#1
|
|||
|
|||
يحبون من يجاملهم
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :- (( يحبون من يجاملهم )) النجاح حتمًا يحتاج إلى المزيد من العمل والتعب، والتركيز العالي والمثابرة، وبذل المجهودات الكبيرة، ولكي يظهر نجاحك الباهر لا بد أن تعتمد على نفسك وتترك الفتور جانبًا، ثم تثق في توفيق الله وعونه، هذا بالضبط ما قمتُ به واتبعته لكي أنجح في دراستي وخاصة في مرحلة الثانوية العامة، التي أطلق عليها مسمى (الخلاصة). ولكن هناك من كان يختلف معي في الرأي تمامًا، بعض الطلاب الآن يا سادة يبحثون عمن يحل الواجب ويبعثه لهم في رسالة على الواتس، وهم يضعون ساقًا فوق الأخرى، والبعض الآخر يفضل عدم المذاكرة قبل أي امتحان؛ لأنه معتمد على زميله الذي يلقنه بعض المعلومات على الطائر في اللجنة، ويتم ذلك بطرق خفية، وإذا قلت له: يا أخي، هذا غش واضح، يقول لك بنبرة المتعجب: غش؟ لَم تضخم الموضوع؟ إنها مساعدة ليس أكثر، أتفق معك أن الحياة موحشة بغير مشاركة ومساعدة الآخرين، ولكن ليس بهذه الطريقة ولا بهذه الحجة التي ما أنزل الله بها من سلطان. وهؤلاء هم الذين كانوا في خلاف دائم معي، ليس لأنني مغرور أو متكبر، بل لأنني لم أجاملهم بإرسال واجب أو تلقينهم إجابة على الطائر في لجنة الامتحان، مع الأسف كانت وما زالت المجاملة في الخطأ من وجهة نظرهم منهجًا إضافيًّا للمناهج التي يدرسونها، وهذا من فجاجة فكرهم، طوال السنوات الثلاثة لم أتناقش معهم؛ لأن المناقشة معهم كانت عقيمة، أو لأنهم اعتادوا على ذلك منذ نعومة أظافرهم، وكان تواصلي معهم معدومًا، وكل ما يربطني بهم هو السلام: سلام عليكم يا فلان.. وعليكم السلام. وفي يوم التكريم تم تجهيز الطاولات التي ستُوضع عليها الهدايا الرمزية والشهادات المزخرفة لكل من تعِب وجدَّ واجتهد وسهر الليالي، حتى نجح وتفوق وحصل على أحد مراكز العشرة الأوائل، وكنت أنا من بينهم ولله الحمد، وهنا جاء رد المخالفين لي في الرأي، بدأ التكريم في مصلى المدرسة بتلاوة آيات عطرة من القرآن، ثم كلمات جميلة ألقاها المرشد الطلابي، ثم كلمة قائد المدرسة، ثم بدأ النداء على أسماء العشرة الأوائل إلى أن جاء اسمي. فجأة بدأت تعلو أصوات وصيحات الاعتراض من قِبل مجموعة من الطلاب، ثم اتبعتها مجموعة أخرى كما يتبع السمكُ الميتُ تيارَ المياه، توقفت لا أدري أأتقدم لأخذ شهادتي أم أتراجع وكأنني غائب تمامًا هذا اليوم؟ توقفتُ للحظات، في أثنائها لفتت انتباهي نظراتهم التي تشبه نظرات المنتقم، ولكني في نفس الوقت - الذي لم يتجاوز جزءًا من الثانية - تذكرت الأوقات التي كنت أقضيها في الدراسة، والعمل المتواصل الذي كنت أتلذذ به رغم مشقته، ونشوة الصبر، الصبر الذي كان مفتاح نجاحي. من هنا اتخذت القرار فورًا وأمسكتُ بنفسي، ووضعت قدمي على الطريق وخطوت بكل ثقة، وتركت ضجيجهم خلفي وكأن شيئًا لم يكن، واستلمت شهادتي التي كنت أستحقها فعلًا، وعندما وقفتُ بجانب قائد المدرسة لالتقاط صورة تذكارية، همس لي في أذني: "لا عليك يا بُنيَّ، إنهم يحبون مَن يجاملهم، وأنت لم تجامل أحدًا". انتهى الموقف ولم يؤثر فيَّ مطلقًا؛ لأنني كنتُ وما زلتُ متأكدًا أن المجاملة في الخطأ هي أساس الفساد، ولم أتغيب عن المدرسة في اليوم التالي كما توقع البعض، واعتبرتُ أن ما حدث مجرد ضريبة لعدم مجاملتي لهؤلاء القلة، وكلما استرجعتُ الموقف، تذكرتُ حكمة جميلة كانت داخل تقويم العام، تقول الحكمة: (لا تهتم لما يُقال عنك؛ فأنت تعرف مَن أنت، ولا تُقلل من قيمتك، فسِرُّ الفشل هو محاولة إرضاء الجميع). أما أنت أخي القارئ، فعليك أن تتوقف لتَتْبَعَ عقلك، وتكف عن المجاملات التي لا داعيَ لها على الإطلاق، وخاصة إذا كانت في أمور خاطئة؛ فأنت لستَ مجبرًا على أن تغمض عينيك عن الحقيقة وتجامل أصحابها، والآن فقد غربت الشمس ونفِدَ معها مخزوني من الكلام. §§§§§§§§§§§§§§§§§ |
أدوات الموضوع | |
|
|