لذا، في المرة القادمة التي تحمل فيها كتابًا بلغة أجنبية، أو تلمح عبارة مترجمة محفورة على جدار بعيد، تذكر الأبطال الهادئين الذين يعملون في الظل، ويبنون جسورًا ذات معنى لم تكن موجودة من قبل. لأنهم في رقصهم الدؤوب مع الكلمات، يذكروننا أنه حتى أكبر محيطات اللغة يمكن عبورها، من القلب إلى القلب، من خلال العبارة اللطيفة لقصة مشتركة.
في ملاذ مكتب مضاء بالمصابيح، يتصارع شخص وحيد مع الأشباح. ليست خصلات طيفية، بل أشباح المعنى، محاصرة في عنبر لسان آخر. المترجم، عالم آثار الكلمة المنطوقة، ينقب في طبقات تركيب الجملةوالنحو، واكتشاف جوهر الفكر المدفون.
إنها لعبة الغميضة، يتم لعبها عبر القارات والثقافات. يمكن لفارق بسيط واحد في غير محله، أو نزوة ثقافية يُساء فهمها، أن يحول قصيدة إلى لغز، أو ورقة علمية إلى فوضى متشابكة. يصبح المترجم، إذن، رسام خرائط، يرسم التضاريس المعقدة للغة، ويحدد المياه الضحلة الغادرة من الغموض وواحات الفهم الخفية.
تخيل رسالة حب، لحنًا هامسًا مكتوبًا بالشوق الملطخ بالحبر. يصبح المترجم شاعرًا لأرض جديدة، يشعل نار تلك الكلمات من جديد بلحن مختلف، ولا تزال الجمر متوهجة بحرارة المودة المشتركة. أو تصور خطابًا سياسيًا، عاصفة مدوية من الخطابة تهز أسس السلطة. يتحولون إلى دبلوماسيين، ويصوغون معاهدة سلام هشة بين اللغات، مما يضمن أن كل قصفة رعدية تجد صدى لها في آذان الجمهور البعيد.
المصدر
مكتب ترجمة المجرية معتمد