فقد برئت ذمّتك ، وهل يبحث كلّ منّا في إنكار المنكر إلاّ عن براءة الذمّة ؟

أخيرا فلننظر ماذا قال بعض أئمة السلف الذين عاصروا هذه الحقبة التي ذكرناها في موضوع السمع والطاعة، وليختر العاقل لنفسه قدوة وسلفا ، إمّا فقهاء الثورات والفوضى، وإمّا هؤلاء الأخيار الذين اتفقت الكلمة على إمامتهم، وقد اخترت ما تيسر الوصول إليه ولم أحاول التفرغ والاستقصاء :

1 . الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت256) :

روى اللالكائي عنه قوله في عقيدته : « وأن لا ننازع الأمر أهله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله , وطاعة ولاة الأمر , ولزوم جماعتهم , فإن دعوتهم تحيط من ورائهم " , ثم أكد في قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. وأن لا يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال الفضيل: " لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام؛ لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد. قال ابن المبارك: «يا معلم الخير، من يجترئ على هذا غيرك» (1/175-176)

2و3 . الإمامان أبو زرعة (ت264) وابو حاتم (ت277) الرازيّين :

روى اللالكائي عنهما قولهما : « ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة , ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا ولا ننزع يدا من طاعة» (1/177)

وعن أبي حاتم : « ولا نرى الخروج على الأئمة ولا نقاتل في الفتنة , ونسمع ونطيع لمن ولى الله عز وجل أمرنا» (1/182)

4 . الإمام ابن أبي عاصم (ت287):

بوّب في كتابه (السنّة) ما يلي من الأبواب :

« باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زجر عن سب السلطان»

« باب ما ذكر عن النبي عليه السلام من أمره بإكرام السلطان، وزجره عن إهانته»

« باب في ذكر فضل تعزير الأمير وتوقيره»

ولا يقولن قائل إن المراد بها إمام العدل ، فقد ذكر بعد ذلك « باب في ذكر السمع والطاعة »وروى تحته حديث عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اسمع وأطع، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك».

« باب ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر عندما يرى المرء من الأمور التي يفعلها الولاة»: وساق تحته حديث ابن عباس، يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر»

وابن أبي عاصم عاش في فترة ولاة ظلمة .



5 . الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321) صاحب العقيدة المشهورة ومما جاء فيها:

« ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة »(2/540)

« والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم»(2/555)

6 . الإمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري (ت329) :

« والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى» (ص56)

« ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي، وقد شق عصا المسلمين، وخالف الآثار، وميتته ميتة جاهلية.ولا يحل قتال السلطان والخروج عليه وإن جاروا، وليس من السنة قتال السلطان؛ فإن فيه فساد الدين والدنيا»(ص58)

«واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله التي افترضها على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - جوره على نفسه وتطوعك وبرك معه تام إن شاء الله تعالى - يعني الجماعة والجمعة - والجهاد معهم وكل شيء من الطاعات فشاركهم فيه.

وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله يقول فضيل بن عياض: لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن جاروا وظلموا لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين»

هذا يقوله البربهاري رغم أنه أوذي من السلطان ، قال ابن أبي يعلى في الطبقات : « وكانت للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين كثيرة وكان المخالفون يغيظون قلب السلطان عليه ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة في خلافة القاهر ووزيره ابن مقلة تقدم بالقبض على البربهاري فاستتر وقبض على جماعة من كبار أصحابه وحملوا إلى البصرة»

وقال : « ولم تزل المبتدعة ينقلون قلب الراضي على البربهاري فتقدم الراضي إلى بدر الحرسي صاحب الشرطة بالركوب والنداء ببغداد: أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان فاستتر وكان ينزل بالجانب الغربي بباب محول فانتقل إلى الجانب الشرقي مستترا فتوفي في الاستتار »

7 . الإمام ابن حبان (ت354) :

بوّب في كتابه الصحيح :

« ذكر الإخبار بأن على المرء عند ظهور الجور أداء الحق الذي عليه دون الامتناع على الأمراء »(10/447)

« ذكر الزجر عن الخروج على الأئمة بالسلاح وإن جاروا»(10/448)

« ذكر الزجر عن الخروج على أمراء السوء وإن جاروا بعد أن يكره بالخلد ما يأتون»(10/449)

« ذكر ما يجب على المرء من ترك الخروج على الأمراء وإن جاروا»(10/450)

8. الإمام محمد بن الحسين الآجري (ت360):

« قد ذكرت من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى، عن مذهب الخوارج، ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة، وحيف الأمراء، ولم يخرج عليهم بسيفه، وسأل الله تعالى كشف الظلم عنه، وعن المسلمين، ودعا للولاة بالصلاح، وحج معهم، وجاهد معهم كل عدو للمسلمين وصلى معهم الجمعة والعيدين , فإن أمروه بطاعة فأمكنه أطاعهم، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصية لم يطعهم، وإذا دارت الفتن بينهم لزم بيته وكف لسانه ويده، ولم يهو ما هم فيه، ولم يعن على فتنة، فمن كان هذا وصفه كان على الصراط المستقيم إن شاء الله»(1/370)

« باب في السمع والطاعة لمن ولي أمر المسلمين والصبر عليهم وإن جاروا , وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة» (1/373)

وروى أثر :سويد بن غفلة قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا أدري لعلك أن تخلف بعدي فأطع الإمام، وإن أمر عليك عبد حبشي مجدع، وإن ظلمك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن دعاك إلى أمر ينقصك في دنياك فقل: سمعا وطاعة، دمي دون ديني "

ثم قال:« فإن قال قائل: إيش الذي يحتمل عندك قول عمر رضي الله عنه فيما قاله؟ قيل له: يحتمل والله أعلم أن نقول: من أمر عليك من عربي أو غيره أسود أو أبيض أو عجمي فأطعه فيما ليس لله فيه معصية، وإن حرمك حقا لك، أو ضربك ظلما لك، أو انتهك عرضك، أو أخذ مالك، فلا يحملك ذلك على أن تخرج عليه بسيفك حتى تقاتله، ولا تخرج مع خارجي يقاتله، ولا تحرض غيرك على الخروج عليه، ولكن اصبر عليه .

وقد يحتمل أن يدعوك إلى منقصة في دينك من غير هذه الجهة يحتمل أن يأمرك بقتل من لا يستحق القتل، أو بقطع عضو من لا يستحق ذلك، أو بضرب من لا يحل ضربه، أو بأخذ مال من لا يستحق أن تأخذ ماله، أو بظلم من لا يحل له ولا لك ظلمه، فلا يسعك أن تطيعه، فإن قال لك: لئن لم تفعل ما آمرك به وإلا قتلتك أو ضربتك، فقل: دمي دون ديني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل» ولقوله صلى الله عليه وسلم «إنما الطاعة في المعروف» (1/382)

« لا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلا كان الإمام أو جائرا، فخرج وجمع جماعة وسل سيفه، واستحل قتال المسلمين، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه، ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قلته أخبار لا يدفعها كثير من علماء المسلمين، بل لعله لا يختلف في العلم بها جميع أئمة المسلمين»(1/346)

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

http://azahrany.com/container.php?fun=artview&id=103
__________________
«ولو أنّا كلّما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورًا له، قمنا عليه، وبدّعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابنُ نصر، ولا ابنُ منده، ولا من هو أكبرُ منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحقّ، وهو أرحمُ الراحمين، فنعوذُ بالله من الهوى والفظاظة»
[ الذهبي «سير أعلام النبلاء»: (14/ 40)]
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 2013-02-08, 08:48 PM
معاويه إِمام الحسن بن علي معاويه إِمام الحسن بن علي غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-01-14
المشاركات: 36
معاويه إِمام الحسن بن علي
افتراضي

انت تقول انه لايحل للمسلمين الخروج على ولي الامر الفاجر حتى لو تمكنوا من خلعه
وهذا واضح من كلامك السابق
فماذا تفعل لو جاء ولي امر ( يصلي ) لكنه فاجر وفاسق ومجرم وقاتل
وامر هذا الحاكم جنده ان يزنوا بكل امراه مسلمه وان يلاط بكل رجل في دولته وحتى الاطفال
هل تسقط شرعيته بذلك ام يبقى له السمع والطاعه في المعروف ولايخرج عليه ولاينابذ
علما انه لايستحل الزنا واللواط في قلبه
موضوع للحوار باداب اسلاميه
حتى نعرف من هو على الحق
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2013-02-08, 10:33 PM
فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد غير متواجد حالياً
محـــاور
 
تاريخ التسجيل: 2009-06-25
المشاركات: 686
فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد فتح الرحمن احمد محمد
افتراضي

اقتباس:
موضوع للحوار باداب اسلاميه
اقتباس:
علما انه لايستحل الزنا واللواط في قلبه

لا اري اي ادب للحوار وللاسف ........
موضوع يذكر ادلة وحوادث تارخية ويذكر علماء واقوال لعلماء
ثم لا نلقي بالا ولا نكترث ولا نعترف بالادلة ولا نناقشها
ونشرق ونغرب ونضرب بالادلة عرض الحائط
فالله المستعان



__________________
«ولو أنّا كلّما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورًا له، قمنا عليه، وبدّعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابنُ نصر، ولا ابنُ منده، ولا من هو أكبرُ منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحقّ، وهو أرحمُ الراحمين، فنعوذُ بالله من الهوى والفظاظة»
[ الذهبي «سير أعلام النبلاء»: (14/ 40)]
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2013-02-09, 12:16 AM
معاويه إِمام الحسن بن علي معاويه إِمام الحسن بن علي غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-01-14
المشاركات: 36
معاويه إِمام الحسن بن علي
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو عبد الرحمن احمد محمد مشاهدة المشاركة

لا اري اي ادب للحوار وللاسف ........
موضوع يذكر ادلة وحوادث تارخية ويذكر علماء واقوال لعلماء
ثم لا نلقي بالا ولا نكترث ولا نعترف بالادلة ولا نناقشها
ونشرق ونغرب ونضرب بالادلة عرض الحائط
فالله المستعان
ليش يالحبيب
انت جئت بالاله على طاعة اولي الامر حتى لو زنوا بالحرائر وقتلوا الاف وانتهكوا الحرمات
وانا احببت ان اعرف هل هناك حد لفساد ولي الامر اذا وصل اليه تسقط عنه الشرعيه
يعني اذا كان يلاط به وهو يامر جنوده ان يلوطوا بكل رجل يقع بين ايديهم حتى لو كان شيخا جليلا
اقول هل مع هذا كله يبقى ولي للامر يحرم الخروج عليه حتى مع المقدره على ازاحته
-
سؤالي يبحث عن الحد الذي يصل له فساد ولي الامر وعندها تسقط شرعيته
فهل هناك حد ام ان الامر مفتوح عل مصراعيه
وليس هناك اي سوء ادب يالغالي
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 2013-12-22, 03:19 AM
الكرار،،، الكرار،،، غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-10-14
المشاركات: 9
الكرار،،،
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معاويه إِمام الحسن بن علي مشاهدة المشاركة
ليش يالحبيب
انت جئت بالاله على طاعة اولي الامر حتى لو زنوا بالحرائر وقتلوا الاف وانتهكوا الحرمات
وانا احببت ان اعرف هل هناك حد لفساد ولي الامر اذا وصل اليه تسقط عنه الشرعيه
يعني اذا كان يلاط به وهو يامر جنوده ان يلوطوا بكل رجل يقع بين ايديهم حتى لو كان شيخا جليلا
اقول هل مع هذا كله يبقى ولي للامر يحرم الخروج عليه حتى مع المقدره على ازاحته
-
سؤالي يبحث عن الحد الذي يصل له فساد ولي الامر وعندها تسقط شرعيته
فهل هناك حد ام ان الامر مفتوح عل مصراعيه
وليس هناك اي سوء ادب يالغالي
بس هذا الكلام لن يثبت ولن تستطيع اثباته ؟ إذا كان الزنا لم يثبت إلى يومنا هذا بشهادة اربع شهود فكيف بغيره ؟

وإلا انت تطرح اشياء افتراضية من باب المبالغة ؟

ولا استطيع ان اصيغ ان احد الحكام يأمر اتباعه باللواط لانه فعل مستقبح شرعاً وعقلاً ويسيء للدولة ولحاكم الدولة ناهيك عن حرمته وعظم جرمه في الإسلام .

أما جوابك على السؤال الأخير هذا الامر مفتوح للمشائخ والعلماء واهل الحل والعقد والحكماء مما يرون المصلحة فيه . وفقد يرئ الخروج على الحاكم

يترتب عليه مفاسد اكبر من السكوت عليه . فقد وجد والي العراق الحجاج الثقفي يقتل في الصحابة وصاحب فتنة خلق القرآن الكريم ومع ذلك يصلي خلفه الصحابة الكرام

ولا ننساء انها حرب تأكل الاخضر واليأبس . واعداء الإسلام يتربصون في ديار المسلمين .
__________________

فوارق عاشوراء
يرقص اليهود ويفرحون
ويبكي الرافضة ويلطمون
ويصوم أهل السنة ويستغفرون
الحمدلله الذي فضلنا على كثير
ممن خلق تفضيلاً وجعلنا مسلمين
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 2013-12-22, 03:44 AM
الصورة الرمزية حارسة السنة بالدم
حارسة السنة بالدم حارسة السنة بالدم غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-11-28
المشاركات: 48
حارسة السنة بالدم
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...هل كلامكم ينطبق على اولياء الامور من الشيعة على اهل السنة او الذين وضعتهم قوات كافرة...بارك الله بكم ممكن جواب
__________________
لقد تم تيمية مئة طفل وطفلة بالانبار باسم عمر وعائشة رضي الاه عنهما وتم تسمية جسر باسم عمر ومشفى باسم ام المؤمنين عائشة ونصرة للفاروق ولحبيبة النبي صلى الله عليه وسلم ..سموا ابنائكم باسم عمر وعائشة نصرة لهما وتحديا للروافض ..دعواتكم لاهل السنة في العراق فقد ضاقت علينا الارض بما رحبت والحال سيء جدا مآساة ودعواتكم لاهلنا في سوريا وسنة لبنان وسنة ايران ومسلمي اراكان والاحواز العربية المحتلة وجميع بلاد الاسلام ..تابعوا قناتي صفا ووصال فهاتين القناتين الوحيدتين الصادقتين واياكم والاعلام العراقي والسوري الكاذب .. الربيع السني قادم...ياشيعة ليش ماصرتوا اوادم.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 2013-12-25, 03:37 AM
الكرار،،، الكرار،،، غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-10-14
المشاركات: 9
الكرار،،،
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حارسة السنة بالدم مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...هل كلامكم ينطبق على اولياء الامور من الشيعة على اهل السنة او الذين وضعتهم قوات كافرة...بارك الله بكم ممكن جواب
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

لو سمحتي ممكن تعدين السؤال بصيغة أخرى لم افهم مرادك من السؤال اي الكلام الذي تعنينة بسؤالك .
إذا تسألين عن الحكم فلا يجوز تولية الرافضي بالحكم على المسلم ، وكذلك المسلم المعين من الدولة الكافرة .
والرافضي ليس مخاطب بهذا الكلام لان الرافضي ولائه ليس لاوطانه وإنما للمرجعيته في ايران فهوا لا يكترث له .
منتظر سؤالك حتى اسرد الأدلة فيما ذهبت إليه .
__________________

فوارق عاشوراء
يرقص اليهود ويفرحون
ويبكي الرافضة ويلطمون
ويصوم أهل السنة ويستغفرون
الحمدلله الذي فضلنا على كثير
ممن خلق تفضيلاً وجعلنا مسلمين
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2013-12-25, 06:28 PM
الصورة الرمزية حارسة السنة بالدم
حارسة السنة بالدم حارسة السنة بالدم غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-11-28
المشاركات: 48
حارسة السنة بالدم
افتراضي

لفد اجبت بارك الله بكم كان قصدي انه الحاكم الرافصي والحاكم المستعمر يجوز الخروج عليه لانه كافر و لم يضعه الا الكفار ومن والاهم وهمه القضاء على المسلمين ..
__________________
لقد تم تيمية مئة طفل وطفلة بالانبار باسم عمر وعائشة رضي الاه عنهما وتم تسمية جسر باسم عمر ومشفى باسم ام المؤمنين عائشة ونصرة للفاروق ولحبيبة النبي صلى الله عليه وسلم ..سموا ابنائكم باسم عمر وعائشة نصرة لهما وتحديا للروافض ..دعواتكم لاهل السنة في العراق فقد ضاقت علينا الارض بما رحبت والحال سيء جدا مآساة ودعواتكم لاهلنا في سوريا وسنة لبنان وسنة ايران ومسلمي اراكان والاحواز العربية المحتلة وجميع بلاد الاسلام ..تابعوا قناتي صفا ووصال فهاتين القناتين الوحيدتين الصادقتين واياكم والاعلام العراقي والسوري الكاذب .. الربيع السني قادم...ياشيعة ليش ماصرتوا اوادم.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2013-12-26, 06:55 AM
الكرار،،، الكرار،،، غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-10-14
المشاركات: 9
الكرار،،،
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حارسة السنة بالدم مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...هل كلامكم ينطبق على اولياء الامور من الشيعة على اهل السنة او الذين وضعتهم قوات كافرة...بارك الله بكم ممكن جواب
نحن أمة الدليل وننشد الدليل دائماً ، هذا الرد كنت اعدته أمس لكن بما اني لست واثقاً من فهم السؤال ترددت في إرساله حتى أكون على بينة من أمري .

فالاجابة مختصره كلاهم لا يجوز ولايتهما على مسلم .
ومن المعلوم ان ولاء الشيعة ليس لاوطانهم لذلك ليسوا معنين بالكلام وإنما ولائهم لمرجعيتهم .
وإليك الاسباب والشواهد
الاجابة على السؤال الأول
لا يجوز ولاية الرافضي على المسلم لعده وجوه :-
الأول :- اننا نختلف معهم في مصدر التشريع الأول وهوالقرآن الكريم عند اهل السنة محفوظ وعند الروافض محرف .
ثانياً :- انهم يختلفون معنا في مصدر التشريع الثاني وهو السنة النبوية المطهرة التي كفروا بها ،واستبدلوها بأقوال معمميهم والثقافة الإغرقية واهل الكلام وبعض الروايات المكذوبة على اهل البيت عليهم السلام
ثالثاً :- انهم مشركين والشرك يحبط جميل الأعمل الصالحة .
رابعاً :- عندهم اي الروافض من لم يؤمن بالولي الفقية مرشد الثورة مرتد حتى لو كان شيعي باللسان المتشدد آية الله محمد تقي مصباح يزدي
خامساً :- تكفير للصحابة وبالاخص الخلفاء الثلاثة، أبي بكر وعمر وعثمان، لأنهم كفروا بإمامة علي بحسبهم .
و عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر (ع) جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال ألا أحدثك بأعجب من ذلك: المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ثلاثة)
[ الكافي: 2/244] [قال المحشي: المراد بالثلاثة سلمان وأبو ذر والمقداد. كما روى الكشي ص8 بإسناده عن أبي جعفر والباقر (ع) أنه قال: ((الناس ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد)). قال الراوي: فقلت: عمار؟ فقال: كان جاض جيضة - أي عدل عن الحق ثم رجع - ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد. وانظر 2/441 ].
سادساً:- لعن الشيخين أبي بكر وعمر من دين الشيعة الإمامية بل جعله اصلاً من أصول دينهم وعلامة بارزة على البراءة ممن يعتقدون أنهم نصبوا العداء لعلي بن أبي طالب وغصبوا حقه، وعلى هذا أساس وضعوا ما سموه بدعاء صنمي قريش، وهو الدعاء الذي لا تخلوا صلاة من صلاة الشيعة، ولا مناسبة من مناسباتهم الدينية إلا ورددوه، ودعوا به على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
سابعاً:- تكفير جميع المسلمين ووصفهم بالنواصب اي الكفار يقول السيد الخوئي في كتابه(المسائل المنتخبة)، ص 56: ((والأظهر أن الناصب في حكم الكافر وإن كان مظهرا للشهادتين والاعتقاد بالمعاد))
يقول السيد محمد باقر الصدر في كتابه (الفتاوى الواضحة) ما ينقله عنه صاحب كتاب (النصب والنواصب) محسن المعلم: (وقال السيد الصدر- طيب الله ثراه – فيمن استثناهم من نجاسة الكافر فَعَد?أهل الكتاب والغلاة ثم ذكر النواصب فقال: (وكذلك النواصب الذين ينصبون العداء لأهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فإن هؤلاء الغلاة و النواصب كفار ولكنهم طاهرون شرعا ما داموا ينسبون أنفسهم إلا الإسلام)
وقد استدل بما رواه ابن أبي يعفور في الموثق عن أبي عبد الله – ع – في حديث قال: وإياك أن تغتسل من غسالة الحمام، ففيها غسالة اليهودي، والنصراني، والمجوسي، والناصب لنا أهل البيت فهو شرهم فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، والناصب لنا أهل البيت لأنه أنجس منه). (محمد باقر الصدر كتاب الفتاوى الواضحة، ص: 227)
ثامننا :- انهم يؤولون تفسير القرآن الكريم بما يوافق معتقداتهم الباطلة لانهم كفروا بالسنة النبي المطهرة التي الموضحة للقرآن الكريم .
تاسعاً:- أن ولائهم ليس لإوطانهم وإنما لمراجعهم في ايران فمفهوم المواطنة ليس عندهم . والخمس من المال يذهب للمرجع .
عاشراً:- اباحة دماء واموال المسلمين عند الروافض
يقول نعمة الله الجزائري بعد أن بين معنى الناصب:
والثاني في جواز قتلهم واستباحة أموالهم ، قد عرفت أن أكثر الأصحاب ذكروا للناصبي ذلك المعنى الخاص في باب الطهارة والنجاسات وحكمه عندهم
كالكافر الحربي في أكثر الأحكام، وأما على ما ذكرناه له من التفسير فيكون الحكم شاملا كما عرفت .
روى الصدوق طاب ثراه في العلل مسندا إلى داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام (39) المصدر السابق ص 167 .ما تقول في الناصب ؟
قال : حلال الدم لكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل .
قلت: فما ترى في ماله ؟
قال خذه ما قدرت .
) وسائل الشيعة 18/463، بحار الأنوار 27/ 231.
الحادي عشر :- الاعتداء على النفس عند الروافض قال تعالى ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) وقال تعالى ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
الثاني عشر :- استباحة المحرمات بأسم المتعة ما يسمى زواج المتعة .
وبعد ما استطردنا من موانع الحكم عند القوم نتجه إلى حكم الكافر بالمطلق لا يجوز تولية على المسلمين باي حال من الاحوال
وقد أفتى به بعضهم مؤخَّرًا من جواز تولِّي الكافرِ الولايةَ العظمى في بلاد المسلمين؛ ليكون حاكمًا عليهم، مدبِّرًا لشؤونِهم، متصرِّفًا في أمورهم، وله حقُّ الطاعة عليهم؛ مستدلِّين على ذلك بتولِّي سيدنا يوسف - عليه السَّلام - للولاية في ظلِّ حُكم مَلِكٍ كافر، وبتولِّي الكُفَّار لبعض الولايات الخاصة في بلاد المسلمين بلا إنكارٍ أو تَثريب، مثل رئاسة بعضهم لاتِّحاد مُلاَّك عمارة سكَنية، وقالوا: إن هؤلاء الكُفَّارَ شركاء لنا في الوطن، ومِن ثَمَّ يجب أن يتساوَوْا مع المسلمين في الحقوق والواجبات!
والحَقُّ أن هذا كلام بعيدٌ عن الصَّواب، مُخالف للحقِّ من وجوه، منها:

أولاً: أن وظيفة حُكَّام المسلمين الرئيسة هي إقامة شرع الله وإعلاءُ كلمته، وسياسة الدُّنيا بالدِّين، وحِفظ حدود الله ودينه وحقوق عبادِه، فالخلافة نيابةٌ عن النُّبوة في حراسة الدِّين وسياسة الدُّنيا به، وليست مجرَّد وظيفة.
قال الماورديُّ: "الإمامة موضوعةٌ لِخلافة النُّبوة في حراسة الدِّين وسياسة الدُّنيا، وعقدها لِمن يقوم بها في الأُمَّة واجب"[1].
وقال ابن تيميَّة: "فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخَلْق، الذي متى فاتَهم خسروا خسرانًا مبينًا، ولم ينفعهم ما نعموا به من الدُّنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدِّين إلاَّ به من أمر دنياهم"[2].
فكيف يُظنُّ بكافر لا يؤمن بالإسلام دينًا أن يقوم بهذه الوظيفة؟! وكيف نضع أمانةَ حِراسة الدِّين بين يدَيْ مَن يكفر به؟
ثانيًا: أن النُّصوص الشرعية دلَّت على أن الإمامة لا تنعقد لكافر ابتداءً، وأنَّه لو طرأ عليه الكفر بعد توَلِّيه، فإنه ينعزل وتَسقط ولايته.
قال الله تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].
قال القاضي ابن العربيِّ: "إنَّ الله سبحانه لا يَجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً بالشَّرع، فإن وجد فبِخلاف الشرع"[3].
وقال الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، فدلَّ بقوله: ﴿ مِنْكُمْ ﴾ على أنَّ أولي الأمر يجب أن يكونوا من المسلمين المؤمنين؛ لأنَّ الخِطاب متوجِّه إليهم من بداية الآية.
وقال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118].
قال القرطبيُّ: "نَهى الله المؤمنين بِهذه الآية أن يَتَّخِذوا من الكُفَّار واليهود وأهل الأهواء دُخلاءَ ووُلَجاء يُفاوضونهم في الآراء، ويُسندون إليهم أمورَهم"[4].
فكيف باتِّخاذهم حكامًا وولاةً للأمور؟!
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء: 144].
قال ابن كثير: "يَنهى تعالى عباده المؤمنين عن اتِّخاذ الكافرين أولياءَ من دون المؤمنين؛ يَعني: مصاحبَتَهم، ومُصادقتهم، ومناصحتهم، وإسرارَ المودَّةِ إليهم، وإفشاءَ أحوال المؤمنين الباطنةِ إليهم"[5].
وقال القرطبيُّ: "أيْ: لا تجعلوا خاصَّتَكم وبِطانتكم منهم"[6].
فإن كانت مصادقتُهم وإفشاءُ أحوال المؤمنين الباطنةِ إليهم، وجعْلُهم من الخَواصِّ - من صور الموالاة التي نَهت عنها الآية، فلا ريب أنَّ توليتهم أمْرَ المسلمين، وجعْلَهم حكامًا عليهم من أظهر صُوَر الموالاة لهم وأشَدِّها تحريمًا.
وعن عُبَادة بن الصَّامت قال: "دعانا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبايَعناه، فكان فيما أخذَ علينا أنْ بايعَنَا على السَّمع والطاعة في منشَطِنا ومَكرهِنا، وعُسرنا ويُسرنا، وأثَرَةٍ علينا، وأن لا نُنازِع الأمر أهلَه، قال: ((إلاَّ أن ترَوْا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان))"[7].
قال القاضي عياض: "فلو طرأَ عليه كُفرٌ وتغيير للشَّرع، أو بدعةٌ، خرجَ عن حكم الولاية، وسقطَت طاعته، ووجب على المسلمين القيامُ عليه وخَلْعُه، ونصب إمام عادلٍ إن أمكنَهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلاَّ لطائفةٍ وجب عليهم القيامُ بِخَلع الكافر"[8].
ثالثًا: أنَّ إجماع المسلمين منعقِدٌ على اعتبار شرط الإسلام فيمن يتولَّى حكم المسلمين وولايتهم، وأنَّ الكافر لا ولاية له على المُسلم بحال.
قال القاضي عياض: "أجمع العلماءُ على أنَّ الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنَّه لو طرأ عليه الكفر انعزل، وكذا لو ترك إقامةَ الصَّلوات والدُّعاءَ إليها"[9].
وقال ابن المنذِر: إنَّه قد "أجمع كلُّ مَن يُحفَظ عنه مِن أهل العلم أنَّ الكافر لا ولايةَ له على المسلم بِحال"[10].
وقال ابن حَزم: "واتَّفقوا أنَّ الإمامة لا تجوز لامرأةٍ ولا لكافر ولا لصبِي"[11].
وقال ابن حجَر: إنَّ الإمام "ينعزل بالكفر إجماعًا، فيَجِب على كلِّ مسلمٍ القيامُ في ذلك، فمَن قوي على ذلك فله الثَّواب، ومَن داهن فعليه الإثم، ومن عَجز وجبَتْ عليه الهجرةُ من تلك الأرض"[12].
رابعًا: رجَّح جمهورُ العلماء أنَّ فِسق الحاكم فسقًا ظاهرًا معلومًا يؤدِّي لِسُقوط ولايته، ويكون مسوِّغًا للخروج عليه عند أمن إراقة الدِّماء وحدوث الفِتَن؛ وذلك لأنَّ فسقه قد يُقْعِده عن القيام بواجباته الشَّرعية؛ من إقامة الحدود، ورعاية الحقوق، وحِفظ دين رعيَّتِه ومعاشهم.
قال القرطبِيُّ: "الإمام إذا نُصِّب ثم فسَق بعدَ انبِرام العقد، فقال الجمهورُ: إنَّه تنفسخ إمامتُه ويُخلَع بالفسق الظَّاهر المعلوم؛ لأنَّه قد ثبت أنَّ الإمام إنَّما يُقام لإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وحِفظ أموال الأيتام والمَجانين، والنظر في أمورهم إلى غير ذلك...، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنُّهوض بها.
فلو جوَّزنا أن يكون فاسقًا، أدَّى إلى إبطال ما أقيم لأجلِه، ألا تَرى في الابتداء إنَّما لم يَجُز أن يعقد للفاسق لأجل أنَّه يؤدِّي إلى إبطال ما أقيم له، وكذلك هذا مثله"[13].
فإن كان هذا قولَهم في حاكمٍ له ولاية وبيعة، ثم طرأ عليه الفِسق، فكيف بكافرٍ أصلي لا بيعةَ له ولا ولاية؟ كيف يَستقيم في شرعٍ أو عقل أن تُعطى الولاية وحكم المسلمين ابتداءً لكافرٍ أصلي؟
خامسًا: أنَّ ما استَدلَّ به أولئك المُفتون بِجواز ولاية الكافر لا دلالة فيه مطلقًا، ولا يَصلح معارضًا للأدلَّة الصريحة الصحيحة المُخالفة لهم.
• فقد بنَى بعضُهم استدلالَه على ما جاء في قصة سيدنا يوسُف - عليه السَّلام - حين طلب من الملِك أن يَجعله على خزائن الأرض، كما جاء في قول الله تعالى: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، وقالوا: إن يوسف - عليه السَّلام - كان وزيرًا تحت إمرة ملِك كافر، وهذا يدلُّ على جواز ولاية الكافر.
وهذا استدلالٌ مردود من وجوه، منها:
1- أنَّ هذا مِن شرع مَن قبلنا، وقد تقرَّر في الأصول أنَّ شرع من قبلنا ليس بِشَرع لنا، ولا حُجَّة فيه إذا جاء في شرعِنا ما يُخالفه[14].
2- ليس في القصَّة ما يفيد إقرارَ يوسف - عليه السَّلام - لولاية الكافر، وإنَّما جاء فعل يوسف - عليه السَّلام - إقامةً للعدل والقسط، وحفظًا للحقوق، ودفعًا للظُّلم وإضاعةِ المال في غير حقِّه؛ ولذلك علَّل طلبَه للولاية بأنَّه "حفيظ عليم".
فما فعله سيِّدُنا يوسف - عليه السَّلام - هو نوعٌ من تقليص سلطان الكافر واختزالِه؛ جلبًا للمصالِح، ودفعًا للمفاسد، ولا يلزم من ذلك إقرارٌ لولاية ذلك الكافر، أو موافَقةٌ على حكمه.
قال القاضي ابن العربي:
"فإن قيل: كيف استجاز أن يَقبلها بتولية كافر، وهو مؤمن نبِي؟
قلنا: لَم يكن سؤالَ ولاية؛ إنَّما كان سؤال تَخلٍّ وتركٍ؛ لينتقل إليه، فإنَّ الله لو شاء لَمكَّنه منها بالقتل والموت، والغلَبة والظُّهور، والسُّلطان والقهر، لكنَّ الله أجرى سُنَّته على ما ذكَر في الأنبياء والأمم، فبعضُهم عاملهم الأنبياء بالقهر والسُّلطان والاستعلاء، وبعضهم عاملَهم الأنبياء بالسِّياسة والابتلاء، يدلُّ على ذلك قولُه: ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 56][15].
3- أنَّ مناط الحكم في المسألتين مُختلِف؛ فإنَّ الدولة التي كان فيها يوسف - عليه السَّلام - لم تكن دولةً إسلاميَّة، ولم يكن أهلها مسلِمين موحِّدين، كما أن يوسف - عليه السَّلام - لم يُشارك في تولية ذلك الكافر، ولَم يكن بوسعه أن يخلعه ويعزله وهو المستضعف الذي سُجِن ظلمًا في سجن هذا الملِك.
• ومن استدلالات أولئك المُجيزين لولاية الكافر على المسلمين: قياسُ الولاية العُظمى على ما قد يتقلَّده الكفار في بلاد المسلمين من وظائِفَ ومناصب دنيويَّة خاصَّةٍ ومَحدودة، مثل رئاسة اتِّحادات المُلاَّك في العمارات السَّكنية، أو قيادة مَركبة.
فقالوا: إن كُنَّا نجيز للكافر أن يتولَّى رئاسة اتِّحاد الملاَّك في عمارة سكنية؛ لو كان الأكثرَ قدرةً وكفاءة على إدارتها، فلماذا لا نُجيز له أن يتولَّى حُكم البلاد؟!
وهذا من أعجب الاستدلالات، وأكثَرِها بُعدًا عن القواعد والأصول.
فهل تولِّي الكافر لرئاسة اتحاد ملاَّك يَصلح حُجَّةً يُستدلُّ بها، وأصلاً يُقاس عليه؟
وهل يُمكن قياس الولاية العظمى التي ينبغي فيها إقامةُ الحدود، والجهاد، والفرائض، وتحكيم شرع الله في الدِّماء والأموال والأعراض - على ولايةٍ خاصَّة، في شأنٍ خاص، غايتُه جمعُ الاشتراكات وصيانة المرافق؟ هذا وربِّ الكعبة في القياسِ عجيب.
إنَّ الإمامة العُظمى في بلاد المسلمين كما ذكَرْنا آنِفًا هي وظيفة دينيَّة في الأساس، وهي موضوعة لِخلافة النُّبوة في حراسة الدِّين وسياسة الدُّنيا به؛ ومن ثَمَّ لا يَصلح شرعًا وعقلاً أن تُقاس على وظائفَ دنيويَّة بَحتة؛ كتولِّي قيادة سيَّارة، أو رئاسة اتِّحاد ملاك.
سادسًا: إنَّ الشريعة الإسلامية حين حَرَّمت ولاية الكافر على المسلم فإنَّها لَم تَغمط غير المسلمين أو تَسلبهم حقًّا لهم؛ وإنَّما قد راعَتْ في ذلك تحصيلَ المصالح العظمى للمجتمع كلِّه - المسلمين وغيرهم - لأنَّ الخير والعدل كلَّه في سياسة الدُّنيا بالدِّين، والتَّحاكُم إلى شرع الإسلام، والعيش في ظلِّ شريعته التامَّة، السَّمحة السامية.
ولا جدال أن أوَّل لوازمِ تلك الوظيفة ومقوِّماتها أن يتولاَّها من يؤمن بهذا الدِّين الكامل، ويحرص على حفظه وإعلاء كلمته، ويدين الله تعالى بتطبيق شريعته التامَّة؛ ولذلك كان اشتراطُ الإسلام فيمن يتولَّى الإمامة العظمى طبيعيًّا، يتَّفِق مع قواعد الشرع والعقل.
والشريعة الإسلامية في مقابل ذلك قد أمرَت المسلمين - حُكَّامًا ومحكومين - بالعدل والقسط في أهل الذِّمة، وحرَّمَت ظلمهم، والاعتداءَ عليهم بالباطل، كما أمرَت بالوفاء بعهدهم وذمَّتِهم، وحضَّت على دعوتِهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وشرعت بِرَّهم والإحسانَ إليهم ما استقاموا في عهدهم، وأوفَوْا بذِمَّتِهم.
قال الله - تعالى -: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].
وقال: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].
وعن عبدالله بن عمْرٍو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قتَل مُعاهَدًا لَم يرحْ رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا))[16].
وأخيرًا، فإنَّ مشاركة المسلمين للكفار في وطَنٍ واحد لا تعني بالضرورة تَساوِيَهم في الحقوق والواجبات، وإنَّما تُوجِب إقامة العَدل والقسط على الجميع، والعدل لا يعني المساواة في كلِّ شيء؛ وإنَّما يعني إعطاءَ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، ومطالبتَه بأداء ما عليه من واجبات، والمَرجِع في تحديد الحقوق والواجبات هو شرعُ الله، لا غير.
والناس لا يتساوَوْن في كلِّ شيء حتَّى تكون لهم نفس الحقوق والواجبات؛ وإنَّما يتفاوتون في ذلك، ويَختلفون باعتبارات متنوِّعة متعدِّدة.
فهل من العدل مثلاً أن نُساوي بين المسلمين وغيرهم في الأمر بالخروج لجهاد الطَّلَب، ونأمر غير المسلم بِبَذل روحِه ومالِه؛ من أجل إظهار دينٍ لا يُؤمِن به؟! أم نَترك الأمر بِجهاد الطَّلَب بالكُلِّية، فلا نتوجَّه به للمُسلم، ولا لغير المسلم؟
إنَّنا إنْ قلنا بالمساواة هنا، فسنَقع بين مَطرقة ظُلم غير المسلمين، وسِنْدانِ تعطيل شعيرة الجهاد، والمخرج من ذلك هو تطبيق العدل الربَّاني في تحديد الحقوق والواجبات كما جاءت بذلك شريعةُ الله تعالى.
ومما سبق يظهر جلِيًّا - بحمد الله - خطَأُ ما ذهب إليه أولئك المُفْتُون، وسقوطُ استدلالِهم، وفسادُ قياسهم، ومُخالفتُهم للنُّصوص الشرعية القاطعة، والإجماعِ المنعقِد.
وهكذا دائمًا تجد أهل الباطل لا تستقيم لهم حجَّة، ولا يصحُّ لَهم استدلال؛ لأنَّ الباطل لَجْلج، لن تُقوِّيَه دعاوى المبطِلين، ولن تُقيمَه فتاوى المداهنين.
نسأل الله أن ينوِّر بصائرنا، وأن يرِيَنا الحقَّ حقًّا ويرزقنا اتِّباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابَه، وألاَّ يجعل مصيبتنا في ديننا، ولا يَجعل الدُّنيا أكبرَ هَمِّنا، ولا مبلغَ علمنا، وأن يَستعملنا في خدمة الدِّين، وأن يولِّي أمورَنا خيارنا، ويهيِّئ لنا أمر رُشْد، يعزُّ فيه أهل طاعته، ويذلُّ فيه أهل معصيته، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسولِه محمدٍ خير الأنام، وعلى آله وأزواجه وأصحابِه ومَن تَبِعهم بإحسان.
[1] "الأحكام السُّلطانية"، ص5.
[2] "السياسة الشَّرعية"، ص13.
[3] "أحكام القرآن" (1/ 641)، وانظر: تفسير "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 421).
[4] تفسير "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (4/ 179).
[5] "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (1/ 867).
[6] تفسير "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 425).
[7] "مسلم" (3427).
[8] "شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 314).
[9] "شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 315).
[10] نقله عنه ابن القيم في "أحكام أهل الذِّمَّة" (2/ 787).
[11] "مراتب الإجماع" ص208، ولم يتعقبه ابن تيميَّة في نقد مراتب الإجماع؛ مما يدلُّ على موافقتِه له.
[12] "فتح الباري" (13/ 123).
[13] "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 271).
[14] انظر: "المستصفى في أصول الفقه" للغزالي (1/ 133)، ولا يُلتفت لقول البعض: "إنَّ هذا ليس مما يقع فيه النَّسخ"؛ لأنَّها مسألةٌ لا تَدخل في الثوابت العقَدِيَّة التي اتَّفقتْ عليها الرسالات الإلهيَّة، كالقول في ذات الله وصفاته وكتبه ورسُلِه، هذا إنْ سلَّمْنا بصحة الاستدلال، ونحن لا نسلِّم به.
[15] "أحكام القرآن" (60).
[16] أخرجه البخاري (2930).
المرجع
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/spotlight/1092...#ixzz2oQgZbZKo
جواب السؤال الثاني : -
فقد وجدت فتوى معده لرد على من قال ولاية الحاكم المسلم صحيحة لو كلفه بها الكافر :-
للشيخ حاكم المطيري كويتي الجنسية ، نفع الله به وفي علمه :-
ما صحة الفتوى بوجوب السمع والطاعة للحاكم الذي نصبه العدو الكافر في بلد إسلامي، بدعوى أن النبي يوسف كان وزيرا لملك مصر، وهو الذي ولى يوسف أمر خزائن الأرض كما جاء في القرآن؟ وما حكم من يفتي بذلك؟ وهل يسوغ تقليده؟ وما الذي يجب على المسلمين إذا استقر الأمر لمثل هذا الحاكم على القول ببطلان ولايته؟
* * *
الجواب:
الحمد لله ولي المؤمنين، وصلى الله وسلم على إمام الموحدين، محمد بن عبد الله وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد كثر السؤال عما أثاره بعض الشيوخ في وسائل الإعلام من شبه هدمت من الدين الفرع والأصل، وصادمت من الأدلة الشرع والعقل، ومنها هذه القضية التي طرحها ذلك الشيخ على الناس ولم يسبقه إليها أحد من الأئمة، ولا سلف الأمة، بل صادم بها قطعيات النصوص الشرعية، وأحكامها القطعية، وهذا بيان وجه بطلان هذا القول أصلا وفرعا:
أولا: وجه بطلان هذا القول أصلا:
فمن المعلوم بالأدلة القطعية أن السمع والطاعة إنما هما فرع من فروع أصل المولاة، وهي - أي المولاة - أصل من أصول الإسلام، وركن من أركان الإيمان، وقد نص القرآن على هذا الأصل العظيم في آيات كثيرة، ورتب عليه أحكام خطيرة، ومن ذلك:
1) أن الله جعل نفسه ولي المؤمنين، وجعل الطاغوت ولي الكافرين، كما قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا... والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} (البقرة 257) والولي هو النصير والظهير.
2) وحصر الولاية وقيدها فقال سبحانه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} (المائدة 55).
3) وحرم مولاة غير المؤمنين تحريما قاطعا فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} (الممتحنة 1)، وقال: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء} (آل عمران 28)، وقال أيضا: {يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم} (الممتحنة 13).
4) وقطع كل أشكال وصور المولاة معهم فقال: {لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان} (التوبة23).
5) وجعل حكم من تولاهم كحكمهم، فقال في شأنهم: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة 51).
6) وشرط لتحقق الإيمان عدم المولاة لهم فقال سبحانه: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء} (المائدة 81)، فدل على أن من اتخذهم أولياء لم يتحقق له الإيمان بالله والرسول والكتاب.
7) وأوجب المولاة بين المؤمنين، كما جعل الظالمين والمشركين أولياء للظالمين والشياطين، فقال جلا وعلا: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة 71)، وقال في شأن الظالمين: {وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين} (الجاثية19)، وقال أيضا: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} (الأنفال73)، وقال: {إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} (الأعراف 27).
8) وحرم على المؤمنين طاعتهم واتباعهم وجعل طاعتهم من الشرك به فقال: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} (الأنعام 121)، وقال أيضا: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} (الأعراف3).
9) وأوجب على المؤمنين جهاد المشركين أولياء الشياطين فقال سبحانه: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا} (النساء 76)، وقال أيضا: {واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا} (النساء 89)، وجعل الغاية من قتالهم أن لا تكون فتنة وأن يكون الدين والطاعة كلها لله، فقال: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} (الأنفال39).
10) وأجب على المؤمنين البراءة منهم وعداوتهم حتى يؤمنوا بالله وحده، فقال سبحانه: {لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده... لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول الله فإن الله هو الغني الحميد} (الممتحنة 4 - 6).
11) وجعل الله سلطان الشياطين والكافرين على أوليائهم ولم يجعل لهم على المؤمنين سلطانا ولا سبيلا، فقال سبحانه: {فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} (النحل 98 - 100) وقال أيضا: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} (النساء 141)، بل وأوجب على المسلمين الهجرة من أرض الكفر - قبل الفتح - ولم يجعل لهم ولاية مع المؤمنين حتى يهاجروا إلى أرض الإسلام، كما قال تعالى: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} (الأنفال 72).
12) وكتب الله العزة والنصر في الدنيا والآخرة له ولأنبيائه ولأوليائه المؤمنين فقال سبحانه: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون *الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} (يونس62 - 64)، وقال: {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} (المائدة 56)، وقال أيضا: {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فلله العزة جميعا} (النساء 139).
فإذا كان أمر الولاية على النحو المذكور - من كون الله سبحانه وتعالى هو ولي المؤمنين، كما أن الطاغوت هو ولي الظالمين، ومن كون الولاية هي لله ولرسوله وللمؤمنين، وأنه يحرم على المسلم أن يوالي غير المؤمنين ولو كان أبا أو أخا، وأن من تولاهم كان منهم ومثلهم في كفرهم، وأن دعوى الإيمان بالله ورسوله وكتابه لا تتحقق مع اتخاذ غير المؤمنين أولياء، وأنه يحرم طاعتهم واتباعهم، بل يجب عداوتهم وجهادهم حتى يكون الدين كله لله، وأن طاعتهم وتوليهم واتباعهم هو من الشرك بالله والكفر به.... الخ - فكيف يسوغ في دين الله القول بمشروعية السمع والطاعة لهم التي تقتضي النصرة مع أن الولاية - التي تعني النصرة - محرمة بينهم وبين المسلمين، بل وتقتضي الردة عن الدين، والخروج عن سبيل المؤمنين؟!
وكيف يستقيم القول بوجوب السمع والطاعة لمن هو عدو لله ورسوله ممن أوجب الله على المؤمنين جهاده من الكفار والمنافقين كما قال تعالى: {يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} (التوبة 73) ؟!
وكيف يسعى المؤمن في نصرة من يريدون أن يطفئوا نور الله، ويعطلوا شريعته، يبطلوا أحكامه، في الوقت الذي أوجب الله عليه الجهاد في سبيله حتى يكون الدين كله لله؟!
وكيف يبرأ المؤمن من المشركين والكافرين ويعاديهم ويبغضهم ولو كانوا عشيرته وفي الوقت نفسه يجب عليه طاعتهم وتوليهم ونصرتهم؟!
والمقصود أن أصل الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين، وأصل البراءة من المشركين والظالمين، يتناقضان كلية مع القول بوجوب السمع والطاعة للمشركين وأولياء المشركين أو لمن يوليه العدو على المؤمنين، إذ الولاية - التي تعني النصرة والتي هي خاصة لله ولرسوله وللمؤمنين - تتناقض مع الطاعة - التي تقتضي النصرة - التي يوجبها صاحب هذه الفتوى!!
ثانيا: وجه بطلان هذا القول فرعا:
وإذا كان ما سبق بيانه قاض ببطلان هذا القول أصلا، لمناقضته لأصول الإيمان، وقطعيات القرآن، فإنه باطل أيضا فرعا، لمصادمته لأحكام فقهية فرعية قطعية أيضا، ومن ذلك:
1) أن السمع والطاعة لولي الأمر من الأحكام الشرعية:
وقد جعل الله السمع والطاعة له، ولرسوله، ولأولي الأمر من المسلمين، كما قال تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} (النساء).
فجعل الطاعة لله ورسوله مطلقة، وجعل الطاعة لولي الأمر (منا) أي من المسلمين، فليس لغير الإمام المسلم سمع ولا طاعة بالإجماع، كما جعل طاعة ولي الأمر المسلم مقيدة بطاعة الله ورسوله، فإذا اختلف المسلمون مع ولي أمرهم وجب عليهم جميعا التحاكم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في الحديث: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وجاء أيضا: (إنما الطاعة بالمعروف)، قد نص على ذلك الصديق بعد البيعة له مباشرة في خطبته الصحيحة حيث قال: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)، وجاء في الصحيح: (اسمعوا وأطيعوا وإن كان عبدا حبشيا ما قادكم بـ - أو أقام بكم - كتاب الله).
وقد أجمع المسلمون على أنه يشترط في الإمام الذي يجب له السمع والطاعة: الإسلام والعدالة، كما أجمعوا على وجوب طاعة الإمام العدل - وهو من تولى الأمر بالرضى والشورى - فيما كان من طاعة الله ورسوله كما إذا أمر بالجهاد، وإقامة الحدود، والفصل بين الناس.... الخ.
فإن طرأ عليه فسق أو ظلم يخرجه من حد العدالة، فقد اختلف السلف في وجوب طاعته.
فمنهم من لا يرى إمامته أصلا، ولا يرى له طاعة، ويوجب الخروج عليه؛ كالحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وكل من خرج على الحجاج من علماء العراق كسعيد بن جبير، وحجتهم في ذلك قوله تعالى: {قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهد الظالمين} (البقرة)، فقالوا الظالم لا يكون إماما أبدا.
ومنهم من لا يرى إمامته، ولا يرى طاعته، ولا يوجب الخروج عليه، ولا يمنع منه؛ كمالك بن أنس، وأبي حنيفة، وسفيان الثوري، وحجته قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}، فحرموا الركون والميل إليهم، وإن لم يوجبوا الخروج عليهم، ولم يحرموه أيضا، وقد سئل مالك عن القتال مع الأئمة لمن خرج عليهم، فقال إن كان الإمام كمثل عمر بن عبد العزيز فقاتل معه، أما إن كان مثل هؤلاء الظلمة فلا، دع الله ينتقم من الظالم بمثله.
ومنهم من يرى إمامته، وطاعته في طاعة الله ورسوله فقط، ويرى الصبر، ويحرم الخروج عليه؛ كأحمد، كما هو مفصل في كتب الفقه، وهؤلاء إنما راعوا المصالح الكلية التي قد تتعطل بالخروج عليه كوحدة الأمة، وإقامة أمر الجهاد، وحماية البيضة من العدو، وإقامة مصالح الناس.... الخ.
فإذا اختلف الناس على إمامين - كما حدث في عهد ابن الزبير - فهو زمن فتنة، ولم يروا البيعة لواحد منهما، ولا السمع والطاعة لهما، حتى يكون الناس جماعة على إمام واحد، وهو مذهب الإمام أحمد فقد سئل - كما في أحكام أبي يعلى [ص 23] - عن حديث (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)؟ فقال للسائل: (أتدري من ذاك؟ هو الذي يجمع المسلمون عليه كلهم يقول هذا الإمام).
أما إذا كفر الإمام، وارتد عن الإسلام، فقد أجمعوا على سقوط إمامته وطاعته، بل ووجوب الخروج عليه وخلعه، إذ المقصود من الإمامة أصلا إقامة الدين، وسياسة الأمة، وإقامة الجهاد في سبيل الله، وتحكيم شرعه... الخ.
وقد نقل هذا الإجماع كثير من العلماء كالقاضي عياض - كما في شرح النووي على مسلم [12/229] – وعبارته: (أجمع العلماء على أنه لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة - أي مكفرة - خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة منهم وجب عليهم القيام بخلع الكافر)، وكذا نقل الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر كما في الفتح [3/123].
فالقول بوجوب السمع والطاعة لمن جاء به العدو الكافر ونصبه في دار الإسلام يصطدم بالنصوص القطعية، والإجماع القطعي على وجوب الخروج على الإمام إذا طرأ عليه كفر، أو كان كافرا أصليا، للحديث الصحيح: (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان)، أي فنابذوا الأمراء حينئذ بالسيف.
والمقصود أن السمع والطاعة - المجمع عليها بين الأئمة وسلف الأمة - إنما تكون للإمام المسلم العدل، كما أنه مجمع على أنه لا سمع ولا طاعة للكافر، أو لمن طرأ عليه الكفر، ولا خلاف بين الأمة في ذلك، وأما الإمام الجائر أو الفاسق فقد اختلف الأئمة، وسلف الأمة في السمع والطاعة له اختلافا كبيرا، وهذا كله في الإمام الذي يصدق عليه أنه ولي أمر ليس فوقه من هو أعلى منه سلطة وسيادة، وهو من يطلق عليه في الفقه الإمام العام أو الإمام الأعظم وهو الخليفة.
أما من يأتي به العدو الكافر الغازي وينصبه على المسلمين فإنه خارج عن محل الخلاف بلا خلاف، إذ الحاكم في واقع الأمر هو العدو الكافر الذي نصبه إماما، وهو ولي أمره، فمن أوجب له السمع والطاعة فإنما يوجبها للعدو الغازي، ويرى أنه يدخل في عموم الآية {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ومن يرى مثل الرأي الباطل، إنما يرد على الله ورسوله حكمهما، وينقض إجماع الأمة على أن السمع والطاعة لا تكون إلا للإمام المسلم وليس لكل إمام، إذ الكافر أو المنافق الذي يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا واجب على الأمة جهاده، لا طاعته أو السمع له.
وقد قال الله: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، وإذا كان الله سبحانه لم يجعل للكافر على ابنته إذا أسلمت ولاية ولا سبيلا، فلا يعقد نكاحها، ولا يحل له ميراثها، ولا يتصرف في مالها، فكيف يكون له ذلك على الأمة كلها يتصرف في دمائها وأرضها وشئونها؟!!
فهذا لا يقوله من يعلم عن الله كتابه، ولا من يفهم عن الشارع خطابه، ولا يصدر عمن يعرف الفقه، وأحكامه، ومقاصده، وهذا يدخل في القول على الله بلا علم، وهو كالشرك به، كما قال تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف 33).
2) أن العدو الكافر الذي نصب هذا الحاكم له أحول وهي:
الحال الأولى: أن يكون قد تدخل في تنصيب هذا الحاكم أو فرضه على بلد إسلامي دون أن يدهم أرضها، ودون أن يستحلها، أو يسفك دماء أهلها:
فهذا الحاكم ليس ولي أمر على فرض إسلامه، بل هو مولى من جهة العدو الكافر الذي هو ولي أمره في حقيقة الحال، فالسمع والطاعة في واقع الأمر ليست له، بل للعدو الذي نصبه واختاره، ولا يتصور حدوث مثل ذلك إلا في بلد لم تعد الكلمة والشوكة فيها للمسلمين، وحينئذ يكون حكم الدار حكم دار الكفر، لا حكم دار الإسلام، على قول عامة أهل الفقه، إذ إن دار الإسلام عندهم جميعا هي التي تكون الشوكة والكلمة فيها للمسلمين، والحكم فيها للشريعة الإسلامية، فإن تخلف شرط الشوكة والكلمة، وصار الأمان فيها للكفار بشوكتهم وقوتهم لا بأمان المسلمين لهم، فليست بدار إسلام بلا خلاف.
وهذا قول مالك كما في "المدونة" [2/22]، وقول الحنفية كما في "بدائع الصنائع" [7/130]، وقول الحنابلة كما في "الإنصاف" [4/121].
وقال الشوكاني في "السيل الجرار على حدائق الأزهار في فقه الشيعة الزيدية" [4/575]: (الاعتبار بظهور الكلمة فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا بإذن له من أهل الإسلام، فهذه دار إسلام لأنها لم تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم، وإذا كان بالعكس فالدار بالعكس). أي تكون دار كفر لظهور شوكة الكفار وكلمتهم فيها.
وقال محمد بن الحسن الشيباني كما في "شرح السير" [5/2190]: (دار الشرك إنما تصير دار إسلام بإجراء حكم المسلمين فيها، وأهل الشرك إنما يصيرون أهل ذمة بإجراء حكم المسلمين عليهم) أي بتنفيذ أحكام الشريعة عليهم لكون الشوكة والكلمة للمسلمين.
وقد كانت الدور في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: دار الكفر والحرب؛ وهي مكة التي أوجب الله الهجرة منها مع كونها بيت الله الحرام، ومع وجود النبي صلى الله عليه وسلم وخيرة أصحابه فيها، وذلك أن الشوكة والكلمة والسلطان فيها للمشركين الذين يحاربون الله ورسوله والمؤمنين.
القسم الثاني: دار كفر وسلم؛ كالحبشة، وهي التي تكون الشوكة فيها للكفار، غير أن المؤمنين فيها يأمنون على أنفسهم، ودينهم، وأعراضهم، فالهجرة إليها جائزة، ومع أن النجاشي وهو ملك الحبشة قد أسلم سرا، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب - كما ثبت في الصحيح - إلا إن الحبشة لم تصبح دار إسلام بذلك، إذ الشوكة فيها والكلمة للنصارى لا للمسلمين، ولم يؤثر في هذا الحكم كون الملك أسلم سرا.
القسم الثالث: دار إسلام؛ وهي المدينة النبوية التي وجبت الهجرة إليها، وإنما صارت دار إسلام لظهور شوكة المسلمين وظهور كلمتهم فيها، وإقامة شعائر الإسلام وشرائعه عليها.
وهذا حكم الدور ابتداء، أما الدار التي كانت دار إسلام ثم احتلها العدو الكافر، فإن بسط عليها سلطانه، ورضي بذلك أهلها، واستقر له بها الأمر، فهذه دار كفر كالأندلس، والهند في هذا العصر، وكالجمهوريات الإسلامية الروسية التي كانت تحت حكم الروس بالأمس، فلما تحررت من قبضتهم عاد لها حكم دار الإسلام.
وإن لم يستقر للعدو الكافر بها الأمر، ولم يرض أهلها به، بل دافعوه، واستمروا على حربه، وجهاده، ودفعه، فهي أرض جهاد، ورباط، وثغر من ثغور المسلمين.
ولا تظل دار إسلام بظهور العدو عليها، وإن كان أكثر أهلها مسلمين، إذ العبرة بالشوكة والظهور، والكلمة.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن جزيرة ماردين - لما استولى عليها الروم النصارى وأخذوها من أيدي المسلمين - فقال عن حكم مثل هذه الأرض كما في الفتاوى [28/240]: (أما كونها دار حرب أو دار سلم فإنها مركبة فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه).
فلم يحكم لها بأنها دار إسلام وسلم مع كون أهلها مسلمين، لأنه لا تجري فيها أحكام الإسلام، التي تقام عادة في الأرض التي جندها مسلمون والشوكة والظهور والكلمة فيها للمسلمين، وكذلك لم يحكم لها بأنها دار حرب من كل وجه، لكون أهلها مسلمين، وجعلها قسما ثالثا فيها شبه من دار الإسلام فيما يخص أهلها المسلمين، كعصمة دمائهم وأموالهم، وفيها شبه بدار الحرب من جهة جواز غزوها وفتحها، وتقسيم أرضها، أو وقفها على المسلمين.
والمقصود أن شيخ الإسلام - وإن خالف أكثر الفقهاء في هذا الرأي - فقد وافقهم في أنها ليست دار إسلام، بل هي نوع آخر له حكم خاص.
الحال الثانية: أن يكون العدو الكافر قد نصب ذلك الحاكم في البلد الإسلامي، بعد أن دهمها، واحتل أرضها، وجعل من هذا الحاكم درءا يدرأ به، ويقاتل معه، ومن ورائه:
فالحاكم والحال هذه محكوم بردته وكفره بالإجماع القطعي، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.
قال ابن حزم في "المحلى" [11/138]: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين).
وقد نص القرطبي في تفسيره [6/217] على أن الآية دليل على ردة من يتولاهم، وأن المقصود بالمولاة هنا أي النصرة.
وقال ابن جرير الطبري في تفسيره عند تفسير قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين...}: (ومعنى ذلك؛ أي أنصارا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر... {إلا أن تتقوا منهم تقاة}؛ بأن تكونوا في سلطانهم، فتخافونهم على أنفسكم، فتظهرون لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تعينوهم على مسلم بفعل).
وقد نص شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب على أن نصرتهم ومظاهرتهم على المسلمين من نواقض الإسلام واستدل بالآية كما في "الدرر السنية" [10/92].
وقال الشيخ ابن باز في فتاواه [1/274]: (أجمع علماء الإسلام أن من ظاهر الكفار على المسلمين، وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم) واحتج بالآية.
وقال الشيخ أحمد شاكر عن حكم التعاون مع الإنجليز والفرنسيين إبان العدوان الثلاثي على مصر كما في "كلمة حق" [126]: (أما التعاون بأي نوع من أنواع التعاون قل أو كثر، فهو الردة الجامحة والكفر الصراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، سواء من أفراد أو جماعات، أو حكومات أو زعماء، كلهم في الكفر والردة سواء إلا من جهل وأخطأ ثم استدرك فتاب).
فمثل هذا الحاكم الذي يقاتل المسلمين، ويقف بصف عدوهم، ويستحل دماءهم، وأرضهم، ليتسلط عليهم عدوهم، كافر خارج عن الملة بإجماع المسلمين يجب قتاله وقتله، وهو أشد كفرا من الكافر الأصلي، حتى وإن ادعى أنه يريد إرجاع حكمه، أو حماية بلده، فقد نص أئمة الدعوة النجدية كالشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، وإبراهيم بن عبد اللطيف، وسليمان بن سحمان، على حرمة الدخول تحت حماية الكفار كالإنجليز حيث أفتوا بأن: (الدخول تحت حماية الكفار ردة عن الإسلام)، كما في "الدرر السنية" [10/435].
وقال عبد الله بن عبد اللطيف في شأن أهل الخليج الذين دخلوا تحت الحماية البريطانية في القرن الماضي كما في "الدرر السنية" [8/11]: (وانتقل الحال حتى دخلوا في طاعتهم، واطمئنوا إليهم، وطلبوا صلاح دنياهم بذهاب دينهم، وهذا بلا شك أنه من أعظم أنواع الردة)، واستدل بقوله تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون} (المائدة 80)، ثم قال في آخر فتواه رحمه الله: (كل من دخل في طاعتهم وأظهر موالاتهم، فقد حارب الله ورسوله، وارتد عن دين الإسلام، ووجب جهاده ومعاداته).
ولا يعتذر عن مساعدتهم ومظاهرتهم على المسلمين بالضعف وعدم القدرة على الامتناع عن ذلك.
وقد سئل عن ذلك شيخ الإسلام فقال - كما في الفتاوى [28/240]: (ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك بأي طريق أمكنهم، من تغيب، أو تعريض، أو مصانعة، فإذا لم يمكن - أي الامتناع عن مظاهرتهم - إلا بالهجرة تعينت).
أي صارت الهجرة فرض عين على من لم يستطع الامتناع عن مساعدة عدو المسلمين لضعفه، ولا يحل له مساعدتهم بدعوى الضعف أو الخوف منهم، فليس دمه أشد حرمة من دماء المسلمين الذين يظاهر الكفار عليهم، فتجب عليه الهجرة، فإن لم يفعل وأعانهم على المسلمين كان محكوما عليه بالردة.
فمن أوجب على المسلمين السمع والطاعة لمثل هذا الحاكم - الذي يحارب الله ورسوله والمسلمين، تحت شعار الكفر ولوائه - فقد نقض الإجماع القطعي ورد على الله ورسوله حكمهما الظاهر بردة من هذا حاله ووجوب قتاله.
ومن أفتى بمثل ذلك فقد اقتحم باب ردة، وخلع ربقة الإسلام من عنقه، فليس أشد مظاهرة للعدو الكافر وأوليائه من تحريف دين الله ورسوله مجاراة لأهواء الملوك والرؤساء، والافتراء على الله ورسوله بالفتوى مشايعة للمشركين وأوليائهم، وقد قال تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب}، وقال: {ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب}.
أما الاستدلال على وجوب طاعة الحاكم الذي يوليه العدو الكافر أمر المسلمين بقصة يوسف وتوليه على خزائن الأرض تحت حكم فرعون:
فاستدلال باطل من كل وجه وهو من باب تحريف الكلم عن مواضعه وذلك للآتي:
أولا: أن شرع من كان قبلنا من الأنبياء ليس شرعا لنا إذا عارض شرعنا بإجماع الأمة، بل وأكثر الفقهاء على أنه ليس شرعا لنا حتى ولو لم يعارض شرعنا، ومن احتج به شرط له شروط وهو أن يثبت في شرعنا، وألا يعارض شرعنا، فالاحتجاج بهذه القصة باطل بالإجماع لكونه يخالف المجمع عليه في شرعنا، من تحريم تولي العدو الكافر ومظاهرته على المسلمين، بل والحكم بردة من يفعل ذلك كما سبق بيانه.
ثانيا: أن هذه القصة حدثت في أرض مصر في عهد ملك كافر من ملوك مصر، فليست داره دار إسلام أصلا، فقد يجوز للمسلم - قياسا عليها - أن يتولى ولاية في بلد غير إسلامي، بقصد إقامة العدل والحق والإنصاف بين الخلق كما فعل يوسف، ولا يقاس عليها بأي حال من الأحوال تولي الولاية للعدو الكافر الذي يحتل أرض المسلمين وديارهم، ويسفك دماءهم، ويسلب ثرواتهم، وينتهك أعراضهم، فمن جوز مثل هذه الولاية قياسا على ولاية يوسف على خزائن الأرض في مصر في ذلك العهد، فقد افترى بهتانا وإثما عظيما.
وحال هذا المفتي كحال من يجوز الربا في أرض الإسلام قياسا على قول من قال من الفقهاء بجواز الربا في دار الحرب! أو من يسقط إقامة الحدود في دار الإسلام قياسا على قول من قال من الفقهاء أنه لا تقام الحدود في أرض الحرب! ومثل هذه الأقيسة باطلة بالإجماع، إذ لدار الإسلام من الأحكام بالإجماع ما ليس لدار الكفر فلا يساوى بينهما فيها.
والمقصود أن هذا القياس على قصة يوسف هو من القياس فاسد الاعتبار على فرض جوازه لمعارضته النصوص القطعية على تحريم تولي الولاية للعدو الكافر في أرض الإسلام، إذ الواجب بالإجماع على المسلمين كافة دفعه عن أرض الإسلام وجهاده بكل وسيلة، وقد أجمعت الأمة على أن جهاده إذا دهم دار الإسلام يكون فرض عين، فكيف يسوغ موالاته، ونصرته، والدفع عنه، والقتال معه، والتمكين له؟!
ثالثا: أن هذه القصة استدل بها شيخ الإسلام ابن تيمية على جواز أن يتولى المسلم الصالح الولاية تحت حكم الإمام المسلم الجائر، إذا كان يستطيع الصالح دفع مفسدة أكبر، أو جلب مصلحة أكبر للمسلمين، إذ كان أكثر الفقهاء قديما يرون تحريم تولي الولايات لأئمة الجور من المسلمين حتى لا يتلبسوا بظلمهم، ولا يشتركوا بإثمهم، فاستدل شيخ الإسلام بقصة يوسف في جملة ما استدل به من النصوص والقواعد الشرعية، لكون هذا الاستدلال بالقصة لا يتعارض مع شرعنا، بل في شرعنا ما يدل على مشروعية العمل للإمام الجائر بقصد الإصلاح ورفع الظلم أو تخفيفه.
ولهذا لم يتخلف الأئمة ولا سلف الأمة عن الجهاد مع أئمة الجور من المسلمين، وقد كان الصحابة، وآل البيت، والعلماء، يغزون، ويجاهدون معهم لما في ذلك من إعزاز الدين، وحماية المسلمين، بخلاف تولي الولاية للكافر الذي يحتل أرض المسلمين، ففيها مظاهرة له، وإعزاز لكلمته، وتقوية لشوكته، وكل ذلك مضادة لحكم الله ورسوله إذ مراد الله هو أن يكون الدين كله لله وأن تكون {كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا} (التوبة 40).
ومن لم يفرق بين الأمرين كان كمن يجوز القتال مع العدو الكافر، ويجوز مظاهرته على المسلمين، قياسا على مشروعية الجهاد مع الإمام الجائر إذا غزا الكفار!
رابعا: أنه ليس في قصة يوسف أي مظاهرة لملك مصر على المسلمين، إذ لم يكن فيها مسلم أصلا، بل وليس فيها مظاهرة له على أحد من الخلق، بل ولايته لخزائن مصر كانت رحمة بأهل مصر، حيث أقام بينهم العدل والقسط والإصلاح، كما كان يدعوهم إلى الإسلام والوحدانية.
فمن قاس حال من جاء مع جيوش العدو الكافر - يناصرهم على المسلمين، ويشايعهم، ويؤيد كفرهم، ويزين إلحادهم، ويفرض قوانينهم، ويبشر بفلسفتهم - على حال يوسف مع أهل مصر، فقد قال قولا عظيما، وقاس حال ابن العلقمي والطوسي اللذين شايعا التتار حين غزو بغداد في القرن الهجري السابع وتوليا لهم الولايات على حال النبي يوسف الصديق حين تولى الأمر لملك مصر!
أما السؤال عن جواز تقليد من يفتي بمثل هذا القول، فجوابه:
هذه الفتاوى - وما شابهها مما ثبت معارضتها للكتاب والسنة وإجماع الأمة - يحرم بالإجماع العمل بها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من الأئمة المضلين كما في الحديث الصحيح: (أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون)، وقال عنهم: (دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها)، وقال عنهم: (فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل)... الخ
وكما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور العلماء بل يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا)
ولهذا لم يوجب الله على المسلمين طاعة أحد مطلقا غير طاعته وطاعة رسوله، وقيد طاعة أولي الأمر فيما كان طاعة لله ولرسوله، ولم يأمر الله عز وجل قط عباده بطاعة العلماء بل أمرهم بسؤالهم فقط عما لا يعلمون {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} من أجل معرفة العلم الذي هو قول الله ورسوله، لا من أجل تقليد العالم، إذ العلماء ليسوا معصومين عن الخطأ والهوى.
ولهذا لم يجعل الله وصف العلم سببا في دخول الجنة، بل قال تعالى: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} (النساء 69)، إذ من العلماء من هم علماء سوء كعلماء بني إسرائيل، يحرفون الكلم عن مواضعه، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا، كما وصفهم القرآن في آيات كثيرة.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن إتباع أمته سنن اليهود والنصارى حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، ومن أظهر سنن أهل الكتاب تحريفهم الكلم عن مواضعه، واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله بطاعتهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، كما قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين قال: (ما عبدناهم يارسول الله!)، فقال له (ألم يكن يحلون لكم الحرام ويحرمون الحلال فتطيعونهم) قال: (بلى!)، قال صلى الله عليه وسلم: (فتلك عبادتهم).
والمقصود أنه لا طاعة للعلماء ولا للأمراء، بل الطاعة لله ولرسوله، فإن أمروا بما هو طاعة لله ورسوله كالجهاد، وتحكيم الشرع، وإقامة العدل، ودفع الظلم... الخ، وجبت طاعتهم لكونهم أمروا بما أمر الله ورسوله به، فإن أمروا بما هو معصية أو بما فيه شبهة حرمت طاعتهم ووجبت معصيتهم، بل طاعتهم حينئذ كفر وشرك بالله، ومن اتخاذهم أربابا من دون الله.
وقد أفتى شيخ الإسلام بوجوب قتال التتار، لما غزو الشام، وأخذ يحرض المسلمين على جهادهم، ويرد على من أفتى بحرمة قتالهم بدعوى أنهم دخلوا الإسلام، حتى قال شيخ الإسلام لمن معه إن رأيتموني في صفهم فاقتلوني! تأكيدا منه رحمه الله أن قتال التتار لا شبهة فيه البتة، وأن رجوعه عن رأيه فيما لو رجع لا يغير من حكم الله ورسوله شيئا في وجوب جهادهم، بل الواجب على المسلمين حينئذ لو رجع شيخ الإسلام عن فتواه ووقف في صف التتار أن يقاتلوه معهم ولا يغتروا به، إذ الحي لا تؤمن عليه الفتنة، ودين الله لا يعرف بالرجال، بل بالآيات البينات، فإذا دهم العدو أرض الإسلام فقد وجب بالإجماع دفعه، وصار الجهاد حينئذ فرض عين على أهل البلد التي دهمها العدو وفرض كفاية على من يليهم من المسلمين، فإن عجزوا عن دفعه صار فرض عين على من يليهم حتى يعم الحكم جميع المسلمين - كما بيناه وفصلناه في فتوى ببطلان اشتراط الراية والإمام للجهاد –
ومثل هذا الحكم الذي هو فرض عين بالإجماع لا يكون محلا للاجتهاد، ولا يحتاج المسلمون في معرفته إلى العلماء، ولا يستطيع العلماء أن ينسخوا الحكم المجمع عليه، ويحرم على المسلمين طاعتهم في ذلك، وإنما هذا الأمر من المعلوم من الدين بالضرورة القطعية، فمن قدر عليه من أهل الحرب والنجدة والبأس قام به، ومن لم يستطع وجب عليه أن يعد العدة حتى يقدر عليه، وإنما يجتهد المسلمون في فروض الأعيان وفروض الكفاية في كيفية أدائها على الوجه المطلوب.
وهذا يرجع فيه إلى أهل الخبرة والمعرفة والدراية في هذه الفروض لا إلى الفقهاء، فما كان من فروض الجهاد كان معرفة كيفية القيام به على الوجه المطلوب راجعا للعسكريين وأهل الحرب والمقاتلين.
وإنما يجب الرجوع إلى الفقهاء لمعرفة حكم الله في النوازل التي لا يعرف حكمها من حيث الحل والحرمة والوجوب، أما القضايا التي أجمع عليها المسلمون، ويشترك في معرفتها العامة والخاصة، مما هو معلوم من الدين بالضرورة القطعية، فلا يجب على المسلمين الرجوع فيها إلى أحد لمعرفة حكمها.
وكذا القضايا الخلافية التي اشتهرت فيها أقوال الأئمة وسلف الأمة، فمن أخذ بقول بعضهم بدليله طاعة لله ورسوله، لم يجب عليه الرجوع إلى الفقهاء المعاصرين، إذ سؤالهم واجب على من لا يعرف الحكم أما من عرفه بدليله فلا يجب عليه السؤال.
أما ما الذي يجب على المسلمين إذا عجزوا عن دفع عدوهم عجزا كليا بالقوة والقتال، واستقر الأمر للعدو الكافر في أرضهم، أو لمن نصبه العدو الكافر من أوليائه وحزبه، فالواجب الصبر وإعداد العدة، إذ الخطاب الشرعي يظل متعلقا بحال القدرة، ولا يسقط عنهم فرض دفعه ومقاومته، بل يجب العمل بكل وسيلة أخرى غير القتال كالمقاومة السلمية، والعصيان المدني، والعمل السري، حتى تتحرر أرضهم، كما في الحديث: (من لم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية).
ويكون الحاكم في هذا الحال سلطانا وحاكما بحكم الأمر الواقع لا بحكم الشارع، وحال المسلمين معه كحالهم تحت سلطان الكافر، فالخضوع لسلطانه ليس لكونه ولي أمر شرعي تجب موالاته ونصرته، بل هو ذو سلطان قهري يتقي المسلمون منه تقاة، حتى يفرج الله عنهم، فإن استطاعت طائفة منهم مقاومته فالواجب نصرتها، ومن لم يستطع نصرتها، فلا يقاتلها معه.
هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى إله وصحبة ومن اتبعهم إلى يوم الدين
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان
__________________

فوارق عاشوراء
يرقص اليهود ويفرحون
ويبكي الرافضة ويلطمون
ويصوم أهل السنة ويستغفرون
الحمدلله الذي فضلنا على كثير
ممن خلق تفضيلاً وجعلنا مسلمين
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 2013-12-27, 07:35 PM
الصورة الرمزية حارسة السنة بالدم
حارسة السنة بالدم حارسة السنة بالدم غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-11-28
المشاركات: 48
حارسة السنة بالدم
افتراضي

اعرف الكثير من الادلة اخي ولكن لبطمئن قلبي على سلامة منهجكم في الخروج على الحكام فأنا درست في انصار السنة...جزاكم الله خير على جهودكم جعلها الله في ميزان حسناتكم ونفع الله بكم وجعل الفردو س مستقركم
__________________
لقد تم تيمية مئة طفل وطفلة بالانبار باسم عمر وعائشة رضي الاه عنهما وتم تسمية جسر باسم عمر ومشفى باسم ام المؤمنين عائشة ونصرة للفاروق ولحبيبة النبي صلى الله عليه وسلم ..سموا ابنائكم باسم عمر وعائشة نصرة لهما وتحديا للروافض ..دعواتكم لاهل السنة في العراق فقد ضاقت علينا الارض بما رحبت والحال سيء جدا مآساة ودعواتكم لاهلنا في سوريا وسنة لبنان وسنة ايران ومسلمي اراكان والاحواز العربية المحتلة وجميع بلاد الاسلام ..تابعوا قناتي صفا ووصال فهاتين القناتين الوحيدتين الصادقتين واياكم والاعلام العراقي والسوري الكاذب .. الربيع السني قادم...ياشيعة ليش ماصرتوا اوادم.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب


 سطحة شمال الرياض   سطحة بين المدن   سطحه شرق الرياض   شحن السيارات   سطحة هيدروليك   شركة نقل السيارات بين المدن   أرخص شركة شحن سيارات   شركة شحن سيارات   شراء سيارات تشليح   بيع سيارة تشليح 
 الاسطورة   شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   شركة عزل شينكو بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة كشف تسربات المياه 
 متجر نقتدي   متاجر السعودية   مأذون شرعي   كحل الاثمد   yalla shoot   يلا شوت   yalla shoot   سوريا لايف 
 اشتراك hulk iptv   شراء اثاث مستعمل بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   برشلونة مباشر   فني سخانات مركزية   عقارات   يلا شوت   اهم مباريات اليوم   يلا شوت   يلا كورة 
 شهادة سلامة   تطبيقات ألعاب   فني سيراميك   شركة صيانة افران بالرياض   best metal detector for gold   جهاز كشف الذهب   شركة مكافحة الحشرات   شركة سياحة في روسيا   بنشر متنقل   شركة تصميم مواقع   Online Quran Classes 
 صيانة غسالات خميس مشيط   صيانة غسالات المدينة   صيانة مكيفات المدينة   صيانة ثلاجات المدينة   صيانة غسالات الطائف   صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات مكة المكرمة   صيانة ثلاجات مكة المكرمة   صيانة مكيفات مكة   صيانة مكيفات جدة   صيانة مكيفات المدينة   صيانة مكيفات تبوك   صيانة مكيفات بريدة   سباك المدينة المنورة 
 اسعار مظلات حدائق   شركة تنظيف المنازل بجدة   شركة تنظيف بجدة   شركة رش الحشرات بجدة   شركة تنظيف فلل بجدة 
 شركة مقاولات   اسعار تنسيق حدائق   غسيل اثاث في الرياض   كشف تسربات المياه مجانا   لحام خزانات فيبر جلاس بالرياض   شركة تخزين عفش بالرياض   برنامج ارسال رسائل الواتساب   شركة تسليك مجاري بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   yalla shoot english   اشتراك hulk iptv   اشتراك كاسبر 
 certified translation office in Jeddah   حسابات تيليجرام   سنابات السعودية   نشر سنابات السعودية   مظلة شمسية   شركة تنظيف خزانات بمكة   شركة نقل عفش بمكة   شركة كشف تسربات المياه بالرياض   خدمة مكافحة النمل الأبيض   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض 
 شدات ببجي   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي   شدات ببجي تابي   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي   شدات ببجي تابي   مجوهرات يلا لودو   شحن يلا لودو   ايتونز امريكي   بطاقات ايتونز امريكي   شدات ببجي تمارا   شدات ببجي اقساط 
 شركة تنظيف بخميس مشيط   الاسطورة لبث المباريات   yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   مباريات اليوم مباشر   Koora live   تشليح   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج   تصليح غسالات اتوماتيك   شركة مكافحة حشرات   شركة عزل خزانات بجدة   دكتور جراحة مخ وأعصاب في القاهرة 
 اشتراك كاسبر الرسمي   شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض 
 مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر 

شركة صيانة افران بالرياض

 كشف تسربات المياه    شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   شركة مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم بالرياض   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تسليك مجاري بالرياض   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة عزل اسطح بجدة   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف   دعاء القنوت 
معلوماتي || فور شباب ||| الحوار العربي ||| منتديات شباب الأمة ||| الأذكار ||| دليل السياح ||| تقنية تك ||| بروفيشنال برامج ||| موقع حياتها ||| طريق النجاح ||| شبكة زاد المتقين الإسلامية ||| موقع . كوم ||| شو ون شو

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية
Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd
الساعة الآن »05:27 AM.
راسل الإدارة -الحوار العربي - الأرشيف - الأعلى