اعجاز القرآن في القسم بمواقع النجوم
اعجاز القرآن في القسم بمواقع النجوم
قال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة:76، 75 )
نظرا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عنا, فإننا لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدا, ولا بأية وسيلة مادية, وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها, إما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهلة, أو بالانفجار والاندثار, أو بالانكدار والطمس. فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر, فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا, بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي19 كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع Vega فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء. وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس وهو المعروف باسم الأقرب القنطوري يصل إلينا ضوئه بعد4,3 سنة من انطلاقه من النجم, أي بعد أكثر من خمسين شهرا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات, بعيدا عن الموقع الذي صدر منه الضوء, وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدا, ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها, وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخري بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره, ومعدلات توسع الكون, وتباعد المجرات عنا, والتي يتحرك بعضها بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء, وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوءه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم, بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين, وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض في ضوء ظاهرة اتساع الكون, ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض ما قد انفجر وتلاشي أو طمس واختفي منذ ملايين السنين, لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يصل إلينا بعد, والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين.

وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال المهم: من الذي علم سيدنا محمدا صلي الله عليه وسلم كل هذه المعارف العلمية الدقيقة لو لم يكن القرآن الذي أوحي إليه هو كلام الله الخالق..!!؟
ولماذا أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا الغيبية التي لم يكن لأحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك؟ لولا أن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط أن الناس سوف يأتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقة الكونية, ثم يرجعون إلى كتاب الله الخاتم فيقرؤون فيه هذا القسم القرآني العظيم: فلا أقسم بمواقع النجوم* وإنه لقسم لو تعلمون عظيم* الواقعة:75 ـ76 فيشهدون بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, ويشهدون لهذا النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم أنه كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض, وأنه عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم كان ـ بحق ـ كما وصفه ربنا تبارك وتعالى: (ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) [ النجم:3 ـ5].
الدكتور زغلول النجار
أستاذ علوم الكون وعلوم الأرض في الجامعات المصرية
والسعودية ومدير أكاديمية مارك فيلد في بريطانيا
|