#1
|
|||
|
|||
شرح سورة الجمعة
بعد الانتهاء من شرح سورة الصف من سلسلة تفسير العُشر الأخير يبدأ فضيلة الشيخ محمد نبيه في تفسير سورة الجمعة وبيان معاني الآيات والكلمات.
سورة الجمعة هي سورة مدنية النزول وعدد آياتها احدى عشرة آية، " تفسير سورة الجمعة " ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أول شئ من الدروس في تفسير سورة الجمعة هو دوام تسبيح الكائنات لله تبارك وتعالى، وفي هذا اشعار بأن الكائنات لا تفتر عن تسبيح الله، يسبح له ما في السماوات السبع وما في الأراضين السبع. ﴿الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ ﴿الْمَلِكِ﴾ الذي يملك كل شئ وينفذ أمره في كل شئ. والله تبارك وتعالى خلق الخلق وملكهم سبحانه لذلك أمره فيهم نافذ قال عز وجل: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾. ﴿الْقُدُّوسِ﴾ الذي له مطلق الطُهر. ﴿الْعَزِيزِ﴾ الذي لا يغلب ولا يقهر. ﴿الْحَكِيمِ﴾ الذي يضع الشئ في موضعه اللائق به. فلا يستعصي على الله شئ من خلقه ولا يخالف أمره شئ أبداً، إن أغنى وإن أفقر وإن أصح وإن أمرض وإن أعطى وإن منع فهو يعطي ويمنع لحكمة يعلمها هو، ويجود على من يشاء بما شاء كيف شاء. ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾ ﴿الْأُمِّيِّينَ﴾ هم العرب. ﴿مِّنْهُمْ﴾ أمي كأميتهم، شريف في نسبه كما فيهم أشراف في النسب هو صفي من العرب اصطفاه الله تبارك وتعالى من العرب. من نفاذ أمره ومن عزته وحكمته سبحانه وتعالى أنه اصطفى محمداً ﷺ من قوم أميين. والأمي هو الإنسان الذي على سجيته. عندما تعامل إنساناً على سجيته ولم يسبق له في التعامل لؤم ولا خبث يقال له أمي. وليس شرطاً أن تكون الأمية مقابلة للقراءة والكتابة إنما الأمي في أصله هو الإنسان الذي على سجيته على طبيعته لم يدخله لوث ولا عكر، وقد تطلق الأمية على من لا يحسن القراءة والكتابة والعرب كانوا هكذا. ﴿آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ ﴿آيَاتِهِ﴾ آيات الله القرآن. ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ التزكية طهارة يعني يعمل على تطهيرهم من درن الشرك. ﴿الْكِتَابَ﴾ القرآن. ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ السنة. وهذا يدل على أن السنة النبوية وحي كما أن القرآن وحي وتصديق هذا في حديث النبي ﷺ: (كان جبريل ينزل علي بالسُنة كما ينزل علي بالقرآن). ﴿ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ العرب قبل الإسلام كانوا في ضلال واضح ولما جاء الإسلام أصابوا الهداية ووضح لهم الطريق. لكن الآية تفيد أنه عربي ﷺ واصطفاه الله من العرب وأرسله في العرب لكن لم يرسله في العرب وحدهم إنما أرسله في العرب وفي غير العرب فرسالته عالمية. ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ﴾ لا شك أنهم غير العرب، فالآخرون هم العجم كما ذكر الطبري في التفسير وابن أبي حاتم وغيرهما. عرب وعجم الناس هكذا، فالعرب مصطلح يطلق على ساكني شبه الجزيرة العربية وما سواهم من أرض الله هم العجم. وهناك قول آخر: بأن الآخرون ليسوا العجم فقط بل كل من أسلم بعد موت النبي ﷺ عرباً كانوا أو عجماً فهم الآخرون الذين لم يدركوا العصر الأول. ﴿ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ ﴿ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ﴾ الإشارة هنا للاسلام، فالاسلام فضل الله يؤتيه من يشاء ويمن به على من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ في الآية تذكير للمؤمنين بالنظر في أحوال السابقين لما فيه من عظة وعبرة حتى نتحاشا أسباب هلكتهم وحتى ننتفع بما سادوا من خلاله وقادوا. والمقصود بهم في الآية هم علماء اليهود الذين حفظوا التوراة عن ظاهر قلب ولكنهم ما عملوا بها وعلم الحرام ولم يتركوا طرقه وعلموا الحلال ولم يسلكوا أسبابه فضرب الله لهم مثل السوء كمثل الحمار يحمل أسفارا. وفي هذا إشارة إلى من يقرأ القرآن ويجيد قراءته ويحفظه عن ظهر قلب لأن القرآن كلام الله والتوارة كلام الله. ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ ﴿هَادُوا﴾ هاد بمعنى رجع وتاب، والمقصود اليهود. كان رسول الله ﷺ إذا ذهب إلى اليهود ليدعوهم يقولون له: يا محمد دعنا فنحن أبناء الله وأحباءه والله لا يعذبنا. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿نُودِيَ﴾ أي نداء في القرآن بعده أمر عظيم قد يكون تكليف أو غير تكليف. والنداء المعتبر يوم الجمعة هو النداء بين يدي الخطيب يعني الأذان الذي يؤذن عند صعود الخطيب المنبر أو بعد صعود الخطيب المنبر. ﴿فَاسْعَوْا﴾ السعي هنا معناه المُضي وهو المشي مع شئ من الهمة، والسعي كذلك في القرآن يأتي بمعنى آخر يأتي بمعنى الفعل والعمل ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾. # يوم الجمعة # والسعي للجمعة يكون بترك الأشغال الدنيوية والاشتغال بأمر الآخرة ويبدأ الاشتغال بالمشي تجاه الجمعة، فالجمعة شعيرة من شعائر الإسلام وكذلك الجمعة صلاة، فيوم الجمعة أزكى أيام الأسبوع وسيدها. وفي الحديث الشريف قال النبي ﷺ: (من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلق آدم وفيه قُبض وفيه تقوم الساعة فإذا كان يوم الجمعة فأكثروا فيه من الصلاة علي فإن صلاتكم تبلغني). قالوا: وكيف تبلغك صلاتنا وقد أرمت. قال ﷺ: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. # صلاة الجمعة # أما الجمعة كصلاة فهي من الصلوات المفروضة وهي ركعتان تتقدمهما خطبة تسمى خطبة الجمعة وخطبة الجمعة خطبتان بينهما جلسة خفيفة. والجمعة فرض على كل مسلم عاقل مقيم غير مسافر ولا امرأة ولا عبد فهي واجبة على كل من احتلم من الذكور الأحرار. أما العبيد فليست عليهم فرضا ولا على النساء ولا على المسافرون على قول من أقوال أهل العلم. ودليلنا على هذا أن النبي ﷺ في حجة الوداع في يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر ويوم عرفة في حجة الوداع وافق يوم جمعة. والنبي ﷺ وهو في عرفة كان مسكنه في المدينة يومذاك ومن ثم المسافر لا جمعة عليه واجبة لكن إن صلاها أجزأت وصحت وكذلك المرأة والعبد والصبي الذي لم يحتلم. # أما الأحكام الأخرى المتعلقة بالجمعة: #
# هل هناك فرق بين الجمعة والعيدين أم الأمر واحد؟ # هناك فرق فالجمعة تتقدمها الخطبة وبعد الخطبة الصلاة أما العيدان فنصلي العيد أولا ثم نسمع الخطبة ثانية. # هل هناك فرق بين خطبة العيد وخطبة الجمعة؟ # هناك قول بأن خطبة العيد كخطبة الجمعة يعني خطبتان يجلس بينهما كما يجلس في الجمعة. وهناك قول ثاني أن العيد تُخطب له خطبة واحدة. من قال للعيد خطبتان: قاسوه على الجمعة. ومن قالوا للعيد خطبة واحدة قالوا: إن النبي ﷺ صلى العيد في العراء على غير منبر. وقالوا: لم يؤثر عنه ﷺ أنه جلس ولا استراح حتى نقول خطب خطبتين. واستدلوا أيضا بأنه صلوات الله وسلامه عليه خطب العيد في حجة الوداع على راحلته يعني على ناقته وهو على الناقة ما فصل بين خطبتين إنما خطب خطبة واحدة. ثم في رواية أنه صلى في العراء خطب الرجال ثم أتى النساء فوعظهن ووصاهن وقالوا: لأن النساء لم يكن سمعن خطبته صلوات الله وسلامه عليه. # أذان الجمعة # الأذان المعتبر يوم الجمعة هو الأذان الذي يؤذن عند صعود الخطيب المنبر أو بعد صعود الخطيب المنبر. لو أذن المؤذن يحرم على كل بائع أن يبيع بل وبعض العلماء قال: وإذا تم البيع فسد ولم ينعقد العقد لأنه بُني على حرام. فلا يجوز بيع ولا شراء عند صعود الخطيب المنبر وأذن المؤذن بين يديه. ﴿فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ﴾ ﴿فَاسْعَوْا﴾ فعل أمر. ﴿وَذَرُوا﴾ فعل أمر. والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف وليس في الآية صارف يصرف الوجوب. ومن ثم النهي هنا للتحريم والسعي هنا للوجوب. ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ بعد انتهاء الصلاة يأمرنا الله بأن نذهب إلى أشغالنا ودنيانا فما منعنا الله تعالى ولا أمرنا بأن ننقطع للآخرة فقط بل خذ من دنياك ما يسترك فيها وما يبلغك يوم القيامة. ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ ﴾ في صحيح البخاري أن النبي ﷺ كان يخطب في القوم وكانت المدينة يومذاك فيها شدة ورهق، وكان دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه صحابي جليل كان قد جمع مالاً من الناس وذهب للشام وأتى بتجارة فيها سمن وزيت وفيها عسل ودقيق. ولما جاءت التجارة سمع من في المسجد أن التجارة قد وصلت فتركوا النبي ﷺ فوق منبره يخطب وليس معه إلا اثنى عشر رجلا وخرجوا لملاقاة التجارة. فنزلت الآية عتاب وتربية وتأديب. ﴿قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ تحتاج من المرزوق إلى يقين فلو أن المرزوق عنده يقين في أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ما عانى أبدا من رزق. لما حرم الله الصيد على بني اسرائيل في يوم السبت ابتلاهم بكثرة الحيتان في البحر في يوم السبت فاحتالوا على أمر الله. فلو أنك على يقين بأن الله هو الرزاق، والله رزقك لن يذهب إلى غيرك أبداً لذلك بعض الصالحين قال: علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمئن قلبي. هذا أصل من اعتقاد المسلمين ومن اعتقاد النبي ﷺ واعلم أن الأمة كلها لو اجتمعت على أن يضروك بشئ لن يضروك بشئ إلا قد كتبه الله عليك. واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطئك لم يكن ليصيبك. فالرزق والأجل يملكهما الواحد المتعال سبحانه وتعالى ولم يعهد الله بهما إلى مخلوق أبداً. لذلك ما نحتاج إلا الرضا واليقين فلو رضيت بصنع الله فيك وبتقديره لك ينشرح الصدر ولو أيقنت في أن الأجل قرار يملكه الله لا يملكه عبده تستريح وتقر العين وتنام بالهناءة والسرور. مشاهدة تفسير سورة الجمعة |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: شرح سورة الجمعة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |