بسم الله الرحمن الرحيم
أختي .. .. المتربعة على عرش قلبي ..حفظك الله ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أختي : ودعتك وأنت مسافرة بهذه الصيغة النبوية الجامعة
(( أستودع الله دينك وامانتك وخواتيم عملك .. ))
ثم دعوت لك بالدعاء المأثور في هذه المناسبة أيضا :
(( زودك الله التقوى , وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيثما كنت ))
فأحببت ان تكون أولى رسائلي إليك بعد السفر :
أن نعيش في ضلال صيغة التوديع دقائق معدودات ..
لعل الله ان يكرمنا بعدها بسعادة الدنيا والآخره
أختي العزيزة الاثيرة : إن الدين والامانة وخواتيم الاعمال هي أغلى شئ في هذه الحياة .
عند المؤمنين والمؤمنات .. لذا فإن المقيم يستودعها عند الله تبارك وتعالى لأخيه المسافر.
وإن الله يحفظها بكرمه وفضله , فهو سبحانه وتعالى إذا استودع شيئا حفظه ,
تكرما وتفضلا منه عز وجل ..ولكنها يا أختي وبالدرجة الاولى
هي ودائع غالية عند المسافر نفسه , يجب عليه أن يحفظها ويرعاها ,
ويحوطها من كل جوانبها , حتى لا يفقد منها مثقال ذرة ..
وإلا فكيف يدعوا الله أن يحفظها , وهو مقصر لم يأخذ بأسباب الحفظ والرعاية ؟!!
وهل يجوز في العقول السليمة أن يقول الإنسان : (اللهم أدخلني الجنة )
وهومقصر في الصلاة وفي كثير من فرائض الله ؟؟!!!
وهل يصح في الاذهان ان يقول الطالب (اللهم نجحني ) وهو مهمل في دراسته ؟!!
ثم أقول أيتها الاخت الحبيبة :
إن هذه الودائع الثلاث, وإن كان الواجب علينا ان نحافظ عليها دائما ونحن في سفرنا إلى الله في كل لحظة,
إلا إنها تزداد وجوبا وقداسة ورعاية وحفظا , ونحن في سفرتنا وغربتنا ..بعيدين عن أخوتنا وأحبتنا ..!!
الوديعة الأولى :دينك :
الدين - يا أختي – كلمة جامعة شاملة لكل ما جاء به رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم من عقائد ,
وعبادات , وأخلاق , وأحكام تشريعية للفرد والأسرة والمجتمع والدولة في كل مجالات الحياة :
العقيدية , والتربوية, والتعليمية , والاعلامية , والسلوكية , والاحوال الشخصية , والمالية , والقضائية ,
والادارية , والجنائية , والمدنية , والقانونية , والدستورية , والسياسية ,
والجهادية , والداخلية , والخارجية ......الخ.
( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) النحل89
{أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }الأنعام
أختي الحبيبة : فالتزمي بتعاليم الإسلام كلها وطبقيها في حياتك كاملة ,
واحملي غيرك على الإيمان والاقتناع الراسخ بها , وبعد الإيمان : العمل والتنفيذ ..
ولكن لا تستعجلي عليهن فالزمن جزء من العلاج .. وإن التدرج من
سنة الله في التربية والتشريع واحذري يا أختاه
ثم أحذري ان تفرطي في شئ من احكام الاسلام
حافظي على الفرائض .. وأستكثري من النوافل ..
أمتنعي بتاتا عن المحرمات والمكروهات والشبهات .. وأستبرئي لدينك وعرضك ..
وكوني تقية نقية في مخبرك وفي مظهرك .. وإن ألممت بذنب أو تقصير
أو فتور فألتجئي تائبة نادمة باكية إلى ساحة مولاك العظيم ,
وأيقني أنه سبحانه وتعالى تواب كريم ..غفار رحيم ..
ثم أستأنفي المسير إليه بكل صدق وأخلاص وعزم ونشاط ..
حفظك الله يا اختي وحفظ عليك دينك بكل آفاقه وأبعاده ..
الوديعة الثانية : أمانتك
وهنا – ليس عندي لك سوى التذكير.
أي أخيتي الحبيبة .. قال ربنا سبحانه وتعالى :
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }الذاريات55
وهل أختي ألا فتاة مؤمنة بحق ؟! نعم .. إذن فالامانة الامانة يا أختاه
{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }المؤمنون8
ومن الامانات الكبرى :
• أمانة الفطرة فلا نلوثها بالقاذورات الفكرية او السلوكية .
• وأمانة الأسلام فلا نضيع منه شيئا – مهما كان في نظرنا هينا
• { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ }النور15
• ثم أمانة العمل والجهاد من اجل تحقيق هذا الإسلام واقعا حيا في حياتنا وحياة الناس.
• وأمانة كل مسلم ومسلمة في أي شبر من الارض : أن نهتم بأمر المسلمين في كل بقاع العالم
, فنسر لسرورهم , ونتألم لآلامهم , ونتعرف على قضاياهم ومآسيهم ,
ونفديهم باموالنا ودمائنا ومواهبنا وكل ما نملك .
• وأمانة حسن اختيار الزوج الصالح التقي النقي الفاهم العامل المجاهد ,
فلا تغرنا المظاهر الخداعة , أو بريق الجمال والفتوة , او مغناطيسية المناصب والاموال والشهادات .
• ثم تاتي أمانة تربية الاولاد وتعهدهم ليكونوا هداة راشدين , وأبطالا فاتحين ,
وليكن زوجات صالحات وفيات , وامهات بارات مثاليات , وداعيات ناجحات موفقات جاذبات ..
• ثم أمانات : ودائع الناس وحقوقهم المادية والمعنوية ( وفي مقدمتهم الوالدان والارحام )
وأسرار الناس واخبارهم الخاصة وشئونهم الداخلية .
• ثم تاتي بعد ذلك سائر الامانات أرأيت يا أختي أن الامانة قد جمعن الكثير من هدي الاسلام
• بل جمعت الاسلام كله .. بل جمعت الدين والدنيا معا ؟! فصلى الله وسلم ..
على من أوتي جوامع الكلم .. جعلك الله وجعلنا جميعا من المؤدين للأمانات ..
الاوفياء بالعهود .. الراعين للذمم .
•
أقول ثم لا تنسي يا اختاه .. أمانة العمر والحياة .. فالله الله في إغتنام الدقائق قبل الساعات ,
لتكوني من الراعين لأماناتهم والراعيات , وحتى نحظى جميعا بالفردوس الاعلى في الجنة {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }المؤمنون11
الوديعة الثالثة : خواتيم عملك
قال الله تعالى :
{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }التوبة105
أعلمي يا اخية ان الزمن هو رأس مال المسلم في هذه الحياة ..
وان اللحظة التي تذهب لا تعود ابدا ..
ومن اصدق ما قاله الامام الحسن البصري رحمه الله تعالى:
(( كل يوم ينشق فجره ينادي : يا أبن آدم .. انا خلق جديد.. وعلى عملك شهيد.. فأغتنمني فإني لا اعود إلى يوم القيامة )) .
وما أصدق ما قاله الامام حسم البنا :
(( الواجبات اكثر من الاوقات .. فعاون غيرك على الانتفاع بوقته .. وإن كانت لك مهمة فأوجز في قضائها )) .
فأغتنمي كل لحظة .. وانتهزي كل دقيقة .. وأدخلي مع الزمن في سباق وأسبقيه ..
وخذي الزتد من رحيلك الطويل .. الزاد الذي لا زاد غيره ..
الزاد الذي تجدينه مذخورا موفورا لك يوم تحطين الرحال.
( وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }البقرة197
ولا تنسي إننا تحت ظل الوديعة الثالثة ..
فأعلمي يا أختي إنما الاعمال بخواتيمها فقد تكون البداية طيبة (نية وسلوكا ) ثم في النهاية
تخالط النية شوائب الرياء او العجب او الحديث عن النفس والعمل ,
أو ينحرف السلوك الى غير المقصد النبيل .. او الى غير الطريق السوي ..وهنا يفسد كل شي.
ويضيع كل جهد .. وتتحول الطاعة إلى معصية ..
ثم للربط بين الامانة وبين الاعمال :
أجعلي صفات المؤمنين في أوائل سورة ( المؤمنون ) دستورا لك ..ونبراسا بين يديك ينير لك الطريق.
ثم للربط بينهما وبين الوديعة الاساسية الاولى ( الدين ) :
تمثلي تعاليم الاسلام كلها في شؤون حياتك _ وفقك الله .
وختاما اليك أختي الغالية هذه الدرر الغالية من السحر الحلال.. وما اجملها من حكم بليغة:
1- قيل لاحد الصالحين .. من العابدين المجاهدين .. والدعاة العاملين : لو رفقت بنفسك !!
فقال : الخير كله الخير كله فيما اكرهت النفوس عليه . ثم قرأ قول القائد الاعلى
صلوات الله وسلامه عليه : (( حجبت النار بالشهوات .. وحجبت الجنة بالمكاره )) .
2- أخرجوا جاهلية الغرب من عقولكم وحياتكم _ يخرج اهلها من بلادكم _ .
3- أقيموا دولة الاسلام في صدوركم وبيوتكم – تقم دولة الاسلام على ارضكم وفي حكمكم.
4- يا من يعانق دنيا لا بقاء لها ......... يمسي ويصبح في دنياه سفارا
هلا تركت لذي الدنيا معانقة ..........حتى تعانق في الفردوس ابكارا
5- (( إن تكوين الامم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الامة التي تحاول هذا
, إلى : قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة امور : إرادة قوية ( لا يتطرق إليها ضعف)
ووفاء ثابت ( لا يعدو عليه تلون ولا غدر)
وتضحية عزيزة ( لا يحول دونها طمع ولا بخل )
ومعرفة بالمبدأ, وإيمان به ,
وتقدير له : يعصم من الخطأ فيه , والانحراف عنه , والمساومة عليه , والخديعة بغيره.
على هذه الاركان الاولية التي هي من خصائص النفوس وحدها ..
وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تبنى المبادئ .. وتتربى الامم الناهضة .. وتتكون الشعوب الفتية ..
وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنا طويلا ))
وأخيرا وليس آخر أختم رسالتي إليك – وقد عطرتها بزهور المحبة وعبير المودة ,
والشوق والحنين ألى رؤية محياك الطاهر بالسجود لله رب العالمين ..
ومره أخرى
( أستودع الله دينك وامنتك وخواتيم عملك ..
زودك الله التقوى .. وغفر ذنبك ..ويسر لك الخير حيثما كنت ) ...
نقلته لكم أختكم ( النحلة الصغيرة ) من كتاب همس القلوب
منقول
سفينة النصح