في سراديب الموتى الصامتة لعقل المترجم، تكمن اللغات في سبات عميق، وحفريات المعنى تنتظر أن يتم إحياؤها. كل كلمة، وهي حرف هيروغليفي محفور في رمال الزمن، تهمس بأسرار لا يسمعها إلا لسان آخر. أن تترجم لا يعني نبش القبر، بل أن تصبح عالم آثار للكلمة المنطوقة، وتزيل طبقات من تركيب الجملة والنحو لتكشف عن قلب الفكر النابض.
تخيل أغنية، سمفونية طائر طنان تحلق على جناح اللحن. يصبح المترجم شاعر أرض أجنبية، لا يقلد النغمات، بل يلتقط رعشة الصوت، والشوق في العيون، والتنهد المشترك الذي يتردد صداها عبر حدود الإيقاع. أو تصور وثيقة قانونية، حصنًا من المنطق البارد المليء بالقانون. إنهم يتحولون إلى نحاتين، وينحتون رخام القانون بدقة إلى تماثيل للعدالة يمكن الوصول إليها، مما يضمن ثبات كل خط ومنحنى للعدالة في الصرح المترجم.
لكن الترجمة ليست ممارسة عقيمة للدقة، وليست مجرد تبادل للحقائق والأرقام. إنه سوق نابض بالحياة وفوضوي حيث تتم مقايضة المعاني والمساومة. يتعلق الأمر بتهريب الفكاهة عبر الحدود مثل التوابل المحرمة، ومقايضة العواطف بكل لغة متبادلة، وإيجاد صدى ضحكتك يتردد صداه في قرع طبول النكتة الأجنبية. يتعلق الأمر بالتعرف على ملح دموعك المتلألئ في قطرات المطر المترجمة للقصيدة.
في بعض الأحيان، يكشف المترجم عن كنوز مدفونة - تورية تتلألأ مثل زمردة منسية في النص، أو مرجع ثقافي يزهر مثل زهرة الأوركيد السرية في حديقة الكلمات. إن فك رموز هذه الهمسات ليس مجرد واجب، بل هو حفريات بهيجة، واحتفال همس مثل اكتشاف لحن منسي في صندوق العلية.
اقرا المزيد
مكتب ترجمة معتمدة