جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
كيف انتصر المسلمون على التتار وبماذا؟
كيف انتصر المسلمون على التتار وبماذا؟ سقوط بغداد اجتمع هولاكو مع كبار مستشاريه في مجلس حرب يُعَدُّ من أهم مجالس الحرب في تاريخ التتار، لقد أخذ القرار بغزو العاصمة (بغداد)، وكان مجلس الحرب معقوداً في مدينة همدان الفارسية (في إيران حالياً)، وهي تقع على مسافة حوالي 450 كيلو متراً من بغداد إلى الشمال الشرقي، وقرر هولاكو في هذا المجلس أن يقسِّم جيشه إلى ثلاثة أقسام: القلب، وسيقوده هولاكو بنفسه، والجناح الأيسر، وسيقوده (كتبغا) أفضل قواد هولاكو، أمّا الجيش الثالث؛ فكان هو الجيش التتري الرابض على أطراف الأناضول (في شمال تركيا الآن)، وعلى رأسه القائد التتري الكبير (بيجو). ولم ينتبه الخليفة ولا قادته إلى تحركات التتار إلا بعد ما صارت جيوشهم على مسافة خمسين كيلو متراً من بغداد بعد أن سارت تلك الجيوش آلاف الكيلومترات داخل الأراضي الإسلامية دون أن تتعرض لهجوم، أو مضايقات، أو حتى لاستطلاع المخابرات الإسلامية التي يبدو أنها لم يكن لها وجود..وتم الحصار، وحَارَ الخليفة: ماذا يفعل وهو لم يعتد تلك المواجهات..وأشار عليه الوزير الخائن مؤيَّد الدين العلقمي بالتسليم، ولكن في هذه اللحظة قام رجلان من خاصة الخليفة، وأشارا عليه بالجهاد، ووافق الخليفة رغم عدم سابق خبرته بالجهاد، ولا تفكيره فيه فضلاً عن استعداده له. وكانت الهزيمة القاسية، والإبادة شبه الكاملة هي مصير تلك القوة الهزيلة التي تمكن مجاهد الدين أيبك من جمعها، ولم يصبح أمام الخليفة الذي لم يتعود الجهاد، ولم يعرف معنى العزة والكرامة إلا أن يستسلم لمن أوردوه المهالك؛ فاستجاب لنصيحة ابن العلقمي الغادرة بأن يذهب بنفسه لمفاوضة هولاكو. خرج الخليفة للقاء هولاكو الذي اشترط استقدام العلماء والقادة والأئمة والتجار وسائر الأعيان وأبناء الخليفة؛ فجاءوا معاً، فلما أتوا أُخِذوا جميعًا للقتل عدا الخليفة وسبعة عشر من الوفد منهم ابن واحد للخليفة؛ حيث قُتِل له ولدان أمام عينيه، وسيق الخليفة المستعصم مقيداً ليدلَّ التتار على أماكن الأموال والذخائر والنفائس في القصور، ثم أصدر هولاكو أمره باستباحة بغداد أربعين يوماً كاملة، قتل فيها الرجال، وسُبِيت النساء واغتُصِبن، وقُتِل الرُّضَّع، ونُهِبت الأموال، وكان حصاد تلك الاستباحة مليون قتيل. وأمر هولاكو بعد ذلك بقتل الخليفة رفساً بالأقدام؛ لتكون نهايته مهينة كما كانت حياته. وبعد ذلك اتجه فريق من التتار لعمل إجرامي بشع، وهو تدمير مكتبة بغداد العظيمة، وهي أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن، وهي الدار التي كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في أكثر من ستمائة عام، وجمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون..لقد ألقى التتار بمجهود القرون الماضية في نهر دجلة، حتى تحول لون مياه نهر دجلة إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب، وحتى قيل إن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى. وبعد ذلك خرج الجيش التتري بكامله من بغداد لكيلا يصاب بالطاعون نتيجة الجثث المنتشرة في كل مكان، وأُعْلِن في بغداد أمان حقيقي، فلا يُقتل مسلم بصورة عشوائية بعد هذه الأربعين يوماً، وقد سمح التتار بهذا الأمان حتى يخرج المسلمون من مخابئهم ليقوموا بدفن موتاهم. كما أصدر هولاكو قراراً بأن يُعيَّن مؤيَّد الدين العَلْقمي الشيعي رئيساً على مجلس الحكم المعين من قِبل التتار على بغداد، على أن توضع عليه - بلا شك- وصاية تترية. ولم يكن مؤيد الدين إلا صورة للحاكم فقط، وكانت القيادة الفعلية للتتار بكل تأكيد، بل إن الأمر تزايد بعد ذلك، ووصل إلى الإهانة المباشرة للرئيس الجديد مؤيد الدين العلقمي، ولم تكن الإهانة تأتي من قبل هولاكو، بل كانت تأتي من صغار الجند في جيش التتار؛ وذلك لتحطيم نفسيته، فلا يشعر بقوته، ويظل تابعاً للتتر...وقد رأته امرأة مسلمة وهو يركب على دابته، والجنود التتر ينتهرونه ليسرع بدابته، ويضربون دابته بالعصا، فقالت له المرأة المسلمة الذكية: "أهكذا كان بنو العباس يعاملونك"...وقد وقعت كلمات المرأة المسلمة الفطنة في نفس مؤيد الدين العلقمي، فانطلق إلى بيته مهموماً مفضوحاً، واعتكف فيه، وركبه الهم والغم والضيق. ولم يستطع الوزير الخائن أن يتحمل الوضع الجديد، فبعد أيام من الضيق والكمد، مات ابن العلقمي في بيته..مات بعد شهور قليلة جداً من نفس السنة التي دخل فيها التتار بغداد، سنة 656هـ/ 1258م، ولم يستمتع بحكم ولا ملك ولا خيانة، وليكون عِبْرة بعد ذلك لكل خائن...وولَّى التتار ابن مؤيد الدين العلقمي على بغداد، فالابن قد ورث الخيانة من أبيه، لكنه مات في نفس السنة التي سقطت فيها بغداد سنة 656هـ/ 1258م. قطز والإعداد للحرب الفاصلة قام قطز بأربع خطوات: الخطوة الأولى التي حرص عليها قطز - رحمه الله - هي استقرار الوضع الداخلي في مصر، وقطع أطماع الآخرين في كرسي الحكم الذي يجلس عليه؛ فجمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر، وكل هؤلاء من المحرِّكين الفعليين لطوائف الشعب المختلفة، وقال لهم في وضوح: "إني ما قصدت (أي ما قصدت من السيطرة على الحكم) إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يتأتَّى ذلك بغير مُلك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم، أقيموا في السلطنة مَن شئتم"، فهدأ معظم الحضور ورضوا بذلك. أما الخطوة الثانية لقطز في إعداده للتتار فكانت خطوة في منتهى الروعة والحكمة، وأبرزت الأخلاق الرفيعة جدًّا لقطز رحمه الله؛ لقد أصدر قرارًا بالعفو العام (الحقيقي) عن كل المماليك البحرية. أما الخطوة الثالثة له فكانت حرصه على الاستقرار (الخارجي) مع جيران مصر من المسلمين؛ كالناصر يوسف الأيوبي رغم خيانته، لكن الناصر يوسف لم يستجب لهذه النداءات النبيلة من قطز، وآثر التفرق على الوحدة، ولم يكتفِ قطز رحمه الله بهذه الجهود الدبلوماسية مع الناصر بل راسل بقية أمراء الشام، فاستجاب له الأمير المنصور صاحب حماة، وجاء من حماة ومعه بعض جيشه للالتحاق بجيش قطز في مصر..وأما الأشرف الأيوبي صاحب حمص فقد رفض الاستجابة تماماً لقطز، وفضَّل التعاون المباشر مع التتار، وبالفعل أعطاه هولاكو إمارة الشام كلها ليحكمها باسم التتار. وأما الأخير وهو الملك حسن بن عبد العزيز صاحب بانياس فقد رفض التعاون مع قطز هو الآخر رفضاً قاطعاً، بل انضم بجيشه إلى قوات التتار يساعدهم في فتح بلاد المسلمين..ولكن إذا كان هذا هو الوضع بالنسبة للسلطة الحاكمة وبالنسبة للجيش، فماذا كان الوضع بالنسبة للشعب في ذلك التوقيت؟..الواقع أن الشعب في تلك الآونة كان يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، والأزمات الاقتصادية عادة ما تؤثِّر كثيراً في حياة الشعوب، فيفقدون الطموح في أي شيء، ولا يرغبون إلا في الحصول على لقمة العيش، إلا إذا جاء القائد الذي يعظِّم عندهم الموت في سبيل الله، ويرفع عندهم قيمة الدين، فعندها تهون المشاكل المادية والأزمات الاقتصادية إلى جانب الهدف الأعلى: (الجهاد في سبيل الله)، وعندها يصبح الموت في سبيل الله أمنية. كان لزاماً على قطز رحمه الله أن يوجِّه اهتماماً خاصاً لتربية شعبه على معاني الجهاد والتضحية والبذل والعطاء والفداء للدين، والحميَّة للإسلام..وإن كانت هذه المهمة شاقة، فقد حفظ الله لشعب مصر في ذلك الوقت قيمتين عظيمتين سَهَّلتا نسبياً من مهمة قطز رحمه الله: أما القيمة الأولى التي حُفظت في مصر في ذلك الوقت فهي قيمة العلوم الشرعية وعلماء الدين. أما القيمة الثانية بعد قيمة العلم والعلماء التي كانت محفوظة في مصر، فهي قيمة الجهاد في سبيل الله؛ لقد كان المسلمون في مصر في تلك الآونة يؤمنون إيماناً عميقاً بحتمية الجهاد في سبيل الله للأمة التي تريد أن تعيش..وبينما كان قطز في إعداده المتحمس، وفي خطواته السريعة، جاءته رسل هولاكو وهي تحمل رسالة تقطر سماً، وتفيض تهديداً ووعيداً وإرهاباً، لا يقوى على قراءتها إلا من ثبته الله، جاءت رسالة هولاكو مع أربعة من الرسل التتر، وقرأ قطز فإذا فيها ما يلي: "باسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلطنا على خلقه، الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس المماليك، صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها، أنَّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حلَّ به غيظه، فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وسلِّموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقى لمن اشتكى. فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب. فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص؛ فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق، وقلوبنا كالجبال، وعديدنا كالرمال. فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع؛ لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن ردِّ السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فابشروا بالمذلة والهوان (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون)، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). وقد ثبت أن نحن الكفرة وأنتم الفجرة، وقد سلَّطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة، فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم علينا من سبيل؛ فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا ردَّ الجواب، قبل أن تضطرم الحرب نارها، وتوري شرارها، فلا تجدون منا جاهًا ولا عزاً، ولا كتاباً ولا حرزاً؛ إذ أزَّتكم رماحنا أزًّا، وتُدْهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية؛ فقد أنصفناكم إذ أرسلنا إليكم، ومننَّا برسلنا عليكم". عقد قطز رحمه الله مجلساً استشارياً أعلى، وجمع كبار القادة والأمراء والوزراء، وبدءوا فوراً في مناقشة القضية الخطيرة التي طرحت أمامهم، والخيارات محدودة جداً، إما الحرب بكل تبعاتها، وإما التسليم غير المشروط..أما قطز -رحمه الله- فكانت القضية في ذهنه واضحة تمام الوضوح، لكن الأمراء الذين اجتمعوا معه لم يكونوا على نفس الدرجة العالية جدًّا من الفقه والفَهْم. فكيف يتصرف القائد الحكيم مع مثل هذا الموقف، كيف ينزع الخوف والرهبة من القلوب؟ لقد قرر قطز بعد أن استشار مجلسه العسكري أن يقطع أعناق الرسل الأربعة الذين أرسلهم إليه هولاكو بالرسالة التهديدية، وأن يعلِّق رءوسهم على باب زويلة في القاهرة؛ وذلك حتى يراها أكبر عدد من الشعب. وهو يرمي بذلك إلى طمأنة الشعب بأن قائدهم لا يخاف التتار، وهذا سيرفع من معنوياتهم، كما أن هذا الردَّ العنيف سيكون إعلاناً للتتار أنهم قادمون على قوم يختلفون كثيراً عن الأقوام الذين قابلوهم من قبلُ، وهذا قد يؤثِّر سلباً في التتار، فيلقي في قلوبهم ولو شيئاً من الرعب أو التردد..وبعد قتل الرسل، بدأ قطز في التجهيز السريع للجيش، فقد اقتربت جداً لحظة المواجهة. ومن جديد جمع قطز رحمه الله مجلسه الاستشاري، ودعا إليه -إلى جانب الأمراء والقادة- العلماء والفقهاء، وعلى رأسهم سلطان العلماء الشيخ العزّ بن عبد السلام رحمه الله، واقترح قطز رحمه الله أن تفرض على الناس ضرائب لدعم الجيش، وهذا قرار يحتاج إلى فتوى شرعية، ولا بد من وجود سند شرعي يبيح ذلك، وإلا صارت الضرائب مكوساً. قال الشيخ العزّ بن عبد السلام رحمه الله: إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم (أي العالم الإسلامي)، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم (أي فوق الزكاة) بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء. هذا هو الشرط الأول، أما الشرط الثاني فكان أصعب، قال الشيخ العزُّ بن عبد السلام رحمه الله: وأن تبيعوا ما لكم من الممتلكات والآلات (أي يبيع الحكام والأمراء والوزراء ما يمتلكون)، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة؛ وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا..فتوى في منتهى الجرأة، وإن كانت هذه الفتوى عجيبة في جرأتها، فإن استجابة قطز رحمه الله كانت أعجب، لقد قَبِل قطز رحمه الله كلام الشيخ العز بن عبد السلام ببساطة، وبدأ بنفسه، فباع كل ما يملك، وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك، فانصاع الجميع، وتم تجهيز الجيش المسلم بالطريقة الشرعية..وجاء وقت إعداد الخطة، وقام قطز رحمه الله بإلقاء بيانه الذي يوضِّح فيه رأيه في الخطة العسكرية، وبمجرَّد أن ألقى برأيه، قام المجلس العسكري ولم يقعد. لقد أراد قطز رحمه الله أن يخرج بجيشه لمقابلة جيش التتار في فلسطين، واعترض أغلب الأمراء، لقد أراد الأمراء أن يبقى قطز في مصر ليدافع عنها، فمصر - في رأي الأمراء - هي مملكته، أما فلسطين فهي مملكة أخرى، لقد نظر الأمراء إلى القضية نظرة قومية بحتة، بمعنى أنه لو لم يدخل التتار مصر فإننا نكون قد تجنَّبنا لقاءً دموياً هائلاً، أما إذا ذهبنا نحن إليهم فلا خيار حينئذٍ سوى المعركة...وبدأ قطز رحمه الله يناقش الأمراء ويشرح لهم مزايا خطته، وأبعاد نظرته، وأهداف الحرب في رأيه، واقتنع الأمراء برأي قطز، وهكذا ترجحت كفة الانتقال إلى فلسطين، واقتنع الحضور في المجلس العسكري الأعلى الذي عقده قطز رحمه الله برأيه الموفَّق، وبدأ قطز رحمه الله في إعداد الجيش وتجهيزه التجهيز المناسب لعبور سيناء وللقاء التتار. وبدأ تجمُّع الجيش المسلم في منطقة الصالحية (بمحافظة الشرقية الآن)، ثم أعطى قطز رحمه الله إشارة البدء والتحرك في اتجاه فلسطين..كان هذا التحرُّك في أوائل شهر شعبان سنة 658هـ، أي أن هذا التحرك كان في أشد شهور السنة حراً، والسير في الصحراء القاحلة الطويلة في سيناء، وليس في الطريق مدن آهلة اللهم إلا العريش، ومع ذلك فقد صبر الجيش المجاهد. كان قطز رحمه الله يتحرك على تعبئة، بمعنى أنه يتحرك وقد رتَّب جيشه الترتيب الذي سيقاتل به لو حدث قتال، وذلك حتى إذا فاجأه جيش التتار كان مستعداً...وكان قطز رحمه الله قد وضع على مقدمة جيشه ركن الدين بيبرس القائد العسكري الفذ، ليكون أول من يصطدم بالتتار، فيحدث نصراً -ولو جزئياً- مما سيرفع من معنويات المسلمين بالتأكيد. وهكذا اجتاز ركن الدين بيبرس الحدود المصرية في 26 من يوليو سنة 1260م، ودخل حدود فلسطين المباركة، وتبعه قطز بعد ذلك في سيره، وحدث ما توقعه قطز رحمه الله، واكتشفت عيون التتار مقدمة الجيش الإسلامي بقيادة ركن الدين بيبرس، واعتقدت أن هذا هو جيش المسلمين كله، ونقلت الأخبار إلى حامية غزة التترية، وأسرعت الحامية التترية للقاء ركن الدين بيبرس، وحدث بينهما قتال سريع، هذا كله وجيش قطز الرئيسي ما زال يعبر الحدود الفلسطينية المصرية، ولكن - كما ذكرنا- كانت مقدمة الجيش المسلم مقدمة قوية، وقائدها ركن الدين بيبرس قائد بارع، والحامية التترية في غزة صغيرة نسبياً، والجيش التتري الرئيسي بقيادة كتبغا يربض في سهل البقاع في لبنان على مسافة ثلاثمائة كيلو متر تقريباً من غزة ؛ فتم اللقاء في غزة بمعزل عن الجيوش الرئيسية للمسلمين والتتار، وبفضل الله استطاعت مقدمة الجيش المسلم أن تنتصر في هذه الموقعة الصغيرة، وقُتِل بعض جنود الحامية التترية، وفرَّ الباقون في اتجاه الشمال لينقلوا الأخبار إلى كتبغا في لبنان. اتجه الجيش المسلم بعد انتصار غزة إلى ناحية الشمال، وعسكر قطز رحمه الله في الحدائق المحيطة بحصن عكا في السهل الواقع في شرق عكا...في هذه الأثناء كان كتبغا قد وصلته فلول جيش التتار الفارة من غزَّة ينقلون إليه تحركات الجيش المسلم، فغضب غضباً شديداً لهزيمة حاميته العسكرية في غزة، وتحرك في اتجاه الجنوب بين جبال لبنان حتى دخل فلسطين من شمالها الشرقي غرب مرتفعات الجولان، ثم عبر نهر الأردن، ووصل إلى الجليل الشرقي. واكتشفت الاستطلاعات الإسلامية المنتشرة في المنطقة تحركات كتبغا، ونقلت الأخبار بسرعة إلى قطز الذي كان قد غادر عكا في اتجاه الجنوب الشرقي؛ فأسرع قطز باجتياز مدينة الناصرة، وتعمق أكثر في الجنوب الشرقي حتى وصل إلى منطقة تُعرف بسهل عين جالوت، وهي تقع في الوسط تقريبًا بين مدينتي بيسان في الشمال ونابلس في الجنوب، وهي قريبة جداً من معسكر جنين الآن، وهي المنطقة التي ستدور فيها معركة من أهم المعارك في تاريخ الأرض. وجد قطز سهل عين جالوت منطقة مناسبة جداً للمعركة المرتقبة؛ فهو عبارة عن سهل واسع منبسط تحيط به التلال المتوسطة من كل جوانبه إلا الجانب الشمالي فهو مفتوح، كما تعلو هذه التلال الأشجار والأحراش، مما يوفِّر مخبأً مناسباً جداً للجيش الإسلامي؛ فيسهل عمل الكمائن الكثيرة على جوانب السهل المنبسط...ورتَّب قطز جيشه بسرعة؛ فوضع على ناحية السهل الشمالية مقدمة جيشه بقيادة ركن الدين بيبرس، وجعلها في مكان ظاهر حتى يغري جيش التتار بالقدوم إليها، بينما أخفى قطز بقية الجيش خلف التلال والأحراش. موقعة عين جالوت مرَّ جيش التتار غرب بيسان، وانحدر جنوباً في اتجاه عين جالوت حيث كانت القوات الإسلامية قد أخذت مواقعها، ورتبت صفوفها، ووقفت في ثبات تنتظر الجيش التتري..كان هذا في يوم 24 من رمضان سنة 658هـ/ 1260م، وهو اليوم السابق مباشرة للموقعة الرهيبة: عين جالوت. وعلى ذلك انتهى يوم الرابع والعشرين من رمضان، وقضى المسلمون الليل في القيام والابتهال والدعاء والرجاء..وحان وقت الفجر، وصلى المسلمون الفجر في خشوع، ورتبوا صفوفهم بعد الصلاة واستعدوا، وما هي إلا لحظات وأشرقت الشمس؛ هذا يوم الجمعة الخامس والعشرون من رمضان سنة 658هـ/ 1260م، وبشروق الشمس أضاءت الدنيا، ورأى المسلمون من بعيد جيش التتار!! أتى الجيش التتري المهول من اتجاه الشمال، وبدأ في الاقتراب من سهل عين جالوت، وعلى أبواب السهل وقف الجيش التتري في عدده الرهيب وعُدَّته القوية، ولم يكن بالسهل أحد من المسلمين أن يرى الجيش التتري؛ فقد كانوا يقفون جميعًا خلف التلال..لكن -كما أشرنا من قبل- كانت مقدمة جيش المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس لا تخفي نفسها؛ وذلك حتى يعتقد جواسيس التتار أن هذه المقدمة هي كل الجيش، ومع ذلك فعند قدوم جيش التتار كانت هذه المقدمة مختفية هي الأخرى، ثم أشار لها قطز أن تنزل من فوق التلال للوقوف على باب السهل لقتال الجيش التتري. وبدأت القوات الإسلامية تنساب من فوق التلال إلى داخل سهل عين جالوت، ثم تتجه إلى شمال السهل للاقتراب من جيش التتار، ولم تنزل مقدمة الجيش دفعة واحدة، إنما نزلت على مراحل، تتابعت الكتائب الإسلامية، كل كتيبة بلون؛ فبُهِت كتبغا وقادته وجنودهم...لقد كان كتبغا معتاداً أن يرى جنود المسلمين وراء الحصون والقلاع يرتجفون ويرتعبون، أو يراهم وهم يتسارعون إلى الهروب فزعاً من جيش التتار، أو يراهم وهم يسلِّمون رقابهم للذبح الذليل بسيوف التتار. كان كتبغا معتاداً على رؤية المسلمين في إحدى هذه الصور المهينة، أما أن يراهم في هذه الهيئة المهيبة العزيزة، فهذا ما لم يحسب له حساباً أبداً...كانت كل هذه الفرق هي مقدمة جيش المسلمين فقط، وهي أقل بكثير من جيش التتار الرهيب؛ فقد احتفظ قطز بقواته الرئيسية خلف التلال، وقد قرر ألا تشترك في المعركة إلا بعد أن تُنهَك قوات التتار..وبعد أن نزلت مقدمة المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس بدأت فرقة الموسيقى العسكرية الإسلامية المملوكية تظهر على الساحة، وانطلقت في قوة تدق طبولها، وتنفخ في أبواقها، وتضرب صنوجها النحاسية، لقد كانت الجيوش المملوكية تتلقى الأوامر عن طريق هذه الدقات المتفق عليها، والتي لا يعرفها الأعداء. ونظر كتبغا إلى مقدمة القوات الإسلامية، وكان لا يدرك شيئاً عن القوات الرئيسية المختبئة خلف التلال، فوجد أن قوات المقدمة الظاهرة أمامه قليلة جداً بالنسبة لقواته، ومع ذلك فهي في هيئة حسنة ومنظر مهيب، فأراد كتبغا أن يحسم المعركة لصالحه من أول لحظاتها؛ لذلك قرر أن يدخل بكامل جيشه وقواته لحرب مقدمة المسلمين...وهذا تماماً ما كان يريده الملك المظفر قطز، وأعطى كتبغا قائد التتار إشارة البدء لقواته، وانهمرت جموع التتار الرهيبة وهي تصيح صيحاتها المفزعة على مقدمة جيش المسلمين. وارتطم الجيشان، وكانت هذه الفرقة المملوكية من أفضل فرق المسلمين، وكان كثير من أمراء هذه المقدمة -بما فيهم ركن الدين بيبرس- من أولئك الذين شاركوا في موقعتي المنصورة وفارسكور ضد الحملة الصليبية السابقة بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع، وذلك منذ عشر سنوات في سنة 648هـ/ 1250م؛ وبذلك يكون هؤلاء الأمراء من أصحاب الخبرة العسكرية الفائقة، ومن أعلم القادة بطرق المناورة وأساليب القتال وخطط الحرب. وثبتت القوات الإسلامية مع قلة عددها؛ مما دفع كتبغا إلى استخدام كل طاقته دون أن يترك أي قوات للاحتياط خلف الجيش التتري، كل هذا وقطز يرقب الموقف من بعيد، ويصبّر نفسه وجنده عن النزول لساحة المعركة حتى تأتي اللحظة المناسبة...كان هذا هو الجزء الأول من الخطة الإسلامية: استنزاف القوات التترية في حرب متعبة، والتأثير في نفسياتهم عند مشاهدة ثبات المسلمين وقوة بأسهم...ثم جاء وقت تنفيذ الجزء الثاني من الخطة الإسلامية، ودقت الطبول دقات معينة لتصل بالأوامر من قطز إلى بيبرس؛ ليبدأ في تنفيذ الجزء الثاني من الخطة..وكان الجزء الثاني من الخطة عبارة عن محاولة سحب جيش التتار إلى داخل سهل عين جالوت، وحبذا لو سُحِب الجيش بكامله؛ بحيث تدخل قوات التتار في الكمائن الإسلامية تمهيداً لحصارها. وبدأ ركن الدين بيبرس في تنفيذ هذا الجزء من الخطة على صعوبته، فكان عليه أن يُظهِر الانهزام أمام التتار، ويتراجع بظهره وهو يقاتل، على ألا يكون هذا التراجع سريعاً جداً حتى لا يلفت أنظار التتار إلى الخطة، ولا بطيئاً جداً فتهلك القوة الإسلامية القليلة أثناء التراجع...وبدأ ركن الدين بيبرس في الانسحاب التدريجي المدروس، وكلما رجع خطوة تقدم جيش التتار في مكانه. هذه الخطة هي نفس خطة القوات الإسلامية في موقعة نهاوند الشهيرة ضد القوات الفارسية وذلك في سنة 19هـ، وهنا في عين جالوت يستفيد قطز من تجارب المسلمين السابقة، ويطبِّق خطة نَهَاوَنْد بحذافيرها. وقام المسلمون بتمثيلية الانهزام خير قيام، وبدأ التتار يدخلون السهل وهم يضغطون على المسلمين، وفي النهاية دخل جيش التتار بكامله إلى داخل سهل عين جالوت، وانسحب ركن الدين بيبرس بمقدمة الجيش إلى الناحية الجنوبية من سهل عين جالوت؛ وفي غضون حماسة كتبغا للقضاء على جيش المسلمين لم يترك أياً من قواته الاحتياطية خارج السهل، بل أخذ معه كل جنوده..وهذا تدبير رب العالمين الذي يخرج عن القياسات العادية للبشر، ويدفع أشخاصاً بعينهم لأفعال معينة في ظروف معينة. وبذلك نجح الجزء الثاني من الخطة الإسلامية، وبدأ تنفيذ الجزء الثالث من الخطة، وجاءت إشارة البدء من قطز عن طريق الطبول والأبواق، ونزلت الكتائب الإسلامية العظيمة من خلف التلال إلى ساحة المعركة، نزلت من كل جانب، وأسرعت فرقة قوية لتغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت؛ وبذلك في دقائق معدودات أحاطت القوات الإسلامية بالتتار إحاطة السوار بالمعصم...واكتشف كتبغا الخُطَّة الإسلامية بعد فوات الأوان، وحُصِر هو والتتار في داخل سهل عين جالوت، وبدأ الصراع المرير في واحدة من أشد المعارك التي وقعت في التاريخ، لا مجال للهرب، ولا مجال للمناورات. السهل منبسط والمساحات مكشوفة، وظهر تفوق الميمنة التترية، فقد بدأت تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وبدأت القوات الإسلامية تتراجع تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية، وأخذ الشهداء يسقطون، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة فسيلتفون حول الجيش الإسلامي، وتتعادل بذلك الكفتان، وقد ترجح كفة التتار، ويصبح إغلاق السهل خطرًا على المسلمين. وشاهد قطز المعاناة التي تعيشها ميسرة المسلمين، فدفع إليها بقوات احتياطية، ولكن الضغط التتري استمر، وبدأ بعض المسلمين يشعر بصعوبة الموقف، ولعلَّ بعضهم أصبح يشك في النصر، ولا ننسى السمعة المرعبة لجيش التتار الذي قيل عنه إنه لا يهزم...هنا لم يجد قطز رحمه الله إلا حلاًّ واحدًا لا بديل له، لا بد أن ينزل بنفسه إلى ساحة القتال، لقد ألقى بخوذته على الأرض؛ تعبيرًا عن اشتياقه للشهادة، وعدم خوفه من الموت، وأطلق صيحته الشهيرة التي قلبت الموازين في أرض المعركة، لقد صرخ قطز بأعلى صوته: "واإسلاماه، واإسلاماه" وألقى بنفسه وسط الأمواج المتلاطمة من البشر. وفوجئ الجنود بوجود القائد الملك المظفر قطز في وسطهم، يعاني مما يعانون، ويشعر بما يشعرون، ويقاتل كما يقاتلون؛ إنها ليست هجمة على ذواتهم، إنها هجمة على الإسلام..واشتعل القتال في سهل عين جالوت، وعلا صوت تكبير المجاهدين على كل شيء، ولجأ المسلمون بصدقٍ إلى ربهم في هذا اليوم المجيد من شهر رمضان...وتقدم أمير من أمراء المماليك المهرة في القتال وهو جمال الدين آقوش الشمس، وهو من مماليك الناصر يوسف الأيوبي، وقد ترك الناصر لما رأى تخاذله وانضم إلى جيش قطز، وأبلى بلاءً حسنًا في القتال، واخترق الصفوف التترية في حملة صادقة موفَّقة حتى وصل في اختراقه إلى (كتبغا) قائد التتار، ورفع سيفه وأهوى بكل قوته على رقبة الطاغية المتكبر كتبغا، وطارت الرأس المتكبرة في أرض القتال، وسقط زعيم التتار، وبسقوطه سقطت كل عزيمة عند جيش التتار. وبدأ الجنود الذين روَّعوا الأرض قبل ذلك يتساقطون كالذباب على أرض بيسان، قضى المسلمون تماماً على أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وارتفعت راية الإسلام وتهاوت راية التتار، وجاءت اللحظة التي ينتظرها المسلمون منذ أربعين سنة أو تزيد. لقد أُبِيد جيش التتار بكامله، لم يبق على قيد الحياة من الجيش أحد بالمرة، لقد فَنِي الجيش الذي اجتاح نصف الكرة الأرضية؛ فني الجيش الذي سفك دماء الملايين وخرَّب مئات المدن، وعاث في الأرض فسادًا. وانتصر الجيش الإسلامي العظيم..لقد سقطت هيبة التتار، وتنفَّس المسلمون الصعداء بعد قهرٍ وبطش استمر أكثر من ستة أشهر، وانتهى المسلمون من أمر الحامية التترية بسرعة؛ فمنهم من قُتل، ومنهم من أسر، ومنهم من فرَّ، واتجه المسلمون بعد ذلك للقصاص من النصارى الذين تطاولوا على أهل الإسلام في أثناء سيطرة التتار على دمشق..وبينما هم كذلك -وفي اليوم الثلاثين من رمضان سنة 658هـ/ 1260م- وصل قطز إلى دمشق، بعد خمسة أيام من يوم عين جالوت؛ واستقبله الناس استقبال الفاتحين، وعلقت الزينات في الشوارع، وخرج الرجال والنساء والأطفال يستقبلون البطل المظفر. لم يضيِّع قطز رحمه الله وقتًا بل أرسل مقدمة جيشه بقيادة بيبرس تتبع الفارين من التتار، وتُطهِّر المدن الشامية الأخرى من الحاميات التترية، فوصلت القوات الإسلامية إلى حمص، واقتحمت على التتار معسكراتهم ففرُّوا مذعورين، وحرَّر المسلمون أسراهم الذين كانوا في قبضة التتار، وانطلقوا خلف الحاميات التترية الهاربة، فقتلوا أكثرهم، وأسروا الباقين، ولم يفلت منهم إلا الشريد. وطَهَّر المسلمون بلاد الشام بكاملها في غضون بضعة أسابيع، وعادت من جديد أرض الشام إلى ملك الإسلام والمسلمين، نسأل الله لها ولسائر بلاد المسلمين دوام التحرُّر والعزة...وأعلن قطز رحمه الله توحيد مصر والشام من جديد في دولة واحدة تحت زعامته، بعد عشر سنوات من الفُرقة، وذلك منذ وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله في سنة 648هـ/ 1250م، وخُطِب لقطز رحمه الله على المنابر في كل المدن المصرية والفلسطينية والشامية، حتى خطب له في أعالي بلاد الشام والمدن حول نهر الفرات. الخلاصة يلاحظ من القصة أن الأمة الإسلامية قد انحنت لفترة من الزمن ثم نهضت مستعيدة قوتها مستعدة لعدوها ومعدّة للمواجه..وقد كانت الانحناء إبان مرحلة الانتكاسة والضعف والشتات والتفرق والانهزامية والبعد عن شرع الله؛ مما أورث في المسلمين الذلة والهوان حتى أصبح خبر التتار يثير فيهم الرعب، بدلاً أن يكونوا هم أتباع رسول من يرعبون العدو مسيرة شهر...ولما جاءت مرحلة النهوض العظيم كانت الأسباب الشرعية والكونية تعمل عملها في المسلمين، وفي أسلوب قطز درس لمن يعي، وليس العيي...إذاً، فمكامن القوة باقية في الأمة الإسلامية، فقط تحتاج إلى من يقودها للأخذ بتلك الأسباب، ويستنهض فيها الهمم والعزة، وينفض عنها غبار الذل. http://www.awda-dawa.com/Pages/Artic...t.aspx?id=1072
__________________
رب همـة أحيـت أمـة بإذن الله المرء يعرف في الزمان بفضله وخصائل الحر الكريم كأصله
|
أدوات الموضوع | |
|
|