![]() |
جديد المواضيع |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى أصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. حياكم الله إخوتي وأخواتي الكرام. نكمل معكم اليوم بإذن الله تعالى سلسلتنا الأدبية القصصية التاريخية، التي تعرض صوراً واقعية لأناس عاشوا وتربوا على أيدي خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، أو على أيدي أصحابه الأبرار رضوان الله عليهم، وعاشوا في خير القرون وأفضلها، وبذلوا لها كل نفيس، فصاروا أعلاماً يقتدى بهم، وكانوا المؤسسين إلى مدرستنا، مدرسة السلف الصالح. إن كنت سأختار لبطل قصتنا لحلقة اليوم لقباً فلن يكون أجمل مما لقبه به رسول الله ![]() ![]() سعد بن أبي وقاص (ارم سعد ارم ... فداك أبي وأمي) [محمد رسول الله ( ![]() أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ![]() ![]() لهذه الآيات الكريمات قصة فذة (6) رائعة ، اصطرعت فيها طائفة من العواطف المتناقضة ، في نفس فتى طري العود ، فكان النصر للخير على الشر ، وللإيمان على الكفر . أما بطل القصة ففتى من أكرم فتيان مكة نسباً وأعزهم أماً وأباً . ذلك الفتى هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه . كان سعد حين أشرق نور النبوة في مكة شاباً ريان الشباب (7) غض الإهاب (8) رقيق العاطفة كثير البر بوالديه شديد الحب لأمه خاصة . وعلى الرغم من أن سعداً كان يومئذ يستقبل ربيعه السابع عشر فقد كان يضم بين برديه (9) كثيراً من رجاحة (10) الكهول وحكمة الشيوخ . فلم يكن -مثلاً- يرتاح إلى ما يتعلق به لداته (11) من ألوان اللهو ، وإنما كان يصرف همه إلى بري (12) السهام وإصلاح القسي (13) ، والتمرس بالرماية حتى لكأنه كان يعد نفسه لأمر كبير . ولم يكن -أيضاً- يطمئن إلى ما وجد عليه قومه من فساد العقيدة وسوء الحال ، حتى لكأنه كان ينتظر أن تمتد إليهم يد قوية حازمة حانية ، لتنتشلهم مما يتخبطون فيه من ظلمات . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif وفيما هو كذلك شاء الله عز وجل أن يكرم الإنسانية كلها بهذه اليد الحانية البانية . فإذا هي يد سيد الخلق محمد بن عبد الله ( ![]() وفي قبضتها الكوكب الإلهي الذي لا يخبو : كتاب الله ... فما أسرع أن استجاب سعد بن أبي وقاص لدعوة الهدى والحق ، حتى كان ثلاث ثلاثة أسموا من الرجال أو رابع أربعة . ولذا كثيراً ما كان يقول مفتخراً : لقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام . كانت فرحة الرسول صلوات الله عليه بإسلام سعد كبيرة ، ففي سعد من مخايل (14) النجابة ، وبواكير الرجولة (15) ما يبشر بأن هذا الهلال سيكون بدراً كاملاً في يوم قريب . ولسعد من كرم النسب ، وعزة الحسب ما قد يغري (16) فتيان مكة بأن يسلكوا سبيله وينسجوا على منواله (17) . ثم إن سعداً فوق ذلك كله من أخوال النبي عليه الصلاة والسلام ، فهو من بني زهرة ، وبنو زهرة أهل آمنة بنت وهب ، أم النبي ![]() وقد كان الرسول صلوات الله عليه يعتز بهذه الخؤولة . فقد روي أن النبي الكريم ( ![]() (هذا خالي فليرني امرؤ خاله) . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif لكن إسلام سعد بن أبي وقاص لم يمر سهلاً هيناً ، وإنما عرض الفتى المؤمن لتجربة من أقسى التجارب قسوة وأعنفها عنفاً ، حتى إنه بلغ من قسوتها وعنفها أن أنزل الله سبحانه في شأنها قرآناً . فلنترك لسعد الكلام ليقص علينا خبر هذه التجربة الفذة . قال سعد : رأيت في المنام قبل أن أسلم بثلاث ليال كأني غارق في ظلمات بعضها فوق بعض ، وبينما كنت أتخبط في لججها (18) إذ أضاء لي قمر فاتبعته فرأيت نفراً أمامي قد سبقوني إلى ذلك القمر : رأيت زيد بن حارثة ، وعلي بن أبي طالب ، وأبا بكر الصديق ، فقلت لهم : منذ متى أنتم هاهنا ؟! فقالوا الساعة . ثم إني لما طلع علي النهار بلغني أن رسول الله ![]() فمضيت إليه مسرعاً ، حتى لقيته في شعب جياد (19) ، وقد صلى العصر ، فأسلمت ، فما تقدمني أحد سوى هؤلاء النفر الذين رأيتهم في الحلم . ثم تابع سعد رواية قصة إسلامه فقال : وما إن سمعت أمي بخبر إسلامي حتى ثارت ثائرتها (20) وكنت فتى براً بها محباً لها ، فأقبلت علي تقول : يا سعد ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك وأبيك ... والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت ... فيتفطر (21) فؤادك حزناً علي ، ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت ، وتعيرك الناس بها أبد الدهر . فقلت ، لا تفعلي يا أماه ، فأنا لا أدع ديني لأي شيء . لكنها مضت في وعيدها ، فاجتنبت الطعام والشراب ومكثت أياماً على ذلك لا تأكل ولا تشرب فهزل جسمها ووهن عظمها وخارت قواها . فجعلت آتيها ساعة بعد ساعة أسألها أن تتبلغ (22) بشيء من طعام أو قليل من شراب فتأبى ذلك أشد الإباء وتقسم ألا تأكل أو تشرب حتى تموت أو أدع ديني . عند ذلك قلت لها : يا أماه إني على شديد حبي لك لأشد حباً لله ورسوله ... ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفساً بعد نفس ما تركت ديني هذا لشيء . فلما رأت الجد مني أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها ، فأنزل الله فينا قوله عز وجل : ![]() ![]() http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif لقد كان يوم إسلام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من أكثر الأيام براً بالمسلمين وأجزلها خيراً على الإسلام . ففي بدر كان لسعد وأخيه عمير موقف مشهود ، فقد كان عمير يومئذ فتى حدثاً لم يجاوز الحلم إلا قليلاً ، فلما أخذ الرسول عليه السلام يعرض جند المسلمين قبل المعركة توارى عمير أخو سعد خوفاً من أن يراه الرسول فيرده لصغر سنه ، لكن الرسول عليه السلام أبصره ورده ، فجعل عمير يبكي حتى رق له قلب النبي ( ![]() عند ذلك أقبل عليه سعد فرحاً ، وعقد عليه حمالة (23) سيفه عقداً لصغره وانطلق الأخوان يجاهدان في سبيل الله حق الجهاد . فلما انتهت المعركة عاد سعد إلى المدينة وحده ، أما عمير فقد خلفه شهيداً على أرض بدر واحتسبه (24) عند الله . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif وفي أحد حين زلزلت الأقدام (25) ، وتفرق المسلمون عن النبي عليه الصلاة والسلام حتى لم يبق إلا نفر قليل لا يتمون العشرة وقف سعد بن أبي وقاص يناضل عن رسول الله صلوات الله عليه بقوسه ، فكان لا يرمي رمية إلا أصابت من مشرك مقتلاً . ولما رآه الرسول عليه السلام يرمي هذا الرمي ، جعل يحضه (26) ويقول له : (ارم سعد ... ارم فداك أبي وأمي) ، فظل سعد يفتخر بها طوال حياته ويقول : ما جمع الرسول لأحد أبويه إلى لي ، وذلك حين فداه بابيه وأمه معاً . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif ولكن سعداً بلغ ذروة مجده حين عزم الفاروق على أن يخوض مع الفرس حرباً تديل (27) دولتهم وتثل (28) عرشهم ، وتجتث (29) جذور الوثنية من على ظهر الأرض فأرسل كتبه إلى عماله في الآفاق أن أرسلوا إلي كل من كان له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي أو مزية من شعر أو خطابة أو غيرها مما يجدي على المعركة . فجعلت وفود المجاهدين تتدفق على المدينة من كل صوب (30) . فلما تكاملت ، أخذ الفاروق يستشير أصحاب الحل والعقد (31) في من يوليه على الجيش الكبير ويسلم إليه قياده ، فقالوا بسان واحد : الأسد عادياً سعد بن أبي وقاص ، فاستدعاه عمر رضوان الله عليهما ، وعقد له لواء الجيش (32) . ولما هم الجيش الكبير بأن يفصل (33) عن المدينة وقف عمر بن الخطاب يودعه ويوصي قائده فقال : يا سعد ، لا يغرنك من الله أن قيل : خال رسول الله ، وصاحب رسول الله ، فإن الله عز وجل لا يمحو السيء بالسيء ، ولكنه يمحو السيئة بالحسنة . يا سعد : إن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا الطاعة ، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات (34) الله سواء ، الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالتقوى ويدركون ما عند الله بالطاعة ، فانظر الأمر الذي رأيت النبي عليه فالتزمه فإنه الأمر (35) . ومضى الجيش المبارك وفيه تسعة وتسعون بدرياً (36) وثلاثمائة وبضعة عشر ممن كانت لهم صحبة فيما بين بيعة الرضوان فما فوق ، وثلاثمائة ممن شهدوا فتح مكة مع رسول الله ( ![]() مضى سعد وعسكر بجيشه في القادسية (37) . ولما كان يوم الهرير (38) عزم المسلمون على أن يجعلوها القاضية (39) ، فأحاطوا بعدوهم إحاطة القيد بالمعصم ، ونفذوا إلى صفوفه من كل صوب مهللين (40) مكبرين ، فإذا رأس رستم قائد جيش الفرس مرفوع على رماح المسلمين وإذا بالرعب والهلع يدبان في قلوب أعداء الله حتى كان المسلم يشير إلى الفارسي فيأتيه فيقتله ، وربما قتله بسلاحه . أما الغنائم فحدث ولا حرج ، وأما القتلى فيكفيك أن تعلم أن الذين قضوا غرقاً فحسب قد بلغوا ثلاثين ألفاً . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif عمر سعد طويلاً وأفاء الله عليه من المال الشيء الكثير ، لكنه حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال : كفنوني بها فإني لقيت بها المشركين يوم بدر ... وإني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضاً (41) . ونلتقي غداً إن شاء الله تعالى في قصة جديدة لصحابي جليل اسمه سعيد بن زيد. http://files2.fatakat.com/2010/12/12927003501249.gif (1) وهناً : ضعفاً ومشقة . (2) فصاله : فطامه عن الرضاع . (3) جاهداك : دفعاك بالقوة . (4) أناب إلي : رجع إلي بالإخلاص والطاعة . (5) سورة لقمان الآية 14 (و 15) . (6) فذة : فريدة نادرة . (7) ريان الشباب : طري الشباب مونقه . (8) غض الإهاب : غض الجلد : كناية عن أنه في مقتبل العمر ورونقه . (9) برديه : ثوبيه . (10) رجاحة الكهول : عقل الكهول ورصانتهم . (11) لداته : المماثلون له في السن . (12) بري السهام : إعدادها وإصلاحها . (13) القسي : الأقواس التي يرمى بها . (14) مخايل : علامات . (15) بواكير الرجولة : تباشيرها وأوائلها . (16) يغري : يرغب ويحض . (17) ينسجوا على منواله : يسلكوا طريقته فيسلموا كما أسلم . (18) اللجج : جمع لجة وهي معظم الماء وأعمقه . (19) شعب جياد : أحد شعاب مكة المكرمة . (20) ثارت ثائرتها : أشعلت نار غضبها . (21) يتفطر : يتشقق . (22) تتبلغ : تتناول القليل الذي يحفظ حياتها . (23) حمالة السيف : ما يعلق به على عاتق صاحبه . (24) احتسبه عند الله : طلب من الله أجره على فقده . (25) زلزلت الأقدام : دب الضعف والخوف في النفوس . (26) يحضه : يحثه . (27) تديل دولتهم : تطيح بدولتهم وتذهب بها . (28) تثل عرشهم : تهدم ملكهم . (29) تجتث جذور الوثنية : تقتلعها من أصولها . (30) من كل صوب : من كل جهة . (31) أصحاب الحل والعقد : أهل الشورى وذوو الرأي والمكانة . (32) عقد له لواء الجيش : ولاه عليه . (33) يفصل : يخرج . (34) في ذات الله : عند الله . (35) فإنه الأمر : أي فإنه الأمر الذي يجب إنفاذه . (36) بدرياً : البدري من شهد معركة بدر . (37) القادسية : موضع يبعد عن الكوفة خمسة عشر فرسخاً ، وقعت فيها المعركة الفاصلة بين المسلمين والفرس سنة ست عشرة للهجرة وانتصر فيها المسلمون نصراً كبيراً لم تقم بعدها للفرس قائمة . (38) يوم الهرير : اليوم الأخير من أيام القادسية وسمي كذلك لأنه لم يكن يسمع للجند أصوات إلا الهرير من شدة القتال . (39) القاضية : المهلكة المدمرة . (40) مهللين : صائحين لا إله إلا الله . (41) للاستزادة من أخبار سعد بن أبي وقاص انظر : 1- الاستيعاب : 2 / (هكذا هي في المصدر) . 2- الإصابة : 2 / 30 . 3- الملل والنحل : 1 / 20 . 4- أشهر مشاهير الإسلام : 3 / 525 . 5- الطبقات الكبرى : 1 / 21 . 6- تحفة الأحوذي : 10 / 253 . 7- سير أعلام النبلاء : 1 / 62 . 8- زعماء الإسلام : 114 . 9- رجال حول الرسول : 141 . 10- سعد بن أبي وقاص وأبطال القادسية للسحار . 11- الرياض النضرة : 2 / 292 . 12- صفة الصفوة : 1 / 138 . 13- تهذيب ابن عساكر : 6 / 93 . 14- المعارف : 106 . 15- النجوم الزاهرة (انظر الفهارس) . 16- أسد الغابة : 2 / 290 . 17- جمهرة أنساب العرب : 71 . 18- تاريخ الإسلام : 1 / 79 . 19- فتوح مصر وأخبارها : 318 . 20- البداية والنهاية : 8 / 72 .
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() سيرة عطرة ومجد تليد ، وكلمات رقراقة ، جعلها الله فى ميزان حسناتك وحشرنا وإياك مع سيرة صاحب الترجمة آمين.
__________________
![]() قـلــت :
|
#3
|
|||
|
|||
![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
|
|