منتدى السنة للحوار العربى
 
جديد المواضيع

 حفر ابار في الدول الفقيرة   Online quran classes for kids 



العودة   منتدى السنة للحوار العربى > حوارات عامة > موضوعات عامة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2010-03-27, 07:15 AM
ابو جعفر ابو جعفر غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-03-24
المشاركات: 7
ابو جعفر
منقول اشراط الساعة1-12







--------------------------------------------------------------------------------

تلخيص كتاب



فَقَدْ جآءَ أشراطُهَا

تأليف الشيخ
محمود عطية محمد علي

بإذن خاص من الشيخ

محمود عطيّة حفظه الله ورعاه.


حقائق بين يدي الموضوع

هناك حقائق لا بدَّ أن تكون راسخة في ذهن كل واحد منا وهو يتحدث عن الساعة وأشراطها, فمعرفة هذه الحقائق تجعل العبد في خشية وإشفاق من الساعة, وتجعله يستعد لها استعداداً يليق بها, حتى يكون من الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر.

ومن هذه الحقائق اليقينية:

أولاً:

الآيات والأحاديث الدالة على وقت الساعة وقيامها تدلُّ دلالة قاطعة على أن الله عز وجل استأثر بعلمها , فلم يطلع على ذلك ملكاً مقرَّباً ولا نبياً مرسلاً:

قال تعالى:

{يَسْأَلُوكَ عَنْ السَّاعةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما علْمُها عنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ في السَّماوات والأَرضِ لا تأتِيْكُمْ إلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عنها قُلْ إِِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمون} .

وقال تعالى:

{وللهِ غَيْبُ السَّماوات والأرَْضِ ومَا أَمْرُ السَّاعةِ إلاَّ كَلَمْحِ البَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إنَّ اللهَ على كلِّ شئٍ قَدِيرٌ} .

وقال تعالى:

{يَسْأَلونكَ عَن السَّاعةِ أيَّانَ مُرْساها. فيمَ أنْتَ منْ ذِكْراها. إلى رَبِّكَ مُنْتهاها. إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاها. كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ عَشيَّةً أو ضُحاها} .


وقال تعالى:

{اقْتَرَبَ للنَّاسِ حِسَابُهُمْ وهُم فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} .

وقال تعالى:

{أتَى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلِوهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمَّا يُِْشْرِكون} .

وقال تعالى:

{اقْتَرَبَتِ السَّاعةُ وانْشَقَّ القَمَرُ} .

ومن الأحاديث الدالة على أن الله استأثر بعلم وقت الساعة:

• ما رواه أحمد والبخاري عن ابن عمر:

"مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله تعالى: لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله تعالى, ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله تعالى, ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله تعالى, ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله تعالى, ولا يدري أحد متى يجئ المطر إلا الله تعالى"
.

• وما رواه الحاكم عن ابن مسعود, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله جعل الدنيا كلها قليلاً, وما بقي منها إلا القليل من القليل, ومثل ما بقي من الدنيا كالثغْب - يعني: الغدير- شُرب صفوة وبقي كدره"
.

ثانيا:

الإيمان بالساعة جزء من الإيمان باليوم الآخر, والإيمان باليوم الآخر جزء من الإيمان بالغيب, ومن صفات المؤمنين المتقين الإيمان بالغيب والإشفاق من الساعة, ومن صفات الكافرين التكذيب بها والقول على الله فيها بغير علم.

قال تعالى:

{ولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وهَارُونَ الفُرْقانَ وضِياءً وذِكْرى للمُتَّقين. الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالَغَيْبِ وهُمْ مِنَ السَّاعةِ مُشْفِقُونَ} .

وروى أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد – واللفظ للترمذي – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"وكيف انعم وصاحب القرن قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ؟!", فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم:

"قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل, على الله توكلنا" .


هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, سمعوا بقرب قيام الساعة, فانخلعت قلوبهم وارتجفت أوصالهم, وثقل الأمر عليهم, فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجأروا إلى الله بالدعاء ويتوكلوا عليه.

ثالثا:

لا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة:
لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث صحيح أن الساعة تقوم في يوم جمعة, وهذا من الخلال العظيمة, التي اختص الله بها يوم الجمعة, فهو خير يوم طلعت عليه الشمس, وهو سيد الأيام, وأعظمها عند الله.

روى أحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله علي وسلم قال:

"خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة, فيه خلق آدم, وفيه أدخل الجنَّة وفيه أخرج منها, ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة" .
رابعاً:

الساعة تطلق وتدلُّ على الموت أو انتهاء جيل, والساعة تطلق والمراد بها القيامة.

وقد وردت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تُبَيِّن كلاً من المعنيين:

روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة, ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة, فقال:

" إن عُمِّرَ هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".


قال شيخنا: المراد هنا بالساعة هنا الموت, يعني يموت ذلك القرن ويفنى أهله.

وروى أحمد والطبراني في "الكبير" عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعْبَدَ الله تعالى وحده لا شريك له, وجُعِلَ رزقي تحت ظلِّ رمحي, وجُعِلَ الذلُّ والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم" .

قال المناوي:
"بعثت بين يدي الساعة" مستعار ممَّا بين يَدَي جهة الإنسان تلويحاً بقربها, والساعة هنا القيامة, وأصلها قطعة من الزمان" .

خامساً:

مع اقتراب الساعة يزداد بُعد الناس عن ربهم.

روى الطبراني عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"اقتربت الساعة, ولا تزداد منهم إلا بعداً"
.

قال المناوي:
"اقتربت الساعة" أي: دنا وقت قيامها؟’ وإذا اقتربت, فقد اقترب وقت ما يكون فيها من حساب وثواب وعقاب وغير ذلك ونحوه".
"إلا بعدا" أي: إنها كلما اقتربت ودنت كلما تناسوا قربها
.




2

--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الأول



أشراط تبدأ بالسماء وتنتهي بالسماء

المبحث الأول
انشقاق القمر

قال تعالى:

{اقْتَرَبَتِ السَّاعةِ وانْشَقَّ القَمَرُ. وإن يَرَوْا آيةً يُعْرِضوا ويَقُولوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌ} .

روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

"انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اشهدوا".

وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه:

"إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية, فأراهم انشقاق القمر".

ويُستفاد من هذه الأحاديث:

أولاً: انشقاق القمر معجزة عظيمة.

ثانياً: انشقاق القمر حديث في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: هذه الآية صغرى وغير معتادة, وإنما قلت صغرى لأنه لم يتبعها حدوث تغيُّر سواء في العالم العلوي أو السفلي.

رابعاً: الانشقاق حدث مرة واحدة على الأرجح.

خامساً: هناك تساؤلات قد تثور, وهي تساؤلات يثيرها منكرو حدوث الانشقاق من الفلاسفة ومن تابعهم من المبتدعة, ومن هذه التساؤلات:
1- كيف ينشق القمر, وكيف تُتفتح أبواب السماء ليلة الإسراء, وكيف تكَّور الشمس يوم القيامة, ومعلوم أن الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام؟!

قال الحافظ في "الفتح":

"وجواب هؤلاء إن كانوا كفاراً: أن يناظَروا أولاً على ثبوت دين الإسلام, ثم يُشركوا مع غيرهم ممَّن أنكر ذلك من المسلمين, ومتى سلَّم المسلم بعض ذلك دون بعض, ألزم التناقض, ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة, فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة لنبي الله صلى الله عليه وسلم".

ثم قال:

" وقد أجاب القدماء عن ذلك, فقال أبو إسحاق الزجَّاج في "معاني القرآن": أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الأمة انشقاق القمر, ولا إنكار للعقل فيه لأن القمر مخلوق لله, يفعل فيه ما يشاء, كما يكورِّه يوم البعث ويفنيه".

2- قال البعض: لو وقع لجاء متواتراً, واشتراك أهل الأرض في معرفته, ولما اختص به أهل مكة.

قال الحافظ في "الفتح":

"قال أبو إسحاق الزجاج: جواب من قال هذا: أن الانشقاق وقع ليلاً, وأكثر الناس نيام, والأبواب مغلَّقة, وقلَّ من يراصد السماء إلا النادر, وقد يقع بالمشاهدة في العادة أن ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها إلا الآحاد, فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا, فلم يتأهب غيرهم لها, ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض, كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم".

3- ما الحكمة في قلة من نقل آية انشقاق القمر من الصحابة؟

قال الحافظ في "الفتح":

"قال الخطابي: وهناك حكمة بالغة في كون المعجزات المحمَّدية لم يبلغ شئ منها مبلغ التواتر الذي لا نزاع فيه إلا القرآن, وهي أن معجزة كل نبي كانت إذا وقعت عامَّة, أعقبت , هلاك من كذَّب به من قومه للاشتراك في إدراكها بالحس, والنبي صلى الله عليه وسلم بُعث رحمة, فكانت معجزته التي تحدَّى بها عقليَّة, فاختصَّ بها القوم الذين بُعث منهم لما أتوه من فضل العقول وزيادة الأفهام, ولو كان إدراكها عاماً, لعوجل من كذَّب به كما عوجِلَ من قبلهم".

4- بعض من روى أحاديث الانشقاق لم يكن وُلد بعد كابن عباس, وبعضهم كان صغيراً في المدينة كأنس بن مالك, وبعضهم شاهدها كعبد الله بن مسعود وغيره.

قال الحافظ في "الفتح":

"قوله في الحديث: "إن أهل مكة": هذا من مراسيل الصحابة لأن أنساً لم يدرك هذه القصة, وقد جاءت هذه القصة من حديث ابن عباس, وهو أيضاً ممَّن لم يشاهدها, ومن حديث ابن مسعود وجبير بن مطعم وحذيفة, وهؤلاء شاهدوها.

المبحث الثاني:

انتفاخ الأهلَّة

علامة صغرى غير معتادة لم تحدث بعد.

روى الطبراني في "الكبير" عن ابن مسعود, والطبراني في "الأوسط" , و"الصغير", عن أبي هريرة, والطبراني في "الأوسط" والضياء عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلَّة".

وقال أيضاً:

"من اقتراب الساعة أن يُرى الهلال قَبَلاً", أي يُرى ساعة ما يَطلع لعظمه ووضوحه من غير أن يتطلب.

المبحث الثالث:

طلوع الشمس من مغربها

آية كبرى غير معتادة لم تقع بعد, ووقوعها خرقٌ للنواميس الكونية المعروفة عند الناس, وهي أعظم الآيات مطلقاً, فلا يراها أحدٌ إلا آمن, آية يتبعها تغيُّر أحوال العالم العلوي, إيذاناً ببدء القيامة.

روى مسلم في "صحيحه: عن أبي ذر:

أن النبي قال يوماً: "أتدرون أين تذهب الشمس؟". قالوا: الله ورسوله اعلم. قال" "إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش, فتخر ساجدة, فلا تزال كذلك حتى يُقال لها: ارتفعي, ارجعي من حيث جئت, فتجري, فتصبح طالعة من مطلعها, ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش, فتخِّر ساجدة, ولا تزال كذلك حتى يُقال لها: ارتفعي, ارجعي من حيث جئت. فترجع فتصبح طالعة من مطلعها, ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً, حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش, فيقال لها: ارتفعي, أصبحي طالعةً من مغربك, فتصبح طالعة من مغربها", فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً".

وروى الطبراني عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"أول الآيات طلوع الشمس من مغربها".

وعند ابن ماجه من حديث ابن عمرو قال: قال صلى الله عليه وسلم:

"أول الآيات خروجاً: طلوع الشمس من مغربها, وخروج الدابَّة على الناس ضحى".

قال عبد الله: فأيتهما خرجت قبل الأخرى فالأخرى منها قريب.

قال عبد الله: ولا أظنها إلا طلوع الشمس من مغربها.
وروى أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن صفوان بن عسال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن من قبل مغرب الشمس باباً مفتوحاً عرضه سبعون سنة, فلا يزال ذلك مفتوحاً حتى تطلُعَ الشمس نحوه, فإذا طلعت من نحوه لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً".

وفي الأحاديث فوائد كثيرة منها:

أولاً: سجود الشمس لباريها:

قال تعالى:

{ألَم تَرَ أنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ في السَّماواتِ وَمَنْ في الأرْض والشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجومُ والجبالُ والشَّجَرُ والدَّوابُّ وكَثيرٌ منَ النَّاس وكَثيرٌ حَقَّ عَليهِ الَعذابُ ومَنْ يُهِنِ الله فما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يشاءُ} .

ثانياً:

الآيات العظيمة كما يقول الطيبي رحمه الله أمارات للساعة دالَّة إما على قربها وإما على حصولها.

ومن الدال على قربها: الدجال, ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام, ويأجوج ومأجوج, والخسف.

ومن الدال على حصولها: الدخان, وطلوع الشمس من مغربها, وخروج الدابة, والنار التي تحشر الناس.

ثالثاً:

الذي يترجَّح من مجموع الأخبار أن طلوع الشمس من مغربها هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي وينتهي ذلك بقيام الساعة.

رابعاً:

التوبة لها باب مفتوح قبل مغرب الشمس, عرضه مسيرة سبعين عاماً, يغلق عند طلوع الشمس من مغربها.

* وهل تقبل التوبة بعد ذلك؟ والجواب:

- إن كان طلوع الشمس من مغربها أول الآيات العظام عموماً فنعم.

- وإن سُبق طلوع الشمس بآيات أخرى كنزول عيسى ابن مريم عليه السلام, ويأجوج ومأجوج, والدجال فلا, وهذا الأرجح, والله أعلم.

وبيان ذلك:

- حديث أبي هريرة عند مسلم:

"من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه".

قال الحافظ:

"فمفهومه أن من تاب بعد ذلك لا تقبل".

- حديث معاوية عند أحمد وأبي داود:

"لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة, ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".

فمفهومه أن التوبة تنقطع بعد ذلك.
- حديث ابن السعدي – وهو عبد الله بن وقدان – عند أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل".

فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إن الهجرة خصلتان: إحداهما أن تهجر السيئات, والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله, ولا تنقطع الهجرة ما تُقُبِّلت التوبة, ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها, فإذا طلعت طُبع على كل قلب بما فيه, وكُفي الناس العمل".

فمفهومه أن التوبة لا تُقبل بعد ذلك, ويُطبع على كل قلب بما فيه.

فإذا كانت التوبة لا تقبل بعد طلوع الشمس من مغربها, وكان طلوع الشمس من مغربها أول الآيات عموماً فكيف ينزل عيسى عليه السلام بعد ذلك ولا يقبل من المشركين إلا الإسلام أو القتل؟

وللإجابة على هذا التساؤل لا بدَّ من القول: إن نزول عيسى عليه السلام يسبق خروج الشمس من مغربها.

خامساً: الخلاصة:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

"الذي يترجح من مجموع الأخبار: أن خروج الدجَّال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامَّة في معظم الأرض, وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم, وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي, وينتهي ذلك بقيام الساعة, ولعلَّ خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب".

وقال أيضاً:

"إذا طلعت الشمس من المغرب, أغلق باب التوبة, ولم يفتح بعد ذلك وإن ذلك لا يختصُّ بيوم الطلوع, بل يمتدُّ إلى يوم القيامة, وإن طلوع الشمس من مغربها أول الإنذار بقيام الساعة".

وأختم حديثي عن هذه الآية العظمى – وهي طلوع الشمس من مغربها – بذكر الآية الكريمة في سورة الأنعام والتي فُسِّرت بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلوع الشمس من مغربها.

قال تعالى:

{هَلْ يَنْظُرونَ إِلاَّ أَنْ تَأتِيَهُمُ المَلائكَةُ أَو يَأتِيَ رَبُّكَ أَوْ بَعْضُ آياتِ ربِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَو كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِروا إِنَّا مُنْتَظِرونَ}.

قال الحافظ في "الفتح":

"قال ابن عطيَّة وغيره ما حاصله: معنى الآية: أن الكافر لا ينفعه إيمانه بعد طلوع الشمس من المغرب, وكذلك العاصي لا تنفعه توبته, ومن لم يعمل صالحاً من قبل, ولو كان مؤمناً لا ينفعه العمل بعد طلوعها من المغرب.




--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثاني

المبحث الثاني



نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام


وأختم حديثي عن الأشراط السماوية بالحديث عن آية كبرى لم تقع بعد, وهي غير معتادة, وإنما قلت: غير معتادة لأجل طريقة حدوثها, وإلا فقد اعتاد الناس أن يبعث الله الرسل من أهل الأرض, واعتادوا أن ينزل الروح الأمين على رسل الله مبلغاً إياهم, ولكن غير المعتاد أن ينزل من السماء بشر سبق وأن أرسل إلى قومه فادَّعوا قتله وصلبه فكذبهم الله في القرآن الكريم, مبيناً لهم أنه سيعود.

هذه الآية هي نزول عيسى عليه السلام من السماء الدنيا إلى الأرض.

أولاً: الآيات الدالة على نزول عيسى وما يفهم منها:

قال تعالى:

{فَبمَا نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وكُفْرِهِمْ بِآياتِ الله وقَتْلِهِمُ الأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ وقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عليها بكُفْرِهِمْ فَلا يُؤمنونَ إلاَّ قَليلاً. وبِكُفْرِهِمْ وقوْلِهمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عظيماً. وقَوْلهَمْ إنَّا قَتَلْنا المَسيحَ عيسى ابن مَرْيَمَ رسولَ الله وما قَتَلوهُ ومَا صَلَبوهُ ولكنْ شُبِّه لَهُمْ وإنَّ الَّذين اختَلَفوا فيه لَفي شَكٍّ منهُ ما لَهُمْ منْ عِلْمٍ إلأَّ اتِّباع الظَّنِّ ومَا قَتَلوهُ يَقيناً.بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إليه وكانَ الله عَزيزاً حكيماً. وإنْ مِنْ أهلِ الكِتَابِ إلاَّ لّيُؤمنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ويَوْمَ القِيامةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهيداً} .

وقال تعالى:

{ ولمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثلاً إذا قَوْمُكَ منهُ يَصِدُّونَ. وقالوا أَآلهتُنا خَيْرٌ أّمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمونَ. إنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَني إسرائيلَ. ولَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا منكُمُ مَلائِكَةً في الأرْضِ يَخْتَلِفونَ. وإَنَّهُ لَعِلْمٌ للسَّاعةِ فَلا تَمْتُرنَّ بها واتَّبِعون هذا صِراطٌ مُستقيمٌ} .

وتدل الآيات على ما يلي:

1- أن عيسى عليه السلام - على الراجح من أقوال العلماء- حيٌ في السماء, وأنه سينزل في آخر الزمان كما تواترت بذلك الأحاديث.

2- أن أهل الكتاب سيؤمنون به عند نزوله وقبل موته, وهذا الراجح من أقوال العلماء.

3- أن نزول عيسى عليه السلام دلالة وعلامة على قرب الساعة.

ثانياً: أمور تتعلق بعيسى عليه السلام:

وقد وردت أحاديث كثيرة بأسانيد صحيحة تبيِّن أموراً كثيرة تتعلق بعيسى عليه السلام, ومنها:

1- هو قاتل الدجال, ولن يسلط على الدجال أحدٌ أبداً حتى يكون عيسى عليه السلام هو الذي يقتله:

روى الترمذي عن مجمّع بن جارية الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يقتلُ ابن مريم الدجَّال بباب لدٍّ".

وفي رواية أحمد عن مجمع بن جارية: "ليقتلنَّ ابن مريم الدجَّال بباب لدّ".

وجاء في حديث ابن صياد من رواية مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, وفيه:
.... فقال عمر بن الخطاب: ذرْني يا رسول الله أضرب عُنُقه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ يَكْنْهُ فلن تسلَّط عليه, وإن لم يكنْه, فلا خير لك في قتله".

2- من كان مع عيسى عليه السلام فهو في حرز من النار:

روى أحمد والنسائي والضياء عن ثوبان:

"عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار: عصابة تغزو الهند, وعصابة تكون مع عيسى بن مريم".

وفي حديث النواس بن سمعان عند أحمد ومسلم والترمذي, وفيه:

"... ثم يأتي عيسى قومٌ قد عصمهم الله منه , فيمسح عن وجوههم, ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة".

3- رخاء العيش وطيبه بعد نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال:

روى الديملي والضياء في "المنتقى من مسموعاته بمرو", عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" طوبى لعيش بعد المسيح, طوبى لعيش بعد المسيح, يؤذن للسماء في القطر , ويؤذن للأرض في النبات, فلو بذرت حبّك على الصفا, لنبت, ولا تشاحَّ, ولا تحاسد, ولا تباغض حتى يمرّ الرجل على الأسد لا يضره, ويطأ على الحية فلا تضره, ولا تشاحَّ ,ولا تحاسد, ولا تباغض".

4- مكان نزوله:

روى احمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن النواس بن سمعان, والطبراني عن أوس بن أوس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" ينزل عيسى ابن مريم عليه والسلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق".

5- وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يُدرك عيسى ابن مريم من أمته:

روى الحاكم عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من أدرك منكم عيسى ابن مريم, فليقرئْهُ مني السلام".

فمن أدركه فلينفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

6- عند نزوله يحكم بشريعة الإسلام:

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:


"كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم فأمَّكم؟!".

وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟!".

ويستفاد من هذه الأحاديث:

أ- أن عيسى عليه السلام يحكم بالكتاب والسنة, وفي هذا رد على النصارى الذين يقولون: إنه سيحكم بالإنجيل, وردٌ على بعض متعصِّبة المذاهب الذين زعموا أنه يحكم بمذهبهم.

ب- قال الحافظ في"الفتح":

"قال ابن التين: معنى قوله: "وإمامكم منكم": أن الشريعة المحمَّدية متصلة إلى يوم القيامة, وأن في كل قرن طائفة من أهل العلم".

7- لباسه وهيئته عند نزوله عليه السلام وكيف ينزل؟

روى الطبراني عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق, عليه ممصَّرتان , كأن رأسه يقطر منه الجمان" .

وروى أحمد ومسلم والترمذي والحاكم عن النواس بن سمعان, وفيه:

"فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم, فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق, بين مهرودتين , واضعاً كفَّيه على أجنحة ملكين, إذا طأطأ رأسه قطر, وإذا رفعه تحدَّر منه جمان اللؤلؤ".

8- من معجزاته عليه السلام عند نزوله:

أ- موت كل كافر يجد نفسه أو يشمّه, ففي حديث النواس:

"... فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات".

ب- نفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه, ففي حديث النواس أيضاً:

"... ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه".

9- صفاته الخَلْقيَّة عليه السلام:

كان مربوعاً, إلى الحمرة والبياض, سبط الشعر, وجاءت روايات صحيحة أنه آدم (أسمر) أّدمَةً جميلة للغاية جعد الشعر.

روى الشيخان والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليلة أسري بي رأيت موسى, وإذا هو رجل ضرب , كأنه من رجال شنوءة . ورأيت عيسى, فإذا هو رجل ربعة , أحمر, كأنما خرج من ديماس . ورأيت إبراهيم, وأنا أشبه ولده به, ثم أتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر, فقيل لي: اشرب أيّها شئت, فأخذت اللبن, فشربته, فقيل لي: أصبت الفطرة , أما إنك أخذت الخمر غوت أمتك".



نتابع الحلقة الثانية من حقائق بين يدي ألموضوع


سادساً:

على من تقوم الساعة؟

1- الساعة تقوم على شرار الخلق:

روى أحمد ومسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس".

2- الساعة تقوم على الأسافل والرعاع من أهل الدنيا:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لُكَعَ ابنُ لُكَعَ".

3- على حثالة (حفالة) الناس:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يذهب الصالحون الأول فالأول, ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر, لا يباليهم الله بالة".
4- على النصارى ومن على شاكلتهم ممَّن يدين بغير الإسلام:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تقوم الساعة والروم أكثر الناس".

5- على من لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً:

وسيأتي دليل ذلك قريباً إن شاء الله.

6- على غير الموحدين:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله".

سابعاً:

الغاية والهدف من معرفة أشراط الساعة هو العمل والاستعداد ليوم الحساب وليس التواكل والانتظار.

قال تعالى واصفاً عباده المؤمنين السابقين بالخيرات:
{إِنَّ الَّذين هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقونَ. والَّذين هُمْ بآياتِ رَبِّهمْ يُؤمنونَ. والَّذينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكونَ. والَّذين يُؤتُون ما آتَوْا وقُلٌوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أولئكَ يُسارِعُونَ في الخَيْرَاتِ وهُمْ لَها سابِقونَ} .

روى الطبراني والبيهقي في" شعب الإيمان" عن معاذ بن جبل قال: قلت: يا رسول الله! أوصني قال:

"اعبد الله ولا تشرك به شيئاً, واعمل لله كأنك تراه, واعدد نفسك في الموتى, واذكر الله تعالى عند كل حجر وكل شجر, وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة: السر بالسر, والعلانية بالعلانية".

ثامناً:

أمر الساعة عظيم لذا فهي مقترنة بأسماء الله الحسنى: القدير, العليم, الخبير, الحق, الملك, مالك يوم الدين.

قال تعالى:

{ومَا خَلَقْنا السَّماوات والأرضَ وما بينهما إلاَّ بالحَقِّ وإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فاصْفَحِ الصفْحَ الجَميلَ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلاَّق العَليمٌ} .

وقال تعالى:
{أولَمْ يَرَوْا أَنَّ الله الَّذي خَلَقَ السَّماوات والأرضَ ولَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بقَادرٍ على أنْ يُحْييَ المَوْتَى بَلَى إِنَّه على كُلِّ شئٍ قَدِيرٌ} .

وقال تعالى:
{ ألَمْ تَرَ أَنَّ الله خَلَقَ السَّماواتِ والأرضَ بالحقِّ إِنْ يََِشأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَديدٍ. وما ذلكَ على الله بِعَزيزٍ} .

تاسعاً:

متى نلجأ إلى التأويل؟

نلجأ إلى التأويل عندما تكون هناك قرينة قاطعة تدلُّ عليه أو عند تعذُّر الحقيقة. وقد اتفقت الأمة خلفاً وسلفاً على أن الأصل في الكلام أن يُحمل على الحقيقة, وأنه لا يجوز الخروج عنها على المجاز إلا عند تعذُّر الحقيقة, أو لقرينة عقليَّة أو عرفيَّة أو لفظيَّة.
قال العلاَّمة المرتضى اليماني في كتابه" إيثار الحق على الخلق", في باب "فصل في الإرشاد إلى طريق المعرفة لصحيح التفسير" ما نصه:
" النوع السادس من التفسير: المجازي, وتعتبر فيه قرائن المجاز الثلاث الموجبات للعدول غليه, وإلا حرم القول به والعدول إليه:
الأولى: العقلية التي يعرفها المخاطِب والمخاطََب كقوله تعالى:{واسْألِ القَرْيَةِ الَّتي كُنَّا فيها والعيرَ الَّتي أقْبَلنا فيها} أي أهلهما.

الثانية: العرفية مثل قوله تعالى: { يَا هَامَانُ ابْنِ لي صَرْحاً} أي: مُرْ من يبني, لأن مثله في العرف لا يبني.

الثالثة: اللفظية نحو قوله تعالى:{ مَثَلُ نُورِهِ} , فإنها دليل على أن الله غير النور, وقوله تعالى :{يَهْدي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ}, فإنها دليل على أن المراد نور الهدى.

عاشراً:

الشام أرض الملاحم والأشراط.

معظم الأشراط الكبرى تنتهي في بلاد الشام فهي المعاد وإليها المحشر ومنها المنشر.

روى احمد وابن ماجة عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبيَّ الله افتنا في بيت المقدس فقال: أرض المحشر والمنشر.

* سيتم الحديث عن أشراط الساعة مقسمة إلى سماوية وأرضية, فإن كانت كبرى ذكرت ذلك, وهي عشر, وكذلك إن كانت غير معتادة لهولها ذكرت ذلك أيضاً, وقد تكون الآية صغرى ولكنها غير معتادة, فأبين ذلك إن شاء الله. والآيات الكبرى هي المؤذنة بتغير أحوال العاملين العلوي والأرضي كما سيأتي, وما عداها فهي صغرى



الفصل الثاني


أشراط تبدأ بالسماء وتنتهي بالأرض


المبحث الأول
الدخان


آية كبرى غير معتادة حدثت وسيتكرر حدوثها.

قال تعالى:

{ فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماء بِدُخان مُبين. يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَليمٌ. رَبَّنا اكْشِفْ عَنَّا العَذابَ إنَّا مُؤمنون. أنَّى لّهُمُ الذِّكْرى وقَدْ جَاءَهُمْ رَسولٌ مُبينٌ. ثُمَّ تَولَّوا عَنْهُ وقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنونٌ. إِنَّا كَاشِفوا العَذابِ قليلاً إنَّكُمْ عَائِدونَ. يومَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمونَ} .

قال القرطبي:

"{فارتَقِبْ يِوْمَ تَأتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبينٍ}: ارتقب معناه: انتظر يا محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين, قاله قتادة. وقيل: معناه: تحفظ قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان مبين".
ثم قال:

"وفي الدخان ثلاثة أقوال ثلاثة:

الأول: أنه من أشراط الساعة لم يجئ بعد.

الثاني: أن الدخان هو ما أصاب قريشاً من الجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يرى الرجل بين السماء والأرض دخاناً.

الثالث: أنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة"

"وهذا القول غريب جداً, بل منكر".

والأحاديث تؤيد القول الأول والثاني والدليل ما رواه الشيخان عن عبدا لله بن مسعود أنه قال: "خمس قد مضين: اللزام, والروم, والبطشة, والقمر, والدخان".

- روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

إنما كان هذا لأن قريشاً لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسنين يوسف, فأصابهم قحط وجهد, حتى أكلوا العظام, فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد, فأنزل الله تعالى:
{فاْرتَقِبْ يِوْمَ تَأتِي السَّماء بِدُخانٍ مُبين. يَغْشى النَّاس هذا عَذابٌ أَليم}. قال: فأُتى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقيل: يا رسول الله! استسق الله لمضر, فإنها قد هلكت. قال:"لمُضَرَ؟! إنك لجرئ". فاستسقى, فسقوا, فنزلت: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}, فلما أصابتهم الرفاهية, عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية, فأنزل الله عز وجل: { يومَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمونَ}, قال: يعني يوم بدر.

- وروى الإمام مسلم عن مسروق قال:

كنا عند عبد الله جلوساً وهو مضطَجع بيننا, فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن! إن قاصّاً عند أبواب كَنْدة يقصُّ ويزعم أن آية الدخان تجئ فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام. فقال عبد الله – جلس وهو غضبان - : يا أيها الناس! اتقوا الله, من علم منكم شيئاً فليقل بما يعلم, ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم فإن الله عز وجل قال لنبيه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ومَا أَنا مِنَ المُتَكَلِّفينَ}, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدباراً, فقال: "اللهم سبع كسبع يوسف". قال: فأخذتهم سنة حصَّت كل شئ حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع, وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان, فأتاه أبو سفيان, فقال: يا محمد! إنك جئت تأمر بطاعة الله وصلة الرحم, وإن قومك قد هلكوا, فادع الله لهم. قال الله عز وجل: { فاْرتَقِبْ يِوْمَ تَأتِي السَّماء بِدُخانٍ مُبين. يَغْشى النَّاس هذا عَذابٌ أَليم...} إلى قوله: { إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}. قال: أفيكشف عذاب الآخرة؟! { يومَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمونَ}, فالبطشة يوم بدر, وقد مضت آية الدخان والبطشة واللزام وآية الروم.

نستخلص من هذه الروايات المختلفة في البخاري ومسلم لآية الدخان ما يلي:

أولاً:

تبين هذه الروايات صراحة أن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود كان يرى أن آية الدخان قد مضت.

وفي رواية مسلم قول عبد الله بن مسعود: "أفيكشف عذاب الآخرة؟!", قال النووي:
"هذا استفهام إنكار على من يقول: إن الدخان يكون يوم القيامة, فقال ابن مسعود: هذا قول باطل لأن الله تعالى قال:

{ إِنَّا كَاشِفوا العَذابِ قليلاً إنَّكُمْ عَائِدونَ}, ومعلوم أن كشف العذاب ثم عودهم لا يكون في الآخرة, إنما هو في الدنيا".


ثانياً:

تبين هذه الروايات أن الدخان إنما كان يراه الناس من الجهد والجوع, فكانوا يرونه بينهم وبين السماء, كما صرحت بذلك بعض الروايات, وأحياناً يخرج من الأرض كما صرحت روايات أخرى.

وقد جمع الحافظ بين الروايات, فقال:

"ولا تدافع بينهما لأنه يُحمل على أنَّه كان مبدؤه من الأرض ومنتهاه ما بين السماء والأرض, ولا معارضة أيضاً بين قوله: "يخرج من الأرض" وبين وقوله " كهيئة الدخان" لاحتمال وجود الأمرين بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة حرارة الأرض ووهجها من عدم الغيث, وكانوا يرون بينهم وبين السماء مثل الدخان من فرط حرارة الجوع, والذي كان يخرج من الأرض بحسب تخيُّلهم ذلك من غشاوة أبصارهم من فرط الجوع".

ثالثاً:

يشكل على هذا الفهم ما يلي:

1- الآيات الكريمة صريحة تماماً في أن الذي يأتي من السماء دخان مبين, ولا يجوز أن نحمل الدخان في الآية الكريمة على أنه تهيؤ إلا بقرينة, ولا قرينة هنا.

2- حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيد رضي الله عنه, وفيه أن الدخان هو أحد الآيات الكبرى قبيل قيام الساعة.

روى مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال:

اطَّلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر, فقال:"ما تذكرون؟". قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات (فذكر: الدخان, والدجال, والدابة, وطلوع الشمس من مغربها, ونزول عيسى بن مريم, ويأجوج ومأجوج, وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق, وخسف بالمغرب, وخسف بجزيرة العرب, وآخر ذلك نار تخرج من اليمن, تطرد الناس إلى محشرهم)".

3- حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وذكر فيه الدخان كآية من ست آيات إذا ظهرت شغل الناس بها عن الأعمال, فأمروا بالمبادرة إلى الأعمال قبل ظهورها.

روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها, والدُّخان, ودابَّة الأرض, والدجال, وخُويْصة أحدكم, وأمر العامة".

يُفهم من هذا الحديث أمور تعارض فهم ابن مسعود رضي الله عنه أن آية الدخان قد مضت, وهذه الأمور هي:

1- الخطاب في هذا الحديث إنما هو للمؤمنين, يحثهم على الأعمال الصالحة قبل ظهور هذه الآيات الست, فإذا كان الدخان قد أصاب قريشاً فلا يصلح هذا الخطاب لهم لأنهم كفار.

2- راوي الحديث إنما هو أبو هريرة, وهو يروي شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد سمعه منه بعد إسلامه وهو قد أسلم يوم خيبر, وذلك بعد الهجرة, فكيف يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إلى الأعمال قبل ظهور أمر قد ظهر وانتهى؟!

3- أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن آيات عظمى يُشغل عند وقوعها الإنسان, أصغرها موت الإنسان, وكلها لم تقع, مما يستبعد معه أن يتكلَّم أو يذكر أمراً قد حدث وانقضى.

رابعاً:

وخلاصة القول في هذا الآية أن الدخان دخانان:

أ- دخان مضى, وهو دخان التهيؤ الذي رآه أهل مكة بسبب الجوع.

ب- والدخان الحقيقي, وهو الآية العظيمة بين يدي الساعة.





--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثاني


مبحث عيسى عليه السلام-الجزء الثاني


10- ما يحدث في زمانه:

روى أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"والذي نفسي بيده ليوشكنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً وقسطاً وإماماً عدلاً, فيكسر الصليب, ويقتل الخنزير, ويضع الجزية, ويفيض المال حتى لا يقبله أحد, وحتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها".

وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"والله لينزلنَّ ابن مريم حكماً عادلاً, فليكسرنَّ الصليب, وليقتلنَّ الخنزير, وليضعنَّ الجزية , ولتُتْركنَّ القلاص فلا يُسعى عليها, ولتذهبنَّ الشحناء والتباغض والتحاسد, وليدعونَّ إلى المال فلا يقبله أحد".

تبين من الأحاديث طيب العيش وهناءه بعد أن يقتل عيسى ابن مريم الدجال, فهو قد نزل لتخليص هذه الأمة من الشر بأمر الله عز وجل.

ومما يكون في زمنه مما ورد في هذه الأحاديث:

أ- يكون عيسى عليه السلام حكماً عدلاً بين الناس, وهذا ردٌّ على من زعم أن عيسى يحكم بالإنجيل, وهي دعوى النصارى, أو بمذهب معين من المذاهب الإسلامية, وهي دعوى بعض متعصِّبة المذاهب, وإنما بالكتاب والسنة, وهو ردٌّ على من يزعم أنه يأتي بشرع من عنده, حيث يحكم بشريعة الإسلام.
ب- يقوم عيسى عليه السلام بكسر الصليب, وهو كسر حقيقي ليرى النصارى واليهود الذين يؤمنون به وقتها أنهم كانوا على ضلال في دعواهم صلب المسيح وعدم إتباع ملَّة محمد صلى الله عليه وسلم.

ج- يضع الجزية, فلا يقبل إلا الإسلام, وهو لا يضعها من تلقاء نفسه, بل تنفيذاً لأمر إلهي جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

د- يفيض المال في أيدي الناس, فيعرض عليه السلام المال على الناس, فلا يقبله أحد, ولعلَّ زيادة المال من أسباب وضع الجزية.

هـ - يترك الناس السعي وراء الإبل للحصول عليها فخراً وخيلاء, أو لأي سبب آخر.

و- تختفي الشرور التي كان يؤدي إليها التنافس على المال كالشحناء, والتباغض, والتحاسد.

ز- يَقْتل عليه السلام الخنزير, إمعاناً في بيان تحريمه, وتمنع تربيته مطلقاً ويُباد.

ح- إقبال الناس على ربهم, وإيمانهم الشديد, وتركهم الدنيا وراء ظهورهم, حتى إن السجدة لأحدهم خير من الدنيا وما فيها.

ط - هلاك كل الملل عدا الإسلام, لأن عيسى يُقاتل على الإسلام, فإما الإسلام أو القتل.

ي- هلاك المسيح الدجال.

ك - يترك عليه السلام أخذ الصدقات لعدم الحاجة إليها لكثرة المال, فلا يسعى في طلب شاة أو بعير من أموال الصدقة.

ل- يزيل الله السمَّ من الحيوانات, وكذلك الوحشية, وشهوة القتل, ومن صور ذلك:

- يدخل الوليد يده في فم الحية فلا تضره وهي ذات السم الزعاف.

- تضر الوليدة الأسد ولا يضرها, وهو صاحب التاج بين الحيوانات.

- الذئب الذي اشتهر بعدائه للغنم وحبه للحمها يصبح بمنزلة الكلب لها فلا يضرها.

م- انتشار السلم في المعمورة, وانتهاء الحروب, ومن مظاهر ذلك أن الخيل التي هي أداة الجهاد الرئيسية والمعقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة تصبح بالدريهمات.

ن- توحيد الكلمة, حيث ترتفع راية التوحيد خفاقة, فلا يعبد إلا الله, وطوبى لقوم يحيون هذه الحياة.

ق- تُسلب قريش ملكها, والأئمة منهم بالنصّ المتواتر,وهذا دليل على انتهاء خلافة النبوة بموت المهدي رضي الله عنه.

ر- تكون الأرض بيضاء نقية كخوان الفضة, وتؤمر بإعطاء بركتها في كل شئ, فتنبت نباتها بعهد آدم, حيث يستخدم قشر الرمانة للاستظلال بعد أكلها وذلك لضخامتها.

11- يصلي عليه السلام خلف المهدي تكرمة الله لهذه الأمة:

روى أبو نعيم في "كتاب المهدي" عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"منَّا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه".

وروى مسلم عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق, ظاهرين إلى يوم القيامة, فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام, فيقول أميرهم : تعال صلِّ لنا. فيقول: لا, إن بعضكم على بعض أمراء, تكرمة الله هذه الأمة".

قال الحافظ في "الفتح":

"قال ابن الجوزي: لو تقدم عيسى عليه السلام إماماً لوقع في النفس إشكال, ولقيل:

أتُراه تقدَّم نائباً أو مبتدئاً شرعاً, فصلى مأموماً لئلا يتدنَّس بغبار الشبهة وجه قول نبينا صلى الله عليه وسلم: لا نبي بعدي".

12- يؤدي عيسى عليه السلام فريضة الحج:

روى احمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"والذي نفسي بيده ليهلَّنَّ ابن مريم بفجِّ الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما".

13- بقاؤه ومكثه في الأرض عليه السلام:

جاءت الروايات الصحيحة أنه يمكث في الأرض أربعين سنة, ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون, ويشكل على هذا أن رواية عند مسلم كمان يقول العلماء انه يمكث في الأرض سبع سنين, وقد حاول العلماء الجمع بين هذه الروايات, وأنا أسوق أقوالهم:

جاء في كتاب "لوامع الأنوار" للشيخ السفاريني:

"أما مدته ووفاته فقد ورد في حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد وأبي داود وابن جرير وابن حبان عنه أنه يمكث أربعين سنة, ثم يتوفَّى, ويصلَّى عليه.

وأخرج الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن عساكر وأبو يعلي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ينزل عيسى ابن مريم, فيقتل الدجال, ثم يمكث في الأرض أربعين سنة, إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً".

وورد في رواية أنه إنما يمكث سبع سنين.

وجمع بعضهم أن سيدنا عيسى حين رفع كان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة, وينزل سبعاً, فهذه أربعون سنة".

ثم قال:
"وهذا والله أعلم ليس بشئ لما مرَّ من حديث عائشة عند الإمام أحمد وغيره: (فيقتل الدجال, ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة)".

والراجح عندي والله أعلم هي رواية الأربعين, ولملاحظات بدت لي من خلال تتبُّع الروايات, وهذه الملاحظات هي:

أ- الرواية عند مسلم ليست صريحة في أن عيسى يمكث في الأرض سبع سنين, حيث إن نص الرواية: "ثم يمكث الناس سبع سنين", ولم أجد فيما وقفت عليه من ألفاظ الحديث أن الذي يمكث هو عيسى.

ب- لو ثبت النص صريحاً أنه يمكث سبع سنين فهو مقيَّد بأن المقصود إنما هو سنوات الخير بقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس بين اثنين عداوة".

ج- يؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجه والترمذي وعند مسلم نحوه عن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
.
"سيوقد المسلمون من قِسِيِّ يأجوج ومأجوج ونُشابهم وأترستهم سبع سنين".

فهذا صريح في أن السنوات السبع – وهي سنوات الخير- إنما تكون بعد يأجوج ومأجوج.

د- وعلى هذا فيكون زمن عيسى على الأرض مقسوماً إلى قسمين:

قسم يكون المسلمون فيه في كرب وشدة, وذلك قبيل قتل الدجال, وعند خروج يأجوج ومأجوج.

وقسم يكون المسلمون فيه في خير وسعادة وهناءة عيش, وهذا مقداره سبع سنين.

هذه الملاحظات التي تنبهت إليها تؤيد الروايات الصحيحة أن مدة بقاء عيسى على الأرض أربعين سنة.

وقد أفرغت جهدي, فإن أصبت فمن الله وحده, لا شريك له, وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان, والله ورسوله بريئان مما أقول.

وبهذا ينتهي الكلام عن الأشراط السماوية, والحمد لله رب العالمين.



--------------------------------------------------------------------------------

الباب الثاني


الأشراط الأرضية

الفصل الأول

الأشراط الصغرى

وأنتقل بفضل الله وعونه للحديث عن الأشراط الأرضية, فأقول:

الأشراط الأرضية إما صغرى وإما كبرى, وسواء كانت هذه أو تلك فهي إما معتادة أو غير معتادة.

والكبرى هي التي يعقبها تغيُّر أحوال العالم الأرضي, إيذاناً بقيام الساعة, وما عداها فهي صغرى, وإن كانت غير معتادة.

والأشراط الصغرى تنقسم إلى عدة أقسام, نوردها بحول الله فيما يأتي:

المبحث الأول

أشراط تتعلَّق برسالة الإسلام

أولاً: بعث النبي صلى الله عليه وسلم:

ومن الأحاديث الدالة على ذلك ما يلي:

- حديث سهل بن سعد:

"بُعثت أنا والساعة كهاتين".

- حديث أبي جبيرة:

"بُعثت في نسم الساعة".

- حديث ابن عمر:

" بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعْبَدَ الله تعالى وحده لا شريك له, وجُعِلَ رزقي تحت ظلِّ رمحي, وجُعِلَ الذلُّ والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم".

- حديث جابر بن عبد الله:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمَّرت عيناه, وعلا صوته, واشتدَّ غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم مساكم. ويقول: "بُعثتُ أنا والساعة كهاتين, (ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى). ويقول: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد, وشر الأمور محدثاتها, وكل بدعة ضلالة". ثم قال: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه, من ترك مالاً فلأهله, ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإليَّ وعليَّ".

ثانياً: موت النبي صلى الله عليه وسلم:

وهي أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون, إذ كان موته صلى الله عليه وسلم فاتحة الفتن التي لن تنتهي إلا بقيام الساعة.

- روى الإمام أحمد ومسلم عن أبي بردة عن أبيه قال:

صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء, قال: فجلسنا, فخرج علينا , فقال: "ما زلتم ها هنا؟". قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب, ثم قلنا, نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال: "أحسنتم - أو أصبتم -". قال: فرفع رأسه إلى السماء, وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء, فقال: "النجوم أمنة للسماء, فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي, فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون, وأصحابي أمنة لأمتي, فإذا ذهب أصحابي, أتى أمتي ما يوعدون".

قال المناوي:

"(فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون): من الفتن والحروب واختلاف القلوب, وقد وقع.

(فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون): من ظهور البدع, وغلبة الأهواء, واختلاف العقائد, وطلوع قرن الشيطان, وظهور الروم, وانتهاك الحرمين, وكل هذه معجزات وقعت.

قال ابن الأثير: فالإشارة في الجملة إلى مجئ الشر عند ذهاب أهل الخير, فإنه عليه السلام لما كان بين أظهرهم, كان يبين لهم ما يختلفون فيه, وبموته جالت الآراء واختلفت الأهواء وقلَّت الأنوار وقويت الظلم, وكذا حال السماء عند ذهاب النجوم".

ولذلك كانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عزاء لنا من كل مصيبة, وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعزَّى بالمصيبة به عن المصيبة التي تصيبنا مهما عظمت.

روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت:
فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم باباً بينه وبين الناس, أو كشف ستراً, فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر, فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم, ورجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم, فقال: "يا أيها الناس! أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فلتيعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي".

وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة أن موته من أشراط الساعة وعلاماتها.

- روى البخاري عن عوف بن مالك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, وهي في قبَّةٍ من أدم, فقال:
" اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي, ثم فتح بيت المقدس, ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم, ثم استفاضة المال حتى يُعطي الرجل مئة دينار فيظل ساخطاً, ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته, ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر, فيغدرون, فيأتونكم تحت ثمانين غاية , تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً"




--------------------------------------------------------------------------------

الباب الثاني



الأشراط الأرضية

الفصل الأول

الأشراط الصغرى


نكمل بفضل الله وعونه الحديث عن الأشراط الأرضية, فأقول:

الأشراط الأرضية إما صغرى وإما كبرى, وسواء كانت هذه أو تلك فهي إما معتادة أو غير معتادة.

والكبرى هي التي يعقبها تغيُّر أحوال العالم الأرضي, إيذاناً بقيام الساعة, وما عداها فهي صغرى, وإن كانت غير معتادة.

والأشراط الصغرى تنقسم إلى عدة أقسام, نوردها بحول الله فيما يأتي:

المبحث الثاني

أشراط تتعلق بالعلم

أولا: أشراط تتعلَّق بطلبه:

1- التماسه عند الأصاغر, وهم أهل البدع, ومَن ليسوا له بأهل:

روى الطبراني عن أبي أميَّة الجمحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إن من أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر".

والناس لا يلتمسون العلم عند الأصاغر إلا إذا كانوا في مركز المسؤولية والفتوى, وهم لا يكونون في هذه المراكز إلا بذهاب العلماء وقبضهم.

روى أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن ابن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يبق عالماً اتَّخذ الناس رؤوساً جهَّالاً, فسئلوا, فأفتوا بغير علم, فضلوا وأضلوا".

وفي رواية عند البخاري:

"إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً, ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم, فيبقى ناس جهال, يُستفتون فيفتون برأيهم, فيُضِلون يَضِلُّون".
قال الحافظ في "الفتح":

"وفي هذا الحديث الحث على حفظ العلم, والتحذير من ترئيس الجهلة, وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية, وذم من يُقدم عليها بغير علم".

ولذلك كان من واجب العلماء القيام بنشر العلم وعدم إبقائه سراً حتى لا يهلك.

روى البخاري معلقاً في كتاب العلم, باب كيف يقبض العلم:

"وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه, فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء, ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم, ولِتُفْشوا العلم, ولتجلسوا حتى يُعَلَّم مَن لا يَعْلمُ فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً".

وهناك من يقدِّم آراء الرجال وأقيستهم على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما يفعل ذلك عالم أبداً دون أن تظهر له حجَّةٌ قويَّة تمنعه من العمل بالحديث.

روى البخاري عن سهل بن حنيف قال:

"يا أيها الناس! اتَّهموا رأيكم على دينكم لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أردَّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته, وما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر يفظعنا إلا أسهَلن بنا إلى أمر نعرفه غير هذا الأمر". قال: وقال أبو وائل: "شهدت صفين, وبئست صفين".

قال الحافظ في "الفتح":

"وقوله: (اتهموا رأيكم على دينكم) أي: لا تعملوا في أمر الدين بالرأي المجرَّد الذي لا يستند إلى أصل من الدين, وهو كنحو قول علي فيما أخرجه أبو داود بسند حسن: "لو كان الدين بالرأي, لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه".

(إلا أسهلن), والمعنى: أنزلتنا في السهل من الأرض أي: أفضين بنا, وهو كناية عن التحوُّل من الشدَّة إلى الفرج".

2- عدم العمل به:

روى الترمذي والحاكم عن أبي الدرداء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فشخص ببصره إلى السماء, ثم قال:

"هذا أوانُ يُختلَسُ العلمُ من الناس حتى لا يقدِروا منه على شئٍ".

فقال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يُختلسُ منا وقد قرأنا القرآن؟! فوالله لنقرأنَّه ولنقرئنَّه نساءنا وأبناءنا؟ قال: ثكلتك أمك يا زياد! إن كنت لأعدُّك من فقهاء أهل المدينة, هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى, فماذا تغني عنهم؟! قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت, فقلت ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء. قال: صدق أبو الدرداء, إن شئت لأحدثنَّك بأول علم يُرفع من الناس: الخشوع, يوشك أن تدخل المسجد الجامع, فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً".

;

الباب الثاني


الأشراط الأرضية

الفصل الأول
الأشراط الصغرى

المبحث الثاني[
size=5]

أشراط تتعلق بالعلم



ثانياً: أشراط تترتب على ذهابه:

1- توسيد الأمر إلى غير أهله:

روى البخاري عن أبي هريرة قال:

بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاء أعرابي, فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث, فقال بعض القوم: سمع ما قال فَكِره ما قال, وقال بعضهم: بل لم يسمع, حتى إذا قضى حديثه قال: "أين - أراه - السائل عن الساعة؟". قال: ها أنا يا رسول الله! قال: "فإذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة". قال: كيف إضاعتها؟ قال: "إذا وُسَِد – وفي رواية: إذا أُسنِد – الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

2- الهرج (القتل):

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج". قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: "القتل, القتل".

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قَتل ولا المقتول فيم قُتل". فقيل: كيف يكون ذلك؟ فقال: "الهرج, القاتل والمقتول في النار".

وفي لفظ له:

"والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شئ قََتل, ولا يدري المقتول في أي شئ قُتل".

فهل يحتاج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تعليق في هذا الزمن؟ وهل يقتل المسلم أخاه لو كانوا يعقلون؟ ولكن نزعت عقولهم فلا يعتبرون!

روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا تقوم الساعة حتى يَقتُل الرجلُ جاره وأخاه وأباه".

وروى أحمد عن حذيفة قال:

سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة "علمُها عند ربي لا يُجلِّيها لوقتها إلا هو" ولكن أخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها:

إن بين يديها فتنةً وهرجاً قالوا: يا رسول الله الفتنة قد عرفناها فالهرجُ ما هو؟ قال: بلسان الحبشة: القتل, ويُلقي بين الناس التناكُر فلا يكادُ أحدٌ أن يعرف أحداً".

وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قبض العلم وظهور الجهل والهرج في أحاديث شتى منها:

روى أحمد والشيخان عن ابن مسعود وأبي موسى:

"إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل, ويرفع فيها العلم, ويكثر فيها الهرج, والهرج القتل".

فقبض العلم مرتبط بنزول الجهل, فلا يعرف الناس عندها شرعاً, فيكثر القتل.

وعلى هذا فمن الأشراط المترتبة على ذهاب العلم: نزول الجهل, وكثرة القتل.

وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عظيم بين رفع العلم ونزول الجهل وفشو الزنا وشرب الخمر وذهاب الرجال وبقاء النساء.

فقد روى أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس قال: لأحدثنكم حديثاً لا يحدِّثكم أحدٌ بعدي, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من أشراط الساعة أن: يقلَّ العلم, ويظهر الجهل, ويظهر الزنا, وتكثر النساء, ويقلَّ الرجال, حتى يكون لخمسين امرأة القيِّم الواحد", هذا لفظ البخاري.

قال الحافظ في "الفتح":

"قوله: (وتكثر النساء) قيل: سببه أن الفتن تكثر, فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل الحرب دون النساء, وقال أبو عبد الملك: هو إشارة إلى كثرة الفتوح, فتكثر السبايا, فيتِّخذ الرجل الواحد عدة موطوءات".

فائدة:

قال الحافظ في "الفتح":

كأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد, وهي: الدين لأن رفع العلم يخلُّ به, والعقل لأن شرب الخمر يخلُّ به, والنسب لأن الزنا يخلُّ به, والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخلُّ بها.

قال الكرماني: وإنما كان اختلال هذه الأمور مؤذناً بخراب العالم لأن الخلق لا يتركون هملاً, ولا نبي بعد نبينا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين".

فكيف بهم لو كانوا في زماننا هذا؟! لكانوا عاشوا ليلهم ونهارهم وهم مشفقون من وقع علامات الساعة الكبرى, ونحن نزعم أن هذا الفساد هو التقدم, فنسمي الزنا متعة, ونسمي الخمر مشروباً روحياً, ونسمي الربا فائدة, وكأننا لم نسمع تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم:

روى الطبراني والحاكم عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله".
ومن المعلوم بداهة أن الجهل بأمور الشرع هو الذي يقود لكل منكر ويبعد عن كل خير فإن الشيطان يزِّين للجاهل كلَّ منكر وشرٍٍّ بغلاف الخير, ويزداد الأمر سوءاً عندما يعطي الله العبد الجاهل مالاً, فتراه ينفقه في المعاصي, والله يعطيه, فإذا أنكر عليه قال: إن الله يحبني ولذلك فهو يعطيني, وما علم أن ذلك استدراج من الله تبارك وتعالى.

روى أحمد والطبراني والبيهقي في "شعب الإيمان" عن عقبة بن عامر رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيمٌ على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج".

وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جامع ما يؤدي له العلم النافع والمال والنية الصالحة وما يؤدي له الجهل والمال والنية السيئة.

روى أحمد والترمذي عن أبي كبشة الأنماري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

ثلاثٌ أقسم عليهن: ما نقص مال عبد من صدقة, ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عز وجل عزّاً, ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر, وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتَّقي فيه ربَّه, ويصل فيه رحمه, ويعمل لله فيه حقّاً, فهذا بأفضل المنازل, وعبدٍ رزقه الله تعالى علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيَّته, فأجرهما سواء, وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم, لا يتَّقي فيه ربَّه, ولا يصل فيه رحمه, ولا يعمل لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل, وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيَّته, فوزرهما سواء".


3- استحلال الحرام (كاستحلال الخمر والزنا والمعازف):

روى البخاري وأبو داود عن أبي عامر وأبي مالك الأشعري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلُّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف , ولينزلنَّ أقوام إلى جنب علم , يروح عليهم بسارحة لهم, يأتيهم لحاجة, فيقولوا: ارجع إلينا غداً, فيبيتهم الله, ويضع العلم, ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة".
قال الحافظ في "الفتح":

"وفي الحديث وعيد شديد على من يتحيَّل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه, وأن الحكم يدور مع العلَّة في تحريم الخمر الإسكار, فمهما وُجد الإسكار, وُجد التحريم, ولو لم يستمر الاسم.

روى أحمد والضياء وابن ماجه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عله وسلم:

"لتستحِلَّنَّ طائفة من أمتي الخمر باسم يسمُّونها إياه".

4- الشرك بالله (عبادة غير الله):

وهو من الأشراط المترتبة على ذهاب العلم.

روى أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

"لا تقوم الساعة حتى تضطَّرب أليَات نساء دوس حول ذي الخلصة ".

وروى الترمذي والحاكم عن ثوبان: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين, وحتى تُعبَْدَ الأوثان, وإنه سيكون في أمَّتي ثلاثون كذاباً, كلهم يزعم أنه نبيٌ, وأنا خاتم النبيين, لا نبي بعدي".

وروى أحمد ومسلم والترمذي عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض: الله الله (وفي رواية:لا إله إلا الله)".

;


الباب الثاني






الأشراط الأرضية




الفصل الأول




الأشراط الصغرى

المبحث الثاني



أشراط تتعلق بالعلم

أولا: أشراط تتعلَّق بطلبه: راجع شرحه في الحلقة السابقة

ثانياً: أشراط تترتب على ذهابه:


5- الفتن: الحلقة الاولى

ومن الأشراط المترتبة على ذهاب العلم: الفتن, فعندما لا يحكَّم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تثور الفتن, وما ذلك إلا بسبب إتباع الهوى, الذي فرَّق هذه الأمة شيعاً وأحزاباً, أعاذنا الله وإياكم من الفتن والهوى.

أ- معنى الفتنة:

الفتنة هي الاختبار, وقد أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه كالكفر والإثم, والتحريق, والفضيحة.

ويمكن أن يُقال: هي سلوك كل سبيل يمكن أن يؤدي سلوكه إلى الكفر أو الاقتراب منه, إن لم يجتز العبد ذلك السبيل كما يحبُّ ربنا ويرضى.

والفتنة من الله على وجه الحكمة, ومن الإنسان بغير أمر الله, فهي مذمومة وهو الأمر الذي دلَّت عليه آيات الكتاب.

قال تعالى:
{ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعنْنَا بِهِ أَزواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَياةِ الدُّنيا لِنَفْتِنَهُمْ فيهِ ورِزْقُ ربِّك خَيْرٌ واَّبْقى}[1].
قال ابن كثير:

"يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك, وقليل من عبادي الشكور".

وقال تعالى:

{وقاتِلُوهُمْ حتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكونَ الدِّنُ للهِ فإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إلاَّ عَلى الظَّالِمينَ}[2].

وقال تعالى:

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرِكُوا أن يَقُولوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُون. ولَقَدْ فَتنَّا الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذينَ صَدَقوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبينَ}.

قال ابن كثير:

"{ أَحَسِبَ النَّاسُ...} إلخ: استفهام إنكار, ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لا بدَّ أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان.

{ ولَقَدْ فَتنَّا الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذينَ صَدَقوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبينَ} أي: الذين صدقوا في دعوى الإيمان ممَّن هو كاذب في قوله ودعواه, والله تعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون, وهذا مجمع عليه عند أئمة أهل السنة والجماعة".

وغير هذا من الآيات في كتاب الله كثير.

ب- إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى يوم القيامة, ومنها الفتن:

روى الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه قال:

"قام فينا رسول الله مقاماً ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدَّث به حفظه من حفظه, ونسيه من نسيه, قد علمهُ أصحابي هؤلاء, وإنه ليكون منه الشئ قد نسيته, فأراه, فأذكره, كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثمَّ إذا رآه عرفه".

وروى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

"قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً, فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم, حفظ ذلك من حفظه, ونسيه من نسيه".

قال الحافظ في "الفتح":

"ودلَّ ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدأت إلى أن تفنى إلى أن تبعث, فتشمل ذلك الإخبار عن المبدأ والمعاش والمعاد وفي تيسير إيراد ذلك كله في مجلس واحد من خوارق العادة أمر عظيم, ويقرِّب ذلك مع كون معجزاته لا مرية في كثرتها أنه صلى الله عليه وسلم أعطى جوامع الكلم".

وروى أحمد ومسلم عن أبي زيد بن عمرو بن أخطب قال:

"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا الفجر, وصعد المنبر, فخطبنا حتى حضرت الظهر, فنزل, فصلى, ثم صعد المنبر, فخطبنا حتى حضرت العصر, ثم نزل فصلى, ثم صعد المنبر, فخطبنا حتى غربت الشمس, فأخبرنا بما كان وبما هو كائن, فأعلمنا أحفظنا".

قال الحافظ في "الفتح":

"أفاد حديث أبي زيد بيان المقام المذكور زماناً ومكاناً في حديث عمر رضي الله عنه, وأنه كان على المنبر من أول النهار إلى أن غابت الشمس, والله أعلم".

وروى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال:

"أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة, فما منه شئ إلا قد سألته, إلا أني لم أسأله ما يُخرج أهل المدينة من المدينة".

ج- الفتن وأثرها على القلوب:

روى أحمد وسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير[3] عوداً عوداً, فأي قلب أُشربها[4] نُكتَتْ فيه نكتةٌ[5] سوداء, وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء, حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا[6], لا تضرُّه فتنه ما دامت السماوات والأرض, والآخر أسود مُربداً[7] كالكوز مَجخيّاً[8], لا يعرف معروفا, ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه".

وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي في "شعب الإيمان": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إن العبد إذا أخطأ نُكتت في قلبه نكتةٌ سوداء, فإن هو نزع واستغفر وتاب, صُقل قلبه, وإن عاد زيد فيها, حتى تعلُوَ على قلبه, وهو الران الذي ذكر في قلبه تعالى: {كَلاَّ بَلْ رانَ على قُلوبِهِم مَا كَانُوا يَكْسبونَ}.
ومن هذا الذي يحب الفتن ويُشربها قلبُه؟! لا شك انه الجاهل بدينه, المتبع لهواه, فهو معه حيث دار, أما من كان عالماً بدينه, فهو يخشى ربه سراً وعلانية, يدور مع الحق حيث دار, قال تعالى:

{إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلماءُ}[9].
قال الحسن البصري: العالم من خشي الرحمن بالغيب ورغب فيما رغب الله فيه, وزهد فيما سخط الله فيه".

وقال رحمه الله:

"أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر".

د- رفع الأمانة يؤدي لوقوع الفتن:

روى الشيخان عن حذيفة قال:

حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر[10] قلوب الرجال, ثم علموا من القرآن, ثم علموا من السنة. وحدثنا عن رفعها, فقال: "ينام الرجل النومة, فتقبض الأمانة من قلبه, فيضل أثرها مثل أثر الوكت[11], ثم ينام الرجل نومة, فتقبض, فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل[12] كجمر دحرجته على رجلك فنفط[13] فتراه منبتراً[14] وليس فيه شئ ويصبح الناس يتبايعون, فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة, فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً! ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده![15]! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان", ولقد أتى عليَّ زمان لا أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلماً ردَّه عليَّ الإسلام, وإن كان نصرانياً ردَّه عليَّ ساعيه[16], وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً".

قال الحافظ في "الفتح":

"حاصل الخبر أنه أنذر برفع الأمانة, وأن الموصوف بالأمانة يسلبها حتى يصير خائناً بعد أن كان أميناً, وهذا إنما يقع على ما هو شاهد لمن خالط أهل الخيانة فإنه يصير خائناً لأن القرين يقتدي بقرينه".

قال ابن العربي: المراد بالأمانة في حديث حذيفة: الإيمان, وتحقيق ذلك فيما ذكر من رفعها أن الأعمال السيئة لا تزال تضعف الإيمان, حتى إذا تناهى الضعف لم يبق إلا أثر الإيمان, وهو التلفظ باللسان, والاعتقاد الضعيف في ظاهر القلب".
"أما قول حذيفة: (ولقد أتى عليَّ زمان...) إلى آخر الحديث قال ابن العربي: قال حذيفة هذا القول لما تغيرت الأحوال التي كان يعرفها على عهد النبوة والخلفيتين, فأشار إلى ذلك بالمبايعة, وكنى عن الإيمان بالأمانة, وعما يخالف أحكامه بالخيانة, والله أعلم".

تنبيه:
جاء تفسير الأمانة في حديث حسن في "الترغيب والترهيب" بأنها الغسل من الجنابة.

روى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خمس من جاء بهنَّ مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن, وصام رمضان, وحجَّ البيت إن استطاع إليه سبيلاً, وآتى الزكاة طيبة بها نفسه, وأدى الأمانة". قيل: يا رسول الله! وما أداء الأمانة؟ قال: "الغسل من الجنابة, إن الله لم يأمن ابن آدم على شئ من دينه غيرها".

ولست أرى تعارضاً بين تفسير الأمانة بأنها الإيمان وأنها الغسل من الجنابة, ذلك أن قبول الأعمال مرهون بالغسل من الجنابة, فلا تقبل الصلاة أبداً إلا إذا كان العبد طاهراً من الجنابة متوضئاً, وقبول الأعمال مرتبط بقبول الصلاة, وعلى هذا فمن أدَّى الصلاة دون غسل من الجنابة ولا عذر له, فهو رجل لا إيمان له, والحمد لله رب العالمين.

هـ- الاعتزال إن لم تكن جماعة:

روى الشيخان عن حذيفة قال:

كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني, فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر, فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: "نعم". قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم, وفيه دخَن"[17]. قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر". قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم, دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت يا رسول الله! صفهم لنا. قال: "هم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا". قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تعض بأصل شجرة, حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".

وفي رواية لمسلم قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي, ولا يستنون بستني, وسيقوم فيهم رجالاً قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس".

قال حذيفة: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع الأمير, وإن ضُرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع".

قال الحافظ في "الفتح":
"قال عياض: المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت بعد عثمان, والمراد بالخير الذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز, والمراد بالذين تعرف منهم وتنكر الأمراء بعده, فكان فيهم من يتمسَّك بالسنة والعدل, وفيهم من يدعو إلى البدعة ويعمل بالجور".

قال الحافظ:

"والذي يظهر: أن المراد بالشر الأول: ما أشار إليه من الفتن الأولى, وبالخير: ما وقع من الاجتماع مع علي ومعاوية, وبالدخن: ما كان في زمنهما من بعض الأمراء كزياد بالعراق, وخلاف من خالف عليه من الخوارج, وبالدعاة على أبواب جهنم: من قام في طلب الملك من الخوارج وغيرهم, وإلى ذلك الإشارة بقوله: "الزم جماعة المسلمين وإمامهم" يعني: ولو جار".



[1] طه:131.

[2] البقرة:193.

[3] تؤثر في القلب وتعلق به كما يؤثر الحصير في جنب النائم.

[4] خالطته وتمكنت منه.

[5] نقظة.

[6] هو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شئ.

[7] بياض شديد قد خالطه سواد.

[8] منكوساً مقلوباً.

[9] فاطر:28.

[10] أصل.

[11] السواد, وهو الأثر في الشئ كالنقظة من غير لون.

[12] أثر العمل في اليد, وهو الماء الذي يكون بين الجلد واللحم.

[13] ورم وامتلأ ماء.

[14] مرتفعا.

[15] ما أقواه وأصبره.

[16] المسؤول عنه والحاكم عليه.

[17] الحقد, وقيل: الدغل, وقيل: فساد في القلب, ومغنى الثلاثة متقارب.



الباب الثاني



الأشراط الأرضية

الفصل الأول

الأشراط الصغرى
المبحث الثاني

أشراط تتعلق بالعلم
أولا: أشراط تتعلَّق بطلبه:
ثانياً: أشراط تترتب على ذهابه:

1- توسيد الأمر إلى غير أهله:
2- الهرج (القتل):
3- استحلال الحرام (كاستحلال الخمر والزنا والمعازف):
4- الشرك بالله (عبادة غير الله):
5- الفتن: الحلقة الثانية

و- السعيد في وقت الفتن:


روى أبو داود عن المقداد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن السعيد لمن جُنِّب الفتن, إن السعيد لمن جُنِّب الفتن, إن السعيد لمن جُنِّب الفتن, ولمن ابتلي فصبر فواهاً".

قال المناوي:

"(إن السعيد لمن جُنِّب الفتن) يعني: بَعُدَ عنها, ووفِّق للزوم بيته, وكرره ثلاثاً مبالغة في تأكد المباعدة عنها.

(فصبر) أي: صبر على ما وقع من الفتن, وصبر على ظلم الناس له, وتحمَّل أذاهم, ولم يدفع عن نفسه.

(فواهاً) أي: طوبى لما حصل فواهاً له ما أطيبه".

ز- خير الناس وأنجاهم في الفتن:

روى مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"خير معايش الناس لهم: رجل ممسكٌ بعنان فرسه في سبيل الله ويطير على متنه , كلما سمع هيعة أو فزعةً طار عليه إليها يبتغي الموت او القتل مظانّه , ورجل في غنيمة في رأس شَعَفة من هذه الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة, ويؤتي الزكاة, ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين , ليس من الناس إلا في خير".

وروى الحاكم عن ابن عباس والطبراني عن أم مالك البهزيَّة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"خير الناس في الفتن: رجلٌ آخذٌ بعنان فرسه خلف أعداء الله يخيفهم ويخيفونه, أو رجلٌ معتزلٌ في بادية يؤدي حق الله الذي عليه".

ح- وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا إذا وقعت الفتن بين المسلمين:
- اتخاذ سيف من خشب:

روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أهبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا كانت الفتنة بين المسلمين فاتخذ سيفاً من خشب".

وقد وضحت رواية ابن ماجه مناسبة هذا الحديث فعن عديسة بنت أهبان قالت:

"لما جاء علي بن أبي طالب ها هنا البصرة دخل على أبي, فقال: يا أبا مسلم! ألا تعينني على هؤلاء القوم؟ قال: بلى. قال: فدعا جارية له, فقال: يا جارية! أخرجي سيفي. قال: فأخرجته, فسلَّ منه قدر شبر, فإذا هو خشب, فقال: إن خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم قال عهد إليَّ إذا كانت الفتنة بين المسلمين فاتخذ سيفاً من خشب, فإن شئت خرجت معك. قال: لا حاجة لي فيك ولا في سيفك".

- كسر القسيّ وتقطيع الأوتار ولزوم البيت وضرب السيوف بالحجارة:

روى الترمذي والبيهقي في "شعب الإيمان" وابن عساكر عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"اكسروا فيها قسيَّكم (يعني: في الفتنة), واقطعوا فيها أوتاركم ,والزموا فيها أجواف بيوتكم, وكونوا فيها كالخيِّر , من ابْنَي آدم".

وروى ابن ماجه عن أبي بردة قال: دخلت على محمد بن مسلمة, فقال: عن رسول الله قال:

"إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف, فإذا كان كذلك فائت بسيفك أُحداً, فاضربه حتى ينقطع, ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئة , أو منيَّةٌ قاضية".

فقد وقعت وفعلت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- اللحاق بإبله أو غنمه أو أرضه:

روى أحمد وأبو داود عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنها ستكون فتن, ألا ثم تكون فتن, القاعد فيها خير من الماشي فيها, والماشي فيها خير من الساعي إليها, ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله, ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه, ومن كانت له ارض فليلحق بأرضه". قال: فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن لم تكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: "يعمد إلى سيفه, فيدق على حدِّه بحجر, ثم لينج إن استطاع النجاء, اللهم هل بلَّغت؟ , اللهم هل بلَّغت؟ , اللهم هل بلَّغت؟". قال: فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن أكرهت حتى يُنطَلَقَ بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين, فضربني رجل بسفه, أو يجئ سهم فيقتلني؟ قال: "يبوء بإثمه وإثمك, فيكون من أصحاب النار...".

- العبادة ولانقطاع لله تعالى:

روى احمد والترمذي وابن ماجه عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"العبادة في الهرج كهجرة إليَّ".

وجاء في الحديث من رواية الطبراني عن معقل بن يسار:

"عبادة في الهرج والفتنة كهجرة إليَّ".

قال ابن العربي: وجه تمثيله بالهجرة: أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله إلى دار الإيمان وأهله, فإذا وقعت الفتن تعيَّن على المرء أن يفرَّ بدينه من الفتن إلى العبادة, ويهجر أولئك القوم وتلك الحالة, وهو أحد أقسام الهجرة".

- إذا ابتلي بالفتنة فليكن كخير ابنَي آدم:

روى أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً, ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً, القاعد فيها خير من القائم, والقائم فيها خير من الماشي, والماشي فيها خير من الساعي, فكسِّروا قسيِّكم, وقطِّعوا أوتاركم, واضربوا سيوفكم بالحجارة, فإن دُخِل على أحد منكم بيتُه فليكن كخير ابني آدم".

وروى احمد والحاكم عن خالد بن عرفطة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ستكون أحداثٌ وفتنةٌ وفرقةٌ واختلاف, فإن استطعت أن تكون المقتول لا القاتل فافعل".

- حفظ اللسان:

روى الطبراني عن الحارث بن هشام قال: قال رسول الله! حدَّثني بأمر أعتصم به قال:

"املك عليك لسانك".

قال المناوي:

"يا من سألت النجاة! لا تحرك لسانك في معصية, بل ولا فيما لا يعينك فإن أعظم ما تطلب استقامة بهذا القلب اللسان فإنه الترجمان, وإذا تعود اللسان صعب عليه الصبر عنها, فبعد عليه النجاة منها, ولهذا تجد الرجل:

يقوم الليل, ويصوم النهار, ويتورَّع عن استناده إلى وسادة حرير أو قعوده عليه في نحو وليمة لحظة واحدة, ولسانه يفري في الأعراض غيبة ونميمة وتنقيصاً وإزراء, ويرمي الأفاضل بالجهل, ويتفكَّه بأعراضهم, ويقول على ما لا يعلم, وكثيراً ممَّن نجده يتورع عن دقائق الحرام كقطرة خمر ورأس إبرة من نجاسة ولا يبالي بمعاشرة المرد والخلوة بهم".

وروى احمد وأبو داود والحاكم عن ابن عمرو قال: كنا جلوساً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر الفتنة, فقال:

"إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم, وخفَّت أماناتهم , وكانوا هكذا (وشبك بين أنامله) فالزم بيتك, واملك عليك لسانك, وخذ ما تعرف, ودع ما تنكر, وعليك بخاصة أمر نفسك, ودع عنك أمر العامة".

وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً عاماً بأن نملك ألسنتنا سواء في الفتنة أو غيرها, ذلك أنه سبب النجاة, وأنه هو الذي يكب الناس في النار على مناخرهم.

روى الترمذي عن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:

"املك عليك لسانك, ليسعك بيتك, وابك على خطيئتك".

فما تتكلم به: إما أن يكون خيراً ففي ميزان حسناتك, أو شراً فلا تلومنَّ إلا نفسك.

- التمسك بالسنة والرجوع إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه:
الطبراني في الكبير والأوسط, عن أبي واقد الليثي قال:

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - نحن جلوس على بساط - .

"إنها ستكون فتنة", قالوا وكيف نفعل يا رسول الله؟ فردَّ يده إلى البساط وأمسك به فقال:

"تفعلون هكذا".

وذكر لهم يوماً أنها ستكون فتنة, فلم يسمعه كثير من الناس فقال معاذ بن جبل ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ما قال؟ قال:

"إنها ستكون فتنة, فقالوا: كيف لنا يا رسول الله؟ أو كيف نصنع؟ قال:

"ترجعون إلى أمركم الأول".

ط- ظهور الفتن بقبض العلم:

روى أحمد والشيخان وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"يتقارب الزمان, ويُقبضُ العلم, ويُلقى الشحُّ, وتظهر الفتن, ويكثر الهرج". قيل: وما الهرج؟ قال: "القتل".

وفي رواية للبخاري: "وينقص العمل" بدل: "ويقبض العلم", وفي رواية: "وينقص العلم" بدل: "يقبض".

روى النسائي والحاكم واللفظ له والطيالسي وغيرهم عن عمر بن تغلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكْثُر الجهلُ وتظهرَ الفتنُ وتفشو التجارة ويظهر العلمُ".



الباب الثاني


الأشراط الأرضية

الفصل الأول

الأشراط الصغرى
المبحث الثاني

أشراط تتعلق بالعلم
أولا: أشراط تتعلَّق بطلبه:
ثانياً: أشراط تترتب على ذهابه:

1- توسيد الأمر إلى غير أهله:
2- الهرج (القتل):
3- استحلال الحرام (كاستحلال الخمر والزنا والمعازف):
4- الشرك بالله (عبادة غير الله):
5- الفتن: الحلقة الثالثة

ي- مواقع الفتن وكثرتها:

روى احمد والشيخان عن أسامة قال:

"أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أُطُم من آطام المدينة, فقال: هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا. قال: فإني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر".

قال الحافظ:
.
"شبَّه سقوط الفتن وكثرتها بسقوط المطر في الكثرة والعموم, وهذا من علامات النبوة لإخباره بما سيكون, وقد ظهر مصداق ذلك من قتل عثمان... وهلمَّ جراً, ولا سيما يوم الحرة.

والرؤية المذكورة يحتمل أن تكون بمعنى العلم أو رؤية العين, بأن تكون الفتن مُثِّلت له حتى رآها, كما مُثِّلت له الجنَّة والنار في القبلة حتى رآهما وهو يصلي".

وروى الشيخان والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما: انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول:

"ألا إن الفتنة ها هنا, من حيث يطلع قرن الشيطان".

وفي رواية عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: انه قام إلى جنب المنبر, فقال:
"الفتنة ها هنا, الفتنة ها هنا, من حيث يطلع قرن الشيطان". قال: "قرن الشمس".

وروى الشيخان عن أبي مسعود رضي الله عنه قال:

أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن, فقال: "الإيمان ها هنا, ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدَّادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر".
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"رأس الكفر نحو المشرق, والفخر الخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدّادين أهل الوبر, والسكينة في أهل الغنم".

وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم:

"اللهم بارك لنا في شامنا, اللهم بارك لنا في يمننا", قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا. قال: "اللهم بارك لنا في شامنا, اللهم بارك لنا في يمننا". قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا. فأظنُّه قال في الثالثة: "هناك الزلازل والفتن, وبها يطلع قرن الشيطان".

ومن هذه الأحاديث تبدو ملاحظات لا بدَّ من ذكرها:

- ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى مواقع الفتن في المدينة, وفي هذه الأحاديث أن الكفر من قبل المشرق, والجمع بينهما كما قال الحافظ في "الفتح":

"اختصَّت المدينة بذلك لأن قتل عثمان رضي الله عنه كان بها, ثم انتشرت الفتن بعد ذلك, فالقتال بالجمل وصفين كان بسبب قتل عثمان رضي الله عنه. والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين, وكل قتال وقع بعد ذلك إنما تولَّد عن شئ من ذلك أو عن شئ تولَّد عنه. ثم إن قتْل عثمان كان أشدَّ أسبابه الطعن على أمرائه ثم عليه بتوليته لهم, وأول ما نشأ ذلك من العراق, وهي من جهة المشرق, فلا منافاة بين الأحاديث".

وقد يكون المراد أن منشأ الفتن ابتداء جهة المشرق, أما منشأ الفتن في المدينة فهو ممَّن قدم من خارجها, وليس من أهلها ابتداء, والله أعلم.

- أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوقوع الفتن خلال البيوت ليتأهبوا لها, فلا يخوضوا فيها, ويسألوا الله الصبر والنجاة من شرها.

- ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم نجداً بأنها أرض الزلازل والفتن, وليس المقصود بها نجد التي في جزيرة العرب, وإنما العراق,ويؤيد ذلك ما أخرجه نعيم في "الحلية" وابن عساكر عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"اللهم بارك لنا في مدينتنا, وبارك لنا في مكتنا, وبارك لنا في شامنا, وبارك لنا في يمننا, وبارك لنا في صاعنا ومدِّنا". فقال رجل: يا رسول الله! وفي عراقنا. فأعرض عنه, فقال: "فيها الزلازل وبها سيطلع قرن الشيطان".

- ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن.

- مفهوم قرن الشيطان وقرن الشمس:

قال الحافظ في "الفتح":

" قال الداوودي: للشمس قرن حقيقة, ويحتمل أنه يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين به على الإضلال, وهذا أوجه. وقيل: إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له. قيل: ويحتمل أن يكون للشمس شيطان تطلع بين قرنيه".

ك- بيع الدين بعرض من الدنيا قليل:

روى أحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً, يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل".

وروى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل فيها مؤمناً, ويمسي كافراً, ويمسي مؤمناً, ويصبح كافراً, يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا".

قال المناوي:

"المراد من هذه الأحاديث الحث والمسارعة بالعمل الصالح قبل تعذُّره أو تعسُّره بالشغل عما يحدث من الفتن المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل, ثم وصف نوعاً من شدائد الفتن, بقوله: "يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً, ويصبح كافراُ ويمسي مؤمناً", وهذا لعظم الفتن, يتقلب الإنسان في اليوم الواحد هذه الانقلابات, فيبيع أحدهم دينه بقليل من حطام الدنيا".

ل- فهم الصحابة والتابعين للاعتزال في الفتنة وكف اللسان:

روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما:

أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير, فقالا: إن الناس قد ضُيِّعوا, وأنت ابن عمر, وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم, فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: "يمنعني أن الله حرَّم دم أخي". فقالا: ألم يقل الله: {وقاتِلوهُمْ حتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}؟ فقال: "قاتلنا حتى لم تكن فتنة, وكان الدين لله, وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة, ويكون الدين لغير الله".

وروى البخاري عن سعيد بن جُبير قال:

خرج علينا عبد الله بن عمر, فرجَوْنا أن يحدِّثنا حديثاً حسناً. قال: فبادَرَنا إليه رجلٌ, فقال: يا أبا عبد الرحمن! حدِّثنا عن القتال في الفتنة, والله يقول: { قاتِلوهُمْ حتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}. قال: "هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمُّك؟ إنما كان محمد صلى الله عله وسلم يقاتل المشركين, وكان الدخول في دينهم فتنة, وليس كقتالهم على الملك".

وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما:

أن رجلاً جاءه, فقال: يا أبا عبد الرحمن! ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وإِنْ طَائفتانِ مِنَ المُؤمنينَ اقْتَتَلوا..} إلى آخر الآية, فما يمنعك ألا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال: "يا ابن أخي! أُعيِّر بهذه الآية ولا أقاتل أحبُّ إليَّ من أن أُعيَّر بهذه الآية التي يقول الله تعالى: {ومَنْ يَقْتُلْ مُؤمناً مُتعَمِّداً...}إلى آخرها". قال: فإن الله يقول: {وقاتِلوهُم حتَى لا تَكونَ فتْنَةٌ}. قال ابن عمر: "قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلاً, فكان الرجل يُفتن في دينه, إما يقتلوه, وإما يوثقوه, حتى كثر الإسلام, فلم تكن فتنة". فلما رأى انه لا يوافقه فيما يريد قال: فما قولك في عليٍّ وعثمان؟ قال ابن عمر: "ما قولي في عليٍّ وعثمان؟! أما عثمان فكان الله قد عفا عنه فكرهتم أن يعفوَ عنه, وأما عليُّ فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختَنهِ, وأشار بيده, وهذه ابنته أو بيته حيث ترون".

من هذه الأحاديث يتبيَّن:

- تعظيم ابن عمر رضي الله عنهما لحرمة دم المؤمن حتى لو أدَّى ذلك لتعييره بالتقاعس عن الإصلاح بين المسلمين عند اقتتالهم.

- السائل كان يرى قتال من خالف الإمام الذي يعتقد طاعته, وكان ابن عمر يرى ترك القتال فيما يتعلَّق بالملك.

- يرى ابن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقَّة والأخرى مبطلة, وقيل: الفتنة مختصَّة بما إذا وقع القتال بسبب التغالب في طلب الملك, أما إذا علمت الباغية فلا تسمَّى فتنة, وتجب مقاتلتها حتى ترجع إلى الطاعة, وهو قول الجمهور.

- يبدو أن السائل لابن عمر فيما سبق من الخوارج لأنه قال له: فما قولك في علي وعثمان فإن الخوارج كانوا يتولَّون الشيخين, ويحطُّون عثمان وعليّاً, فردَّ عليه ابن عمر بذكر مناقبهما ومنزلتهما من النبي صلى الله عليه وسلم والاعتذار عما عابوا به عثمان من الفرار , يوم أحد فإنه تعالى صرَّح في القرآن بأنه عفا عنهم.

م- أنواع الفتن:

الفتن أنواع كثيرة لا حصر لها, ويمكن القول بأنها نوعان: كبير وصغير, وليس من حدٍّ فاصل بينهما يميز بينهما تماماً, ولكن الفتن الكبار المهلكة كمان بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي ثلاث, وإن كانت الأخرى التي تبدو صغيرة يترك بعضها آثاراً عظاماً لا حصر لها.
روى مسلم في "صحيحه" عن أبي إدريس الخولاني: كما يقول: قال حذيفة بن اليمان:

والله إنني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة, وما بين إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرَّ لي في ذلك شيئاً لم يحدثه غيري, لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلساً أنا فيه عن الفتن, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعدُّ الفتن: "منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئاً, ومنهن فتنٌ كرياح الصيف, منها صغار, ومنها كبار", فذهب أولئك الرهط كلهم غيري.

ولعل الفتن الثلاث الكبار التي لا تذر شيئاً هي المذكورة في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي رواه عنه أبو داود وأحمد والحاكم قال:

كنا قعوداً عند النبي صلى الله عليه وسلم, فذكر الفتن, فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس, فقال قائل: وما فتنة الأحلاس ؟ قال: هي "هرب وحرْب, ثم فتنة السراء, دخنها من تحت قديِّ, رجل من أهل بيتي يزعم أنه منِّي وليس منِّي, وإنما أوليائي المتقون, ثم يصطلح الناس على رجل كوِرْك على ضِلَع, ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمَّة إلا لطمته لطمة, فإذا قيل: انقضت تمادت , يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً, حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه, وفسطاط نفاق لا إيمان فيه, فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجَّال من يومه أو غده".





يتبع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 جلابيات فخمة للمناسبات   شركة سياحة في روسيا   بنشر متنقل   شركة تصميم مواقع   شراء اثاث مستعمل بالرياض   ارخص مساج بالرياض   مقاول ساندوتش بانل   شركة تنظيف خزانات بمكة   شركة نقل عفش بمكة   شراء اثاث مستعمل بالرياض   اشتراك كورسيرا   اشتراك لينكد ان   اشتراك اوتوديسك   شركة كشف تسربات المياه بالرياض   خدمة مكافحة النمل الأبيض   استئجار سيارة مع سائق في اسطنبول   تذاكر ارض الاساطير   رحلات سياحية في اسطنبول   رحلة سبانجا ومعشوقية   رحلة بورصة 
 شدات ببجي   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي   شدات ببجي تابي   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي   شدات ببجي تابي   مجوهرات يلا لودو   شحن يلا لودو   ايتونز امريكي   بطاقات ايتونز امريكي   شدات ببجي تمارا   شدات ببجي اقساط 
 شركة تنظيف بخميس مشيط   yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   بث مباشر مباريات اليوم   Koora live   تشليح   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج   تصليح غسالات اتوماتيك   شركة مكافحة حشرات   شركة عزل خزانات بجدة   يلا شوت   اهم مباريات اليوم   يلا شوت   شركة تنظيف منازل بالرياض   شراء اثاث مستعمل   شركة تنظيف منازل بالرياض   نقل عفش الكويت   زيادة متابعين تيك توك حقيقيين   ربح المال من الانترنت   دكتور جراحة مخ وأعصاب في القاهرة   يلا شوت   يلا شوت   يلا لايف   yalla shoot 
 شركة تنظيف مكيفات بجدة   عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   برنامج ادارة مطاعم فى السعودية   افضل برنامج كاشير سحابي   الفاتورة الإلكترونية فى السعودية   المنيو الالكترونى للمطاعم والكافيهات   افضل برنامج كاشير فى السعودية 

 الحلوى العمانية   Yalla shoot   اشتراك كاسبر الرسمي   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض   شركة حور كلين للتنظيف   شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض 
 تركيب مظلات حدائق   تركيب ساندوتش بانل 

 شركة تنظيف خزانات بجدة   شركة مكافحة حشرات بجدة 

 مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر 

 سباك شرق الرياض   شقق فندقية 

 شركة تنظيف مكيفات في الرياض   متجر نقتدي من المدينة المنورة   شركة تسليك مجاري  شركة صيانة افران بالرياض

 محامي السعودية   محامي في عمان الاردن 
 موقع الشعاع   بيت المعلومات   موقع فكرة   موقع شامل العرب   صقور الخليج   إنتظر 

 كشف تسربات المياه   شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة تنظيف منازل بجدة   شركة عزل فوم   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بخميس مشيط   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة عزل اسطح بجدة   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 
معلوماتي || فور شباب ||| الحوار العربي ||| منتديات شباب الأمة ||| الأذكار ||| دليل السياح ||| تقنية تك ||| بروفيشنال برامج ||| موقع حياتها ||| طريق النجاح ||| شبكة زاد المتقين الإسلامية ||| موقع . كوم ||| شو ون شو

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية
Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd
الساعة الآن »03:11 AM.
راسل الإدارة -الحوار العربي - الأرشيف - الأعلى