مقال من وحى الانقلاب // حوار قصير مع محبط كسير بقلم // عمر و عفيفى

[علاء الدين الكردى]

رابطة النهضة والاصلاح



"محبط" يجلس في ركن المسجد واجما ينظر إلى الأرض، يقترب منه "مجاهد" ويضع يده عليه برفق: كيف حالك يا صديقي؟

محبط: ليس هناك أمل!


مجاهد متعجبا: كيف تقول ذلك وأنت تؤمن أن للكون ربا يدبر أمره ويسير خطاه وأن العباد كلهم خاضعون مقهورون له؟

محبط -بعينين زائغتين-: لكن ما الذي يمكن أن تفعله تظاهراتكم هذه سوى المزيد من الخسائر؟

مجاهد بحماس: أولا: علينا الكفاح وعلى الله النجاح.. الله قادر على نصرتنا ولو انقطعت الأسباب وصفرت الحسابات البشرية.

ثانيا: وبالحسابات أيضا. فإن هذا السيسي يعتمد على بعض المعطيات يضحك بها على جيشه وشعبه والمجتمع الدولي، وأهم هذه المعطيات هي:

-أن ما فعله ليس انقلابا بل هو استجابة لمطالب الشعب.

-أن الشعب المصري مؤيد للانقلاب ولا يعارضه إلا فئة قليلة من الإرهابيين.

-أنه رجل محايد لا ينحاز إلى أحد أطراف الصراع السياسي.



فلو استطعنا بالثبات والصبر والمرابطة أن نفضح كذبه ونبين حقيقته ستتسع رقعة المعارضين للانقلاب فيفتضح أمره أمام جيشه وأمام المجتمع الدولي ويخسر حتما بل قد يسوء مصيره.

محبط: أليس الأولى من هذه التكهنات أن نحقن الدماء ونقلل الخسائر ونعود لبيوتنا سالمين؟

مجاهد: الانبطاح والاستسلام أسوأ الخيارات وأبهظها ثمنا.

محبط: لم؟ غاية ما في الأمر أن نعود لعصر مبارك مرة أخرى.


مجاهد: بل هناك ما هو أخطر من ذلك، فعلاوة على أننا سنعود لعصر مبارك ونفقد أهم مكتسبات الثورة وهي حرية الدعوة والكرامة الإنسانية. فالأخطر من ذلك:

-أن السيسي سيصير بطلا، وهذا سيفتح الطريق أمام القيادات العسكرية ليكون من مهام الجيش المصري وسننه الراتبة -لأول مرة في التاريخ- حماية العلمانية وإجهاض أي مشروع الإسلامي.

-سيؤدي إلى تغيير العقيدة القتالية للمقاتل المصري بدلا من عداوة اليهود إلى عداوة الإرهابي المصري -كما لقنوه-، وهو ما سعت له أمريكا وطالبت به صراحة منذ سنوات ولم تستطع تحقيقه حتى في عصر مبارك. فسيتحقق بنجاح الانقلاب.

-وأخطر ما في الأمر أن هناك قبولا نفسيا وتبريرا أخلاقيا عند النخب السياسية وطوائف من الشعب لإبادة الإسلاميين. وهو ما سيفتح الباب لجرائم المجرمين من الشرطة وأمن الدولة الذي عادوا مشحونين بمزيد من الحقد والضغينة.

محبط: وماذا عن حرمة الدماء؟

مجاهد:أولا: الانبطاح لن يحفظها بل سيضعها رخيصة أمام كل شارب.

ثانيا: حرمة الدين أعظم من حرمة الدماء، ألا ترى أنه بنجاح الانقلاب سيتسلط ويتغلب أعداء الدين من النصارى والعلمانيين ويعيثون في الأرض الفساد.

محبط بنرة غاضبة: أليس ما حدث هذا ناجم عن أخطاء الإخوان.. فلماذا نناصرهم؟
مجاهد مبتسما: بهدوء يا صديقي. لا ينكر أحد أن الإخوان أخطئوا في الكثير، ولكن ما حدث لا علاقة له بأخطائهم لأن ما حدث خطة إفشال ومؤامرة إسقاط كاملة.

محبط: لمصلحة من؟

مجاهد: ألا تعلم أن أمريكا دأبت على تدبير الانقلابات على أي حكومة وطنية تعارض المصالح الأمريكية وتحاول تحقيق المصالح الوطنية وعلى اغتيال القادة الوطنيين إما اغتيالا سياسيا أو حقيقيا لاستبدالهم بقادة مستبدين طغاة يخدمون مصالح أمريكا ويلبون طموحاتها.

كما فعلت في إيران مع محمد مصدق وفي فنزويلا مع شافيز وأيدت انقلاب مشرف في باكستان وأيضا فعلت مثل ذلك في بنما والإكوادور وغيرها.

بل يزيد الأمر هنا بالتوجهات الإسلامية لمرسي وتحالفه مع المقاومة الفلسطينية وتهديده للأمن القومي الإسرائيلي.

محبط يستشيط غضبا: كيف تطلب مني أن أدافع عن مرسي أنا أعتقد أنه خذل المشروع الإسلامي والضباط الملتحين وأدخل الشيعة وحالف العلمانيين و..

مجاهد مقاطعا: لن أدخل معك في مناقشة حول هذه الأمور فالوقت لا يتسع. ولا ينكر أحد أن لمرسي أخطاءه، ولكن الأمر لم يعد متعلقا بشخص مرسي بل عودة مرسي – اتفقنا أو اختلفنا معه- هي رمز لعودة مكتسبات ثورة يناير من الكرامة وحرية الفكر والدعوة إلى الله، وحماية التواجد الإسلامي على الساحة الفكرية والسياسية، والسعي إلى التخلص من النفوذ الغربي والتعاون الأمني القذر مع أمريكا وإسرائيل، وعودة دور مصر الإقليمي ومناصرة القضايا العربية والإسلامية، ومحاربة الظلم والفساد، والأمل في التنمية والنهوض. أي حر شريف لابد أن يساهم في عودة مرسي ولو كان معارضا له.

محبط وهو ينظر إلى الأرض مطرقا: ألا ترى أن الوقت طال ولم يتغير الأمر.

مجاهد ضاحكا: هل تظن أنك بالتظاهر لأسبوعين أو ثلاثة ستحبط انقلابا عسكريا وتجبر صاحبه على التراجع وهو ما يعرضه للمحاكمة، لابد أولا أن نرى الله من أنفسنا صدقا وثباتا حتى نستحق النصرة، قال تعالى " إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ".

ثم لابد ألا تتوقف ضغوطنا ولو طال الزمن فهذه معركة النفس الطويل، ألا ترى أننا في كل وقت تزداد مكاسبنا ويزداد تصعيدهم وخوفهم منا. وأملهم أن نيأس ونمل ونتراجع.

محبط وقد انفرجت أساريره قليلا: أترى أن هناك أملا؟

مجاهد: الأمل باق ما بقي النفس والعمل.

محبط "سابقا": وما العمل؟

مجاهد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

http://www.nahdaislah.com