جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
المسلسل الرمضاني صور من حياة السلف - الحلقة الثالثة عشرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى أصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. حياكم الله إخوتي وأخواتي الكرام. نكمل معكم اليوم بإذن الله تعالى سلسلتنا الأدبية القصصية التاريخية، التي تعرض صوراً واقعية لأناس عاشوا وتربوا على أيدي خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، أو على أيدي أصحابه الأبرار رضوان الله عليهم، وعاشوا في خير القرون وأفضلها، وبذلوا لها كل نفيس، فصاروا أعلاماً يقتدى بهم، وكانوا المؤسسين إلى مدرستنا، مدرسة السلف الصالح. وإن كنت سأختار لقباً لبطلة قصتنا لهذا اليوم، فسيكون "الصحابية أخت الرجال". صفية بنت عبد المطلب (صفية أول امرأة مسلمة قتلت مشركاً دفاعاً عن دين الله) من هذه السيدة الجزلة الرزان (1) التي كان يحسب لها الرجال ألف حساب ؟ من هذه الصحابية الباسلة التي كانت أول امرأة قتلت مشركاً في الإسلام ؟ من هذه المرأة الحازمة التي أنشأت للمسلمين أول فارس سل سيفاً في سبيل الله ؟ إنها صفية بنت عبد المطلب الهاشمية القرشية عمة رسول الله . اكتنف المجد صفية بنت عبد المطلب من كل جانب : فأبوها عبد الملطلب بن هاشم جد النبي وزعيم قريش وسيدها المطاع . وأمها هالة بنت وهب أخت آمنة بنت وهب والدة الرسول () . وزوجها الأول ، الحارث بن حرب أخو أبي سفيان بن حرب زعيم بني أمية ، وقد توفي عنها . وزوجها الثاني ، العوام بن خويلد أخو خديجة بنت خويلد سيدة نساء العرب في الجاهلية ، وأولى أمهات المؤمنين في الإسلام . وابنها الزبير بن العوام حواري رسول الله . أفبعد هذا الشرف شرف تطمح إليه النفوس غير شرف الإيمان ؟! لقد توفي عنها زوجها العوام بن خويلد وترك لها طفلاً صغيراً هو ابنها "الزبير" فنشأته على الخشونة والبأس ، وربته على الفروسية والحرب ، وجعلت لعبه بري السهام وإصلاح القسي . ودأبت على أن تقذفه في كل مخوفة (2) ، وتقحمه (3) في كل خطر ، فإذا رأته أحجم أو تردد ضربته ضرباً مبرحاً ، حتى إنها عوتبت في ذلك من قبل أحد أعمامه حيث قال لها : ما هكذا يضرب الولد ... إنك تضربينه ضرب مبغضة لا ضرب أم فارتجزت (4) قائلة : من قال قد أبغضته فقد كذب وإنما أضربه لكي يلب (5) ويهزم الجيش ويأتي بالسلب ولما بعث الله نبيه بالهدى والحق ، وأرسله نذيراً وبشيراً للناس ، وأمره بأن يبدأ بذوي قرباه جمع بني عبد المطلب : نساءهم ورجالهم وكبارهم وصغارهم ، وخاطبهم قائلاً : (يا فاطمة بنت محمد ، يا صفية بنت عبد المطلب ، يا بني عبد المطلب إني لا أملك لكم من الله شيئاً) . ثم دعاهم إلى الإيمان بالله وحضهم على التصديق برسالته ... فأقبل على النور الإلهي منهم من أقبل ، وأعرض عن سناه (6) من أعرض ، فكانت صفية بنت عبد المطلب في الرعيل (7) الأول من المؤمنين المصدقين ... عند ذلك جمعت صفية المجد من أطرافه : سؤدد الحسب ، وعز الإسلام . انضمت صفية بنت عبد المطلب إلى موكب النور هي وفتاها الزبير بن العوام ، وعانت ما عاناه المسلمون السابقون من بأس قريش وعنتها وطغيانها . فلما أذن الله لنبيه والمؤمنين معه بالهجرة إلى المدينة خلفت السيدة الهاشمية مكة بكل ما لها فيها من طيوب الذكريات ، وضروب المفاخر والمآثر ، ويممت وجهها شطر المدينة ، مهاجرة بدينها إلى الله ورسوله . وعلى الرغم من أن السيدة العظيمة كانت يومئذ تخطو نحو الستين من عمرها المديد الحافل ، فقد كان لها في ميادين الجهاد مواقف ما يزال يذكرها التاريخ بلسان ندي بالإعجاب رطب بالثناء ، وحسبنا بهذه المواقف مشهدان اثنان ، كان أولهما يوم أحد وثانيهما يوم الجندق . أما ما كان منها يوم أحد فهو أنها خرجت مع جند المسلمين في ثلة (8) من النساء جهاداً في سبيل الله . فجعلت تنقل الماء ، وتروي العطاش ، وتبري السهام ، وتصلح القسي (9) . وكان لها مع ذلك غرض آخر هو ترقب المعركة بمشاعرها كلها ... ولا غرو (10) فقد كانت في ساحتها ابن أخيها محمد رسول الله () ... وأخوها حمزة بن عبد المطلب أسد الله ... وابنها الزبير بن العوام حواري (11) نبي الله ... وفي المعركة -قبل ذلك كله وفوق ذلك كله- مصير الإسلام الذي اعتنقته راغبة ... وهاجرت في سبيله محتسبة ... وأبصرت من خلاله طريق الجنة . ولما رأت المسلمين ينكشفون (12) عن رسول الله إلا قليلاً منهم ... ووجدت المشركين يوشكون أن يصلوا إلى النبي ويقضوا عليه ، طرحت سقاءها أرضاً ... وهبت كاللبؤة (13) التي هوجم أشبالها وانتزعت من يد أحد المنهزمين رمحه ، ومضت تشق به الصفوف ، وتضرب بسنانه الوجوه ، وتزأر في المسلمين قائلة : ويحكم ، أنهزمتم عن رسول الله ؟!! فما رآها النبي عليه الصلاة والسلام مقبلة خشي عليها أن ترى أخاها حمزة وهو صريع ، وقد مثل به المشركون أبشع تمثيل (14) فأشار إلى ابنها الزبير قائلاً : (المرأة يا زبير ... المرأة يا زبير ...) فأقبل عليها الزبير وقال : يا أمه إليك ... إليك يا أمه (15) . فقالت : تنح لا أم لك . فقال : إن رسول الله يأمرك أن ترجعي ... فقالت : ولم ؟! إنه قد بلغني أنه مثل بأخي ، وذلك في الله ... فقال له الرسول () : (خل سبيلها يا زبير) ، فخلى سبيلها . ولما وضعت المعركة أوزارها وقفت صفية على أخيها حمزة فوجدته قد بقر (16) بطنه ، وأخرجت كبده ، وجدع أنفه (17) ، وصملت (18) أذناه ، وشوه وجهه ، فاستغفرت له ، وجعلت تقول : إن ذلك في الله ... لقد رضيت بقضاء الله . والله لأصبرن ، ولأحتسبن (19) إن شاء الله . ذلك كان موقف صفية بنت عبد المطلب يوم أحد ... أما موقفها يوم الخندق فله قصة مثيرة سداها الدهاء والذكاء ولحمتها (20) البسالة والحزم ... فإليك (21) خبرها كما وعته كتب التاريخ . لقد كان من عادة رسول الله إذا عزم على غزوة من الغزوات أن يضع النساء والذراري في الحصون خشية أن يغدر بالمدينة غادر في غيبة حماتها . فلما كان يوم الخندق جعل نساءه وعمته وطائفة من نساء المسلمين في حصن لحسان بن ثابت ورثه عن آبائه ، وكان من أمنع حصون المدينة مناعة وأبعدها منالاً . وبينما كان المسلمون يرابطون على حواف (22) الخندق في مواجهة قريش وأحلافها ، وقد شغلوا عن النساء والذراري بمنازلة العدو . أبصرت صفية بنت عبد المطلب شبحاً يتحرك في عتمة الفجر ، فأرهفت له السمع ، وأحدت إليه البصر ، فإذا هو يهودي أقبل على الحصن ، وجعل يطيف به متحسساً أخباره متجسساً على من فيه . فأدركت أنه عين (23) لبني قومه جاء ليعلم أفي الحصن رجال يدافعون عمن فيه أم أنه لا يضم بين جدرانه غير النساء والأطفال . فقالت في نفسها : إن يهود بني قريظة قد نقضوا ما بينهم وبين رسول الله من عهد وظاهروا (24) قريشاً وأحلافها على المسلمين . وليس بيننا وبينهم أحد من المسلمين يدافع عنا ، ورسول الله ومن معه مرابطون في نحور (25) العدو . فإن استطاع عدو الله أن ينقل إلى قومه حقيقة أمرنا سبى اليهود النساء ، واسترقوا الذراري ، وكانت الطامة (26) على المسلمين . عند ذلك بادرت إلى خمارها فلفته على رأسها ، وعمدت إلى ثيابها فشدتها على وسطها ، وأخذت عموداً على عاتقها (27) ، ونزلت إلى باب الحصن فشقته في أناة وحذق ، وجعلت ترقب من خلاله عدو الله في يقظة وحذر ، حتى إذا أيقنت أنه غدا في موقف يمكنها منه حملت عليه حملة صارمة ، وضربته بلعمود على رأسه فطرحته أرضاً ... ثم عززت الضربة الأولى بثانية وثالثة حتى أجهزت عليه ، وأخمدت أنفاسه بين جنبيه . ثم بادرت إليه فاحتزت رأسه بسكين كانت معها ، وقذفت بالرأس من أعلى الحصن ، فطفق يتدحرج على سفوحه حتى استقر بين أيدي اليهود الذين كانوا يتربصون (28) في أسفله . فلما راى اليهود رأس صاحبهم ، قال بعضهم لبعض : قد علمنا أن محمداً لم يكن ليترك النساء والأطفال من غير حماة ... ثم عادوا أدراجهم ... رضي الله عن صفية بنت عبد المطلب . فقد كانت مثلاً فذاً للمرأة المسلمة . ربت وحيدها فأحكمت تربيته . وأصيبت بشقيقها فأحسنت الصبر عليه . واختبرتها الشدائد فوجدت فيها المرأة الحازمة العاقلة الباسلة ... ثم إن التاريخ كتب في أنصع صفحاته : إن صفية بنت عبد المطلب كانت أول امرأة قتلت مشركاً في الإسلام (29) . ونلتقي غداً إن شاء الله تعالى في قصة جديدة لصحابي جليل اسمه طلحة بن عبيد الله. (1) الجزلة : الأصيلة الرأي ، والرزان : الرصينة الرزينة .
(2) مخوفة : موقف يخاف منه . (3) تقحمه : تدفعه وتدخله . (4) ارتجزت : قالت شعراً على بحر الرجز . (5) يلب : يصبح لبيباً ، واللبيب الذكر العاقل . (6) سناه : ضياؤه . (7) الرعيل الأول : الفوج الأول . (8) ثلة : طائفة . (9) القسي : جمع قوس وهو آلة من آلات الحرب الحرب يرمى بها بالسهام . (10) لا غرو : لا عجب . (11) الحواري : الناصر ، وحواريو الرسل الخاصة من أنصارهم . (12) ينكشفون : يتفرقون . (13) اللبؤة : أنثى الأسد . (14) التمثيل : تشويه جسد الميت . (15) إليك يا أمة: ابتعدي يا أماه . (16) بقر بطنه : شق بطنه . (17) جدع أنفه : قطع أنفه . (18) صلمت أذناه : قطعت أذناه . (19) لأحتسبن : لأجعلن ذلك المصاب في الله ولأطلبن الأجر عليه منه . (20) السدى : الخيوط الطويلة للنسيج واللحمة الخيوط العريضة . (21) إليك خبرها : خذ خبرها . (22) حواف الحندق : أطرافه . (23) عين : جاسوس . (24) ظاهروا قريشاً : أعانوا قريشاً . (25) في نحور العدو : في وجوه العدو وقبالته . (26) الطامة : المصيبة الكبرى ، وسمية القيامة طامة لأنها تطم كل شيء . (27) على عاتقها : على كتفها . (28) يتربصون : ينتظرون ويترقبون . (29) للاستزادة من أخبار صفية بنت عبد المطلب انظر : 1- أسد الغابة : 7 / 174 . 2- الطبقات الكبرى : 8 / 41 . 3- سير أعلام النبلاء : 2 / 193 . 4- الإصابة : / 348 (هكذا هي في المصدر) . 5- الاستيعاب : 4 / 345 . 6- سمط اللآلئ 8 : 1 / 18 . 7- حياة الصحابة : 1 / 154 وانظر الفهارس . 8- السيرة النبوية لابن هشام : انظر الفهارس . 9- ذيل تاريخ الطبري : انظر الفهارس . 10- الكامل في التاريخ : انظر الفهارس . 11- أعلام النساء لكحالة : 2 / 341 - 346 . 12- فتوح البلدان للبلاذري . 13- الأغاني لأبي الفرج : انظر الفهارس (غريب مسلم : لا أنصح بالنظر حتى في هذا الكتاب، فصاحبه كان رافضياً شعوبياً فارسياً، ومعظم ما في الكتاب مكذوب) . 14- المستطرف للأبشيهي : انظر الفهارس . 15- المعارف لابن قتيبة : انظر الفهارس .
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
|
#2
|
||||
|
||||
هذه هى المرأة المسلمة القدوة النموذج صاحبة الرسالة والعقيدة وذات الدور الحقيقى لا الزائف.
برجاء عمل فهرس للسلسة كاملة فى موضوع واحد.
__________________
قـلــت :
|
#3
|
|||
|
|||
|
أدوات الموضوع | |
|
|