شريعة الله و شريعة الإنسان

[سيف الكلمة]

شريعة الله و شريعة الإنسان

كتبaspirine
بمنتدى الجامع

للمستشار على منصور

بسم الله الرحمن الرحيم

اليوم أهدى لكم كتيب صغير , الذى يقدم التشريع الإسلامى منهجاً قويماً للبشرية ... سبق قواعد القانون الدولى العام فى تنظيمه تلك العلاقات الدولية فى حالتى السلم و الحرب .. مما جعله مصدراً من مصادر القانون الحديث ..

و قد قدم المؤلف الأدلة على ذلك .. و ضرب الأمثلة بما قرره الإسلام من حقوق لغير السلمين .. و ما طالب به – فى الحرب – من النهى عن قتل الأطفال و النساء و الشيوخ و من الوفاء بالعهد , و نشر العدل بين الناس جميعاً .
فدخل فى الإسلام أفواجاً .. مسالمين .. غير مكرهين ..

الكتيب من سلسلة كتب تصدر بأسم ( كــتابــــــك ) من ( دار المعارف ) بمصر المسلمة .

مؤلف الكتاب هو المستشار على منصور , و هو من رجال القانون .

الكتيب مرقم ( كتابـــــك 3 ) , و الناشر : دار المعارف – 1119 كورنيش النيل – القاهرة ج . م . ع , و هو كتيب قديم لا أعرف زمن نشره أشتريته من مكتبة تبيع كتيبات قديمة بسعر رخيص ,
و هو مما يقارب من 90 صفحة كل صفحة 17 × 11,5سم .

أعرف أنكم مشتاقين الآن للكتيب ,

هيا بنا لنبدأ ,

شريعة الله و شريعة الإنسان
<!--colorc--><!--/colorc-->

الشريعة الإسلامية و القانون

الدولى

للمستشار على منصور

تقديم

لما كنت أتوقع أن يكون بعض القراء من غير رجال القانون فسأعرف بالقانون الدولى فى عبارة مختصرة : فالقانون الدولى فى معناه العام هو مجموعة القواعد التى تنظم العلاقات بين من يخاطبهم القانون ! فالقانون المدنى مثلاً يخاطب الأفراد فى جماعة ما و ينظم العلاقات بينها فى حالتى السلم و الحرب .

و يذهب بعض فقهاء القانون العام – إن لم يكن كلهم – إلى أنه علم حديث نشأ فى أوروبا منذ ثلاثة او أربعة قرون . و الحقيقة التى توصلت إليها أنه قديم بقدم الإسلام منذ القرن السابع الميلادى . و إن معظم فقهاء أوربا و أميركا لم يقولوا ما قالوا الا عن تعصب , و قليل منهم قاله عن جهل بالحقيقة , و لست أود أن أتعصب بدورى و أذهب إلى أن قواعد القانون الدولى كلها وليدة الشريعة الإسلامية , و أنما يرجع بعضها إلى عهود قديمة منذ أن نشأت الجماعات .

العصور القديمة : لم يكن بين الجماعات و القبائل فى تلك العصور من شريعة سوى شريعة الغاب : فالحرب أساس الصلة بينها , و كانت أسباب العيش على أسنة الرماح , و الأغارة على غيرهم شجاعة يفتخر بها , و كان الحق للقوة و السلطان للأقوى , و برغم ذلك نشأت بعض القواعد , و بتكرارها صارت عرفاً , و العرف أهم مصادر القانون الدولى .
و المعاهدات هى المصدر الثانى ,
و من أقدم المعاهدات التى ذكرت فى التاريخ معاهدة عقدت بين رمسيس الثانى فرعون مصر و بين خيتا ملك الحيثيين فى آسيا الصغرى فى القرن الثالث عشر قبل الميلاد , و ذلك حينما أغار خيتا على حدود مملكة فرعون فى سوريا فهزمه رمسيس , و طلب خيتا الصلح و اقترح شروطاً سلم فيها بكل ما طلبه رمسيس و كتبها من نسختين على صحائف من الفضة و أرسلها و معها الهدايا إلى فرعون , و أرسل معها ابنته لتكون جارية لفرعون و إن شاء تزوجها , و جاء ذكر المعاهدة و شروطها فى كتاب للدكتور سليم حسن نقلاً عن نقوش و كتابات هيروغلبفبة وجدت على كثير من المعابد المصرية القديمة .

نشأة قاعدة تسليم المجرمين بين الدول :

و نص ( فى المعاهدة ) على أن من خرج على ملكه و هرب رده الملك الآخر . كان ذلك منشأ قاعدة تسليم المجريمن . كتاب الدكتور سليم حسن – ( مصر القديمة ) بالأنجليزية ص 243 و 287 و 297 و 312 .

عهد الإغريق :

كانت أثينا و أسبارطة و أبولوتى و غيرها من المدن اليونانية القديمة وحدات دولية , و كانت تربطها بعضها ببعض روابط مشتركة من اللغة و الجنس و الدين و المعاملة , فكانت الصلات بينها حسنة فنشأت بذلك قواعهد دولية عن السلم .

عهد روما الأول : نشأة فكرة الدولة الكبرى فى عصر روما الأول :

لم تكن بين مدينة روما و ما حولها من القرى و القبائل روابط من اللغة أو الجنس , و كان من نتائج الحرب بين الطرفين غلبة روما , و دانت لها تلك القبائل و خضعت لها بعض الشعوب , و كان الرومانى أعلى مكانة , و وجد فى روما قانونان : القانون المدنى للرومانيين الأصلاء و قانون الشعوب لغيرهم . و كانت روما تفصل بين هذة الشعوب فى الخلافات التى تجد بينها , و كان ذلك منشأ فكرة وجود دولة أكبر تفصل فى المنازعات بين الدول الصغرى و تتصدرها .

العصور الوسطى :

يحددها معظم المؤرخين بأنها الفترة من سنة 476 م تاريخ سقوط الدولة الرومانية الغربية إلى 1463 م تاريخ سقوط القسطنطينية عاصمة الدولة الرومانية الشرقية فى يد محمد الفاتح سلطان الأتراك .

ظهور الإسلام :

وفى هذة الفترة ظهر الإسلام , إذ إن النبى محمداً عليه الصلاة و السلام ولد عام 571 م و بعث بعد أربعين سنة فى عام 611 م أنتشر الإسلام فى أقل من قرن من الزمان بحيث عمَّ جميع البلاد المعروفة إذ ذاك أو معظمها , فقد شرّق إلى حدود الصين و غرب إلى الأندلس .
و كان للكنيسة المسيحية فى روما محاولة لتحسين الصلات بين الدول و الإمارات فى أوربا واقامنها على قواعد دائمة , إذ المعروف أن أوربا فى ذلك الحين كانت تتكون من إمارات متعددة فى عهد الإقطاع , و كان ذلك الحين كانت تتكون من إمارات متعددة فى عهد الإقطاع , و كان كل أمير يملك الأرض و ما عليها , و لم يكن ببعهود احترام , و الحروب مشبوبة لأتفه الأسباب , بل لمجرد الطمع فى ملك الجار .
فلما خشيت الكنيسة الدين الجديد ( الإسلام ) و أشفقت على أوربا من سرعة انتشاره شرقاً و غرباً قامت بدعوة الأمراء و الملوك إلى اجتماعات برياسة البابا للنظر فى تنظيم العلاقات بينهم , و أخذت المجالس الكنسية تجمع الإمارات و الدول تحت سلطان البابا , و ظهرت عادة تتويج البابا للمولك ز الأمراء . و من القواعد الدولية التى أقرتها المجالس الكنسية و مؤتمرات الملوك و الأمراء صلح الإله و هدنة الرب .
و هدنة الرب قاعدة تقضى بألا يدخل الكنيسة أحد يوم الأحد حاملاً سلاحاً و بألا تقوم حرب و لا يشرع سيف من مساء الجمعة إلى صباح الاثنين من كل أسبوع .

هدنة الرب و بيت الله الحرام و الأشهر الحرم :

و هدنة الرب هذه لها مثيل فى الإسلام , و لكنه سابق عليها بخمسة قرون , و ذلك أنه منذ ظهور الإسلام جعلت الكعبة بيت الله و مكة و ما حولها فى دائرة 18 ميلا حرماً آمنا , يحرم فيه القتال , حتى إن الواحد كان يلقى حولها قاتل أخيه أو أبيه فلا يثأر منه و الآيات القرآنية فى ذلك كثيرة منها قوله تعالى: (
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)(67) سورة العنكبوت و قوله ( أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا )(57) سورة القصص .

و لم يكتف الإسلام بذلك بل جعل للناس أربعة أشهر حرم . أى يحرم فيها القتال و الحرب و منها أشهر متواليات هى ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و هى موسم الحج إلى الكعبة . و علة تحريم القتال فيها أن يأمن اللحجاج على أنفسهم فى غدواهم و رواحهم . و أما الشهر الرابع و هو رجب فيتوسط العام و هو هدنة يرتب الناس فيها أمور معاشهم . و تحريم الحرب فى هذة الأشهر عام يشمل جميع بلاد المسلمين وليس مقصوراً على مكة و لا الجزيرة العربية و النص على ذلك فى قوله تعالى ( إِنَ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) (36) سورة التوبة .

تبرم الدول بسلطة الكنيسة :

أخذ الملوك و الدول فى أوربا يبرمون بسلطة الكنيسة التى لم تقتصر على الأمور الدينية بل تعدتها إلى الأمور الدنيوية , و ساعد على ذلك ما أدخلته الكنيسة على المسيحية من تعديل يمس التعاليم الأساس : كبيع الصكوك الغفران و معاقبة الخارجين على الكنيسة بالشلح و الحرمان من الجنة , و إباحة دماء بعض , و إهدار قيمة المعاهدات و الاتفاقات و تحليل نقضها متى كان أحد الطرفين غير تابع للكنيسة أو كان خارجاً عليها .

و قام ميكيفيلى أحد الساسة فى أيطاليا يدعو إلى تكوين دول أكبر من الإمارات الصغرى للوقوف فى وجه الدين الإسلامى الجديد . و أباح ميكيافيّلى لأى أمير قوى أن يغير على جيرانه و يخضعهم بالقوة بدافع من القومية , فتوحدت إيطاليا و غيرها من الدول . و تقضى تعاليم ميكيافيلّى فى كتابه ( الأمير ) بأن السياسة كذب و نفاق و لا مانع من استغلال الشعوب .
و لقد سادت هذة المبادىء أوربا حوالى قرن من الزمان كانت الحروب على أشدها , فكان كل أميرأو ملك يدعى القوة , و يدعى أنه فى سبيل تكوين دولة أكبر يحل له محاربة غيره دون سبب , فعمت الفوضى و انتشرت البؤس و الخراب و القسوة و الشرود .


نشأة قواعد القانون الدولى فى أوربا فى رأى فقهائها :

يقولون : إنه لما تبرمت الدول الأوربية بسياسة ميكافيلى قام من ينادى بأن الحرب يجب ألا تقوم إلا لأسباب قوية , و أن لها إجراءات معينة و أنها يجب أن تتسم بالرحمة , و أن السلام بين الدول و الشعوب مرغوب فيه , و أول من نادى بذلك :
1 – فيتوريا و هوراهب إسبانى كان يدرس اللاهوت فى جامعة سلامنكا ( 1480 – 1546 )
2 – سوارس و هو راهب إسبانى كان يدرس اللاهوت فى جامعة باريس ( 1548 – 1617 )
3 – جيروسوس الهولندى و قد هضم أفكار سابقيه و بلورها فى نظريات محدودة فذهب إلى تعداد بعض قواعد الحرب العادلة و قواعد لالسلم , و قال : إنها وليدة القثانون الطبيعى , و أنه أخذها عن الرومان و كان ذلك حوالى 1645 م .
ولجيروسيوس عدة كتب منها كتاب ( قانون الشعوب ) و كتاب ( البحر الحر ) و فيه نادى بحرية البحار و بأنها ملك للدول عامة . لا يصح لدولة أن تدعى السيادة عليها , فاحتجت بريطانيا على هذا الكتاب و طالبت بمحاكمة مؤلفه و أوعزت إلى من ألف كتاباً سماه البحر المغلق .

حرية البحار فى الإسلام :

و أود هنا أن أشيرإلى أنه قبل أن ينادى جروسيوس بحرية البحار قرر هذة الحرية منذ تسعة قرون عمر بن عبد العزيز رابع خلفاء بنى أمية , حيث كتب إليه واليه على شمال أفريقيا يستأذنه فى أن يمنع تجار جنوبى أوربا ساحل أفريقيا بسفنهم و متاجرهم وأن تفرض عليهم و على متاجرتهم ( مكوس ) أى رسوم جمركية كما يفعلون هم بتجار المسلمين .
فكتب إليه الخليفة رداً على الوالى ينهاه عن ذلك بآيات كثيرة من القرآن منها الأية 14 من سورة النحل : ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) و التسخير فى القرآن الكريم بمعنى حق الانتفاع لجميع الشعوب و جميع الأحياء , و منه قوله تعالى ( و سخر لكم الشمس و القمر .....) و قوله تعالى ( و النجوم مسخرات بأمره ) . و مما أستدل به الخليفة على حرية البحار الآية ({وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (12) سورة فاطر
و قال الخليفة فى رده إن المكس هو البخس الذى نهانا الله عنه فى قوله ({وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (183) سورة الشعراء .

الأدلة على أن الإسلام مصدر أهم قواعد القانون الدولى

و من أهم مميزات الشريعة الإسلامية أن القرآن و السنة هما أصل المصادر تكفلاً فى الغالب بالنص على الأحكام العامة و ترك التفاصيل لاجتهاد العقل البشرى مع مراعاة ظروف المكان و الزمان , وهذة المرونة جعلت الشريعة الإسلامية صالحة للحكم فى جميع الازمنة و الأمكنة .

و هكذا كان الشأن بالنسبة للقواعد الدولية و لقد كان الإسلام مصدراً لأهم قواعد القانون الدولى العام الأوربى و لا يزال بالشريعة الإسلامية قواعد أسمى مما وصلت إليه أحدث التشريعات أوالأتفاقات الدولية .
و لقد ذكرت ذلك فى بدء البحث مؤكداً أن قواعد القانون الدولى ليست حديثة العهد منذ أربعة قرون و ليست وليدة البيءة الأأوربية و هو ما بذهب إليه جميع فقهاء القانون الدولى و الأدلة على ذلك :

أولاً : التنظيم الحضارى : ومعنى ذلك أنه مام من حضارة إلا و قد أخذت مما قبلها من الحضارات و أعطتن ما بعدها ز و تراث البشرية من العلوم و المعارف دائم السريان و الانتشار .
ثانيا : السبق الزمنى : لقد سبقت الشريعة الإسلامية الحصضارة الأوربية , إذ المعلروف أن الإسلام ظهر و كملت أحكامه ما بين 611 و 643 , و هى مدة الرسالة التى عاشها الرسول العظيم محمد ( صلى الله عليه و سلم ) منذ أن بعث إلى الرفيق الأعلى . ثم انتشر و عمّ بلاد المعمورة إذ ذاك فى بقية القرن الأول الهجرى . و المعروف أيضاً أن النهضة الأوربية التى عليها قامت الحضارة الأوربية جاغءؤت بعد ذلك بتسعة قرون ., فإذا ما وجدت قاعدة من قواعد القانون الدولى العام فى نظام الحرب أو السلم فى الشريعة الإسلامية مفصلة , ثم وجدت نفس القاعدة فى القرن التاسع عشر و العشرين الميلادى فى أوربا كان أول ما يرد على الذهن أن هذه أخذت عن تلك , إذ الفضل للسابق .
و قد يعترض معترض بأن ذلك قد يكون مجرد توارد خواطر . و للرد على ذلك نقول : إن توارد الخواطر قد يحدث لدى شخصين فيفكر كل مهما فيما فكر الآخر من حيث عموم الفكرة دون التفاصيل , فأفكار البشر متقاربة و لكن يشترط لذلك ثبوت عدم تلاقى هذين الشخصين و مثال ذلك أن شاعراً عربياً فى البادية وردت على خواطره فكرة ضمنها بيتاً من الشعر . ثم وردت الفكرة على خاطر شاعر فرنسى فسجلها فى بيت من الشعر يكاد يكون ترجمة حرفية لما قاله العربى . و قد ثبت أنهما لم يتلاقيا و أن الشعر العربى لم ينقل إلى فرنسا حيث كان ذلك فى الجاهلية و لم يكن ثمة انصال مادى و لا ثقافى بين العرب و فرنسا , و لهذا قيل : إن ذلك مجرد توارد خواطر فالشاعر العربى يقول :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
و الشاعر الفرنسى يقول :
L'homme revient toujourxa ses premiers amour .

ثالثاً : ثبت احتكاك الإسلام بجميع بلاد الشرق و الغرب المعروفة وقت ظهوره , و يهمنا أن نبرز احتكاكه بالغرب أى بدول أوربا قبل اكتشاف أمريكا , فلم ينته القرن السابع الميلادى حتى كانمت الحروب قد قامت بين المسلمين و الدول الرومانية الشرقية – التى بدأت بالعدوان على ما سنذكره بعد قليل – و دخل الإسلام سوريا و مصر و ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب , و كذلك جزر البحر الأبيض المتوسط مثل قبرص و رودس و صقلية , فكانت منافذ أطلت منها الشريعة الإسلامية على جنوبى أوربا .
و لعل أكبر احتكاك حربى و حضارى حصل بين الإسلام و أوربا كان عن طريق الأندلس ( شبه جزيرة إيبريا ) حيث استولى عليها العرب المسلمون عاد 92 هجرية أى فى أوائل القرن الثامن الميلادى , و استقرت الحضارة الإسلامية بالأندلس عدة قرون و تسربت إلى جنوبى فرنسا و شرقيها .
بل إن المؤرخ الفرنسى رينو ذكر فى كتــاب لـه ان دولة إسلامية قامت وسط أوربا تشمل شمالى إيطاليا و جزء من فرنسا و ذلك حوالى مائة عام 890 – 990 (1)


(1) : ترجم الكتاب إلى الإنجليزية هندى يدعى شروانى خان و طبعه فى لاهور سنة 1954 م .


رابعاً : ضياع الأندلس و الحروب الصليبية : ضاعت الأندلس من أيدى المسلمين لتنكب حكامها قواعد الدين و الشريعة حتى إن أم آخر ملوك الأندلس من العرب عنفته قائلة :
أعطيت ملكا فلم تحسن سياسته كذاك من لا يسوس الملك يخلعه

و لكن برغم ذلك بقى أثر الحضارة الإسلامية فى الأندلس إلى اليوم و كذا فى أوربا .

أما الدول الأوربية التى لم تصل إليها الإسلام فى مدّه فقد احتكت به احتكاكاً عملياً عنيفاً فى جزره : مثال ذلك إنجلترا و بقية إمارات فرنسا و بقية دول أوربا التى أطمعها انهزام المسلمين فى الأندلس , ففكرت فى غزو الإسلام فى عقر داره , و نادت بتجييش الجيوش باسم الصثليب لتقضى على الإسلام , و لذلك سميت بالحروب الصليبية و دامت حوالى قرنين من الزمان نزل فيها الصليبيون فى سواحل سوريا و استولوا على بيت المقدس و اسسوا إمارات و دولاً .و انتهت بانتصار صلاح الدين الأيوبى و رجوعهم إلى أوربا .
و كانت هذة الحروب الصليبية احتكاكاً عملياً طويلاً عرف فيه الفرنجة و ملوك و أمراء و شعوب دول أوربا قواعد الإسلام فى الحرب و السلم , عرفوا أن الحرب فى الإسلام تقتصر على الميادين و تقوم بين الجيوش و يجب لأن يجنب المدنيون ويلاتها و أن الإسلام لا يبيح التخريب و التعذيب و لا قتل الأسرى , و يرعى عهود الأمان و يحترم الأديان الأخرى و لا يقر الغدر و لا الخيانة و لا يبيح قتل النساء و الأطفال و لا العمال و لا حرق المزروعات و أنهم لا يعاملون عدوهم بالمثل .
ولقد مرّ القول – فيما صدر لنا من مؤلفات سابقة – بما كان من غدر ريتشارد قلب الأسد حين قتل ثلاثة آلاف من المسلمين من حامية بيت المقدس بعد أن أمنهم على حياتهم . و مر أيضاً كيف أن صلاح الدين الأيوبى لم يقابل هذا الصنيع بمثله و استشهدنا على ذك بما قاله جوستاف لوبون .

و نستشهد أيضاً فى هذا المقام بمؤرخ أوربى آخر هو يورجا حيث قال : ابتدأ الصليبيون سيرهم على بيت المقدس أسوأ طالع فكاتن فريق من الحجاج المسيحيين يسفكون الدماء فى القصور التى أستولوا عليها , و قد أسرفوا فى القسوة فكانوا يبقرون البطون و يبحثون عن الدنانير فى الأمعاء (1) .
أما صلاح الدين عندما أسترد بيت المقدس فقد بذل الأمان للصليبيين و وفى لهم بجميع عهوده . و جاد المسلمون على أعدائهم و وطئوهم مهادرأفتهم , حتى إن الملك العادل شقيق السلطان أطلق ألف رقيق من الأسرى , و منّ على جميع الأرمن و أذن للبطريرك بحمل الصليب و زينة الكنيسة و أبيح للأميرات و الملكة بزيارة أزواجهن .

(1) راجع كتاب تاريخ الحروب الصليبية ليورجا صفحة 120 و 156 و راجع كتاب الدكتور نجيب أرمنارى صفحة 40 و ما بعدها . ( الشرع الدولى فى الإسلام )



و كذلك كانت خصال الملك الكامل حيث حاصر الصليبين فى واقعة دمياط و أحاط بهم النيل , فقد نقل يورجا على لسان أحد الصليبين الذين شهدوا المعركة شهادة حق حيث قال هؤلاء الذين قتلنا آباءهم و أبناءهم و نساءهم بشتى الطرق و سلبناهم أوالهم و أخرجناهم من منازلهم عراة – تداركونا و سدوا خلتنا و أطعمونا بعد أن أهلكنا الجوع . و مكا زالوا يحسنون إلينا حتى غمرونا ببرهم و إحسانهم لما كنا أسرى فى ديارهم و فى قبضة أيديهم , فلو ضاعت لأحدنا شىء ما أبطأ أن رد إلى صاحبه (1)


(1) كتاب الحروب الصليبية ليورجا صفحة 120 .


هذا و مبادىء الفروسية فى أوربا تطرقت إليها أيضاً عن طريق الإسلام , و ذلك خلال الحروب الصليبية و ما بدا فيها من المسلمين من مروءة و شجاعة و شهامة , و قد عقد الأستاذ أحمد توفيق فى كتابه ( علم الدولة ) فصلاً بعنوان ( الفروسية الأوربية صورة من فروسية عنترة ) .

و مما قاله جوستوف لوبون فى كتابه ( حضارة العرب ) : ( إلى العرب يرجع الفضل فى حضارة أوربا و حين ازدهرت الحضارة الإسلامية فى القرنين التاسع و العاشر للميلاد كانت المراكز العلمية فى أوربا عبارة عن أبراج يسكنها سادة متوحشين و كانت الطبقة المستنيرة فى النصرانية رهباناً جهلة , و فى القرن الحادى عشر شعرت بعض دول أوربا بالحاجة إلى نفض غبار الجهل فطرقوا أبواب العرب حيث كانوا وحدهم سادة العلم , و دخل العلم أوربا بالأندلس و صقلية و إيطاليا , و فى سنة 1130 أنشأ ريمون رئيس الأساقفة و طليطلة مدرسة للترجمة قامت فى قرن بنقل أشهر مؤلفانت العرب إلى اللاتينية بل أنها نقلت كتب التى كان المسلمون قد ترجموها إلى لسانهم .



مدى تأثر أوربا بالحضارة الإسلامية فى الأندلس و غير الأندلس :

أسلفنا فيما ذكرنا فى كتابنا السالف الذكر الكلام عن هذه الآثار و قلنا إن الحضارة الأوربية الحديثة قامت على الحضارة الإسلامية . و قد اعترف بذلك كثير من علماء الغرب الذين أنصفوا الإسلام و حضارته ,
و نضيف إلى ما سلف ذكره :

1 – انتشرت اللغة العربية فى الأندلس و و هجر الأسبان , اللغة اللتينية و الإغريقية , حتى الرهبان و القساوسة و أتباعهم من المسيحيين الذين تركوا و ما يدينون , و هكذا قال المؤرخ اللغوى دوزى , و أضاف أنهم أعجبوا بها و بآدابها و بعلومها , فانكبوا على دراسة ذخائرها (1) فى الجامعات التى أنشأها العرب فى إسبانيا , منها جامعات قرطبة و غرناطة و طليطلة و أشبيلية , و فى الأخيرة ترجم أحد الرهبان التوراة إلى اللغة العربية (2)

2 – و من ملوك أوربا , روجز الأول ملك صقلية سنة 1112 م .
فقد تلقى التاريخ الطبيعى فى الحيوان و النبات على أيدى أساتذة من العرب . و كذا الفونس العاشر – ملك الملقب بالحكيم – درس العربية و العلوم الإسلامية و أمر بنقلها و ترجمة القرآن , و نافسه باقى ملوك أوربا فى ذلك .

3 – و هذا فريدرك الثانى ملك سبيليا و ألمانيا , أول من قام حكومة نظامية فى أوربا سنة 1194 م , وأنشأ جامعة فى نابولى سنة 1224 م على نسق جامعة قرطبة (3) . كل ذلك بعد أن تعلم العربية و درس العلوم الإسلامية الحديثة و برز فى الطب و الفلسفة و الطبيعة على أيدى أولاد أبى الوليد بن رشد الفيلسوف الكبير فى الأندلس , واصطحب معه إلى إيطاليا جماعة من العرب المسلمين ساعدوه على تنظيم حكومته .

4 – و كان ملوك أوربا حريصين – بعد أن علموا ما عليه الإسلام و العرب من حضارة – على أن يسايروا الركب . فتوالت جامعات الأندلس البعثات الأوربية لتلقى العلم و الفنون و الصناعات . بل إن ملوك إنجلترا أرسلوا من يقتبس فنون الفروسية و الصيد و الرياضة , حتى إن الملك جورج الثانى أرسل ولى عهده و ابن أخيه و رئيس ديوانه , على رأس بعثة مكونة من عشرين فتاة من الأشراف لدراسة نظام الدولة و والحكم و آداب السلوك , كل ما يؤدى إلى تهذيب المرأة .

5 – أما الملك فيليب ملك بافاريا فقد أرسل بعثة إلى الأندلس بعد استئذان الخليفة هشام الأول لدراسة نظم الدراسة و مناهج التعليم و الثقافة و أساليب الإدارة و الحكم , وعند عودة البعثة أمر الخليفة بأن يرافقها مستشارون و خبراء من الأندلس ليعاونوا الملك فيليب فى كل ما يريد , و كثير من السدود و جسور الأنهار فى أورباأقامها مهندسون عرب من الأندلس منها جسر هشام على نهر التيمز بإنجلترا و سمى باسم الخليفة هاشم الثانى .

(1) راجع كتاب بلاغة العرب فى الأندلس للدكتور أحمد ضيّف ص 13 .
(2) راجع كتاب الأستاذ نيكلون ص 476 .
(3) ص 231 من كتاب ميجول آسن .

و يضيف الرحالة العربى المسلم الموصلى بن حوقل فى كتابه المسالك و الممالك و المترجم إلى الأنجليزية و الفرنسية و الذى طبعت ترجمته فى لندن و باريس منذ قرن و نصف القرن – أن معظم الأسلحة الحربية التى كانت بأوربا إذ ذاك من صنع المصانع العربية فى الإندلس , و كذلك الأسطول الهولندى الذى قهر الأسطول البريطانى فى لشبونة , و أنه كان بالأندلس الإسلامية الكثير من مناجم المعادن المختلفة كالذهب و الفضة و الحديد .
و كان فى طليطلة و غرناطة مصانع كثيرة للحديد و الصلب .

هذا و لا يفوتنا – و نحن فى صدد الكلام عن أثر الإسلام فى القانون الدولى العام و و أثر الحروب الصليبية فيه – أن نشير إلى ما ألمح إليه جوستاف لوبون فى كتابه حضارة العرب , و من الدين فى تكوين الحضارات , حيث قال : ( كانت المبادىء الدينية على الدوام أهم عنصر فى حياة الأمم . فأكبر حوادث التاريخ التى أنتجت أعظم الآثار هى قيام الديانات و سقوطها . وإن جميع الأنظمة السياسية و التدابير الاجتماعية قامت منذ بداية التاريخ على معتقدات دينية . و الدين أسرع مؤثر فى الأخلاق , و لا يداهيه فى ذلك إلا الحب , و الحب دين ذاتى غير دائم ) .

و يعدد لالاند عشرين من علماء الفلك الأوائل و يذكر بينهم محمد بن جابر الذى أصلح أخطاء بطليموس , وقد سبقه أبو معشر البغدادى . و يرجع اهتمام علماء الإسلام بالفلك إلى مما تتطلبه الشريع الإسلامية من معرفة سمت القبلة ( الكعبة ) بالنسبة لجميع الأقطار و الجهات . و كذا التيقن من ظهور الهلال و تحديد أوقات الصلاة التى تختلف باختلاف الأماكن و موقعها الجغرافى و لذلك رصد المسلمون الكواكب و النجوم . و لا يزال الكثير منها معروفاً باسمه العربى , و لاحظ عمر الخيام سنة 1079 م خطأ التقويم اليونانى الذى يعتبر أيام السنة ثلثمائة و خمسة و ستين و ربع اليوم , إذ بهذا الخطأ يتراكم يوم واحد كل 132 سنة . وأعد تقويماً جديداً يقول عنه العلامة الإنجليزى جيبون : إنه أدق تقويم من غيره .



أما أرنست رينان فيشير إلى تفوق العرب فى علم الجغرافيا و الملاحة فيقول إن الولع بالرحلات من أبرز صفات العرب , و كان له أعمق الأثر فى تاريخ الحضارة ) و لقد شقت سفن الإسلام الشراعية كل ما عرف من البحار إذ ذاك , بل إن جماعة خرجوا من لشبونة فى مركب قاصدين بحر الظلمات (1) بغية الوصول إلى نهايته و هناك من قال بأن العرب بمثل هذه المحاولات كشفوا أمريكا قبل كريستوف كولومبس . فقد ذكرنا فاريت فى كتابه مجموعة الأسفار و الاكتشافات ( فى رحلة من هايتن مؤرخة بأكتوبر سنة 1398 م ذكر كريستوف كولومبس ابن رشد على أنه من المؤلفين الذين حملوه على تبئه بوجود عالم جديد ) و تحدث فران المؤرخ الفرنسى عن ابن ماجه قائلاً : ( إن مؤلفات ابن ماجه الملقب بأسد البحر الهائج ربان فاسكودى جاما الذى طاف حول الأرض . كانت المرجع الأول لاكتشاف أمريكا ) .

(1) : المحيط الأطلسى

و أشار إلى ذلك سيد يووستارتون ونلليو الذى أكد أن قياس العرب لمحيط الأرض هو أول قياس حقيقى على الطبيعة , و هو من الأعمال العلمية المجيدة . و من علماء الجغرافيا فى الإسلام ابن حوقل و له كتاب المسالك و الممالك , و الأصطخرى , و المسعودى و الذين يصف إرنست رينان كتبهم بأنها علامة مصدره حرية الطباع و حرية الإيمان . أما الإدريسى فقد قربه لعلمه الملك روجر ملك صقلية . فوضع له أول كرة أرضية جغرافية , و بدأها على مائدة مستديرة من الفضة حفر عليها بالعربية جماع علمه من الأقطار , و ألف له كتاب نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق , و لا يقل كتاب تحفة النظائر فى غرائب الأمصار لابن بطوطة الرحالة العربى عن كتب أمثاله , و كذا معجم البلدان لياقوت الحموى الذى وصفه سارثون فقال : ( إنه منجم غنىّ جدّاً بالمعرفة , و ليس له نظير فى سائر اللغات ) و قد سلم الغربيون أيضاً لابن حزم بأنه مؤسس علم مقارنة الأديان . كما سلم الأستاذ ماكييل فى محاضراته عن الشعر و الأدب بفضل العرب فقال : ( إن أوربا مدينة لبلاد العرب بجميع القوى و القدرات فى مضمار الشعر والأدب الحماسى ) و يقول أزين بلاسيوس : ( إن دانتى اقتبس أحسن قصائده من أبى العلاء المعرى , و على الأخص من رسالة الغفران ) و هذا بترارك الشاعر الإيطالى يهيب بقومه إلى أن يحاولوا محاكاة العرب فيقول : ( لقد تساوينا و الإغريق و جميع الشعوب عدا العرب فيا للحماقة و يا للضلال ! و هل قدر علينا ألا نكتب مثل ما يكتب العرب ؟ ) .

حتى فى الفن فبقول بولدبير زعيم الفن الرمزى فى فرنسا : ( إن الرسم العربى أكثر الرسوم مثالية ) و قد تطرق فن البناء و الزخرفة من مساجد المسلمين إلى كنائس النصارى بأوربا كلها عن طريق الأندلس و عن طريق صقلية , و عدد رجال الفن ما وجد منه فى سان أوران بجرينويل و متحف ليون و حول رأس المسيح , و على ثياب القديس بطرس و القديس بولس و فى خزانة الأشعة بكتدرائية ميلان , و بها باب له إفريز نقشت عليه كلمة ما شاء الله .

و أشار سيديو أيضاً فى كتابه حضارة العرب إلى أن خلق الفروسية اقتبسه النصارى من العرب , و قال : كان العرب يفوقون النصارى كثيراً فى الأخلاق و الطبائع من كرم و رحمة و إخلاص و مراعاة النساء , و احترام العهود و التسامح, و هذه هى ما تحلى به الفرسان من أخلاق و مثل (1) .

أما مؤلفات العرب فى الطب فظلت المرجع الوحيد فى جامعات أوربا حتى القرن التاسع عشر , و فى هذا الصدد يقول سيروليم أوسلر(2) فى كتابه تطور الطب : ( إن العرب أشعلوا سراجهم من قناديل اليونان ثم بلغت مهنة الطب عندهم من القرن الثامن إلى القرن الحادى عشر مكانة لا تجد لها مثيلاً فى التاريخ , و عنهم أخذته أوربا بعد أن ترجم كتاب القانون فى الطب لابن سينا و كتاب الحاوى للرازى , و كانا المرجع الأول للطب فى أوربا . و لقد خرجت الأندلس أيضاً المرجع الأكبر للجراحة و تجبير العظام و هو أبو القاسم الزهراوى و له فيها كتاب يسمى ( التعريف لمن عجز عن التصريف ) ترجم إلى الاتينية فى القرن الخامس عشر , و له كتاب آخر فى الالآت الجراحية ,و منها ما استخدم فى فتح المثانة لاستخراج الحصى .

(1) راجع ايضاً كتاب الغرب و الشرق للا ستاذ محمد على الغتيت ص 74 .
(2) كتاب تطور الطب . للسير وليم أوسلر .

تقدير أمريكا للطب العربى :

خصصت جامعة برنستون جناحا باسم الرازى و أنشأت معهداً لتدريس العلوم العربية فى الطب و غيره و نشرها .
و الطبيب العربى المسلم ابن سينا كشف أمراضاً كثيرة منها الإكلستوما , كما أنه سبق فرويد فى العلاج بطريقة التحليل النفسى , و من ذلك أنه جىء له بشاب مريض حار الأطباء فى معرفة مرضه , فكلما شكا من عضو فحصوه وجدوه سليماً و حالة الفتى فى تأخر مستمر , فكشف ابن سينا على المريض و صدق لديه أنه سليم من الأمراض العضوية , فلجأ إلى معرفة ما فى نفسه عن طريق التحليل حيث استحضر عراف المدينة و طلب إليه أن يعدد إليه أسماء الأحياء التى بها و بدأ العراف يسردها و يد الطبيب على نبض الفتى و بصره على وجهه , فلما ذكر العراف أسماء الأحياء التى بها و بدأ العراف باسم حى من الأحياء زاد نبض الفتى , فقال ابن سينا للعراف اذكر أسماء الأسر فى هذا الحى فأخذ يعددها , و لكا وصل إلى اسم أسرة معينة ازداد نبض الفتى سرعة , فقال ابن سينا للعراف اذكر أسماء فتيات هذة الأسرة فأخذ يعددهن , و لما وصل إلى ذكر واحدة بعينها اضطرب نبض الفتى و امتقع وجهه و أغمى عليه , فنظر ابن سينا إلى أهل المريض و قال لهم زوجوه هذه الفتناة فهى الدواء !

اعتراف ميتشيل دى توب بفضل الشريعة الإسلامية على القانون الدولى العام الأوربى :

و المنطق ينادى بأنه ما دامت فى الشريعة الإسلامية قواعد مقصلة للقانون الدولى العام عن الحرب و السلم و المعاهدات و غيرها , فلابد فى ضوء الأدلة السابقة و الاعترافات التى مر ذكرها أن تكون هذه الفقواعد هى أساس قواعد القانون الدولى العام الحاضرة .
و لكن فوق ذلك فإن أستاذ القانون الدولى العام فى أكاديمية العلوم الدولية فى لاهاى بهولندة و الذى كان وزير خارجيتها سنة 1936 م أثبت أن فيتوريا و سوارس أول من فكر فى قواعد القانون الدولى , إلا أنهما كنا يتمثلان و يتتبعان القواعد الدولية فى الشرع الإسلامى , و أن جروسيوس و هو أبو القانون الدولى نقل عنهما , و عنه نقل جميع فقهاء القانون الدولى الحديث . و عدد ميتشيل دى توب الكثير مما سبق الإسلام به و على الأخص فى نظم الحرب , و أورد وصية أبى بكر لقائد أول جيش إسلامى بعثة أبو بكر إلى سوريا بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) ,و كذا أوامر الخليفة الحاكم بن عبد الرحمن سنة 963 م فى قرطبة (1) .

(1) مجموعة متشل توب


و لقد أطال الحديث عن ذلك سيديوالفرنسى فى كتابه تناريخ العرب ( ص 152 و ما بعدها ) و شرح ما عدده توب من قواعد دولية إسلامية و أنهى عبارته بفقرة نقلها عن ميتشيل دى توب جاء فيها : ( و هذه هى مختلف القواعد الإسلامية التى عمل بها لتخفيف وطأة الحروب و تنظية علاقات الدول من اقلرن السابع الميلادى إلى القرن الثالث عشر , فهى إذاً أسبق بأمد طويل على الأفكار و المبادىء القانونية المماثلة , التى بدأت تشق طريقها خلال الهمجية التى استولت على الحياة الدولية الأأوربية خلال القرن الثالث عشر , مما يدل على الأثر الكبير للقواعد الإسلامية فى القانون الدولى .

ضرب الأمثلة : لعل المجال الباقى فى هذا الكتيب يسمح بذكر بعض الأمثال من قواعد القانون الدولى الحالية التى يرجع أصلها إلى الشريعة الإسلامية , بل سنجد فى الشريعة ما هو أكمل من بعض ما اتفقت عليه الدول الحديثة . و سنجد فيها أيضاً ما لم تصل إليه قواعد القانون الدولى الحاضر .

[مجاهد]

أتابع باهتمام ، جزاك الله خيراً ، استاذنا الكريم على هذا الموضوع الشيق. ننتظر البقية.