#1
|
||||
|
||||
فضائل الصحابة
فضائل الصحابة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغرِّ الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، فضائل الصحابة "1" المبحث الأول: تعريف الصحابة لغة واصطلاحاً: تعريف الصحابة لغة: قال الفيروز آبادي: "استصحبه: أي دعاه إلى الصحبة ولازمه" [1]. وقال الجوهري: "والصحابة بالفتح: الأصحاب، وهي في الأصل مصدر، وأصْحَبْتُهُ الشيء: جعلته له صاحباً، واستصحبته الكتاب وغيره، وكل شيء لاءم شيئاً فقد استصحبه" [2]. وقال أبو بكر بن الطيب: "لا خلاف بين أهل اللغة في أن القول "صحابي" مشتق من الصحبة، وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلاً كان أو كثيراً، كما أن القول "مكلِّم ومخاطب وضارب" مشتق من المكالمة والمخاطبة والضرب وجار على كل من وقع منه ذلك قليلاً كان أو كثيراً… يقال: صحبت فلاناً حولاً ودهراً وسنة وشهراً ويوماً وساعة، فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيره، وذلك يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار" [3]. تعريف الصحابي في الاصطلاح: أما تعريف الصحابي اصطلاحاً فقد اختلف في ذلك: فعن عبد القدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وذكر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أهل بدر فقال: "ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم، كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه" [4]. وقال الإمام البخاري رحمه الله: "من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه" [5]. وقال علي بن المديني: "من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" [6]. وقال سعيد بن المسيب: "الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين" [7]. وتعريف سعيد بن المسيب هذا تعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: "والعمل على خلاف هذا القول؛ لأنهم اتفقوا على عد جمع جم من الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا في حجة الوداع" [8]. والتعريف الصحيح المعتمد هو ما قرره الحافظ ابن حجر بقوله: "وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام". ثم قال شارحًا التعريف: "فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى، ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى وقولنا: (به) يخرج من لقيه مؤمناً بغيره كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة، ويدخل في قولنا: (مؤمناً به) كل مكلف من الجن والإنس… وخرج بقولنا: (مات على الإسلام) من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ومات على ردته والعياذ بالله… ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرة أخرى أم لا وهذا هو الصحيح المعتمد" [9]. المبحث الثاني: بم يعرف الصحابي؟ لقد وضع العلماء رحمهم الله طرقاً وضوابط لمعرفة كون الشخص صحابياً وتلك الطرق أو الضوابط هي: 1- أن تثبت صحبته بطريق التواتر المقطوع به لكثرة ناقليه أن فلانًا من الصحابة وذلك كأبي بكر وعمر وبقية العشرة وناس آخرين من الصحابة رضي الله عنهم. 2- أن تثبت الصحبة للشخص عن طريق الاستفاضة والشهرة. 3- أن يروى عن أحد من الصحابة أن فلاناً له صحبة وكذا عن آحاد التابعين بناء على قبول التزكية من واحد وهو الراجح. 4- أن تثبت الصحبة بإخباره عن نفسه إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة بقوله: أنا صحابي [10]. وقد ذكر الحافظ ابن حجر ضابطًا يستفاد منه معرفة جمع كثير يكتفى فيهم بوصف يدل على أنهم صحابة وهذا الضابط مأخوذ من أمور ثلاثة: أحدها: أنهم كانوا لا يؤمّرون في المغازي إلا الصحابة، فمن تتبع الأخبار الواردة في حروب الردة والفتوح وجد من ذلك الشيء الكثير. الثاني: قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له. وهذا أيضاً يؤخذ منه شيء كثير. الثالث: لم يبق بمكة والطائف أحد في سنة عشر إلا أسلم وشهد حجة الوداع، فمن كان في ذلك الوقت موجوداً اندرج فيهم لحصول رؤيته بالنبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يرهم هو صلى الله عليه وسلم [11]. الفصل الثاني: طبقات الصحابة وعددهم: إنَّ الصحابة رضي الله عنهم يتفاوتون في مراتبهم من حيث السبق إلى الإسلام أو الهجرة وشهود المشاهد الفاضلة وقد ذكر العلماء أنهم على اثنتي عشرة طبقة: الطبقة الأولى: قوم أسلموا بمكة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم. الطبقة الثانية: أصحاب دار الندوة حيث بايعه جماعة فيها على الإسلام. الطبقة الثالثة: المهاجرة إلى الحبشة. الطبقة الرابعة: الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة الأولى يقال: فلان عقبي وفلان عقبي. الطبقة الخامسة: أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار. الطبقة السادسة: أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء وهو يبني المسجد. الطبقة السابعة: أهل بدر الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) [12] الطبقة الثامنة: المهاجرة الذين هاجروا بين بدر والحديبية. الطبقة التاسعة: أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله تعالى فيهم: ﴿لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ﴾ [الفتح:18]. الطبقة العاشرة: المهاجرون بين الحديبية والفتح، ومن هؤلاء خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وأبو هريرة وغيرهم، وفيهم كثرة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر قصده خلق كثير من كل ناحية من أجل الهجرة. الطبقة الحادية عشرة: هم الذين أسلموا يوم الفتح وهم جماعة من قريش. الطبقة الثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها وعدادهم في الصحابة، ومن هؤلاء السائب بن يزيد وعبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير فإنهما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لهما، ومن هؤلاء أيضاً: أبو الطفيل عامر بن واثلة وأبو جحيفة وهب بن عبد الله فإنهما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطواف وعند زمزم [13]. قال ابن الصلاح: "وإذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم كانوا بضع عشرة طبقة" [14]، ومن العلماء من زاد على ذلك. وأما محمد بن سعد فقد جعلهم خمس طبقات: الأولى: البدريون. الثانية: من أسلم قديماً ممن هاجر عامتهم إلى الحبشة وشهدوا أحداً فما بعدها. الثالثة: من شهد الخندق فما بعدها. الرابعة: مسلمة الفتح فما بعدها. الخامسة: الصبيان والأطفال فمن لم يغز سواء حفظ عنه، وهم الأكثر، أم ل [15]. أما عددهم رضي الله عنهم: فليس هناك دليل قاطع على ضبط أفراد الصحابة بعدد معين، وما يذكر من ذلك فإنما هو تبيان لأعداد من الصحابة كانوا في مشهد مخصوص، أو أن ذلك كان باعتبار وقت من الأوقات، أو حال من الأحوال، أو كونهم في بلد معين يجمعهم. ومما يؤيد هذا ما ذكره ابن الصلاح في مقدمته عن أبي زرعة الرازي حيث سئل عن عدة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ومن يضبط هذا؟! شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أربعون ألفاً، وشهد معه تبوك سبعون ألفاً) [16]. وفي رواية أخرى عنه قال: (توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة وكل قد روى عنه سماعاً أو رؤية) [17]. وقال ابن كثير: "وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبي زرعة أنه قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألفاً" [18]. وقال ابن الأثير: "وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم… كثيرون فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد حنيناً ومعه اثنا عشر ألفاً سوى الأتباع والنساء، وجاء إليه هوازن مسلمين فاستنقذوه حريمهم وأولادهم، وترك مكة مملوءة ناساً وكذلك المدينة أيضاً: وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين فهؤلاء كلهم لهم صحبة وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجة الوداع وكلهم له صحبة" [19]. ومما تقدم يتضح أن ضبط الصحابة رضي الله عنهم في عدد معين غير ممكن وأن كل من ذكر شيئاً من هذه الأعداد فإنما حكاه على قدر تتبعه ومبلغ علمه وأشار بذلك إلى وقت خاص وحال، فإذاً لا تضاد بين كلامهم ولا تعارض [20]. [1]القاموس المحيط (1/95). [2] الصحاح (1/161) باختصار، وانظر لسان العرب لابن منظور (7/286) والمعجم الوسيط (1/507)، وانظر أيضاً التعريفات للجرجاني (173). [3] انظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (69-70). [4] انظر: الكفاية (69)، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث (77)، ومقدمة ابن الصلاح (146). [5] صحيح البخاري مع الفتح (7/3). [6] انظر: فتح الباري (7/5). [7] انظر: الكفاية (68-69) وانظر أيضاً أسد الغابة (1/18). [8] فتح الباري (7/4). [9] الإصابة (1/7-9). [10] انظر الكفاية للخطيب البغدادي (70) ومقدمة ابن الصلاح (146) والتقييد والإيضاح (285). [11] الإصابة (1/10). [12] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب: فضل من شهد بدراً (3983) وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم (2494) من حديث علي بن أبي طالب. [13] الباعث الحثيث لأحمد شاكر (2/504) وأحكام القرآن لابن العربي (2/1002) والعواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (1/412). [14] مقدمة ابن الصلاح (197). [15] انظر الجزء الثالث والرابع من كتابه الطبقات فإنه خص هذين الجزئين بتراجم الصحابة. [16] مقدمة ابن الصلاح (148). [17] انظر: التقييد والإيضاح (289). [18] البداية والنهاية (5/397). [19] أسد الغابة (1/19). [20] انظر: صحابة رسول الله للكبيسي (119). يتبع آن شاء الله
__________________
وقال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله: انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلا عن الناطق. و ما ضر المسك معاوية عطره
أن مات من شمه الزبال والجعل رغم أنف من أبى |
#2
|
||||
|
||||
فضائل الصحابة "2" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغرِّ الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، فضائل الصحابة "2" الفصل الثالث: الثناء على الصحابة في القرآن الكريم: أهل السنة والجماعة يثبتون فضل الصحابة رضي الله عنهم الذي نطق به القرآن الكريم المنزل من لدن حكيم حميد، كما يثبتون جميع ما صح في فضلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان هذا الفضل على وجه العموم أو على وجه الخصوص. ولقد أثنى الله عليهم في كتابه العزيز على سبيل الجملة في آيات كثيرة ومواضع شتى منها: 1- قال الله تعالى: ﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً﴾ [البقرة:143]. في هذه الآية الكريمة وجه سبحانه فيها الخطاب إلى جميع الأمة المحمدية ومضمونه أنه سبحانه جعلهم خيار الأمم ليكونوا يوم القيامة شهداء على الناس، وأول الداخلين في هذا الخطاب إنما هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال أبو عبد الله القرطبي: "المعنى: وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطاً أي: جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم، والوسط العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطً﴾ قال: عدلاً. قال هذا حديث حسن صحيح [1] وفي التنزيل: ﴿قال أوسطهم﴾ أي أعدلهم وخيرهم… ولما كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً أي: هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم وقوله تعالى: ﴿لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ أي: في المحشر للأنبياء على أممهم" [2]. 2- قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ [آل عمران:110]. قال ابن الجوزي: "وفيمن أريد بهذه الآية أربعة أقوال: أحدها: أنهم أهل بدر. والثاني: أنهم المهاجرون. والثالث: جميع الصحابة. الرابع: جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم نُقِلت هذه الأقوال كلها عن ابن عباس" [3]. وقال الزجاج: "وأصل الخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعم سائر أمته" [4]. وقال السفاريني: "﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ قيل: اتفق المفسرون أن ذلك في الصحابة، لكن الخلاف في التفاسير مشهور ورجح كثير عمومها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم" [5]. وقال أبو هريرة رضي الله عنه في قوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ قال: (خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام) [6]. وعن السدي أنه قال: "﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ﴾ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو شاء الله لقال أنتم فكنا كلنا، ولكن قال ﴿كُنتُمْ﴾ في خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صنع مثل صنيعهم، كانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" [7]. 3- قال الله تعالى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلأوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلأنْصَٰرِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾ [التوبة:100]. قال ابن كثير: "يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان رضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم والنعيم المقيم… وقال محمد بن كعب القرظي: مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ هذه الآية ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلأوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلأنْصَٰرِ﴾ فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ فقال: أبي بن كعب، فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم. قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا، فقال أُبي: تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: ﴿وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ﴾ [الجمعة:3]... فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذاً بالله من ذلك" [8]. 4- قال تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ وَٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلأنصَٰرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة:117]. قال أبو بكر الجصاص: "وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ وَٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلأنصَٰرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ﴾ فيه مدح لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين غزوا معه من المهاجرين والأنصار، وإخبار بصحة بواطن ضمائرهم وطهارتهم؛ لأن الله تعالى لا يخبر بأنه قد تاب عليهم إلا وقد رضي عنهم ورضي أفعالهم، وهذا نص في رد قول الطاعنين عليهم والناسبين لهم إلى غير ما نسبهم الله إليه من الطهارة ووصفهم به من صحة الضمائر وصلاح السرائر رضي الله عنهم" [9]. 5- قال الله تعالى: ﴿قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَى﴾ [النمل:59]. قال ابن جرير الطبري: "الذين اصطفاهم، يقول: الذين اجتباهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فجعلهم أصحابه ووزراءه على الدين الذي بعثه بالدعاء إليه دون المشركين به الجاحدين بنبوة نبيّه"، ثم ذكر بإسناده إلى ابن عباس في قوله: ﴿وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَى﴾ قال: أصحاب محمد اصطفاهم لنبيه" [10]. وقال شيخ الإسلام ابن تيميه: "﴿قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَى﴾ قال طائفة من السلف: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أنهم أفضل المصطفين من هذه الأمة التي قال الله فيها: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَٰلِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرٰتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ f جَنَّٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ٱلَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ [فاطر:32- 35]. فأمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين أورثوا الكتاب بعد الأمتين قبلهم اليهود والنصارى وقد أخبر الله تعالى أنهم الذين اصطفى وتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) [11]. ومحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم المصطفَون من المصطفَين من عباد الله" [12].6- وقال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم﴾ [الفتح:29]. قال ابن كثير: " فالصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم، وقال مالك رضي الله عنه: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. وصدقوا في ذلك فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة وأعظمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" [13]. ____________________
[1] أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن باب: ومن سورة البقرة (2961) والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2362). [2] الجامع لأحكام القرآن (2/153-154). [3] زاد المسير لابن الجوزي (2/16). [4] معاني القرآن وإعرابه (1/456). [5] لوامع الأنوار البهية للسفاريني (2/377). [6] أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب كنتم خير أمة أخرجت للناس (4557). [7] انظر: جامع البيان (4/43). [8] تفسير القرىن العظيم (2/367). [9] أحكام القرآن للجصاص (4/371). [10] جامع البيان (20/2). [11] أخرجه البخاري في كتاب الشهادات باب: لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2652)، ومسلم في المناقب باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3651). [12] منهاج السنة (1/156). [13] تفسير القرآن العظيم (6/365 |
#3
|
||||
|
||||
فضائل الصحابة"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغرِّ الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، فضائل الصحابة "3" الفصل الرابع: الثناء على الصحابة في السنة النبوية: 1- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي العشاء قال: فجلسنا فخرج علينا فقال: (ما زلتم ها هنا؟!) قلنا: يا رسول الله، صلينا معك المغرب ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معكم العشاء قال: (أحسنتم) أو (أصبتم) قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء فقال: (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) [1]. قال النووي: "ومعنى الحديث أنَّ النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) أي: من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً، وقد وقع كل ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم: (وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتى ما يوعدون) معناه: من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك، وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم" [2]. 2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان يغزو فئام [3] من الناس فيقال لهم: فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزوا فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم، فيفتح لهم) [4]. قال النووي: "وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضل الصحابة والتابعين وتابعيهم" [5]. 3- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: (قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه وتبدر يمينه شهادته) [6]. قال النووي: "اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم والمراد أصحابه" [7]. 4- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه) [8]. قال الخطابي: "النصيف بمعنى النصف، كما قالوا: الثمين بمعنى الثُمن. والمعنى أن جهد المقل منهم واليسير من النفقة الذي أنفقوه في سبيل الله مع شدة العيش والضيق الذي كانوا فيه أوفى عند الله وأزكى من الكثير الذي ينفقه من بعدهم" [9]. 5- عن أبي عبد الرحمن الجهني قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ طلع راكبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كنديان [10] مذحجيان [11])، حتى أتياه فإذا رجلان من مذحج قال: فدنا أحدهما ليبايعه، فلما أخذ بيده قال: يا رسول الله، أرأيت من رآك وآمن بك واتبعك وصدقك ماذا له؟ قال: (طوبى له) قال: فمسح على يده وانصرف، ثم أتاه الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه فقال: يا رسول الله، أرأيت من آمن بك واتبعك وصدقك ماذا له؟ قال: (طوبى له ثم طوبى له) [12]. قال ابن كثير: "وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عباس ومغيث ابن سمي وأبي إسحاق السبيعي وغير واحد من السلف أن طوبى شجرة في الجنة في كل دار غصن منها" [13]. والحاصل أن الأحاديث الواردة في فضلهم كثيرة ومشتهرة بل متواترة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذه الأحاديث مستفيضة، بل متواترة في فضائل الصحابة والثناء عليهم وتفضيل قرنهم على من بعدهم من القرون والقدح فيهم قدح في القرآن والسنة" [14]. "] الفصل الخامس: الثناء على الصحابة في أقوال السلف والعلماء: 1- قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه خص نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بصحابة آثروه على الأنفس والأموال، وبذلوا النفوس دونه في كل حال، ووصفهم الله في كتابه فقال: ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم﴾، قاموا بمعالم الدين وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذبت طرقه وقويت أسبابه، وظهرت آلاء الله واستقر دينه، ووضحت أعلامه، وأذل بهم الشرك وأزال رؤوسه ومحا دعائمه، وصارت كلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزكية والأرواح الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياء، وكانوا بعد الموت أحياء، وكانوا لعباد الله نصحاء، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيه) [15]. 2- عن أبي أراكة قال: صلّى عليٌ الغداة ثم لبث في مجلسه حتى ارتفعت الشمس قيد رمح كأن عليه كآبة، ثم قال: (لقد رأيت أثراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أرى أحداً يشبههم، والله إن كانوا ليصبحوا شعثاً غبراً صفراً، بين أعينهم مثل ركب المعزى، قد باتوا يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح، فانهملت أعينهم حتى تبل والله ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين). وقال أيضاً: (وأولئك مصابيح الهدى يكشف الله بهم كل فتنة مظلمة، سيدخلهم الله في رحمة منه، ليس أولئك بالمذاييع البُذُر [16] ولا الجفاة المرائين) [17]. 3- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم) [18]. 4- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ) [19]. 5- عن أبي صخر حميد بن زياد قال: قلت لمحمد بن كعب القرظي: أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أريد الفتن، فقال: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب لهم الجنة في كتابه، محسنهم ومسيئهم، قلت له: وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟ قال: ألا تقرأ ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلأوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلأنْصَٰرِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾[التوبة:100]، أوجب لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطاً لم يشترطه فيهم، قلت: وما اشترط عليهم؟ قال: اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، يقول: يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك، قال أبو صخر: لكأني لم أقرأها قبل ذلك وما عرفت تفسيرها حتى قرأها عليَّ محمد بن كعب القرظي [20]. 6- عن قتادة بن دعامة السدوسي قال: "أحق من صدقتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه" [21]. 7- عن أيوب السخيتاني قال: "من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق" [21]. 8-وقال الإمام مالك بن أنس: "من يبغض أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان في قلبه عليه غل فليس له حق في فيء المسلمين"، ثم قرأ قول الله تعالى: ﴿مَّا أَفَاء ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ﴾ إلى قوله: ﴿وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر:6- 10]. وذُكِر بين يديه رجل ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك هذه الآية: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ﴾ ]إلى قوله ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ﴾ [/ ثم قال: "من أصبح من الناس في قلبه غل على أحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فقد أصابته الآية" [23]. 9- وقال أبو جعفر الطحاوي: "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان" [24]. 10- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيمَٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر:10]، وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "](لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه[[25]... ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون..." [26]. [1] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم (2531). [2] شرح النووي على صحيح مسلم (16/83). [3] الفئام الجماعة الكثيرة (النهاية في غريب الحديث 3/406). [4] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب: من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب (2897)، ومسلم في فضائل الصحابة باب: فضل الصحابة رضي الله عنه ثم الذين (2532). [5] شرح النووي على مسلم (16/83). [6] أخرجه البخاري في الشهادات باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد (2652)، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم (2533). [7] شرح النووي على صحيح مسلم (16/84). [8] أخرجه البخاري في المناقب باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت (3673)، ومسلم في فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم (2540). [9] معالم السنن (4/284). [10] كندة: بالكسر مخلاف كندة باليمن اسم القبيلة (معجم البلدان: 4/482). [11] مذحج: قبيلة من قبائل العرب وهم: ولد أود بن زيد بن يشجب مرة. (معجم البلدان:5/88). [12] أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (17388) والطبراني في الكبير (22/742) والبزار كشف الأستار (2769) والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/18) وقال: إسناده حسن. [13] تفسير القرآن العظيم (4/89). [14] مجموع فتاوى شيخ الإسلام (4/430). [15] مروج الذهب ومعادن الجوهر (3/75) للمسعودي. [16] المذاييع: هو جمع مذياع من أذاع الشيء إذا أفشاه وقيل: أراد الذين يشيعون الفواحش. (القاموس المحيط ذاع)، والبُذُر: جمع بَذِر وهو كثير الكلام (القاموس بذر) [17] انظر: حلية الأولياء (1/76-77). [18] حلية الأولياء (1/305-306). [19] المسند (1/379). وانظر: شرح السنة للبغوي (1/214-215). [20] الدر المنثور في التفسير بالمأثور (4/272) للسيوطي. [21] رواه الإمام أحمد في المسند (3/134). [22] انظر: البداية والنهاية (8/13) لابن كثير. [23] انظر: شرح السنة للبغوي (1/229). [24] العقيدة الطحاوية مع شرحها (528). [25] أخرجه البخاري في المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت..(3673) ومسلم في فضائل الصحابة باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم (2533). [26] العقيدة الواسطية مع شرحها (لمحمد خليل هراس) (142-151). يتبع إن شاء الله |
#4
|
||||
|
||||
فضائل الصحابة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغرِّ الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، فضائل الصحابة "4" الفصل السادس: الثناء على أصناف معينة منهم رضي الله عنهم: المبحث الأول: الثناء على السابقين الأولين: السبق هو التقدم إما في الصفة أو في الزمان أو في المكان. فالتقدم في الصفة: يكون لمن سبق إلى الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر واتخذ ما ينفق قربات عند الله عز وجل. والتقدم في الزمن: يكون لمن تقدم في أوان قبل أوان. والتقدم في المكان: يكون لمن تبوأ دار النصرة واتخذها بدلاً عن موضع الهجرة، وأفضل هذه الوجوه هو السبق في الصفات[1]. قال الراغب الأصبهاني: "أصل السبق التقدم في السير نحو: ﴿فَٱلسَّٰبِقَٰتِ سَبْق﴾ [النازعات:4]، ويستعار السبق لإحراز الفضل والتبريز وعلى ذلك: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ﴾ [المعارج:10] أي: المتقدمون إلى ثواب الله وجنته بالأعمال الصالحة نحو قوله: ﴿يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ﴾ [الأنبياء:89]" [2]. ومما يدل على أن السبق بالصفات هو الأفضل قوله عليه الصلاة والسلام: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد)[3]. وقد اختلف العلماء في المراد بالسابقين الأولين على أقوال ستة: الأول: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قاله أبو موسى الأشعري وابن المسيب وابن سيرين وقتادة. الثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وهي الحديبية. قاله الشعبي. الثالث: أنهم أهل بدر. قاله عطاء بن أبي رباح. الرابع: أنهم جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل لهم السبق بصحبته. الخامس: أنهم السابقون بالموت والشهادة، سبقوا إلى ثواب الله تعالى قاله الماوردي. السادس: إنهم الذين أسلموا قبل الهجرة [4]. والقول الراجح من هذه الأقوال ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال بعد ذكره لقوله تعالى: ﴿لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَٰتَلَ﴾ [الحديد:10] قال: "وهذه الآية نص في تفضيل المنفقين المقاتلين قبل الفتح على المنفقين بعده، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن السابقين في قوله تعالى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلأوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلأنْصَٰرِ﴾ هم هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين هم من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة، ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به، ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة، ولكن فيه سبق الذين أدركوا ذلك على من لم يدركه، كما أن الذين أسلموا قبل أن تفرض الصلوات الخمس هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم، والذين أسلموا قبل أن تجعل صلاة الحضر أربع ركعات هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم، والذين أسلموا قبل أن يؤذن في الجهاد أو قبل أن يفرض هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل أن يفرض صيام شهر رمضان هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل أن يفرض الحج هم سابقون على من تأخر عنهم، والذين أسلموا قبل تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل تحريم الربا كذلك، فشرائع الإسلام من الإيجاب والتحريم كانت تنزل شيئاً فشيئاً وكل من أسلم قبل أن تشرع شريعة فهو سابق على من تأخر عنه، وله بذلك فضيلة من أسلم قبل نسخ القبلة على من أسلم بعده هي من هذا الباب، وليس مثل هذا ما يتميز به السابقون الأولون عن التابعين، إذ ليس بعض هذه الشرائع أولى بمن يجعله خيراً من بعض، ولأن القرآن والسنة قد دلا على تقديم أهل الحديبية، فوجب أن تفسر هذه الآية بما يوافق سائر النصوص، وقد علم بالاضطرار أنه كان في هؤلاء السابقين الأولين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وبايع النبي بيده عن عثمان، لأنه قد كان غائباً قد أرسله إلى أهل مكة ليبلغهم رسالته" [5]. المبحث الثاني: الثناء على أهل بدر: أما الآيات التي أثنى الله عز وجل فيها على أهل بدر فمنها: 1- قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَٰتِلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْىَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأوْلِى ٱلأبْصَٰرِ﴾ [آل عمران:13]. قال ابن جرير الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: قل يا محمد للذين كفروا من اليهود الذين بين ظهراني بلدك: قد كان لكم آية، يعني: علامة ودلالة على صدق ما أقول إنكم ستغلبون، والفئة الجماعة من الناس التقتا للحرب وإحدى الفئتين: رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه ممن شهدوا وقعة بدر والأخرى مشركوا قريش ﴿فِئَةٌ تُقَٰتِلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ جماعة تقاتل في طاعة الله وعلى دينه، ﴿وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ﴾ هم مشركو قريش" [6]. 2- وقوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ J وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال:62، 63]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإنما أيده في حياته بالصحابة" [7]. وقال القرطبي: ﴿هُوَ ٱلَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ﴾ أي: قواك بنصره يريد يوم بدر، ﴿وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ ] قال النعمان بن بشير: نزلت في الأنصار" [8]. 3- مدح الله عز وجل أهل بدر بصفة الإيمان في غير ما موضع كما في قوله تعالى: ﴿وَلِيُبْلِىَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنً﴾ [الأنفال:17]، وقوله: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ﴾ [آل عمران:123]، وقوله تعالى: ﴿فَثَبّتُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُو﴾ [الأنفال:12]. أما ثبوت فضل أهل بدر والثناء عليهم في السنة النبوية فكثير من ذلك: 1- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير -وكلنا فارس- قال: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ [9] فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين)، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، وأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً، فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها -وهي محتجزة بكساء- فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حملك؟) قال حاطب: والله، ما بي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله به عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق، ولا تقولوا له إلا خير) فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فأضرب عنقه فقال: (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفر لكم) فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم [10]. قال الحافظ ابن حجر: "ووقع الخبر بألفاظ منها:[ (فقد غفرت لكم)، ومنها: (فقد وجبت لكم الجنة)، ومنها: (لعل الله اطلع...)، لكن قال العلماء: إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله للوقوع" [11]. 2- وعن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: (من أفضل المسلمين) أو كلمة نحوها قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة" [12]. 3- عن أنس رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع فقال: (ويحك أوَهبلت؟! أوَجنة هي؟! إنها جنات كثيرة وإنه في جنة الفردوس) [13]. قال الحافظ ابن كثير: "وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر فإن هذا لم يكن في ساحة القتال ولا في حومة الوغى بل كان من النظارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب [14] وهو يشرب من الحوض ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوسَ" [15]. 4- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدعاء الذي دعا به يوم بدر: (اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) [16]. المبحث الثالث: الثناء على أهل أحد: جاء الثناء على أهل أحد في القرآن الكريم في آيات كثيرة منها: 1- قال تعالى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[آل عمران:121]. هذه الآية تضمنت الثناء البالغ على أهل أحد بشهادة الله تعالى لهم بحقيقة الإيمان الذي حل واستقر في قلوبهم الطيبة، وفي هذه الشهادة فضيلة أيما فضيلة لمن حضر من الصحابة موقعة أحد [17]. 2- وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلأمْرِ وَعَصَيْتُمْ مّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:152]. 3- وقال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَٰبَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران:172]. قال ابن جرير الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين المستجيبين لله وللرسول من بعدما أصابهم الجراح والكِلام، وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد في طلب العدو أبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش منصرفهم عن أحد" [18]. ما جاء في فضل ومنزلة أهل أحد في السنة النبوية: 1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم)، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران:169] [19]. 2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما كان يوم أحد جيء بأبي مسجّى وقد مثل به، قال: فأردت أن أرفع الثوب فنهاني قومي، ثم أردت أن أرفع الثوب فنهاني قومي، فرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فرفع فسمع صوت باكية أو صائحة فقال: (من هذه؟) فقالوا: بنت عمرو أو أخت عمرو فقال: (ولِمَ تَبكي؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع) وفي رواية أنه قال: (تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه) [20]. قال ابن حجر: "(أو) في قوله، (تبكين أو لا تبكين) للتخيير، ومعناه أنه مكرم بصنيع الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه" [21]. المبحث الرابع: الثناء على أهل بيعة الرضوان: لقد ورد في فضل أصحاب بيعة الرضوان نصوص محكمة كثيرة من القرآن والسنة النبوية من ذلك: 1- قول الله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيم﴾ [الفتح:4]. قال ابن كثير: "يقول تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ﴾ أي: الطمأنينة قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وعنه الرحمة، وقال قتادة: الوقار في قلوب المؤمنين وهم الصحابة رضي الله عنهم يوم الحديبية الذين استجابوا لله ولرسوله وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما اطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت زادهم إيماناً مع إيمانهم، وقد استدل بها البخاري وغيره من الأئمة على تفاضل الإيمان في القلوب" [22]. 2- قال تعالى: ﴿لّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَٰتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيم﴾ [الفتح:5]. عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِين﴾ [الفتح:1] قال: الحديبية، قال أصحابه: هنيئاً مرئياً فما لنا؟ فأنزل الله: ﴿لّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ﴾ [23]. 3- قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيْهِ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم﴾ [الفتح:10]. قال ابن جرير رحمه الله: "وقوله: ﴿وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيْهِ ٱللَّهَ﴾ يقول تعالى ذكره: ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو في سبيل الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه، ﴿فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم﴾ يقول: فسيعطيه ثواباً عظيماً، وذلك أن يدخله الجنة جزاء له على وفائه بما عاهد عليه الله، ووثق لرسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الإيمان" [24]. 4- قال تعالى: ﴿لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً R وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيم﴾ [الفتح:18، 19]. قال أبو بكر الجصاص: "فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية، وصدق بصائرهم، فهم قوم بأعيانهم... فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة، أولياء الله، إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان، وقد أكد ذلك بقوله: ﴿فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾ يعني: الصبر بصدق نياتهم وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية وهو مثل قوله: ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَٰحاً يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَ﴾ [النساء:35]" [25]. ومما ورد في فضل أهل بيعة الرضوان في السنة المطهرة: 1- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: (خير أهل الأرض) وكنا ألفاً وأربعمائة، ولو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة [26]. قال الحافظ ابن حجر: "هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما" [27]. 2- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أخبرتني أم مبشر: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذي بايعوا تحته) قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها فقالت حفصة: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَ﴾ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد قال الله عز وجل: ﴿ثُمَّ نُنَجّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّ﴾ [مريم:72]) [28]. قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحته) قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعاً... وإنما قال: (إن شاء الله) للتبرك لا للشك" [29]. 3- عن جابر أن عبداً لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبت، لا يدخلها، فإنه شهد بدراً والحديبية) [30]. 4- عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يصعد الثنية، ثنية المراد، فإنه يُحَط عنه ما حُطّ عن بني إسرائيل) قال: فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج، ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر) فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم، قال: وكان رجلاً ينشد ضالة له [31]. ___________ [1] انظر: أحكام القرآن لابن العربي (2/1002) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/237) [2] المفردات (228). [3] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب فرض الجمعة (876)، ومسلم في كتاب الجمعة باب: هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (855) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [4] انظر: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (3/490-491). [5] منهاج السنة النبوية (1/154-155)، وانظر: شرح الطحاوية (ص 530). [6] جامع البيان (3/193-194). [7] منهاج السنة (1/156). [8] الجامع لأحكام القرآن (8/42). [9] روضة خافي: موضع بين مكة والمدينة بقرب المدينة. [10] أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب الجاسوس (3007) وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أهل بدر(2494). [11] فتح الباري (7/305-306). [12] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب: شهود الملائكة بدراً (3992)، وابن ماجة في المقدمة باب فضل أهل بدر (160). [13] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب فضل من شهد بدراً (3982). [14] هو الذي لا يعلم راميه أو لا يعرف من أين أتى أو جاء دون قصد راميه. [15] البداية والنهاية (3/361). [16] أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر (1763). [17] انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (1/183). [18] جامع البيان (4/176). [19] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب: في فضل الشهادة (2520)، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (2384)، والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2199) (2/479). [20] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب الدخول على الميت بعد الموت (1244)، ومسلم في فضائل الصحابة باب: من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام (2471). [21] فتح الباري (3/116). [22] تفسير القرآن العظيم (6/330)، وانظر تفسير البغوي مع الخازن (6/158)، وفتح القدير (5/45). [23] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الحديبية (4172). [24] جامع البيان (26/76). [25] أحكام القرآن (5/273). [26] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب: غزوة الحديبية (4155)، ومسلم في كتاب الإمارة باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش(4155). [27] فتح الباري (7/507). [28] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل أصحاب الشجرة وأهل بيعة الرضوان (2496). [29] شرح النووي لصحيح مسلم (16/85). [30] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم (2495). [31] أخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (2780). يتبع إن شاء الله |
#5
|
|||
|
|||
هذ نمذج من الصحابة الذين تمدحيهم من صحيح البخاري وغيرة ( في تجسُّر عمر على النبي ( صلّى الله عليه { وآله } وسلّم ) وسوء أدبه معه في مواردَ شتّى ) ( * ) . 1 ـ روى البخاري بسنده ، عن ابن عمر : أنَّ عبد الله بن أُبيّ لمَّا توفِّي جاء ابنه إلى النبي ( صلّى الله عليه { وآله } وسلّم ) ، فقال : يا رسول الله ، أعطني قميصك أُكفِّنه فيه ، وصلِّ عليه ، واستغفِر له ، فأعطاه النبي ( صلّى الله عليه { وآله } وسلّم ) قميصه ، فقال : ( آذنِّي أصلِّي عليه ) ، فآذنه فلمَّا أراد أنْ يُصلِّي عليه جذبه عمر ( 1 ) ، فقال : أليس الله نهاك أنْ تُصلِّي على المُنافقين ؟!
[ فقال : ( أنا بين خيرتين ) ] ( 2 ) . قال : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ... ) ؛ فصلَّى عليه . ( الحديث ) ( 3 ) . ــــــــــــــــــــــــ ( * ) ـ فيه ثلاثة أحاديث . ( 1 ) جَذَبَه حوَّله عن موضعه . النهاية في غريب الحديث لابن الأثير . ( 2 ) ما بين المعقوفين حُذِف مِن طبعة استانبول : 7/36 ، ومِن طبعة الحلبي حاشية السندي : 4/25 ، والمؤلِّف رحمة الله نقل الحديث مِن طبعة مصر المطبعة الخيريَّة عام 1320هـ . ( 3 ) صحيح البخاري . بحاشيه السندى : 4/25 ، باب لبس القميص صحيح البخاري : 7/36ط استانبول . سُنن ابن ماجة : 1/487 ـ 488 ، باب الصلاة على أهل القبلة ، وفيه ( أنا بين خيرتين ) . صحيح الترمذي : 2/185ط بولاق مصر عام 1292هـ . سُنن النسائي : 4/36 ، ولم يسقط الناشر العبارة الواردة بين المعقوفين . الاستيعاب في معرفة الأصحاب : 3/941 تحقيق على محمد البجاوي. وفيه : ( أنا بين خيرتين ) . <hr dir="rtl" align="justify"> 3 ـ روى أبو نعيم بسنده ، عن أبي عسيب ، قال : خرج رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ليلاً ، فدعاني فخرجت إليه ، ثمَّ مَرَّ بأبي بكر فدعاه ؛ فخرج ثمَّ مَرَّ بعمر فدعاه ؛ فخرج إليه ، فانطلق حتَّى دخل حائطاً لبعض الأنصار ، فقال لصاحب الحائط : ( أطعمنا بُسراً ) ؛ فجاء بعِذق فوضعه فأكلوا . ثمَّ دعا بماء فشرب . فقال : ( لتُسئلُنَّ عن هذا يوم القيامة ) . قال : وأخذ عمر العِذق ، فضرب به الأرض ، حتَّى تناثر البُسر نحو وجه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . ثمَّ قال : يا رسول الله ، إنّا لمَسئولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال : ( نعم ) . ( الحديث ) ( 4 ) . المؤلِّف : أمّا جذب عمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في الرواية الأُولى ، لمّا أراد أنْ يُصلِّي على عبد الله بن أُبي ، وقوله له : أليس الله نهاك أنْ تُصلِّي على المُنافقين ، فإنَّ فيه دلالة واضحة ، على تجسُّر عمر على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وسوء أدبه معه ، بلْ يظهر منه أنَّ عمر كان يرى الصلاة على عبد الله أمراً حراماً شرعاً ، وأنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد ارتكب الحرام الشرعي ، فأراد أنْ ينهاه عن المُنكر ، ـــــــــــــــــــــــ ( 1 ) أيْ أبطأ وتأخَّر . ( 2 ) أيْ تستعجلوا . ( 3 ) صحيح مسلم : 2/115ط استانبول ، باب وقت العشاء وتأخيره . صحيح مسلم : 1/441 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي . ( 4 ) حلية الأولياء : 2/27 ـ 28 . الإصابة في تمييز الصحابة : 4/134 ، وورد الحديث في ترجمة أبي عصيب مِن الإصابة . مُسند أحمد بن حنبل : 5/81 . جامع البيان للطبري : 30/185 ـ 186 مُرقاة المفاتيح : 4/397ط مصر 1309 ، وقال : رواه أحمد والبيهقي في شِعب الإيمان . <hr dir="rtl" align="justify"> أليس الله نهاك أنْ تُصلِّي على المُنافقين ؟! ومِن المعلوم أنَّ مَن يَنهى النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن المُنكر ، هو يرى نفسه أتقى لله وأورع . وهذا ـ لَعمري ـ إنْ لم يكُن كُفراً مَحضاً ـ كما لا يبعد ـ فهو ضلال بيِّن لا مَحالة ، لا يرتاب فيه إلاّ أهل الضلال . ولو كان مقصود عمر ، مُجرَّد الاستفهام والاطلاع ، على السبب الباعث لصلاة النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على ابن أُبيّ ؛ لتقدَّم إلى استفهامه بالكلام الطيِّب ، ولم يتجسَّر عليه بجذبه عن الصلاة ، وبالقول الخشن ( 1 ) . ــــــــــــــــــــ ( 1 ) وإلى القاري الكريم ، نورد هنا كلام الأُستاذ الكاتب المصري صالح الورداني ، على تصرُّف عمر مع النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . قال : وهذا الحديث ، يُشير الى دلالات خطيرة . ليست في صالح عمر ، بلْ تضعه في موقفٍ مُحرِجٍ شرعاً . فالقوم أرادوا أنْ يُثبِتوا له مَنقبة الفقه ، فطعنوا في الرسول .. وأرادوا أنْ يُثبتوا له الموافقة مع القرآن ؛ فأوقعوه في الرسول .. أمّا الدلالات التي يُشير إليها الحديث ، فهي : ـ أنَّ الرسول كان يجهل النهي وذكَّره به عمر .. ـ أنَّ الرسول أصرَّ على موقفه المُخالف للقرآن .. ـ أنَّ عمر جذبه مِن ثوبه كي يَمنعه مِن ارتكاب هذه المُخالفة .. ـ أنَّ الرسول تحايل على النَّصِّ القرآني بمنع الاستغفار للمُنافقين .. ـ أنَّ القرآن نزل يوافق عمر .. وما يُثير الشكَّ في هذا الحديث ، هو أنَّ آية النَّهي عن الصلاة على المُنافقين / نزلت بعد صِدْام عمر مع الرسول . بينما عمر يقول للرسول : أتُصلِّي عليه ، وقد نهاك الله أنْ تُصلِّي عليه قبل نزولها ؟! ـ فهل كان عمر يعلم الغيب ؟! أم كان على اتِّصال بالوحي ؟! .. إنَّ مِثل هذا الموقف مِن عمر ـ على فرض التسليم بصِحَّة هذه الرواية ـ يضعه في زُمرة المُنافقين ؛ إذ كيف لصحابي أنْ يعترض على الرسول بهذه الطريقة ، ويُخاطبه بهذا القول الذي هو مِن أخصِّ خصائصه وهو الوحي ؟! وكأنَّ الرسول لا يعرف الأمر والنهي ! ثمَّ هو يجذبه مِن ثوبه . أليس مِثل هذا الموقف يُشكِّك في مصداقيَّة الرسول ، ويُقلِّل مِن هيبته أمام المسلمين ؟! وكيف تُبارك السَّماء مثل هذا السلوك مِن عمر مع رسول الله ، وتُنزل القرآن موافقة لموقفه ؟! ألاْ يعني هذا أنَّ ثِقة السَّماء قد ضَعفت برسول الله ؟!.. الخُدعة : ص130ط دار النخيل بيروت . <hr dir="rtl" align="justify"> وذلك حين صاح عمر بن الخطاب ؛ فهو تَجسُّر أوضح مِن الأوَّل ، غير أنَّ الأوَّل كان نهياً عن المُنكر بزعمه ، وهذا أمرٌ بالمعروف ؛ حيث حرَّض النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على الخروج إلى صلاة العشاء . وهذا ـ لعمري ـ عجيب مِن عمر . ألم يَسمع قول الله تبارك وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ... ) ؟! الحُجرات : 4 ـ 5 . ألم يَسمع قول الله تبارك وتعالى ـ في أوَّل السورة ـ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) . وقد تقدَّم في مطاعن أبي بكر ـ في باب رفع أبي بكر وعمر أصواتهما عند النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، حتَّى نزل النهي ـ أنَّهما قد رفعها أصواتهما عند النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، حين قَدِم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس ، أنْ يستعمله على قومه ، وأشار الآخر برجل آخر ؛ فتماريا ؛ حتَّى ارتفعت أصواتهما ونزل النهي . وأمَّا أخذ عمر العِذْق في الرواية الثالثة ، وضرب به الأرض ؛ حتَّى تناثر البُسر نحو وجه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وقوله له : إنَّا لمسئولون عن هذا يوم القيامة ، فهو تجسُّر على الله ورسوله جميعاً ، لا على الرسول فقط ، وتحقير لنعمة الله جَلَّ وعلا ؛ فكأنَّ البُسر كان في نظره شيئاً حَقيراً هيّناً ، لا <hr dir="rtl" align="justify"> يُعتدُّ به ؛ فقال في حَقِّه ما قال ، وهو مِمَّا يَدلُّ على جهله ، وقِلَّة علمه ، مُضافاً إلى تجسُّره وعدم كونه شاكراً خاضعاً لأنعُم الله تعالى . ولكنَّ الذي يُهوِّن الخَطْب في هذا كلِّه ، أنَّ الذي يَتجسَّر على الله ورسوله ، ويقول للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عند مَماته ـ حين قال : ( ائتوني بكتاب أكتُب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ) ـ [ فقال أحدهم : هجر ، أو ليَهجر] ( 1 ) إنَّه يهجر ، أو غلبه الوَجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا ، أو حسبنا كتاب الله ، وقد تقدَّم التفصيل مشروحاً في باب مُستقلٍّ ؛ فأمثال هذه الأمور المذكورة ههنا في هذا الباب ، هي هيِّنة يسيرة جِدَّاً ، لا ينبغي التعجُّب منها أبداً . * * * ( 1 ) ما بين المعقوفين لم يكن في الأصل ، والقائل كان عمر ، كما جاء في النهاية لابن الأثير ( الرضوي ) . |
#6
|
|||
|
|||
ياعلي ياعلي ياعلي
|
#7
|
||||
|
||||
قال تعالى : فلا تدعوا مع الله أحداً [ الجن : 18]
وقال تعالى : ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون [ الأحقاف : 5] وقال تعالى : وقال ربكم ادعونى أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين [ غافر : 60]
__________________
قـلــت :
|
#8
|
||||
|
||||
اقتباس:
إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً أين هو تجاسر عمر على النبى هنا؟ أن ( يجذب ) عمر النبى لكى يذكره بما أمر الله به ، وبما شرع الله ، هل يعد تجاسر ، أم أنه حب للنبى حتى لا يقع فى المحظور ، وغيرة من عمر على شرع الله. إن صاحب العقل المنصف الراجح عندما يتعرض لهذا الحديث فلابد أن يجعله من مناقب أمير المؤمنين عمر . فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور [ الحج : 46]
__________________
قـلــت :
|
أدوات الموضوع | |
|
|