جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
طقوس الألمعي بين الإيمان والكفر للشيخ الدكتور صالح سندي
طقوس الألمعي .. بين الإيمان والكفر ( ردٌ على مقال: سلفي في مقام سيدي عبد الرحمن لإبراهيم طالع الألمعي ) الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وآله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد: فإن تحقيق التوحيد -الذي هو لب الدين ولحُمته وسداه- يعني انجذاب الروح إلى الله تعالى؛ محبة وخوفا، وتوكلا ودعاء، وإجلالا وتعظيما؛ فلا يرجو العبد سواه، ولا يخشى إلا إياه، ولا ينيب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه؛ إذ ليس في قلبه شيء لغيره، ولا رغبة إلى من سواه؛ فيكون متحققا بقوله تعالى: ( وأن إلى ربك المنتهى)؛ فليس وراءه سبحانه غاية تطلب، وليس دونه غاية إليها المنتهى. ومن البلية -والبلايا اليوم جمة- أن تنتكس المفاهيم وتُشوه الحقائق المتعلقة بجناب التوحيد؛ ومن جديد ما حُمل من ذلك إلى الناس مقال موحش في مبناه ومعناه، بعنوان: (سلفي في مقام سيدي عبد الرحمن) للكاتب إبراهيم طالع الألمعي، منشور في صحيفة الوطن (الخميس 29/5/1431هـ)، تعرض فيه الكاتب لأصل الدين وأساس الملة فأتى بالفواجع؛ فحسّن القبيح وقبّح الحسن، فالتحذير من الشرك والغلو في الأموات والدعوة إلى أن تتعلق القلوب ببارئها وحده وأن تتجه له دون أحد سواه قد ألبسها لباسا بشعا، بينما وصف الشعوذات -بصريح العبارة- بكونها (نوعا من أنواع الحياة المتكاملة)! وجعل الغلو الشركي في الصالحين تخليدا للعظماء والرموز! في سلسلة من المغالطات التي لا يخفى انحرافها على صبيان الكُتّاب، وسأقف وقفات يسيرة مع بعضها.
وقبل أن أسترسل أشير إلى أن الكاتب يتوهم أنه يصادم بأطروحاته الفكر الذي تميّز من الغيظ بسببه (الفكر السلفي) ولم يكن كلامه في نقده سوى نقد مقذع عارٍ عن المناقشة العلمية والبحث المنهجي؛ فهو في نظره ليس سوى: (ثقافة جرداء مسطحة الفكر)! وليس ثمة جديد! طرحٌ مكرور ممجوج؛ فالطعن في "السلفية" أضحى شغل كل من يريد أن (يُسمع صوته ويُري مكانه)، ولست بحاجة إلى أن أقيم البراهين على أن المنهج السلفي -وهو الذي عليه أئمة الإسلام من الصحابة فمن بعدهم، ومن أئمة المذاهب الأربعة ومن سار على نهجهم- أسعد بالحق في كل ما اختلفت الأمة فيه؛ فهو غني -بقوة حجته ونصاعة بيناته وعمق طرحه- عن دفاع المدافعين، ولن يضيره هيش الشانئين وتشويههم، وإنما أريد أن أقول: إن الكاتب يعارض -بجهل أو تجاهل- الكتاب والسنة صراحة، ويناقض أصول الملة وقواعدها؛ فإنه إذا كان يعيب حملة هذا النهج الرشيد ويصفهم بما سبق لكونهم (لم يكونوا طقوسيين)!-على حد تعبيره- فليعلم أن إنكارهم (الطقوس) من الغلو في القبور، ومظاهر الشرك بالأموات شيءٌ تعلموه من النبي الخاتم محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام-. إنه لمسكين من يظن أن هذه الدعوة المباركة إلى صفاء الاعتقاد قد ابتكرها من يعنيهم -وأكثر الناس بلادة يدرك من يقصد- .. إنها دعوة حمل لواءها سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام- والأنبياء قبله، وما دعاة التوحيد إلا جنود منضوون تحت هذا اللواء الكريم؛ فليدرك الكاتب إذن خطورة هذا الوصف الذي أطلقه: (ثقافة جرداء مسطحة الفكر) فإنه يهوي به في واد سحيق! فالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام هو الذي بعث عليا رضي الله عنه -كما في صحيح مسلم- أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه؛ وهو الذي قال -كما في الصحيحين-: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذّر ما صنعوا، وهو الذي نهى -كما في صحيح مسلم- عن أن يُجصص القبر وأن يُنى عليه وأن يُصلى إليه. هذا هو هديه، وهذا ما دعا إليه محاربو الطقوس اتباعا له، فما الذي يدعو إليه الكاتب وما الذي يريد أن يبثه في صفوف المسلمين؟ دونك أيها القارئ بعض ما سوده الكاتب في مقاله: أولا: يتباكى الكاتب على حال بعض الأهالي قديما حين كانوا يضعون الزهور على قبر الولي! فأين هذا الفعل في هديه عليه الصلاة والسلام مع قبور أصحابه؟ وأين هذا في هدي أصحابه من بعده؟ فهل عدم القيام به أو النصيحة بتركه -اتباعا لهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام- من (الثقافة الجرداء مسطحة الفكر)؟! ثانيا: يواصل الكاتب حكاية من يصف حاله -ولست أدري هل يقصد نفسه أو غيره- بأنه ابن بيئة (طقوسية) شعبية، ثم يقول: (فهو سليل قوم منذ أكثر من 14 قرنا ونصف القرن كانوا يصرون على الوصول إلى الله عن طريق من يقربهم إليه زلفى) فهل راقَ للكاتب هذا الإصرار؟ فليس في كلامه ما يشعر بإنكاره، والذين وصفهم قبل أربعة عشر قرنا هم من كفرهم الله وحكم بخلودهم في النار؛ فقال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، وإذا كان الكاتب مقرا لهذا الإصرار فليست محادة لله ولرسوله -عليه الصلاة والسلام- وراء هذه المحادة. ثالثا: ينعى الكاتب على ذوي (الثقافة الجرداء مسطحة الفكر) أنهم يرون المقابر: (مصائر قوم لا علاقة لهم بالحياة ولا بالظواهر، وليست عوالم روحية تتصل بالأرواح)! فكيف يراها الكاتب؟ إنه بالتأكيد يرى عكس ما يعيب، فهل يعلم أنها الشبهة الداحضة للمشركين عباد الأموات قديما وحديثا؟ فالموتى عندهم عوالم روحية تتصل بالأرواح، وذات علاقة بالحياة وأهلها؛ لذا فقد تعلقوا بها وقصدوها وهتفوا باسمها في الشدائد. ولقد جاءنا من ربنا الهدى؛ قال سبحانه في شأن الأموات: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم) هذا كلام الله .. الأموات لا يسمعون دعاء الأحياء .. ولا يستجيبون لهم .. فأين الاتصال بالأحياء؟ أكلام الله خيرٌ أم كلام الألمعي؟ وهل من يقول بقول الله جل جلاله ذو (ثقافة جرداء مسطحة الفكر)؟! رابعا: يصف الكاتب حال القبوريين عند قبر (سيدي عبد الرحمن) بالجزائر -بأسلوب الإقرار والرضا-: بأنهم يتبركون بشرب الماء الذي ينبع بجوار الضريح؛ وهذا عند أهل الإسلام تبرك شركي، شبيه بالتبرك "بذات أنواط". ويصفهم بالجلوس أمام الضريح؛ وهو عكوف شبيه بعكوف المشركين عند "ذات أنواط". ويصفهم بالتقرب للولي بالنذور والقربات المالية -وأسماها الكاتب: صدقات تدفع لسادن المقام!- وهو شرك صريح عند من عرف حقيقة الإسلام؛ لأنه صرف حق الله لغيره. ويُخبر أن النساء الجميلات (هكذا!) يعرضن مشكلاتهن الكثيرة متوسلات بسيدي عبد الرحمن! يعرضنها لمن يا هذا؟ إن العرض على صاحب الضريح ورفع الحاجات إليه شركٌ بالله ومنازعةٌ له في خالص حقه، والأدلة على أن دعاء الأموات والتماس الحاجات منهم شرك أكثر من الأدلة على أن السجود والركوع لغير الله شرك، وإذا لم يكن هذا شركا فليس على وجه الأرض شرك، قال تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون)، وقال سبحانه: (قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا). ويصف أخيرا هذه الأجواء الملوثة بالشرك بـ(الأجواء الروحانية الحانية)! فإنا لله وإنا إليه راجعون، وليَهن عباد ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر وصف الكاتب! فلا فرق -ورب السماء- بين ما كان عليه المشركون الأولون، وبين ما يحكيه الكاتب مما يحصل عند هذا الضريح وأمثاله؛ فإن تلك الأوثان التي ذكرها الله في سورة نوح ليست سوى مشاهد ومقامات بُنيت على قبور صالحين (وعظماء)، وما يُفعل عندها (طقوس) كهذه الطقوس؛ فالأسماء مختلفة، والواقع لا يختلف! خامسا: ويمضي الكاتب قدما في التخبط؛ ليصف هذه الطقوس الشركية -وسبق ذكر بعضها- بأنها (ليست أمورا عقدية على الإطلاق؛ وإنما هي تعبير حسي عن الأمل والصلة بالبعيد غير المنظور، وبحث عن الصفاء والنقاء والنجاة بأساليب لم تكفِ فيها عندهم وسائل العبادة المتفق عليها) يا هذا أقصر! فإن محمدا عليه الصلاة والسلام ما بُعث إلا لنقض ما إليه تدعو. إنه إذا كان ما تقرره صحيحا -من أن هذه الطقوس ليست أمورا عقدية- فإن علينا إعادة النظر فيما جاء في نصوص الوحي من تكفير عباد اللات وتضليلهم؛ فلم يكن هو إلا رجلا صالحا (عظيما) ولم يكن من قومه إلا إقامة طقوس (تخلّد ذكراه)، ليست بأمور عقدية على الإطلاق! فأي ضلال فوق هذا الضلال؟! سادسا: ويأتي الكاتب بعدُ -فيما سوّد به مقاله- بباخعة لا تحتمل؛ فإن الحكم السابق بأن الطقوس (ليست أمورا عقدية على الإطلاق ...) قد تجاوز شركيات عباد القبور ليشمل طقوس الكنائس! ولأجل هذا فقد وصف التائه الذي يحكي حاله -ولست أدري هل يقصد نفسه أو غيره!- بأنه (انصهر مع هؤلاء [يريد عباد القبور] كما انصهر مع غيرهم من أهل المساجد والكنائس ومواقع الطقوس شرقا وغربا في هذا العالم، ووجد أن كل تلك الطقوس ليست أمورا عقدية على الإطلاق؛ وإنما هي تعبير حسي عن الأمل والصلة بالبعيد غير المنظور، وبحث عن الصفاء والنقاء والنجاة) هكذا يتمدح الكاتب بانصهاره -هو أو من يحكي حاله- في طقوس الكنائس وغيرها، وهي كلمات تُشتم منها الدعوة إلى وحدة الأديان! فماذا أبقى من توحيده وإيمانه؟ شتان بين موقف الكاتب من الطقوس الكفرية وبين موقف خليل الرحمن وقدوة الحنفاء إبراهيم عليه السلام حينما قال لقومه في شأن طقوس من طقوسهم -شبيهة بالطقوس التي يفخر الكاتب بالانصهار فيها-: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ، قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). لقد بلغت الجرأة بالكاتب أن يمدح عبادات النصارى الذين كفرهم الله ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ فهي -عنده- ليست أمورا عقدية، وإنما هي بحث عن الصفاء والنقاء والنجاة! وهكذا يُقرَّر الضلال المبين وينشر على رؤوس الأشهاد؛ فالإجماع المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن كل ما سوى الإسلام من عقيدة أو عبادة أو طقوس فباطل. وهذا نبي الهدى عليه الصلاة والسلام يحكم على طقوس أرباب الكنائس بخلاف حكم الكاتب؛ فأي الحكمين أولى بالصواب؟ ففي الصحيحين أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة -للنصارى- رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) هذه طقوس النصارى، وهذا حكم رسول الله عليه الصلاة والسلام فيها، وذاك حكم الكاتب، وكل نفس بما كسبت رهينة. هذا بعض ما حواه مقال الكاتب، وقد تجاوزتُ طوام أخرى رغبة في الاختصار، ولو شئت أن أسوق الشواهد على ما سبق من كلام الراسخين في العلم من المتقدمين أو من المتأخرين أو من علماء الجزائر الأثبات لفعلت، ولكن مساحة الكتابة تقصر عن ذلك. وقد تبين من العرض السابق أن هذا المقال ما هو إلا دعوة إلى الشرك، وتزيينٌ له في النفوس، ونقضٌ لعروة الإسلام الوثقى؛ فعلى من بسط الله يده بالسلطان أن يستتيب الكاتب من هذا الضلال المبين، وأن يأخذوا على أيدي السفهاء فلا يعبثوا بأصول الشرع وأحكامه، وعلى الكاتب أن يتوب إلى الله مما خطته يده، ويعلن البراءة مما تضمنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وكتبه: د. صالح بن عبد العزيز بن عثمان سندي عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة |
أدوات الموضوع | |
|
|