ربما نسأل كيف تراجع التدين بالمسيحية في العالم الغربي حتى لقي حتفه آخرا في الساحة السياحية بعد إقالته من المشاركة في أي نشاط ذي قيمة في المواجهة الفلسفية الفكرية فالعلمية، إلى أن تلقى الضربة القاضية على المستوى الإجتماعي حيث إضمحل إضمحلالا، لتنتهي رحلته التاريخية الثقافية على يد الزلزال الدهراني الذي زعزع آخر قناعة راسخة في أهليته لقيام المنظومة الأخلاقية عليه حيث شكك الزلزال هذا في القناعة تلك ثم إنتقل إلى إقرار فصل الأخلاق عن الدين بعد فصل الدين عن العلم ففصل الدين عن التدبير؛ لكن ونحن نطرح هذا السؤال وجب علينا تجنب نسيان السنن في الإجتماع البشري، وحركة المسار التاريخي، وحينها سنرى ولابد تلك العوامل التي تربط بين الأحداث رغم تباعدها وتبيانها زمكانيّا: بين طفرات في التركيبية الديموغرافية الثقافية كإنقلاب بعض الدول الأوروبية على الكاثوليكية لتصير بروتستانتية، وتحول غالبية خراسان الكبرى من التسنن إلى التشيع الشيء الذي لم يكن ليحدث لولا توظيف الهوية الدينية في الصراعات الدنيوية والتنافس السياسي، وإندثار الإسماعيلية في مصر، وإنقلاب الإعتزال في نفس الدولة من غالب إلى مغلوب، و حضوض مدرسة الظاهر والأوزاعية وغيرها من المدارس في البقاء على قيد الحياة ومنافسة المذاهب الرسمية، وبزوغ نجم الحنبلية المحدثة، ونجاح العلمنة نسبيا ومقارنة بدول أخرى في الدول الإسلامية السوفيتية سابقا ما عدا أفغانستان.
لاشك أننا نتحدث عن أسباب، ومسببات، ومناسبات متنوعة، ومختلفة، إلا أن الخط المشترك يجتمع في جدلية الإمامة والمسؤولية. الإمامة في نشر الوعي، والتثقيف، والتعليم والتدريس، والوعظ، والحكم والقضاء، والتدبير.
أما بالنسبة للمسؤولية فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. الإمامة في التدبير عندما تمارس شتى أنواع الإظطهاد تحت غطاء ديني أو بمساعدة من يقدم نفسه إلى الرعية على أنه متدين ينطق باسم الدين، هي إمامة سالبة للتدين، بغض النظر عن سرعة حدوث وتطور هذه العملية.
في أوروبا تزوجت المؤسسة الدينية بالإقطاعية، وأثارت الخطابات الدينية صراعات طائفية، وأخرى فكرية، وغيرها.
ماذا كانت النتيجة؟
إن إيجاد نفس تلك الأسباب، وهندسة سياقات متشابهة، مما يؤدي إلى تقوية الإسقاط كهدف إستراتجي فيما يراد من المجتمعات المحافظة في العالم الإسلامي، لتنتقل الفئات الناشئة إلى ضفة أخرى، وفي نفس الوقت زعزعة المجتمعات التي لقليت نجاحا نسبيا على يد الحركات التقدمية، في إطار حملة إمبريالية واسعة ودقيقة تدفع هنا ما تدافع عنه هناك حسب التغيرات في المصالح العائدة عليها بالإستقرار في التقدم والهيمنة.
.. وسيواصل تمزيق العائلات والمجتمعات، والنتيجة المترقبة معروفة لمن يدري السبيل إلى إستقراء المتشابهات والمتماثلات في التاريخ.
https://www.youtube.com/watch?v=n_NKgXGcxX8
تحياتي