العولمة إحدى زوياها الخفية
طارق فايز العجاوي
لا ينظر إلى العولمة على أساس التقدم الملحوظ في المجال الاقتصادي واعتبارها رأس الهرم التي بلغته الرأسمالية بحدود التطور الاقتصادي على اعتبار أن العولمة ترفض رأس المال الوطني وتدعو إلى رأسمال عالمي الشراكة العالمية في رأس المال وهذا بالضرورة يؤدى إلى تطور في العلاقات سواء مع الذات أو مع الأخر أو بالموروث الحضاري من جهة ثالثة والظاهر أن العولمة مفهوم عصري للنظام الجديد للعالم وهى كلمة أشبعت بحثا ونوقشت في المحافل الدولية وعقدت الندوات لفهمها وتحليلها ولكن ما خفي كان الأهم والأعظم ولكن بدأت بوادرها تطفو على السطح بعد سقوط النظام السوفياتى وبالضربة الفنية القاضية وبقاء الدب الأوحد حامل الراية والصولجان هذا كله دعا للبحث عن نظام جديد للعالم يكون البديل والمتفرد على الساحة.
أقول أيها السادة بما أسلفنا أن العولمة أقدم من ذلك بكثير فهي موغلة في القدم وهذا جلي وواضح لكل ذي بصر وبصيرة والظاهر أنها مرتبطة بالنظام الرأسمالي ذاته وتحديدا بالرأسمالية الأوروبية وعلى مستوى سوقها الوطني ثم امتدادها إلى الأسواق العالمية في المستعمرات أو في دول العالم الثالث لفرض السيطرة عليها من خلال شركات ذات صبغة عالمية وعليه نستطيع أن ندرك أن هذه الشركات ذات الطابع العالمي دعمت هذا النظام ولهذا نجد أن الدعم مشترك ومتبادل بين الطرفين الشركات والنظام الملاحظ أن الواقع العالمي الجديد اخذ بالنمو في القرن العشرين وتحديدا في العقدين الأخيرين هذه الفترة شهدت تطورا ونموا تكنولوجيا هائلا وملفتا خاصة في مجال المعلومات وهذا التطور ما زال ينمو باستمرار وبصورة غير مسبوقة وحقيقة هذا التطور فعليا فيه كل الدعم للعولمة ذاتها التي طالت كل مجالات الفكر الإنساني بقضه وقضيضه من ثقافي واجتماعي وسياسي واقتصادي الخ. وهنا أيها السادة مكمن الخطر فتبا لهذا القالب وتبا لمن سيسكب فيه وبمشاريعه التي أضحت مكشوفة وحيله الظاهرة الخيوط والمعالم إذن لم تبرز العولمة إلا مع تطور نظام المعلومات التكنولوجي هذا بالضرورة أدى إلى اتساع رقعتها وانتشارها فهذه العولمة ساهمت دون أدنى شك في دعم الشركات الكبرى من خلال تحقيق أهدافها التسويقية ورفع طاقتها الإنتاجية وفتح أسواق كبيرة أمام هذا الإنتاج الضخم الذي بهر وابهر العالم وهذه العولمة أيضا فتحت أسواق العالم الثالث لتجنى هذه الشركات أعلى الأرباح انتبهوا أيها السادة دون الكشف عن أسرار هذا التقدم ليبقى رهين أدراجهم ونبقى نحن في صف المستهلك الإمعة القانع بما يصله والمغلوب على أمره وهذا كله يقيهم شر المنافسة في حال معرفة أسرار وخفايا هذه التكنولوجيا. لذلك نجد أن هذه الدول بعيدة عن مستوى المنافسة والاحتكار وذلك نتيجة لاحتفاظها بما حازته من تقدم في مجال التصنيع أما فكرة أن يعم الرفاه الاقتصادي للعالم اجمع فهذه أيضا كذبة كبرى بدليل كما اشرنا سابقا أن دول العالم الثالث بقيت فقط سوقا استهلاكية لا أكثر ولا اقل تقبل بالمتاح والموجود لذا أيها السادة خلقت هذه العولمة تفاوت واضح بين التقدم في الغرب ودول العالم الثالث. ولكن لا بد من الإشارة أن بعض الدول تمكنت من خلال أبنائها العمال من التمكن من بعض الأسرار للتصنيع وبحدود ضيقة جدا ومن ابرز صور خطر هذا الوحش الذي لا يبقى ولا يذر (العولمة) انتزاع الإنسان من انتمائه الأصلي وجعله غائب حكما عن وعيه التاريخي وماضيه وارثه أيضا وحقا هذا اخطر ما في العولمة وهذا ما دعي علماء الأمم إلى التكاتف للوقوف في وجهها فانتزاع الإنسان من ماضيه وارثه فيه أعظم الخطر ويصبح إنسان في مهب الريح سهل الانقياد بعيدا عن قيمه ودينه وماضيه وهذا واضح وجلي لكل منعم للنظر وليس يخفى على احد تلك العلاقة بين العولمة وما يعرف ب(ما بعد الحداثة) التي طالت اخص ما يمس البشر في المعتقد والسائد الموروث وهى حقا ابعد بكثير من ذلك التزامن المزعوم.بل أيها السادة إنها تؤدى حكما إلى التداخل والتفاعل المنسي لكل ارتباط حقا قولي أن العولمة خالية من المزايا بالنسبة لدول العالم الثالث المستهلك والسوق المتاح بلا ثمن الضحية المستباح بلا عقال المهزوم بلا نصير فهي حقا تغص بالمقالب والعيوب