جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
سلسلة أولو الألباب / الدكتور عثمان قدري مكانسي/ق11
سلسلة أولو الألباب الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الحادي عشر بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43)}(ص) يعرضُ ابنُ كثير رحمه الله تعالى في سورة (ص) قصة النبي الصابر أيوب عليه الصلاة والسلام ، فيقول:" يذكر تبارك وتعالى عبده ورسوله أيوب عليه الصلاة والسلام وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليما سوى قلبه ولم يبق له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه غيرَ أن زوجته حفظت ودَّه لإيمانها بالله تعالى ورسوله فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه نحواً من ثماني عشرة سنة وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولادٍ وسعة طائلة من الدنيا، فسلب جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن رفضه القريب والبعيد سوى زوجته رضي الله عنها فإنها كانت لا تفارقه صباحاً ومساءً إلا بسبب خدمة الناس ثم تعود إليه قريبا فلما طال المطالُ واشتد الحال وانتهى القدر وتم الأجل المقدَّرُ تضرع إلى رب العالمين وإله المرسلين فقال { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}(الأنبياء). انتهى قول ابن كثير.
في سورة الأنبياء ذكر أيوب عليه السلامُ أن الضُّر مسَه ، وسأل اللهَ تعالى رحمته، فاستجاب له وكشف عنه الضرَّ،وأعاد إليه أهله ، ومثلَهم معهم ، لقد استجاب الرحيم نداءه وتوسُّلَه، فكشف ضُرّه ،وشمله في الصالحين وجعله مثلاً ( للعابدين ). { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}(الأنبياء). وفي سورة(ص) يصرح النبيُّ الصابر أيوب النبي أن الشيطان مسَّه بالأذى ، فأذن الله تعالى بشفائه وعلمه كيف يتخلص من الأذى ووهب له أهله وزاده مثلهم وجعله مثالاً وعِبرةً لأولى الالباب والعقول:{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43)}(ص). إنَّ الله بيده مقاليد الأمور يفعل ما يشاء وقتَ يشاءُ، يبتلي عباده الصالحين فيرفع بابتلائهم مقامهم.ويجزيهم على صبرهم من خيره العميم ما يُنسيهم ما كانوا فيه،ويُعلي ذَكرَهم. وفي هذه الآية الكريمة نَسَب الضُّرَّ إلى الشيطان ،ونسب الخير إلى الله تعالى ،فهو عليه السلامُ يعلمنا أن نتأدب مع المولى ، ومثال التأدُّب معه سبحانه في القرآن كثير ، من ذلك قوله تعالى في سورة الجنِّ : { وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)} ؛ فالشرَّ ذكَرَه بصيغة المبني للمجهول ، ونسبَ الخير إلى الله تعالى، وعُد إلى قصة الرجل الصالح وموسى عليهما السلام في سورة الكهف تجدْ مثالاً واضحاً للتأدب مع الله تعالى _ ذكرتُ هذا في كتابي من أساليب التربية في القرآن الكريم- . شكا إلى الله وحده الذي يرفع البلاءَ ما أصابه فاستجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يلمس بقدمه الارضَ بقوة، ففعل، فنَبَعَتْ عينٌ، فاغتسل منها فأذهبت جميعَ ما كان في بدنه من الأذى بإذن الله،ثم أمره فرَكَضَها مرّة أخرى في مكان آخرَ، فتفجَّرتْ عينٌ ثانيةٌ ،فشرب منها ،فذهب جميع ما كان في باطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ،فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين كانا من أخص إخوانه به كانا يغدُوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه تعلمُ –والله- لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين قال له صاحبه وما ذاك ؟ قال منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله تعالى فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ،فقال أيوب عليه الصلاة والسلام :لا أدري ما تقول ،غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمُرُّ على الرجلين يتنازعان فيذكران الله تعالى فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يُذكرَ الله تعالى إلا في حق ،وقال وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله تبارك وتعالى إلى أيوب عليه الصلاة والسلام أن " ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ " فاستبطأته فالتفتت تنظر فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت أي بارك الله فيك ،هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ فوالله القديرُ على ذلك ما رأيت رجلا أشبهَ به منك إذ كان صحيحا. قال فإني أنا هو ). وروى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينما أيوب يغتسل عُريانا خرَّ عليه جرادٌ من ذهبٍ، فجعل أيوب عليه الصلاة والسلام يحثو في ثوبه ،فناداه ربه عز وجل :يا أيوبُ؛ ألم أكن أغنيتك عما ترى قال عليه الصلاة والسلام بلى -يا رب -ولكن لا غنى بي عن بركتك " رواه البخاري .وأحيا الله أبناءَه بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم رحمة على صبره وثباته ،فكان مثالاً لذوي العقول ليعلموا أنَّ عاقبة الصبر الفرج . قيل لأيوب صلى الله عليه وسلم : قد آتيناك أهلك في الجنة فإن شئت تركناهم لك في الجنة وإن شئت آتيناكهم في الدنيا . قال مجاهد : فتركهم الله عز وجل له في الجنة وأعطاه مثلهم في الدنيا . وقال عبد الله بن مسعود كان أهل أيوب قد ماتوا إلا امرأته فأحياهم الله عز وجل في أقل من طرف البصر , وآتاه مثلهم معهم . وقاله ابن عباس ، ولعلهم – كما قال القرطبيُّ: ماتوا ابتلاء قبل آجالهم،ونشأت سحابةٌ على قدْرِ قواعد داره ،فأمطرت ثلاثه أيام بلياليها جراداً من ذهب . فقال له جبريل : أشبِعتَ ؟ فقال : ومن يشبع من فضل الله . فأوحى الله إليه : قد أثنيت عليك بالصبر قبل وقوعك في البلاء وبعده , ولولا أني وضعت تحت كل شعرة منك صبراً ما صبرتَ . إن من صفات أولي الألباب: 1- أنهم يصبرون ، والأنبياءُ سادةُ إولي الألباب. 2- وهو يظنون بالله الخير فهو سبحانه ربُّ الخير وأصلُه. 3- أنعم مبتلَونَ :أشد الناسِ بلاءً الأنبياءُ، ثم الأمثلُ فالامثلُ . 4- أنهم يلجأون إلى الله وحده ، فخلاصُهم ونجاتُهم بيده سبحانه. 5- ومن شفافيتهم ذكرُهم ابتلاءاتِ الأنبياء والصالحين ،فيجتهدون أن يكونوا مثلهم. يتبع آخر تعديل بواسطة Nabil ، 2015-01-26 الساعة 01:12 PM |
#12
|
||||
|
||||
سلسلة أولو الألباب / الدكتور عثمان قدري مكانسي/ق12
سلسلة أولو الألباب الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثاني عشر بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9) الزمر في الآيات الأولى من سورة الزمرينبهنا المولى عز شأنه إلى الوهيته ،فهو يريدنا عباداً مخلصين له :
{...فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ..(3)}(الزمر).فمن اشرك بالله أو ادّعى أن له ولداً فهو " ..كذوبٌ كفّارٌ" الزمر 3.ثم يُدلل على قدرته سبحانه بتتابع الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر بنظام وترتيب يدل على قدرته وبديع صنعه سبحانه.فهو العزيز يفعل ما يشاء ، وهو الغفور يرحم عباده المؤمنين بوحدانيته. وإنه الخلاق العظيم أوجدنا من نفس واحدة هي أبونا آدم عليه السلام ،ونبَّه إلى الظلمات الثلاث التي نكون فيها في بطون أمهاتنا مما يدل على صنعه الباهر الرائع- سبحانه- فمن آمن فقد نفع نفسه وأدخلها رحمة الله ومن كفر عوقب بكفره جزاءً وفاقاً ،والله تعالى الغني عن عبادة الناس إياه : { إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ .. (7)}(الزمر) . إنَّ من سمات الإنسان أنه ضعيف يتذلل وقت حاجته ويتضرّع إلى ربه ليكشف عنه الغم ويؤتيه الخير ، فإن حازه نسي فضل الله تعالى ونسب الخير إلى نفسه أو إلى آلهة مزعومة متخففاً من التكاليف الربانية،يتبع هواه مبتعداً عن الحق وتبعاته، فيقال له توبيخاً وتهديداً : { ...قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)}(الزمر). فمهما عاش الإنسان في الدنيا إن مصيره إلى الخلود في عذاب جهنّم إن كان مشركاً أو كافراً جزاء وفاقاً. وتأتي المقارنة بين هذا الكافر الذي التصق بالدنيا وجعلها أكبر همّه وبين المؤمن الصادق الذي جعل مخافة الله ورضاه بين عينيه فطلب الآخرة وزهد في الدنيا ونال شرف قيام الليل يسأل الله عفوه ومغفرته ،وهل يفعل هذا إلا أولو الألباب وأصحاب القلوب الحية؟ { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9)}(الزمر). إن من سمات أولي الألباب: 1- القنوت ،وهو الخشوع في الصلاة ،قال ابن مسعود رضي الله عنه: القانت المطيع لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)}(المؤمنون) . وقال بعضُهم: كل قنوت في القرآن طاعة لله عز وجل، وروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الصلاة أفضل ؟ فقال : ( طول القنوت ). وعن ابن عمر رضي الله عنهما:سئل عن القنوت فقال : ما أعرف القنوت إلا طولَ القيام , وقراءةَ القرآن . وقال مجاهد : مِن القنوت طولُ الركوع وغضُّ البصر . وكان العلماء إذا وقفوا في الصلاة غضوا أبصارهم , وخضعوا ولم يلتفتوا في صلاتهم , ولم يعبثوا ولم يذكروا شيئا من أمر الدنيا إلا ناسين . قال النحاس : أصلُ هذا أن القنوت الطاعة ومن جميل ما قراتُ أن نافعاً مولى ابن عمر روى أن عبد الله بن عمر قال له: قم فصل . قال:فقمت أصلي وكان عليَّ ثوب خلق , فدعاني فقال لي : أرأيت لو وجَّهتـُك في حاجة أكنت تمضي هكذا ؟ فقلت : كنت أتزيَّن قال : فالله أحقُّ أن تتزين له . 2- و آناء الليل جوفه في قول،و بين المغرب والعشاء في قول آخر،و أوله وأوسطه وآخره في قول ثالث. قال ابن عباس : من أحب أن يُهوِّنَ الله عليه الوقوف يوم القيامة , فليرَه الله ُ في ظلمة الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة , ويرجو رحمة ربه . فأولو الألباب في ذكر لله دائم ( وأين نحن من هذا ، نسأل الله العفو والعافية وحُسنَ الختام). 3- وذو اللب والقلب السليم { يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } خائفٌ راجٍ في حياته كلها ،فإذا حضره الموتُ فليكن الرجاءُ هو الغالبَ ،فعن أنس رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في الموت فقال له " كيف تجدك ؟ " فقال له أرجو وأخاف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله عز وجل الذي يرجو وأمنه الذي يخافه ). قال ابن عمر ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه، وإنما قال ابن عمر رضي الله عنهما ذلك لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه بالليل وقراءته .وعن تميم الداري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ بمئة آية في ليلة كتب له قنوتُ ليلة ). ولن يأخذ هذا القيام من ليل أحدنا أكثر من نصف ساعة مصلياً مفكراً متدبراً ، فيُكتب عند الله متهجداً .وما شرف المؤمن إلا قيامُ الليل ، ينير الله تعالى به وجوهَ عباده ، فيصبحون ينظرُ الناس إليهم مشرقةً وجوهُهم طافحة بالبشر والسرور ، فقد كانوا في ضيافة العظيم سبحانه. يتبع |
#13
|
||||
|
||||
سلسلة أولو الألباب / الدكتور عثمان قدري مكانسي/ق13
سلسلة أولو الألباب الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثالث عشر بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (18)(الزمر) يتكرر فعل الأمر ( قلْ ) في الآيات 10-11-13-14-15 في سورة الزمر:
{ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} { قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11)} { قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)} { قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14) { ... قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... (15) فلا بدّ من التبليغ كي لا يبقى لأحد حجة في دين الله.وليصل التشريع من أمر ونهي إلى الجميع،فمن أطاع نجا ومن عصا عوقبَ فللمؤمنين المتقين الذين أحسنوا القولَ والعملَ في هذه الدنيا الخيرُ الواسع، فإن وجدوا مشقة وعَنَتاً في مكان انتقلوا إلى غيره يقيمون فيه شرع الله ، إن الأرض كلها لله ، ومن كانت الأرضُ له أقام شرعه وفرض فيها ما يريد.فإن منع الظالمون بأرضٍ إقامة شرع الله ولم يتغير عنها القادرون على التحوُّل عنها عوقب هؤلاء نارَ جهنّمَ برضاهم البقاءَ في أرض الفساد وسمّاهم القرآنُ ظالمي أنفسهم ، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا (97)}(النساء). وقليلاً ما يرضى الناس الانتقال من بلدهم إلى آخر لضعف في الإيمان ورغبةٍ في مكاسب دنيوية قد يخسرونها ، ونسُوا أو تناسَوا أن خسارة النفس يوم القيامة أكبرُ الخسران. ولا يكون الإخلاص في العبادة بغير بذل الجهد ودفع الثمن،فسلعة الله غالية،وسلعة الله رضاه والجنّة،وجزاء من عصى ربه أن يكون وقودَ النار والعياذُ بالله.، قد يخسر المرء أولادَه وأمواله وبيته وزوجَتَه فيعوّض ما خسره ،أما أن يخسر نفسه في سواء الجحيم إنها لَلخسارةُ العظمى التي لا تُعَوَّض أبداً. وأمعِنِ النظرَ في التصوير المخيف للعيش في جهنّم ،فظُلَلُ النار من فوقهم وظُلَلُ النار مِن تحتهم تشوي كل موضع في أجسادهم وتحرقهم، وهم يتضاغون ويبكون ويصيحون، ولا صريخ لهم.! ويأتي النداء العُلْويُّ من بعيد وقريب { يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)}(الزمر) فيجيب المؤمنون : سمعاً وطاعة يا ربَّنا ، لبيك وسعدَيك والخيرُ كلُّه بيديك. فإذا استجاب ذوو القلوب المؤمنة والعقول الصافية بشرهم الله تعالى برضاه والجنة { ..فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (18)}(الزمر). إن من بعضِ سمات أولي الألباب -هنا - مايلي : 1- يعبدون الله تعالى مخلصين له الدينَ،ولا يشركون به سبحانه من إله واحد. ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ )، والطاغوت ما طغى وتجبر. 2- يصبرون على أمر الله وعبادته، فيجزيهم الله تعالى أجرهم بغير حساب.وهذا من روائع الكرمِ الإلهيّ. 3- سئل أحدهم كيف وصلتَ إلى ما أنت عليه ؟ قال: (الخوفُ من الجبار ، وعملُ النهار والاستغفارُ في الأسحار). 4- الإنابة إلى المولى والتوبة الدائمة والإحسانُ ( أن تعبد الله كأنك تراه،فإن لم تكن تراه فإنه يراك ). 5- يستمعون القولّ فيتَّبعون أحسنَه . فإن سأل أحدُهم كيف يتبع أحسنَه؟ فالجوابُ : أ- (يفهمونه ويعملون بما فيه كقوله تبارك وتعالى لموسى عليه الصلاة والسلام حين آتاه التوراة : { ... فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا ...(145)}(الأعراف) ، بأحسن ما يقدرون من العمل الصالح. ب- قال ابن عباس : هو الرجل يسمع الحسَنَ والقبيح فيتحدثُ بالحسن وينكُفُ عن القبيح ،فلا يتحدث به . ج- وقالوا : يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن . د- وقيل : يستمعون القرآن وأقوالَ الرسول فيتبعون مُحكمَه فيعملون به . هـ- وقالوا بعض العلماء : يستمعون عزما وترخيصا فيأخذون بالعزم دون الترخيص . و- وقال عبد الرحمن بن زيد : نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي , اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها في جاهليتهم , واتبعوا أحسن ما صار من القول إليهم . اللهم ارزقنا مكانة أولي الألباب واجعل عاقبتنا كعاقبتهم . يتبع |
#14
|
||||
|
||||
سلسلة أولو الألباب / الدكتور عثمان قدري مكانسي/ق14
سلسلة أولو الألباب الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الرابع عشر بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (21) الزمر. ألم ترّ : دعوة إلى التفكر والتدبُّرِ، فما يعقل الحياة ويفهمها إلا من سَبَحتْ أفكارُه في ملكوت الله يستلهم العظات والعبر، ويتساءل تساؤل الواعي عن الحياة وأسبابها والوجودِ وعوامله.
وما كل من نظر رأى، لا بد للنظر من قلب واع مستنير يرى ما حوله بعين الفاحص الخبير،فيجد النظام في الكون كبيرِه وصغيره ، دقِّه وجليلِه. ويتعرف على بديع الصنع ودقة العمل ،فيعلم أن الله تعالى خلق كل شيء بقَدر، وهيّأ له جوّه المناسب ، فيزداد إيماناً بالله وحباً له سبحانه. ذكر بعض علماء الطبيعة أنهم اكتشفوا غيمة في السماء تحوي من الماء ستين ضعفَ ما في الأرض من محيطات وبحار وأنهار.وأن الماء نزل من السماء إلى الأرض حين اراد الله تعالى أن تكون سكناً لآدم عليه السلام وذرّيته.وقد كانت الأرض صعيداً جُرزاً، وسوف تعود كذلك بعد أن تقوم بدورها كاملاً في احتضان البشر : { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)}(الكهف). فأصل الماء في الأرض من السماء كما قال عز وجل : { ..وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (48)}(الفرقان)، فإذا أنزل اللهُ الماء من السماء توزّعَ في الأرض، ثم يصرفه تعالى في أجزائها كما يشاء ،ثم يُخرجه عيونا مختلفة القوة والحجم بحسب الحاجة إليها، قال تبارك وتعالى : { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ } . أقرأ هذه الاية فأرى بعينَي قلبي الماءَ العذبَ يتسلسل في أنابيب أرضية مخترقاً ماء البحار دون أن يذوب فيها ويختلط ،ويشقُّ الأرض الصلبة فيحيي به الله مواتَ الارض من زرع وأشجار مختلفة الطعم والمنظر والأحجام والأشكال، بين حلو وحامض ومالح ، وبين رائحة ولون، فتنطق جوارحي بكلام الله تعالى: { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (11)}(لقمان). وتستمر دورة الحياة فنرى الزرع والشجر (يهيجُ) بعد نضارته وشبابه ويكتهل ، فتراه مصفرا قد خالطه اليبس ثم ييبس تماماً فيتهشّم ، هكذا الحياة،تبدأ بُرعُماً غضاً، ثم يكبر هذا البرعم ويشتدُّ فيحمل الخير إلى المخلوقات، فإذا ما انتهت مَهمَّتُه دبَّت الشيخوخةُ فيه فأسلمته إلى الضعف والهرم، ثم إلى الفناء ، هكذا نحن معشر البشر – أيها العقلاء ، يا أصحاب القلوب الذكية والأفئدة المتدبّرة "إنَّ الدنيا هكذا تكون خضرة نضرة حسناء ،ثم تعود عجوزا شوهاء والشاب يعود شيخا هرما كبيرا ضعيفا ، وبعد ذلك كله (الموت ) الذي لا بُدَّ منه ، يقول ابن كثير رحمه الله: فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير وكثيرا ما يضرب الله تعالى مثـَلَ الحياة الدنيا بما ينزل الله من السماء من ماء،فينبت به زروعا وثمارا ،ثم يكون بعد ذلك حطاماً، ألم يضرِبِ الله تعالى الأمثالَ لنعي ونتفكر ونتدبّر؟ { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا (45)}(الكهف). عن ابن مسعود قال : قلنا يا رسول الله يقولُ تعالى : { أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ .. (22)}(الزمر) كيف انشرح صدرُه ؟ قال : ( إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح ) قلنا : يا رسول الله وما علامة ذلك ؟ . قال: ( الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعدادُ للموت قبل نزوله). وعن ابن عمر : أن رجلا قال يا رسول الله أي المؤمنين أكيَسُ ؟ قال: ( أكثرهم للموت ذكرا وأحسنُهم له استعدادا وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع ) قالوا : فما آية ذلك يا نبي الله ؟ قال : ( الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت ) فذكر صلى الله عليه وسلم خصالا ثلاثة , ولا شك أن من كانت فيه هذه الخصال فهو الكامل الإيمان , فإن الإنابة إنما هي أعمال البر ; لأن دار الخلود إنما وضعت جزاءً لأعمال البر , ألا ترى كيف ذكره الله في مواضع في تنزيله. ثم قال بعقب ذلك : { جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)}(الواقعة) ، فالجنة جزاء الأعمال ; فإذا انكمش العبد في أعمال البر فهو إنابته إلى دار الخلود , وإذا خمد حرصه عن الدنيا , ولها عن طلبها , وأقبل على ما يغنيه منها فاكتفى به وقنع , فقد تجافى عن دار الغرور . وإذا أحكم أموره بالتقوى فكان ناظرا في كل أمر, واقفا متأدبا متثبتا حذرا يتورع عما يريبه إلى ما لا يريبه , فقد استعد للموت . فهذه علامتهم في الظاهر . وإنما صار هكذا لرؤية الموت , ورؤية صرف الآخرة عن الدنيا , ورؤية الدنيا أنها دار الغرور , وإنما صارت له هذه الرؤية بالنور الذي ولج القلب(تفسيرالقرطبي). وما أروع هذا التعليل لقوله تعالى: { ..فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)}(الزمر) ، إذ روى ابو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله تعالى : اطلبوا الحوائج من السُّمَحاء ،فإني جعلت فيهم رحمتي. ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم، فإني جعلت فيهم سخطي ) . وقال مالك بن دينار : ما ضُرب عبدٌ بعقوبة أعظمَ من قسوة قلب , وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم . من سمات أولى الالباب في هذه الآيات: 1- أنهم يتفكرون ويتدبّرون ، وقلوبهم ترى الواقع بعين البصيرالواعي. 2- صدورهم ممتلئة بنور الله يصدرون عنه أقوالاً وأعمالاً. 3- ما يدخل النور قلباً إلا حين يتمكن نور الإيمان فيه. 4- يكثرون من ذكر الله وقلوبهم متعلقة بخالقها. يتبع |
#15
|
||||
|
||||
سلسلة أولو الألباب / الدكتور عثمان قدري مكانسي/ق15
سلسلة أولو الألباب الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الخامس عشر بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54)غافر يؤكد القرآن القاعدة الثابتة في نصرة الدعوة والدعاة في سورة غافر حين يورد قصة مؤمن آل فرعون الذي بذل جهده في نصرة موسى عليه السلام وفي دعوة قومه إلى الإسلام – وكان ابنَ عمِّ فرعون- فهدده فرعونُ بالعقاب الشديد يُنزله به حين يعود من متابعة موسى وقومه الذين انطلقوا هاربين إلى بلاد الشام ، فتبعهم فرعون بجنوده، فأغرقهم الله تعالى جميعاً في البحر، وكان الداعية (مؤمن آل فرعون) ممن نجا مع موسى عليه السلام وقومه { فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)}.
يصوّرُ القرآن عذاب فرعون وجنودِه في نار البرزخ قبل نار الآخرة : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} ، ويقول العلماء بناء على هذا : إن هناك عذاباً شديداً للكفار قبل يوم القيامة.وعذاب ُ القبر ثابت في الأحاديث الشريفة ولعله جزءٌ من العذاب الذي يلقاه الكفرة والمخطئون قبل يوم القيامة . واسمعْ وانظرِ الحوارَ بين المستكبرين وأشياعهم في النار وهم يتعذَبون فيقول الضعفاء الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم فخسروا الدنيا والآخرة { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ (47)} ، يطلبون إليهم أن يتحمّلوا عنهم بعض العذاب ، وهم مثلهم في العذاب وأشدّ.فيردُّ المستكبرون الطغاة وقد ذلّوا وانكسروا معترفين مقرّين بما صاروا إليه من الذلِّ والهوان: { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)} ، وحين يرى أهلُ النار أنها مأواهم وقد طال عذابهم المستمر يلتفتون إلى زبانية النار الموكّلين بعذابهم يرجونهم أن يستعطفوا ربهم ليخفف عنهم يوماً من العذاب ،- نعم يوماً واحداً -بعد أن أيقنوا بالخلود في النار- وما أشدّ بؤسهم وهم يرجون مَنْ يعذّبهم أن يشفع لهم – { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ (49)} ، فيقرّعونهم بسؤال يعلمُ المجرمون جوابَه ولا ينكرونه، يسألونهم ، { قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ } فلا يملكون سوى الإقرار بالذنب والاعتراف أنهم ضيّعوا الفرصة فباءوا بالخسران الدائم المبين{ قَالُوا بَلَى } فتُسمعُهم الزبانية ما أنكروه في الدنيا وأقرّوا به في النار أنِ ادعوا أنتم ربّكم ، ولن يُجيبكم إلى ما تريدون ، فقد عشتم ومتُّم كفاراً { ققَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)}(غافر) والضلالُ هنا :الإهمال والنبذُ والاحتقار.ولن ينفعهم اعتذارُهم { يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)}. ونصْرُ الله لعباده المؤمنين في الدنيا – حين يلتزمون غرزَه ويعملون بشريعته.وفي الآخرة حين يعفو الله تعالى عنهم ويقبل اجتهادهم في القربى منه والمنافسة في إرضائه : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)}،ثم نجد الآيتين الكريمتين : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54)} ، توضِّحان أن المولى سبحانه يبعث الرسُل بالبينات والهدى والنور، ومثالهم في هاتين الآيتين موسى عليه السلامُ ،إذ بعثه الله سبحانه داعياً إلى توحيده والعمل بهديِه وجعل العاقبة لهم وأورثهم بلادَ فرعون وأمواله وكنوزه حين صبروا على طاعة الله واتباعِ رسوله موسى عليه السلام ، فمن عمل بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كان من اصحاب العقول السليمة والإدراك الواعي ولا شكَّ أن ورثة الأنبياء من ساروا بعدهم على منوالهم وحملوا ثابتين راغبين في الأجر رسالاتهم، وما أروع الوصية التي وصّى الحقُّ بها نبيّه في الآية التالية إذ كانت تلخيصاً للفكرة وتتويجاً للمعنى، يقول الله تعالى : 1- { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ 2- وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ 3- وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)}. إنه الصبر والثباتُ والاستغفار واللجوء إلى الله وتسبيحه وتنزيهه عُدّةُ المسلم المجاهد في سبيله سبحانه ...ولعلنا نكون منهم إن شاء الله . يتبع القسم الأخير |
#16
|
||||
|
||||
سلسلة أولو الألباب / الدكتور عثمان قدري مكانسي/ق16
سلسلة أولو الألباب الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم السادس عشر والأخير بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) الطلاق خلق الله تعالى الأمم ولم يتركها تعيش في ظلام الكفر وتعاسة الضلال . لقد أرسل إليها أنبياءه على مر الدهور وكرِّ العصور، يهدونهم إلى السعادة ويأخذون بأيديهم إلى سبيل الكرامة وعز الحياة .سنّ لهم قواعد الحياة وشرَع لهم ما يحييهم ، وبيّن لهم الحلال والحرام ، ورغَّبهم برضاه والجنّة ورهّبهم من سخطه والنار، ولعل بعض الامم – لفسادها وكِبْرها وصدّها عن سبيل الله تعالى – عجَّل اللهُ لها العقوبة في الدنيا :
{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)}(الطلاق). كان الحساب شديداً والعذابُ وبيلاً.ولعل كلمة ( ذاقتْ) تدل على الاستغراق في العذاب الأليم والإحساس العميق به في كل جانحة من جوانح الإنسان .كما أن كلمة ( العاقبة) تدلُّ على الخسارة الفادحة التي لا تُعوّض.إنَّ العاقبة تعني النهاية التي لا رجعة بعدها. ما مِن أمة إلا خلا فيها نذير .فإن استكبرتْ وأبتِ السير على هدى الله عاجلها العقوبة المدمّرة: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)}(القصص).إني لأعجب ممن يستكبر ويأبى الهداية وهو يعلم ضعفَه ، ويحارب الحقَّ ويهوى الضلالة ويحارب لأجلها ،ولا يعتبر بمصير الأمم السالفة ، وآثارُها تحكي نهاية فسادها. (كم)هنا و(كأيّن) في الآية السابقة تدُلاّن على كثرة من حاد عن الطريق فعوقب جزاءً وِفاقاً ، وكانت نهايتُه مأساويّة،بيدَ أن المولى سبحانه لا يظلم الناس شيئاً ، فقد أرسل إلى البشريّة الهداة المصلحين والأنبياء المنذرين : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)}(القصص). وهذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُبعث في أم القرى ( مكة) فتصل دعوتُه إلى آفاق الجزيرة وبلاد الشام وفارس . وقد نجد أكثر من نبيٍّ يرسلهم الله تعالى في مدينة واحدة: { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14)}(يس). إن (إعدادَ) العذاب يوحي بالغضب الشديد على كل من عصى وتجَبَّر، وحارب الله تعالى، وبارزه بالخصومة وحارب دينه، (الإعداد) يعني الخلود في الهوان والذلِّ المقيم . { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)}(الطلاق). إن أولي الألباب يتقون الله تعالى ويخافون عذابه ويسعَون إلى مرضاته، ألم يرفع الله قدرهم حين أنزل إليهم ذكراً؟ بلى والله لقد أكرمنا بذلك حين قال: { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)}(الأنبياء) والذكرُ تكريمٌ ورفعٌ للدرجات ،لقد جعل الله تعالى القرآن للنبي وللمسلمين شرَفاً وتعظيماً : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)}(الزخرف). إنَّ أولي الألباب ذوو أفهام مستقيمة وأعمال سليمة لن يُصيبهم ما أصاب غيرهم من عذاب ،فهم ليسوا مثلَهم، لقد آمنوا بالله واتّبعوا نبيّه صلى الله عليه وسلم.وصدّقوا كتابه الذي حفظه وأكّد على بقائه نقياً لاتُغيّره الظروف ولا تُبّدِّله الأهواء : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}(الحجر). وكما يتلو الرسول صلى الله عليه وسلم آيات الله بيّنات فيكون قد بلّغ رسالة ربه ووفّى فالدعاةُ ورثَةُ الأنبياء يسيرون على خطاهم ويدعون إلى الله على بصيرة وهدى، ويمشون على خطا نبيهم لا يخافون في الله أحداً . إن أولي الألباب مؤمنون،والمؤمن يعمل الصالحات ويدعو إليها ، ومن عمل صالحاً أدخله الله تعالى في رحمته ورزقه جنات تجري من تحتها الانهار أبَدَ الآبدين. وهل هناك ثواب أعظم من أن يخلد المرء في جنات عرضها السماوات والأرض خالداً لا يبغي عنها حِوَلاً في جوار رب كريم يتنعم بحياة لا تفنى وملك لا يبلى ، ورزق حَسَنٍ يتجدد وصحبة الأنبياء والأبرار والشهداء والصالحين ؟ ...لمثل هذا فليعمل العاملون. |
#17
|
||||
|
||||
قصيدة أولو الألباب / الدكتور عثمان قدري مكانسي
قصيدة أولو الألباب
الدكتور عثمان قدري مكانسي إن لـلألبـاب دوراً رائـداً * في حياة الناس ريّانَ النّدى (يا أولي الألباب) نادى ربُّنا * (فالفؤادُ) الحيُّ نبعٌ للهدى يدفع العقل إلى درب السنا * في رضا المولى بنورٍ أرشدا إن ذا الـلـبِّ تـَقيٌّ سَـمْتُـهُ * طابَ أخلاقاً وأصفى مورِداً شعّ في قلبٍ وعقلٍ وانثنى * يُصلح الدنيا ويجتازُ المَدى حاملاً نهجـاً قويمـاً للدُّنـا * يجعل المسـلمَ فيهـا سـيّـداً أنتَ يا ذا اللبِّ(بانٍ)ناصحٌ * قاد ركبَ الناسِ حُرّاً ماجدا فاصدَعَنْ بالحق قولاً واحداً * واملأ الدنيـا نشـيداً خالـداً (إنـّمـا الـلـه إلـهٌ واحدٌ) .... * أرسلَ المختارَ فينا (أحمدا) ***** ربَّنا ؛كنّا وما زلنا على * شرعك السامي العِبادَ السُّعَدا ثابتي الخطوَ، وإنـّا دائمـاً * للعُـلا جُنـْدٌ ،، ورمزٌ للفـِدا |
أدوات الموضوع | |
|
|