جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
وأنه خلق الزوجيـن الذكر والأنثي من نطفة إذا تمني( النجم:45 و46)
وأنه خلق الزوجيـن الذكر والأنثي من نطفة إذا تمني( النجم:45 و46)
بقلم الدكتور: زغـلول النجـار هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في بداية الربع الأخير من سورة النجم, وهي سورة مكية, وعدد آياتها ثنتان وستون(62) بعد البسملة. وقد سميت السورة الكريمة بهدا الاسم( النجم) لاستهلالها بقسم من الله( تعالي) يقول فيه ـ وهو الغني عن القسم لعباده: والنجم إذا هوي( النجم:1) ويأتي جواب القسم بتأكيد من الله( تعالي) علي صدق نبوة خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) وصدق مابلغ عن ربه( سبحانه وتعالي) إتباعا للحق الذي أوحي إليه به, في استقامة واعتدال تأمين هيأهما الله( سبحانه وتعالي) وهيأه لهما, كما هيأ ذلك لسلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين من قبل, فبلغ( صلي الله عليه وسلم) الرسالة, وأدي الأمانة, ونصح البشرية كافة, وجاهد في سبيل الله حتي أتاه اليقين وفي ذلك تقول الآيات: ماضل صاحبكم وما غوي* وما ينطق عن الهوي* إن هو إلا وحي يوحي* علمه شديد القوي*ذو مرة فاستوي* وهو بالأفق الأعلي* ثم دنا فتدلي* فكان قاب قوسين أو أدني* فأوحي إلي عبده ما أوحي* ما كذب الفؤاد ما رأي*أفتمارونه علي مايري* ولقد رأه نزلة أخري* عند سدرة المنتهي* عندها جنة المأوي* إذ يغشي السدرة مايغشي* مازاغ البصر وما طغي* لقد رأي من آيات ربه الكبري*( النجم:2 ـ18) وبعد هذا التأكيد علي حقيقة الألوهية, والربوبية, والتفرد بالوحدانية المطلقة للذات الإلهية فوق جميع الخلق, وعلي حقيقة وحي السماء, وعلي صدق نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وعلي حقيقة التكريم الذي أكرمه به رب العالمين في رحلة الإسراء والمعراج ـ وهو تكريم لم ينله مخلوق من قبل ولا من بعد ـ بعد ذلك كله تتابع الآيات في سورة النجم باستنكار شرك المشركين, وتطاولهم علي الذات الإلهية بعبادة الأصنام والأوثان بدعوي أنها تقربهم الي الله زلفي أو بنسبة الملائكة إليه( سبحانه وتعالي) وهم من خلقه, واعتبارهم إناثا,وهو خوض بغير حق في امور غائبة عنهم غيبة كاملة وفي ذلك تقول الآيات: أفرأيتم اللات والعزي* ومناة الثالثة الأخري* ألكم الذكر وله الانثي* تلك إذا قسمة ضيزي* إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوي الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدي ( النجم:19 ـ23) وكانت هذه الأصنام والأوثان الثلاثة ضمن عدد كبير من الطواغيت التي اتخذها مشركو العرب بيوتا تعظم وينحر عندها وتهدي اليها الهدايا ويطاف بها كالطواف حول الكعبة تماما, مع إدراك فضل الكعبة عليها. وتستمر الآيات بعد ذلك في استنكار شرك المشركين لتقول: ام للانسان ما تمني* فلله الآخرة والأولي* وكم من ملك في السماوات لاتغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي* إن الذين لايؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثي* ومالهم به من علم إن يتبعون الا الظن وإن الظن لايغني من الحق شيئا* (النجم:24 ـ28) وتؤكد هذه الآيات أنه ليس كل مايتمناه الانسان يحصل عليه, لان أمر الدنيا والآخرة كله بيد الله رب العالمين, وتتساءل إذا كان الملائكة المقربون لايملكون الشفاعة إلابإذن من الله( تعالي) لمن يشاء ويرضي منهم, فكيف يتخيل المشركون إمكانية شفاعة اصنامهم وأوثانهم وأندادهم التي زعموها بغير دليل, وعبدوها من دون الله, أو أشركوها في عبادته؟ وتعتب الآيات علي هؤلاء المشركين جورهم وانحرافهم وغرورهم باختيار الذكور لانفسهم, وادعاء الانوثة للملائكة, ونسبتهم زورا او بهتانا الي الله( تعالي) وهو( سبحانه) المنزه عن الشريك والشبيه والمنازع, والصاحبة, والولد, لأن هذه كلها من صفات المخلوقين والله( تعالي) مغاير لجميع صفات خلقه. وهذه الادعاءات الباطلة من الكفار والمشركين نابعة من ظنهم السييء, والظن لايغني من الحق شيئا. وبعد ذلك تنتقل الآيات إلي أمر من الله( تعالي) الي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) والأمر له ينسحب علي جميع المؤمنين برسالته من بعده ويتضمن الأمر ضرورة الإعراض عن الجاهلين من الكفار والمشركين, وعن جميع الذين تولوا عن ذكر الله( تعالي) واغرقوا انفسهم الي الآذان في أمور الدنيا, وضلوا عن سبيل الله فتقول مخاطبة النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) فأعرض عن من تولي عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا* ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدي* (النجم:30,29) ثم تعاود الآيات في سورة النجم التأكيد علي أن الله تعالي هو رب كل شيء ومليكه, وهو( سبحانه) الحكم العدل الذي يجازي كلا بعمله, ويعفو عن صغائر الذنوب, ويغفرها, ويستر فاعليها إذا تابوا وأقلعوا عنها, لأن رحمة الله واسعة, ومغفرته عظيمة, والله( سبحانه وتعالي) أعلم بخلقه من علم خلقه بأنفسهم, وفي ذلك تقول الآيات: ولله مافي السموات ومافي الارض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني* الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو اعلم بكم إذ إنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي*( النجم31 و32) وبذلك ينتهي الشوط الأول من سورة النجم ويأتي الشوط الثاني في صيغة عدد من التساؤلات التقريرية, التقريعية, التوبيخية لكل كافر, ومشرك, ومتشكك, محذرة من التولي عن طاعة الله أو الانقطاع عنها أو الإقلال منها, ومثبتة عددا من الحقائق الدينية والكونية, والصفات الإنسانية, والأحداث التاريخية, ومنذرة بفجائية الآخرة فتقول: افرأيت الذي تولي* وأعطي قليلا وأكدي* أعنده علم الغيب فهو يري* أم لم ينبأ بما في صحف موسي* وإبراهيم الذي وفي* ألا تزر وازرة وزر أخري* وأن ليس للإنسان إلا ما سعي* وأن سعيه سوف يري* ثم يجزاه الجزاء الأوفي* وأن إلي ربك المنتهي* وأنه هو أضحك وأبكي* وأنه هو أمات وأحيا* وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي* من نطفة إذا تمني* وأن عليه النشأة الأخري* وأنه هو أغني وأقني* وأنه هو رب الشعري*وأنه أهلك عادا الأولي* وثمود فما أبقي* وقوم نوح من قبل أنهم كانوا هم أظلم وأطغي* والمؤتفكة أهوي* فغشاها ما غشي* فبأي آلاء ربك تتماري* هذا نذير من النذر الأولي أزفت الآزفة* ليس لها من دون الله كاشفة* أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا( النجم:33 ـ62) وهكذا تختتم سورة النجم بخطاب واضح من الله( تعالي) إلي كل من كفار ومشركي قريش ـ وإلي كل كافر, ومشرك, ومتشكك من بعدهم إلي يوم الدين ـ يؤكد لهم فيه أن القرآن الكريم هو الصورة النهائية التي تكاملت فيها كل رسالات السماء, وأنه جاء بنفس البشارات والنذر التي جاءت بها كل الرسالات السابقة, ولذلك فإن هذا الخطاب الرباني يستنكر تكذيب المكذبين للحق الذي جاء به القرآن الكريم, ويتوعدهم بأن الآخرة قد أزف وقتها, وأن أهوالها شديدة لا يقدر علي كشفها إلا رب العالمين. وهذا الخطاب الرباني في ختام سورة النجم يستنكر كذلك استهانة الكفار والمشركين, والعصاة المتشككين بالأمر, وأخذهم إياه مأخذ الهزل والضحك, بدلا من الهم والبكاء, ولذلك يأمر ربنا( تبارك اسمه) كل مستمع لهذه الآيات بالسجود لله( تعالي) في عبادة وطاعة, وخضوع, وخشية وانكسار. ومن هذا الاستعراض السريع لسورة النجم يتضح أن محورها الرئيسي يدور حول العقيدة الإسلامية, شأنها في ذلك شأن كل السور المكية. من الإشارات الكونية في سورة النجم (1) الإشارة إلي موت النجوم بانفجارها( والنجم إذا هوي). (2) الرمز إلي ضخامة الكون بوصف الأفق بتعبير( الأفق الأعلي). (3) وصف البصر بأنه يزيغ ويطغي, والإشارة إلي أن الله( تعالي) قد ميز الإنسان بالقدرة علي الضحك والبكاء. (4) ذكر( الآخرة والأولي) مما يؤكد حتمية فناء الكون, وحتمية إعادة خلقه, كما يؤكد حقيقة الغيب الذي تجري البحوث العلمية وراءه في محاولة لكشفه. (5) التأكيد علي إنشاء الإنسان من الأرض, وعلي خلقه في مراحل جنينية متتابعة في بطن أمه. 6ـ إثبات حقيقة خلق الزوجين الذكر والأنثي من نطفة إذا تمني. 7ـ التأكيد علي حتمية البعث, وعلي حقيقة أن الله( تعالي) قد تعهد بالنشأة الأخري. وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي النقطة السادسة في القائمة السابقة والتي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي): وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي* من نطفة إذا تمني( النجم:46,45) من الدلالات العلمية للآيتين الكريمتين أولا: سبق كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالإشارة إلي خلايا التكاثر: في الوقت الذي ساد الاعتقاد بأن الجنين يتولد من دم الحيض, وأنه يخلق خلقا كاملا من هذا الدم دفعة واحدة علي هيئة متناهية الضآلة في الحجم ثم يزداد في الحجم بالتدريج حتي يصل إلي الحجم الكامل للجنين كما نادي بذلك أرسطو ومدرسته ومن تبعهم من أبناء الحضارات التالية لهم... في هذا الوقت نزل القرآن الكريم مؤكدا حقيقة الخلايا التناسلية, ودورها في عملية التكاثر, وفي تشكيل جنس الجنين بقدرة الله ومشيئته, ومؤكدا كذلك أن خلق الإنسان يتم في عدد من الأطوار المتتابعة. التي أولها النطفة, ثم العلقة, ثم المضغة ثم خلق العظام وكسوتها لحما. النطفة في اللغة العربية وفي العلم: ( النطفة) في اللغة العربية هي القليل من الماء الذي يعدل قطرة, وسميت صغار اللؤلؤ( النطف) تشبيها لها بقطرات الماء, ويقال:( نطف) الرجل( ينطف)( نطفا) و(نطفانا) بمعني تقاطر منه الماء,: بعد وضوئه أو غسله و(النطفة أيضا هي القليل من الماء الصافي, و(نطفان) الماء تقاطره وسيلانه, ويقال ليلة( نطوف) أي باتت تمطر حتي الصباح. و(النطف) الدلو, والواحدة منه( نطفة). ويقال: فلان( منطف) المعروف أي دائمه, وفلان( ينطف) بخير أي يندي به. واستعير هذا المصطلح للتعبير عن خلية التكاثر(Gamete) التي تندفق مع كل من ماء الرجل وماء المرأة أي سواء كانت النطفة مذكرة أو مؤنثة, وجمع النطفة( نطف) و( نطاف). ولفظة( نطفة) جاءت بمعني خلية التكاثر في اثنتي عشرة أية من آيات القرآن الكريم هي( النحل/4, الكهف/37, الحج/5, المؤمنون/14/13, فاطر/11, يس/77, غافر/67, النجم/46, القيامة/37, الإنسان/2, وعبس/19). وقد سمي القرآن الكريم اتحاد الخليتين التكاثريتين: الذكرية والأنثوية باسم( النطفة الأمشاج) أي المختلطة, وهو أول تعبير علمي دقيق عن عملية تخلق الجنين باتحاد نطفتي الرجل والمرأة. وتأكيدا لهذا المعني أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود( رضي الله عنه) أنه قال: مر يهودي برسول الله( صلي الله عليه وسلم) وهو يحدث أصحابه, فقالت قريش: يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي, فقال لأسألنه عن شئ لا يعلمه إلا نبي, قال: فجاء اليهودي حتي جلس ثم قال: يا محمد مم يخلق الإنسان؟ فقال رسول الله( صلي الله عليه وسلم): يا يهودي من كل يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة. ولم يصل العلم المكتسب إلي كشف هذه الحقيقة إلا بعد أكثر من أحد عشر قرنا( في نحو سنة1186 هــ/1775 م) حين ثبت دور كل من البييضة والحيوان المنوي في عملية تكون الجنين البشري. ولم تكتشف بييضة الثدييات إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي, كما أن نظرية الخلية بمعني أن الجسد مكون من مجموعات من الخلايا ومنتجاتها لم تتبلور إلا في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي( سنة1839 م) مما ادي إلي الفهم الصحيح بأن الجنين ينمو من خلية واحدة هي النطفة الامشاح(Zygote) أي المختلطة, وفي سنة1858 م أعلن فيرتشاو(Virchow) أن كل الخلايا تنشأ من خلايا سابقة عليها, وفي سنة1865 م وضع مبدأ الوراثة علي يد جريجور مندل(GregorMendel), وبعد ذلك بثلاث وعشرين سنة( أي في سنة1878 م) اكتشف فلمنج(Flemming) الصبغيات واقترح إمكانية أن يكون لها دور في عملية الإخصاب, وفي سنة1883 م لاحظ فون بنيد ينVonBeneden ان خلايا التكاثر الناضجة تحمل عددا من الصبغيات أقل مما تحمله الخلايا الجسدية, ووصف جانبا من عملية الانقسام الانتصافي للخلية(Meiosis) التي يتناقص بها عدد الصبغيات في الخلية التناسلية إلي النصف. في سنة1902 م أعلن كل من ساتون(Sutton) وبوفيري(Boveri)( مستقلا عن الآخر) أن سلوك الصبغيات أثناء تكون خلايا التكاثر وإخصابها يتفق تماما مع مبادئ علم الوراثة التي سبق لمندل(Mendel) اكتشافها في عالم النبات( سنة1865 م). وكانت أولي الملاحظات المهمة علي الصبغيات البشرية ما قام به وينيوارتر(Winiwarter) في سنة1912 م الذي اشار إلي أن عدد الصبغيات في الخلية الجسدية للإنسان هو(47) وصححه بينتر(Painter) إلي(48), وظل هذا الرقم مقبولا علي نطاق واسع حتي سنة1956 م حين أثبت كل من تيو(Tjio) وليفان(Levan) أن الرقم الصحيح لعدد الصبغيات في الخلية الجسدية لجنين الإنسان هو(46). وفي سنة1959 م أثبت لوجين واعوانه(Lejeuneeta11959) أن الخلايا الجسدية عند الأطفال المصابين بمرض المغولية(Mongolism) تحتوي علي(47) صبغيا, وثبت من ذلك أن الحيود عن العدد الثابت للصبغيات في الخلايا الجسدية هو تعبير عن عدد من الأمراض الموروثة عند الأطفال حديثي الولادة, والتي قد تتسبب في موت الجنين قبل ولادته, كما ثبت أن8% من فشل عملية الإخصاب هو ناتج عن بعض الحيود في عدد الصبغيات. وسبق كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالإشارة إلي كل من خلايا التكاثر الأنثوية والذكرية, وإلي تكون الجنين باتحادهما لمما يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق, ويشهد للنبي والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة. ثانيا: في قوله تعالي: وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي تشير هذه الآية الكريمة إلي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في جعل الزوجية سنة من سنن الحياة الدنيا ليبقي ربنا( تبارك وتعالي) متفردا بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه( بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة, ولا ولد), ولتبقي الزوجية في كل من الإنسان, والحيوان, والنبات, والجماد, ومختلف صور الطاقة وسيلة من وسائل استمرار الخلق وتجدده وتنوعه إلي ماشاء الله( تعالي), وشاهدا علي وحدة الأصل في الخلق الأول الذي يشير الي وحدانية الخالق( سبحانه وتعالي), وينطق بحقيقة الخلق. والنموذج الجلي لخلق الزوجين الذكر والأنثي يتضح في الأحياء من الإنسان إلي الحيوان والنبات حيث تملك الأنثي في كل مجموعة من هذه المجموعات الحية أجهزة تناسلية يعرف الواحد فيها باسم المبيضOvary)) وهذه الأجهزة وهبها الله( تعالي) قدرة فائقة علي إفراز خلايا التكاثر الأنثوية المعروفة باسم البييضة( أي البيضة الصغيرة) أو(ovum=Egg), وفي المقابل يملك الذكر أجهزة تناسلية مناظرة تعرف الواحدة منها باسم الخصية(Testis) أعطاها الله( سبحانه وتعالي) قدرة خارقة علي انتاج خلايا التكاثر الذكرية المعروفة باسم الحيوانات المنوية أو الحيامنSperms)) مفردها حيمنSperm)), وتجمع كل من الخلايا التناسلية الأنثوية والذكرية تحت مسمي النطاف جمع نطفة(Gamete), وباتحاد النطفتين الذكرية والأنثوية تتكون النطفة الأمشاج أو المختلطةZygote)). ومبيض الزهرة في النباتات المزهرة يعرف باسم المتاعGynoecium)) كما يعرف مجموع الخلايا الذكرية باســــــم الطلع(Androecium)) ويتركب من عدد من الأسديةStamena)), تتركب كل سداة منها من خيطFilament)) يحمـــــــل في نهايته المنك(Anrher) الذي يحمل حبوب اللقاح. والخلايا التناسلية في كل من الإنسان والحيوان والنبات تمثل ـ علي تناهيها في ضآلة الحجم ـ ينبوع الحياة ومصدر تنوعها الذي يستمر بها من الآباء إلي الأبناء والأحفاد عبر الحياة الدنيا كلها حتي يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها, ولذلك قال ربنا( وهو أحكم القائلين) ممتنا علي خلقه أجمعين: وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي( النجم:45). وتأكيد القرآن الكريم علي الزوجية في كل شيء سبق علمي لم يصل إليه علم الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين. ثالثا: في قوله تعالي: من نطفة إذا تمني: والمقصود بالنطفة هنا خلية التكاثر الأنثوية( البييضة), وبقوله تعالي( إذا تمني) أي إذا أخصبها الحيوان المنوي, ويحدث إخصاب البييضة بحيوان منوي واحد فينتج عن ذلك النطفة الأمشاجZygote)) التي تبدأ في الانقسام إلي خلايا أصغر فأصغر تعرف باسم القسيمات الأروميةBlastomeres)), ثم تتحول إلي كتلة كروية من الخلايا تعرف باسم التويتةMorula)) ثم تنشــــــــــطر التويتـــــة مكونة الكتلة الأروميةBlastocyst)) التي تنغرس في جدار الرحم لتكون المراحل التالية من العلقة, والمضغة, وخلق العظام, ثم كسوتها لحما وجلدا ثم النشأة الأخري حتي الجنين الكامل.. وبسبب انفراد حيوان منوي واحد بإخصاب البييضة قال المصطفي( صلي الله عليه وسلم): ما من كل الماء يكون الولد( صحيح مسلم). ولما كانت كل خلية من الخلايا التناسلية تحمل نصف عدد الصبغيات في الخلية الجسدية والمحدد لنوعها, كان في سنة التزاوج آية من آيات الخالق( سبحانه وتعالي) في إبداعه لخلقه, وذلك لأنه باتحاد الخليتين التناسليتين الذكرية والأنثوية لتكوين النطفة الأمشاج يكتمل عدد الصبغيات المحدد للنوع. ويحدث التنوع في الصفات بين الوالدين والأبناء الذي يثري الحياة ويجعلها أكثر بهجة, ويشهد للخالق بطلاقة القدرة التي أتقنت مايتم في داخل تلك النطفة الأمشاج حتي يخرج الإنسان أو الحيوان أو النبات إلي الحياة خلقا جديدا مشابها لأسلافه في بعض الصفات, ومختلفا في البعص الآخر. وفي الإنسان تحتوي الخلية الجسدية علي(46) صبغيا مرتبة في(23) زوجا كل منها يتماثل في الشكل, ويختلف في التركيب, وهذا العدد ثابت في خلايا كل من الذكر والأنثي وإن اختلفا في الصبغيات المحددة للجنس, فالخلية الجسدية الذكرية تحمل(44) صبغيا جسديا بالاضافة إلي صبغيين جنسيين غير متشابهين أحدهما مذكرy)) والآخر مؤنثX)). وبنفس التركيب تحمل الخلية الجسدية الأنثوية(44) صبغيا جسديا بالإضافة إلي صبغيين جنسيين ولكنهما في هذه الحالة متشابهان ومؤنثان هما(X),X)). وفي انقسام الخلايا الجسدية لتكرار ذاتها فإنها تنقسم انقساما فتيلياMitosis)) بمعني أن ينقسم كل صبغي انقساما فتيليا بالطول ليكرر ذاته وذلك من أجل المحافظة علي نفس العدد المحدد للنوع من الصبغيات في كل خلية جسدية, ولكن في حالة الانقسام لتكوين خلايا التكاثر فإن الخلية الجسدية تنقسم انقساما انتصافياMeiosis)) يعطي لكل خلية تناسلية نصف عدد الصبغيات في الخلية الجسدية, وذلك لكي يتكامل عدد الصبغيات باتحاد النطفتين الذكرية والأنثوية, فيتواصل الناس ويتعارفون ويتقاربون بالتزاوج, ويتحقق هذا التنوع العجيب في صفات الخلق بازدياد دائرة التناسل حتي يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها, ويثبت للناس وحدة الأصل مع هذا التنوع العريض فيتأخون ولا يتنافرون, ويتحابون ولا يتقاتلون, ولذلك يمن علينا ربنا( تبارك وتعالي) بهذه الحقيقية الكونية فيقول: وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي* من نطفة إذا تمني*( النجم:46,45). وتحتوي النطفة الذكرية في الانسان علي(23) صبغيا علي نوعين هما: (أ)(22) صبغي جسدي+ الصبغي المذكر(y). أو( ب)(22) صبغي جسدي+ الصبغي المؤنث(X). أما النطفة الأنثوية( البييضة) فهي علي شكل واحد يحمل دائما(22) صبغيا جسديا+ الصبغي المؤنث(X). فإذا قام حيوان منوي مما يحمل الصفة المذكرة(y) بإخصاب البييضة جاء الجنين ذكرا بإذن الله تعالي(44 صبغيا جسديا+X+Y). بينما إذا تم إخصاب البييضة بحيوان منوي يحمل الصفة المؤنثة(X) جاء الجنين أنثي بإذن الله الخالق سبحانه وتعالي(44 صبغيا جسديا+X+X). وهذه الأزواج الثلاثة والعشرون من الصبغيات يتشابه اثنان وعشرون منها في الشكل هي الصبغيات الحاملة للصفات الجسدية, ويختلف عنها الزوج الحامل للصفات الجنسية فهو إما أن يكون(X,X) في خلية الأنثي أو(Y,X) في خلية الذكر. ونصف هذه الصفات مستمد من الأب وأسلافه, والنصف الآخر مستمد من الأم وأسلافها حتي يتحقق هذا التنوع العجيب في الخلق الذي نشأ من أصل واحد, والذي يعرف في علوم الوراثة باسم التصالب(CrossOver=Chismata). وبهذه العملية يصبح لكل صفة من صفات الإنسان زوج من حاملات الوراثة أحدها مستمد من الأب وأسلافه, والأخر مستمد من الأم وأسلافها, والحامل الوراثي الأقوي هو الذي يسود وتعرف صفته باسم الصفة السائدة(TheDominantCharacter), بينما يستتر الحامل الوراثي الأضعف ويتنحي مرحليا ليظهر في أجيال تالية ولذلك تعرف الصفة التي يحملها باسم الصفة المستترة أو المتنحية(RecessiveCharacter), وبهذا التفاعل المحكم الدقيق تتنوع صفات الأبناء عن بعضهم البعض وعن والديهم وأسلافهم تنوعا عظيما. عملية الانقسام الانتصافي للخلايا: والذي يتتبع عملية الانقسام الانتصافي(Meiosis) في داخل الخلية الحية الجسدية من أجل تكوين خلايا التكاثر يدرك مدي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق, ورعاية الخالق العليم الحكيم لخلقه, وفي ذلك تتجهز الخلية الحية للإنقسام الانتصافي الأول(Meiosis-1) بتكدس المادة الصبغية(Chromatin) في داخل النواة, والتفافها علي ذاتها, وانقسامها إلي الصبغيات, وحينئذ تختفي النويات(Nucleoli) من داخل النواة, ويتحلل جدار النواة, وتبدأ الصبغيات المتشابهة في التقارب من بعضها البعض حتي تتشابكSynapsis)) وتبدأ في تبادل وحدات من الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسيجين(DNA) الذي تكتب به الصفات الوراثية علي الصبغيات, وتعرف هذه المرحلة باسم الطور التمهيدي الأول(Prophase-I). وفي المرحلة التالية تتحرك الصبغيات المتشابكة إلي قطبي الخلية حيث يظهر جهاز من خيوط مغزلية الشكل حول محور الخلية, وتعرف هذه المرحلة باسم الطور البعدي الأول(Metaphase-I) أو باسم الطور الاستوائي. وبعد ذلك تبدأ الصبغيات المتشابكة في الانفصال, ويتحرك كل زوج منها إلي أحد أطراف الخلية في قطبين متقابلين, ويبقي كل واحد من هذه الصبغيات مكونا من شقين صبغيين(TwoChromatids), وتعرف هذه المرحلة باسم التمايز أو العزل(Segregation), وبذلك ينفصل شقا كل زوج من الصبغيات المتشابهة في عملية تسمي باسم إعادة التصنيف المستقل للصبغيات وتعرف هذه المرحلة بإسم مرحلة الانفصال أو طور الصعود الأول(Anaphase-I) وفي المرحلة التالية تبدأ الصبغيات في فك الارتباط والالتفاف حول ذواتها, وتتحول إلي خيوط دقيقة في مجموعتين منفصلتين علي هيئة قطبين متقابلين, ويبدأ الغشاء النووي في التكون حول كل تجمع للصبغيات عند قطبي الخلية, وتبدأ النويات(Nucleoli) في الظهور, وينفصل كل تجمع صبغي مع ما يحيطه من سوائل الخلية وعضياتها علي هيئة خلية منفصلة وذلك بتقدير من الخالق( سبحانه وتعالي) وبما وهب الخلية الحية من طاقة حركية تعرف باسم الطاقة الحركية للخلية الحية(Cytokinesis) ويسمي هذا الطور الذي انقسمت فيه الخلية الجسدية الواحدة انقساما انتصافيا لتكون خليتين تناسليتين بكل منهما نصف عدد الصبغيات المحدد للنوع باسم الطور النهائي الأول(Telophasi-I). ثم تتكرر عملية الانقسام الانتصافي لكل من الخليتين الناتجتين في مرحلة ثانية(Meiosis-II) لها طور ابتدائي يعرف باسم الطور الابتدائي الثاني(Prophase-II), وطور بعدي ثاني(Metaphase-II) تتشابك فيه الصبغيات بقسيماتها المركزية(Centromeres) إلي الجهاز المغزلي, ويتحرك كل شق صبغي من كل واحد من الصبغيات كوحدة مستقلة إلي أحد قطبي الخلية في طور الانفصال الثاني(Anaphase-II) وذلك بانفصال القسيمة الوسطي لكل واحد من الصبغيات فينقسم إلي شقين يتحرك كل شق صبغي منهما(Chromatid) إلي أحد قطبي الخلية الحية. وفي الطور النهائي الثاني(Telophase-II) تصل الخلية الي مرحلة التوقف عن الانقسام, بينما تبدأ الطاقة الحركية للخلية في التزايد, وتبدأ أغشية نووية جديدة في التكون, وتبدأ الصبغيات في الانفراد, كما تبدأ النويات في الظهور, ويختفي الجهاز المغزلي, وتبدأ مرحلة التمايز, ومرحلة نضج الخلايا الأربع الناتجة إلي نطف(Gametes) إما ذكرية(Spermcells) أو أنثوية(Ovae=Eggcells) ولذلك قال ربنا( وقولة الحق): وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي* من نطفة إذا تمني*( النجم:46,45). والسبق القرآني بهذه الحقيقة العلمية التي لم تعرف إلا منذ أقل من قرن واحد من الزمن, لا يمكن أن يكون له من مصدر إلا الله الخالق الذي أنزل القرآن الكريم بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه( اللغة العربية) وحفظه حفظا كاملا: كلمة كلمة, وحرفا حرفا حتي يكون شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين, وذلك لأن الكتب السماوية السابقة جميعها قد وكل حفظها إلي أصحابها فضيعوها, وعرضوا ما بقي منها من ذكريات إلي قدر من التحريف الذي أخرجها عن إطارها الرباني, وجعلها عاجزة عن هداية أصحابها. وليست المظالم التي تضج بها الأرض في مختلف جنباتها اليوم إلانتاج الجهل بالدين الحق, والابتعاد عن منهج الله, واتباع الهوي والمعتقدات المنحرفة التي اتخذها أغلب أهل الأرض دينا لهم, والدين يجب أن يكون صناعة ربانية خالصة لا يداخلها أدني قدر من التصورات البشرية, والدين الوحيد الذي تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظ وحيه هو الدين الخاتم الذي بعث به النبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم). والذي حفظ في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم( عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم), بهذه الهداية الربانية الكاملة والتامة والناسخة لما قبلها من رسالات, والحمد لله علي حفظ القرآن الكريم, والسنة النبوية المطهرة في نفس لغة الوحي( اللغة العربية) بصفائهما الرباني, وإشراقاتهما النورانية وما فيهما من حق بدأت العلوم المكتسبة في التعرف عليه, والوصول إليه والحمد لله كثيرا في كل وقت وفي كل حين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وأنه خلق الزوجيـن الذكر والأنثي* من نطفة إذا تمني( النجم:45 و46) بقلم الدكتور: زغـلول النجـار هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في بداية الربع الأخير من سورة النجم, وهي سورة مكية, وعدد آياتها ثنتان وستون(62) بعد البسملة. وقد سميت السورة الكريمة بهدا الاسم( النجم) لاستهلالها بقسم من الله( تعالي) يقول فيه ـ وهو الغني عن القسم لعباده: والنجم إذا هوي( النجم:1) ويأتي جواب القسم بتأكيد من الله( تعالي) علي صدق نبوة خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) وصدق مابلغ عن ربه( سبحانه وتعالي) إتباعا للحق الذي أوحي إليه به, في استقامة واعتدال تأمين هيأهما الله( سبحانه وتعالي) وهيأه لهما, كما هيأ ذلك لسلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين من قبل, فبلغ( صلي الله عليه وسلم) الرسالة, وأدي الأمانة, ونصح البشرية كافة, وجاهد في سبيل الله حتي أتاه اليقين وفي ذلك تقول الآيات: ماضل صاحبكم وما غوي* وما ينطق عن الهوي* إن هو إلا وحي يوحي* علمه شديد القوي*ذو مرة فاستوي* وهو بالأفق الأعلي* ثم دنا فتدلي* فكان قاب قوسين أو أدني* فأوحي إلي عبده ما أوحي* ما كذب الفؤاد ما رأي*أفتمارونه علي مايري* ولقد رأه نزلة أخري* عند سدرة المنتهي* عندها جنة المأوي* إذ يغشي السدرة مايغشي* مازاغ البصر وما طغي* لقد رأي من آيات ربه الكبري*( النجم:2 ـ18) وبعد هذا التأكيد علي حقيقة الألوهية, والربوبية, والتفرد بالوحدانية المطلقة للذات الإلهية فوق جميع الخلق, وعلي حقيقة وحي السماء, وعلي صدق نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وعلي حقيقة التكريم الذي أكرمه به رب العالمين في رحلة الإسراء والمعراج ـ وهو تكريم لم ينله مخلوق من قبل ولا من بعد ـ بعد ذلك كله تتابع الآيات في سورة النجم باستنكار شرك المشركين, وتطاولهم علي الذات الإلهية بعبادة الأصنام والأوثان بدعوي أنها تقربهم الي الله زلفي أو بنسبة الملائكة إليه( سبحانه وتعالي) وهم من خلقه, واعتبارهم إناثا,وهو خوض بغير حق في امور غائبة عنهم غيبة كاملة وفي ذلك تقول الآيات: أفرأيتم اللات والعزي* ومناة الثالثة الأخري* ألكم الذكر وله الانثي* تلك إذا قسمة ضيزي* إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوي الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدي ( النجم:19 ـ23) وكانت هذه الأصنام والأوثان الثلاثة ضمن عدد كبير من الطواغيت التي اتخذها مشركو العرب بيوتا تعظم وينحر عندها وتهدي اليها الهدايا ويطاف بها كالطواف حول الكعبة تماما, مع إدراك فضل الكعبة عليها. وتستمر الآيات بعد ذلك في استنكار شرك المشركين لتقول: ام للانسان ما تمني* فلله الآخرة والأولي* وكم من ملك في السماوات لاتغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي* إن الذين لايؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثي* ومالهم به من علم إن يتبعون الا الظن وإن الظن لايغني من الحق شيئا* (النجم:24 ـ28) وتؤكد هذه الآيات أنه ليس كل مايتمناه الانسان يحصل عليه, لان أمر الدنيا والآخرة كله بيد الله رب العالمين, وتتساءل إذا كان الملائكة المقربون لايملكون الشفاعة إلابإذن من الله( تعالي) لمن يشاء ويرضي منهم, فكيف يتخيل المشركون إمكانية شفاعة اصنامهم وأوثانهم وأندادهم التي زعموها بغير دليل, وعبدوها من دون الله, أو أشركوها في عبادته؟ وتعتب الآيات علي هؤلاء المشركين جورهم وانحرافهم وغرورهم باختيار الذكور لانفسهم, وادعاء الانوثة للملائكة, ونسبتهم زورا او بهتانا الي الله( تعالي) وهو( سبحانه) المنزه عن الشريك والشبيه والمنازع, والصاحبة, والولد, لأن هذه كلها من صفات المخلوقين والله( تعالي) مغاير لجميع صفات خلقه. وهذه الادعاءات الباطلة من الكفار والمشركين نابعة من ظنهم السييء, والظن لايغني من الحق شيئا. وبعد ذلك تنتقل الآيات إلي أمر من الله( تعالي) الي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) والأمر له ينسحب علي جميع المؤمنين برسالته من بعده ويتضمن الأمر ضرورة الإعراض عن الجاهلين من الكفار والمشركين, وعن جميع الذين تولوا عن ذكر الله( تعالي) واغرقوا انفسهم الي الآذان في أمور الدنيا, وضلوا عن سبيل الله فتقول مخاطبة النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) فأعرض عن من تولي عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا* ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدي* (النجم:30,29) ثم تعاود الآيات في سورة النجم التأكيد علي أن الله تعالي هو رب كل شيء ومليكه, وهو( سبحانه) الحكم العدل الذي يجازي كلا بعمله, ويعفو عن صغائر الذنوب, ويغفرها, ويستر فاعليها إذا تابوا وأقلعوا عنها, لأن رحمة الله واسعة, ومغفرته عظيمة, والله( سبحانه وتعالي) أعلم بخلقه من علم خلقه بأنفسهم, وفي ذلك تقول الآيات: ولله مافي السموات ومافي الارض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني* الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو اعلم بكم إذ إنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي*( النجم31 و32) وبذلك ينتهي الشوط الأول من سورة النجم ويأتي الشوط الثاني في صيغة عدد من التساؤلات التقريرية, التقريعية, التوبيخية لكل كافر, ومشرك, ومتشكك, محذرة من التولي عن طاعة الله أو الانقطاع عنها أو الإقلال منها, ومثبتة عددا من الحقائق الدينية والكونية, والصفات الإنسانية, والأحداث التاريخية, ومنذرة بفجائية الآخرة فتقول: افرأيت الذي تولي* وأعطي قليلا وأكدي* أعنده علم الغيب فهو يري* أم لم ينبأ بما في صحف موسي* وإبراهيم الذي وفي* ألا تزر وازرة وزر أخري* وأن ليس للإنسان إلا ما سعي* وأن سعيه سوف يري* ثم يجزاه الجزاء الأوفي* وأن إلي ربك المنتهي* وأنه هو أضحك وأبكي* وأنه هو أمات وأحيا* وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي* من نطفة إذا تمني* وأن عليه النشأة الأخري* وأنه هو أغني وأقني* وأنه هو رب الشعري*وأنه أهلك عادا الأولي* وثمود فما أبقي* وقوم نوح من قبل أنهم كانوا هم أظلم وأطغي* والمؤتفكة أهوي* فغشاها ما غشي* فبأي آلاء ربك تتماري* هذا نذير من النذر الأولي أزفت الآزفة* ليس لها من دون الله كاشفة* أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا( النجم:33 ـ62) وهكذا تختتم سورة النجم بخطاب واضح من الله( تعالي) إلي كل من كفار ومشركي قريش ـ وإلي كل كافر, ومشرك, ومتشكك من بعدهم إلي يوم الدين ـ يؤكد لهم فيه أن القرآن الكريم هو الصورة النهائية التي تكاملت فيها كل رسالات السماء, وأنه جاء بنفس البشارات والنذر التي جاءت بها كل الرسالات السابقة, ولذلك فإن هذا الخطاب الرباني يستنكر تكذيب المكذبين للحق الذي جاء به القرآن الكريم, ويتوعدهم بأن الآخرة قد أزف وقتها, وأن أهوالها شديدة لا يقدر علي كشفها إلا رب العالمين. وهذا الخطاب الرباني في ختام سورة النجم يستنكر كذلك استهانة الكفار والمشركين, والعصاة المتشككين بالأمر, وأخذهم إياه مأخذ الهزل والضحك, بدلا من الهم والبكاء, ولذلك يأمر ربنا( تبارك اسمه) كل مستمع لهذه الآيات بالسجود لله( تعالي) في عبادة وطاعة, وخضوع, وخشية وانكسار. ومن هذا الاستعراض السريع لسورة النجم يتضح أن محورها الرئيسي يدور حول العقيدة الإسلامية, شأنها في ذلك شأن كل السور المكية. من الإشارات الكونية في سورة النجم (1) الإشارة إلي موت النجوم بانفجارها( والنجم إذا هوي). (2) الرمز إلي ضخامة الكون بوصف الأفق بتعبير( الأفق الأعلي). (3) وصف البصر بأنه يزيغ ويطغي, والإشارة إلي أن الله( تعالي) قد ميز الإنسان بالقدرة علي الضحك والبكاء. (4) ذكر( الآخرة والأولي) مما يؤكد حتمية فناء الكون, وحتمية إعادة خلقه, كما يؤكد حقيقة الغيب الذي تجري البحوث العلمية وراءه في محاولة لكشفه. (5) التأكيد علي إنشاء الإنسان من الأرض, وعلي خلقه في مراحل جنينية متتابعة في بطن أمه. 6ـ إثبات حقيقة خلق الزوجين الذكر والأنثي من نطفة إذا تمني. 7ـ التأكيد علي حتمية البعث, وعلي حقيقة أن الله( تعالي) قد تعهد بالنشأة الأخري. وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي النقطة السادسة في القائمة السابقة والتي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي): وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي* من نطفة إذا تمني( النجم:46,45) من الدلالات العلمية للآيتين الكريمتين أولا: سبق كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالإشارة إلي خلايا التكاثر: في الوقت الذي ساد الاعتقاد بأن الجنين يتولد من دم الحيض, وأنه يخلق خلقا كاملا من هذا الدم دفعة واحدة علي هيئة متناهية الضآلة في الحجم ثم يزداد في الحجم بالتدريج حتي يصل إلي الحجم الكامل للجنين كما نادي بذلك أرسطو ومدرسته ومن تبعهم من أبناء الحضارات التالية لهم... في هذا الوقت نزل القرآن الكريم مؤكدا حقيقة الخلايا التناسلية, ودورها في عملية التكاثر, وفي تشكيل جنس الجنين بقدرة الله ومشيئته, ومؤكدا كذلك أن خلق الإنسان يتم في عدد من الأطوار المتتابعة. التي أولها النطفة, ثم العلقة, ثم المضغة ثم خلق العظام وكسوتها لحما. النطفة في اللغة العربية وفي العلم: ( النطفة) في اللغة العربية هي القليل من الماء الذي يعدل قطرة, وسميت صغار اللؤلؤ( النطف) تشبيها لها بقطرات الماء, ويقال:( نطف) الرجل( ينطف)( نطفا) و(نطفانا) بمعني تقاطر منه الماء,: بعد وضوئه أو غسله و(النطفة أيضا هي القليل من الماء الصافي, و(نطفان) الماء تقاطره وسيلانه, ويقال ليلة( نطوف) أي باتت تمطر حتي الصباح. و(النطف) الدلو, والواحدة منه( نطفة). ويقال: فلان( منطف) المعروف أي دائمه, وفلان( ينطف) بخير أي يندي به. واستعير هذا المصطلح للتعبير عن خلية التكاثر(Gamete) التي تندفق مع كل من ماء الرجل وماء المرأة أي سواء كانت النطفة مذكرة أو مؤنثة, وجمع النطفة( نطف) و( نطاف). ولفظة( نطفة) جاءت بمعني خلية التكاثر في اثنتي عشرة أية من آيات القرآن الكريم هي( النحل/4, الكهف/37, الحج/5, المؤمنون/14/13, فاطر/11, يس/77, غافر/67, النجم/46, القيامة/37, الإنسان/2, وعبس/19). وقد سمي القرآن الكريم اتحاد الخليتين التكاثريتين: الذكرية والأنثوية باسم( النطفة الأمشاج) أي المختلطة, وهو أول تعبير علمي دقيق عن عملية تخلق الجنين باتحاد نطفتي الرجل والمرأة. وتأكيدا لهذا المعني أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود( رضي الله عنه) أنه قال: مر يهودي برسول الله( صلي الله عليه وسلم) وهو يحدث أصحابه, فقالت قريش: يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي, فقال لأسألنه عن شئ لا يعلمه إلا نبي, قال: فجاء اليهودي حتي جلس ثم قال: يا محمد مم يخلق الإنسان؟ فقال رسول الله( صلي الله عليه وسلم): يا يهودي من كل يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة. ولم يصل العلم المكتسب إلي كشف هذه الحقيقة إلا بعد أكثر من أحد عشر قرنا( في نحو سنة1186 هــ/1775 م) حين ثبت دور كل من البييضة والحيوان المنوي في عملية تكون الجنين البشري. ولم تكتشف بييضة الثدييات إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي, كما أن نظرية الخلية بمعني أن الجسد مكون من مجموعات من الخلايا ومنتجاتها لم تتبلور إلا في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي( سنة1839 م) مما ادي إلي الفهم الصحيح بأن الجنين ينمو من خلية واحدة هي النطفة الامشاح(Zygote) أي المختلطة, وفي سنة1858 م أعلن فيرتشاو(Virchow) أن كل الخلايا تنشأ من خلايا سابقة عليها, وفي سنة1865 م وضع مبدأ الوراثة علي يد جريجور مندل(GregorMendel), وبعد ذلك بثلاث وعشرين سنة( أي في سنة1878 م) اكتشف فلمنج(Flemming) الصبغيات واقترح إمكانية أن يكون لها دور في عملية الإخصاب, وفي سنة1883 م لاحظ فون بنيد ينVonBeneden ان خلايا التكاثر الناضجة تحمل عددا من الصبغيات أقل مما تحمله الخلايا الجسدية, ووصف جانبا من عملية الانقسام الانتصافي للخلية(Meiosis) التي يتناقص بها عدد الصبغيات في الخلية التناسلية إلي النصف. في سنة1902 م أعلن كل من ساتون(Sutton) وبوفيري(Boveri)( مستقلا عن الآخر) أن سلوك الصبغيات أثناء تكون خلايا التكاثر وإخصابها يتفق تماما مع مبادئ علم الوراثة التي سبق لمندل(Mendel) اكتشافها في عالم النبات( سنة1865 م). وكانت أولي الملاحظات المهمة علي الصبغيات البشرية ما قام به وينيوارتر(Winiwarter) في سنة1912 م الذي اشار إلي أن عدد الصبغيات في الخلية الجسدية للإنسان هو(47) وصححه بينتر(Painter) إلي(48), وظل هذا الرقم مقبولا علي نطاق واسع حتي سنة1956 م حين أثبت كل من تيو(Tjio) وليفان(Levan) أن الرقم الصحيح لعدد الصبغيات في الخلية الجسدية لجنين الإنسان هو(46). وفي سنة1959 م أثبت لوجين واعوانه(Lejeuneeta11959) أن الخلايا الجسدية عند الأطفال المصابين بمرض المغولية(Mongolism) تحتوي علي(47) صبغيا, وثبت من ذلك أن الحيود عن العدد الثابت للصبغيات في الخلايا الجسدية هو تعبير عن عدد من الأمراض الموروثة عند الأطفال حديثي الولادة, والتي قد تتسبب في موت الجنين قبل ولادته, كما ثبت أن8% من فشل عملية الإخصاب هو ناتج عن بعض الحيود في عدد الصبغيات. وسبق كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالإشارة إلي كل من خلايا التكاثر الأنثوية والذكرية, وإلي تكون الجنين باتحادهما لمما يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق, ويشهد للنبي والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة. ثانيا: في قوله تعالي: وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي تشير هذه الآية الكريمة إلي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في جعل الزوجية سنة من سنن الحياة الدنيا ليبقي ربنا( تبارك وتعالي) متفردا بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه( بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة, ولا ولد), ولتبقي الزوجية في كل من الإنسان, والحيوان, والنبات, والجماد, ومختلف صور الطاقة وسيلة من وسائل استمرار الخلق وتجدده وتنوعه إلي ماشاء الله( تعالي), وشاهدا علي وحدة الأصل في الخلق الأول الذي يشير الي وحدانية الخالق( سبحانه وتعالي), وينطق بحقيقة الخلق. والنموذج الجلي لخلق الزوجين الذكر والأنثي يتضح في الأحياء من الإنسان إلي الحيوان والنبات حيث تملك الأنثي في كل مجموعة من هذه المجموعات الحية أجهزة تناسلية يعرف الواحد فيها باسم المبيضOvary)) وهذه الأجهزة وهبها الله( تعالي) قدرة فائقة علي إفراز خلايا التكاثر الأنثوية المعروفة باسم البييضة( أي البيضة الصغيرة) أو(ovum=Egg), وفي المقابل يملك الذكر أجهزة تناسلية مناظرة تعرف الواحدة منها باسم الخصية(Testis) أعطاها الله( سبحانه وتعالي) قدرة خارقة علي انتاج خلايا التكاثر الذكرية المعروفة باسم الحيوانات المنوية أو الحيامنSperms)) مفردها حيمنSperm)), وتجمع كل من الخلايا التناسلية الأنثوية والذكرية تحت مسمي النطاف جمع نطفة(Gamete), وباتحاد النطفتين الذكرية والأنثوية تتكون النطفة الأمشاج أو المختلطةZygote)). ومبيض الزهرة في النباتات المزهرة يعرف باسم المتاعGynoecium)) كما يعرف مجموع الخلايا الذكرية باســــــم الطلع(Androecium)) ويتركب من عدد من الأسديةStamena)), تتركب كل سداة منها من خيطFilament)) يحمـــــــل في نهايته المنك(Anrher) الذي يحمل حبوب اللقاح. والخلايا التناسلية في كل من الإنسان والحيوان والنبات تمثل ـ علي تناهيها في ضآلة الحجم ـ ينبوع الحياة ومصدر تنوعها الذي يستمر بها من الآباء إلي الأبناء والأحفاد عبر الحياة الدنيا كلها حتي يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها, ولذلك قال ربنا( وهو أحكم القائلين) ممتنا علي خلقه أجمعين: وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي( النجم:45). وتأكيد القرآن الكريم علي الزوجية في كل شيء سبق علمي لم يصل إليه علم الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين. ثالثا: في قوله تعالي: من نطفة إذا تمني: والمقصود بالنطفة هنا خلية التكاثر الأنثوية( البييضة), وبقوله تعالي( إذا تمني) أي إذا أخصبها الحيوان المنوي, ويحدث إخصاب البييضة بحيوان منوي واحد فينتج عن ذلك النطفة الأمشاجZygote)) التي تبدأ في الانقسام إلي خلايا أصغر فأصغر تعرف باسم القسيمات الأروميةBlastomeres)), ثم تتحول إلي كتلة كروية من الخلايا تعرف باسم التويتةMorula)) ثم تنشــــــــــطر التويتـــــة مكونة الكتلة الأروميةBlastocyst)) التي تنغرس في جدار الرحم لتكون المراحل التالية من العلقة, والمضغة, وخلق العظام, ثم كسوتها لحما وجلدا ثم النشأة الأخري حتي الجنين الكامل.. وبسبب انفراد حيوان منوي واحد بإخصاب البييضة قال المصطفي( صلي الله عليه وسلم): ما من كل الماء يكون الولد( صحيح مسلم). ولما كانت كل خلية من الخلايا التناسلية تحمل نصف عدد الصبغيات في الخلية الجسدية والمحدد لنوعها, كان في سنة التزاوج آية من آيات الخالق( سبحانه وتعالي) في إبداعه لخلقه, وذلك لأنه باتحاد الخليتين التناسليتين الذكرية والأنثوية لتكوين النطفة الأمشاج يكتمل عدد الصبغيات المحدد للنوع. ويحدث التنوع في الصفات بين الوالدين والأبناء الذي يثري الحياة ويجعلها أكثر بهجة, ويشهد للخالق بطلاقة القدرة التي أتقنت مايتم في داخل تلك النطفة الأمشاج حتي يخرج الإنسان أو الحيوان أو النبات إلي الحياة خلقا جديدا مشابها لأسلافه في بعض الصفات, ومختلفا في البعص الآخر. وفي الإنسان تحتوي الخلية الجسدية علي(46) صبغيا مرتبة في(23) زوجا كل منها يتماثل في الشكل, ويختلف في التركيب, وهذا العدد ثابت في خلايا كل من الذكر والأنثي وإن اختلفا في الصبغيات المحددة للجنس, فالخلية الجسدية الذكرية تحمل(44) صبغيا جسديا بالاضافة إلي صبغيين جنسيين غير متشابهين أحدهما مذكرy)) والآخر مؤنثX)). وبنفس التركيب تحمل الخلية الجسدية الأنثوية(44) صبغيا جسديا بالإضافة إلي صبغيين جنسيين ولكنهما في هذه الحالة متشابهان ومؤنثان هما(X),X)). وفي انقسام الخلايا الجسدية لتكرار ذاتها فإنها تنقسم انقساما فتيلياMitosis)) بمعني أن ينقسم كل صبغي انقساما فتيليا بالطول ليكرر ذاته وذلك من أجل المحافظة علي نفس العدد المحدد للنوع من الصبغيات في كل خلية جسدية, ولكن في حالة الانقسام لتكوين خلايا التكاثر فإن الخلية الجسدية تنقسم انقساما انتصافياMeiosis)) يعطي لكل خلية تناسلية نصف عدد الصبغيات في الخلية الجسدية, وذلك لكي يتكامل عدد الصبغيات باتحاد النطفتين الذكرية والأنثوية, فيتواصل الناس ويتعارفون ويتقاربون بالتزاوج, ويتحقق هذا التنوع العجيب في صفات الخلق بازدياد دائرة التناسل حتي يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها, ويثبت للناس وحدة الأصل مع هذا التنوع العريض فيتأخون ولا يتنافرون, ويتحابون ولا يتقاتلون, ولذلك يمن علينا ربنا( تبارك وتعالي) بهذه الحقيقية الكونية فيقول: وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي* من نطفة إذا تمني*( النجم:46,45). وتحتوي النطفة الذكرية في الانسان علي(23) صبغيا علي نوعين هما: (أ)(22) صبغي جسدي+ الصبغي المذكر(y). أو( ب)(22) صبغي جسدي+ الصبغي المؤنث(X). أما النطفة الأنثوية( البييضة) فهي علي شكل واحد يحمل دائما(22) صبغيا جسديا+ الصبغي المؤنث(X). فإذا قام حيوان منوي مما يحمل الصفة المذكرة(y) بإخصاب البييضة جاء الجنين ذكرا بإذن الله تعالي(44 صبغيا جسديا+X+Y). بينما إذا تم إخصاب البييضة بحيوان منوي يحمل الصفة المؤنثة(X) جاء الجنين أنثي بإذن الله الخالق سبحانه وتعالي(44 صبغيا جسديا+X+X). وهذه الأزواج الثلاثة والعشرون من الصبغيات يتشابه اثنان وعشرون منها في الشكل هي الصبغيات الحاملة للصفات الجسدية, ويختلف عنها الزوج الحامل للصفات الجنسية فهو إما أن يكون(X,X) في خلية الأنثي أو(Y,X) في خلية الذكر. ونصف هذه الصفات مستمد من الأب وأسلافه, والنصف الآخر مستمد من الأم وأسلافها حتي يتحقق هذا التنوع العجيب في الخلق الذي نشأ من أصل واحد, والذي يعرف في علوم الوراثة باسم التصالب(CrossOver=Chismata). وبهذه العملية يصبح لكل صفة من صفات الإنسان زوج من حاملات الوراثة أحدها مستمد من الأب وأسلافه, والأخر مستمد من الأم وأسلافها, والحامل الوراثي الأقوي هو الذي يسود وتعرف صفته باسم الصفة السائدة(TheDominantCharacter), بينما يستتر الحامل الوراثي الأضعف ويتنحي مرحليا ليظهر في أجيال تالية ولذلك تعرف الصفة التي يحملها باسم الصفة المستترة أو المتنحية(RecessiveCharacter), وبهذا التفاعل المحكم الدقيق تتنوع صفات الأبناء عن بعضهم البعض وعن والديهم وأسلافهم تنوعا عظيما. عملية الانقسام الانتصافي للخلايا: والذي يتتبع عملية الانقسام الانتصافي(Meiosis) في داخل الخلية الحية الجسدية من أجل تكوين خلايا التكاثر يدرك مدي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق, ورعاية الخالق العليم الحكيم لخلقه, وفي ذلك تتجهز الخلية الحية للإنقسام الانتصافي الأول(Meiosis-1) بتكدس المادة الصبغية(Chromatin) في داخل النواة, والتفافها علي ذاتها, وانقسامها إلي الصبغيات, وحينئذ تختفي النويات(Nucleoli) من داخل النواة, ويتحلل جدار النواة, وتبدأ الصبغيات المتشابهة في التقارب من بعضها البعض حتي تتشابكSynapsis)) وتبدأ في تبادل وحدات من الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسيجين(DNA) الذي تكتب به الصفات الوراثية علي الصبغيات, وتعرف هذه المرحلة باسم الطور التمهيدي الأول(Prophase-I). وفي المرحلة التالية تتحرك الصبغيات المتشابكة إلي قطبي الخلية حيث يظهر جهاز من خيوط مغزلية الشكل حول محور الخلية, وتعرف هذه المرحلة باسم الطور البعدي الأول(Metaphase-I) أو باسم الطور الاستوائي. وبعد ذلك تبدأ الصبغيات المتشابكة في الانفصال, ويتحرك كل زوج منها إلي أحد أطراف الخلية في قطبين متقابلين, ويبقي كل واحد من هذه الصبغيات مكونا من شقين صبغيين(TwoChromatids), وتعرف هذه المرحلة باسم التمايز أو العزل(Segregation), وبذلك ينفصل شقا كل زوج من الصبغيات المتشابهة في عملية تسمي باسم إعادة التصنيف المستقل للصبغيات وتعرف هذه المرحلة بإسم مرحلة الانفصال أو طور الصعود الأول(Anaphase-I) وفي المرحلة التالية تبدأ الصبغيات في فك الارتباط والالتفاف حول ذواتها, وتتحول إلي خيوط دقيقة في مجموعتين منفصلتين علي هيئة قطبين متقابلين, ويبدأ الغشاء النووي في التكون حول كل تجمع للصبغيات عند قطبي الخلية, وتبدأ النويات(Nucleoli) في الظهور, وينفصل كل تجمع صبغي مع ما يحيطه من سوائل الخلية وعضياتها علي هيئة خلية منفصلة وذلك بتقدير من الخالق( سبحانه وتعالي) وبما وهب الخلية الحية من طاقة حركية تعرف باسم الطاقة الحركية للخلية الحية(Cytokinesis) ويسمي هذا الطور الذي انقسمت فيه الخلية الجسدية الواحدة انقساما انتصافيا لتكون خليتين تناسليتين بكل منهما نصف عدد الصبغيات المحدد للنوع باسم الطور النهائي الأول(Telophasi-I). ثم تتكرر عملية الانقسام الانتصافي لكل من الخليتين الناتجتين في مرحلة ثانية(Meiosis-II) لها طور ابتدائي يعرف باسم الطور الابتدائي الثاني(Prophase-II), وطور بعدي ثاني(Metaphase-II) تتشابك فيه الصبغيات بقسيماتها المركزية(Centromeres) إلي الجهاز المغزلي, ويتحرك كل شق صبغي من كل واحد من الصبغيات كوحدة مستقلة إلي أحد قطبي الخلية في طور الانفصال الثاني(Anaphase-II) وذلك بانفصال القسيمة الوسطي لكل واحد من الصبغيات فينقسم إلي شقين يتحرك كل شق صبغي منهما(Chromatid) إلي أحد قطبي الخلية الحية. وفي الطور النهائي الثاني(Telophase-II) تصل الخلية الي مرحلة التوقف عن الانقسام, بينما تبدأ الطاقة الحركية للخلية في التزايد, وتبدأ أغشية نووية جديدة في التكون, وتبدأ الصبغيات في الانفراد, كما تبدأ النويات في الظهور, ويختفي الجهاز المغزلي, وتبدأ مرحلة التمايز, ومرحلة نضج الخلايا الأربع الناتجة إلي نطف(Gametes) إما ذكرية(Spermcells) أو أنثوية(Ovae=Eggcells) ولذلك قال ربنا( وقولة الحق): وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي* من نطفة إذا تمني*( النجم:46,45). والسبق القرآني بهذه الحقيقة العلمية التي لم تعرف إلا منذ أقل من قرن واحد من الزمن, لا يمكن أن يكون له من مصدر إلا الله الخالق الذي أنزل القرآن الكريم بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه( اللغة العربية) وحفظه حفظا كاملا: كلمة كلمة, وحرفا حرفا حتي يكون شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين, وذلك لأن الكتب السماوية السابقة جميعها قد وكل حفظها إلي أصحابها فضيعوها, وعرضوا ما بقي منها من ذكريات إلي قدر من التحريف الذي أخرجها عن إطارها الرباني, وجعلها عاجزة عن هداية أصحابها. وليست المظالم التي تضج بها الأرض في مختلف جنباتها اليوم إلانتاج الجهل بالدين الحق, والابتعاد عن منهج الله, واتباع الهوي والمعتقدات المنحرفة التي اتخذها أغلب أهل الأرض دينا لهم, والدين يجب أن يكون صناعة ربانية خالصة لا يداخلها أدني قدر من التصورات البشرية, والدين الوحيد الذي تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظ وحيه هو الدين الخاتم الذي بعث به النبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم). والذي حفظ في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم( عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم), بهذه الهداية الربانية الكاملة والتامة والناسخة لما قبلها من رسالات, والحمد لله علي حفظ القرآن الكريم, والسنة النبوية المطهرة في نفس لغة الوحي( اللغة العربية) بصفائهما الرباني, وإشراقاتهما النورانية وما فيهما من حق بدأت العلوم المكتسبة في التعرف عليه, والوصول إليه والحمد لله كثيرا في كل وقت وفي كل حين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
[gdwl][/gdwl]
|
أدوات الموضوع | |
|
|