جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
آية الكرسي و دلالتها على أسماء الله الحسنى و صفاته العُليا.
الحمد لله ربّ العالمين، قيُّوم السّماوات و الأرضين، مُدبّر الخلائق أجمعين باعث الرّسل صلواته و سلامه عليهم إلى المُكلّفين لهدايتهم و بيان شرائع الدّين بالدلائل القطعيّة و واضحات البراهين. أحمده على نعمه و أسأله المزيد من فضله و كرمه. و أشهد أن لا إله إلاّ الله الواحد القهّار، الكريم الغفّار، و أشهد أنّ سيّدنا محمّدًا عبدُه و رسوله و صفيّه من خلقه و خليله، أفضل المخلوقين، المُكرّم بالقرآن العزيز المعجزة المستمرّة على تعاقب السّنين، و بالسنّة المستنيرة لأصحاب العقول المُتدبّرين، المخصوص بجوامع الكلِم و سماحة الدّين صلوات الله و سلامه عليه و على سائر النّبيّين و المرسلين و على آل بيته الأطهار و صحبه الأخيار و التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين. أمّا بعد فاعلم أخي رعاك الله أنّ معتقد أهل السنّة و الجماعة فيما يتعلّق بأسماء الله و صفاته وصف الله عزّ و جلّ بما وصف به ذاته في كتابه و بما وصفه به عبده و رسوله محمّد صلّى الله عليه و سلّم في سنّته الصّحيحة أي نثبت لله تعالى ما أثبته الله تعالى لذاته في كتابه و ما أثبته له عبده و رسوله محمّد صلّى الله عليه و سلّم في سنّته الصّحيحة و ننفي عن الله تعالى ما نفاه الله عزّ و جلّ عن ذاته في كتابه و ما نفاه عنه عبده و رسوله محمّد صلّى الله عليه و سلّم في سنّته الصّحيحة بلا تحريف و بلا تعطيل و بلا تشبيه و بلا تمثيل و أن نبني آيات الأسماء و الصّفات على الأصل المحكم في كتاب الله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى 11] فعقيدتنا في الأسماء والصفات تدور بين الإثبات والنفي : إثبات الأسماء الحسنى والصفات العليا لربنا جل وعلا كما تليق بكماله وجلاله وجماله ونفي السلوب عن الله عزّ و جلّ مع إثبات كمال الضدّ لله عزّوجلّ فمثلا : نفى ربنا عزّوجلّ عن ذاته صفة الظلم فقال تعالى :﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [9] فقد نفى ربنا تعالى عن ذاته صفة "الظلم" فنحن ننفي عن ربّنا ما نفاه ربّنا عن ذاته ونثبت له كمال الضدّ أي نثبت له كمال العدل وهكذا في نفي سائر السلوب التي نفاها ربّنا عن ذاته في كتابه أو نفاها عنه عبده ورسوله محمد ـ صلّى الله عليه وسلم ـ في سنّته الصّحيحة. ومن الأدلة على هذا المعتقد الصحيح لأهل السنّة والجماعة آية "الكرسي" وهي أعظم آية في كتاب الله عزّ و جلّ كما ثبت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم. خرّج الإمام مسلم في صحيحه عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنّ النبي صلّى الله عليه و سلّم سأله :«أيّ آية في كتاب الله أعظم؟ قال : الله ورسوله أعلم. فردّدها مرارا ثمّ قال أبيّ : آية الكرسي فوضع النّبي صلّى الله عليه و سلّم يده على كتفه وقال :«ليهنِك هذا العلم أبا المنذر». [أخرجه البخاري باب ما جاء في آية الكرسي برقم: 1460 و خرّجه مسلم برقم: 810] آية الكرسي سميت بهذا الإسم لأنّ فيها ذكر الكرسي كرسي الله جلّ و علا و لم يرد ذكر الكرسي في آية غير تلك الآية قال جلّ و علا:﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ [البقرة 255] يعني كان الكرسي كرسي الرحمن جلّ و علا و هو موضع قدمي ربّ العزة جلّ و علا كان واسعًا للسّموات و الأرض، فالسّماوات و الأرض في جوف الكرسي. ففي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: دخلت المسجد الحرام فرأيتُ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم وحده فجلست إليه فقلت: يا رسول الله: أيّما أُنزل عليك أفضل؟ قال:« آية الكرسي و ما السّموات السبع في الكرسي إلاّ كحلقة ملقاة بأرض فلاة و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة» [ رواه النسائي و راجع تفسير ابن كثير لآية الكرسي، و ذكر الشّيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصّحيحة رقم 109 بعد أن سرد الطرق لهذا الحديث: و جملة القول أنّ الحديث بهذه الطرق صحيح] و أمّا الأثر الوارد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير الكرسي بالعلم كما أورده ابن كثير رحمه الله في التفسير فإنّه لا يصحّ لأنّه من رواية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس و قد قال ابن منده في جعفر هذا: ليس بالقوي في سعيد بن جبير و قال في روايته لهذا الأثر: لم يتابع عليها أفاد ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة "جعفر" المذكور في" الميزان" [ راجع التعليق على شرح العقيدة الواسطيّة للعلاّمة محمد خليل بن هراس الهامش ص 40 لفضيلة الشّيخ اسماعيل الأنصاري] قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة255] وردت أحاديث كثيرة في فضل هذه الآية نذكر منها: 1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكّلني رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته و قلت: و الله لأرفعنَّك إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال: إنّي محتاج و عليَّ عيال و لي حاجة شديدة قال فخلّيتُ عنه. فأصبحتُ فقال النّبي صلّى الله عليه و سلّم:« يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ قال: قلتُ: يا رسول الله شكا حاجة شديدة و عيالاً فرحمته فخلّيتُ سبيله، قال: أما إنّه قد كذبك و سيعود» فعرفتُ أنّه سيعود لقول رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فرصَدته فجعل يحثو الطعام فأخذتُه فقلتُ: لأرفعنّك إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال دعني فإنّي محتاج و عليّ عيال لا أعود، فرحمته فخليتُ سبيله. فأصبحتُ فقال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم:« يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟» قلتُ: يا رسول الله شكا حاجة شديدة و عيالاً فرحمته فخلّيتُ سبيله، قال: أما إنّه قد كذبك و سيعود» فرصدْتُه الثالثة فجعل يحثو من الطعام فأخذتُه فقلتُ: لأرفعنّك إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و هذا آخر ثلاث مرّات إنّك تزعم لا تعود ثمّ تعود. قال دعني أُعلمّك كلمات ينفعك الله بها. قلتُ ما هنّ؟ قال إذا اويتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي « الله لا إله إلاّ هو الحيُّ القيّوم» [سورة البقرة 255] حتى تختم الآية فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ و لا يقربك شيطان حتى تُصبح فخليت سبيلهُ. فأصبحتُ فقال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم:« ما فعل أسيرك البارحة؟» قلتُ: يا رسول الله زعم أنّه يُعلّمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال:« ماهي؟» قلتُ: قال لي: إذا اويتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية « الله لا إله إلاّ هو الحيُّ القيّوم» و قال لي: لن يزال عليك من الله حافظ و لا يقربك شيطان حتى تُصبح و كانوا أحرص شيء على الخير فقال النّبي صلّى الله عليه و سلّم:«أما إنّه قد صدقك و هو كذوب. تعلم مَنْ تخاطب مذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال: قلت: لا. قال:« ذاك شيطان». [أخرجه البخاري في كتاب الوكالة باب إذا وكّل رجلاً فترك الوكيل شيئًا فأجازه الموكل فهو جائز رقم: 2311. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله «وكانوا» أي الصّحابة «أحرص شيء على الخير» فيه التفات، إذ السياق يقتضي أن يقول: و كُنّا أحرص شئ على الخير و يحتمل أن يكون هذا الكلام مُدرجًامن كلام بعض رواته و على كل حال فهو مسوق للاعتذار عن تخلية سبيله للمرّة الثالثة حرصًا على تعليم ما ينفع: فتح الباري4\615 616] 2 ـ عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم:« اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب في ثلاث: سورة البقرة، و آل عمران و طه». قال أبو أُمامة: فالتمستها فوجدت في البقرة في آية الكرسي:« الله لا إله إلاّ هو الحيُّ القيّوم» [آية رقم: 255] و في آل عمران:«آلم الله لا إله إلاّ هو الحيُّ القيّوم» [آية رقم: 12] و في طه:«و عَنَت الوُجُوهُ للحَيّ القَيُّوم» [آية رقم: 111]. [الحديث أخرجه ابن ماجة في كتاب الدعاء باب اسم الله الأعظم رقم:3856 و الفريابي في فضائل القرآن باب القرآن في البيت و فضل البقرة و آل عمران ص:157 158 رقم:47 و أخرجه الطبراني في الكبير 282\8 و الطحاوي في مشكل الآثار برقم:176 و السيوطي في الدرّ المنثور:177\3 و عزّاه إلى ابن مردويه و غيره و أخرجه ابن كثير في تفسيره: 437\2 و قال الشّيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (746) 2\371372: إسناده: حسن و أورده في صحيح الجامع الصغير و قال: صحيح رقم (990) 1\329 ] 3 ـ و عن أبي أمامة رضي الله عنه أيضًا قال:« أربع آيات أُنزلت من كنز تحت العرش لم ينزل منه شئ غيرهنّ، أمّ الكتاب و آية الكرسي و خواتيم سورة البقرة و الكوثر» [أخرجه ابن الضريس س: 80 رقم: 148 و أورده السيوطي في الدر المنثور 1\21 و عزّاه إلى الطبراني و ابن مردويه و الديلمي و غيرهم و قال الشيخ محمد بن رزق طرهوني: الحديث إسناده حسن و هو موقوف و لكنّه في حكم المرفوع لأنّه مما لا مجال للرأي فيه و ليس مما يمكن أن يتلقى عن أهل الكتاب. ينظر: موسوعة فضائل سور و آيات القرآن: القسم الصحيح 1\24] و الأحاديث في فضائلها كثيرة أكتفي بما سبق. و قوله تعالى: « الله لا إله إلاّ هو الحيُّ القيّوم» و هذا أول نعت لله عزّ و جلّ قال « الله لا إله إلاّ هو» و هذا النعت و الوصف الأعظم لله هو أنّه لا يستحقّ العبادة الحقّة إلاّ الله عزّ و جلّ و لا يستحقّ العبادة المخلصة إلاّ هو ف «الله» مُشتقّ من «أَلَهَ» و معناها: العبادة. «أَلَهَ»: معناها عُبِدَ مع المحبّة و التّعظيم و «الألوهة»: العبادة مع المحبّة و التّعظيم ف «الإله»: هو: المعبود مع المحبّة و التّعظيم. قال جلّ و علا واصفًا نفسه و مخبرًا عن اسمه جلّ و علا «االله» قال: «الحيُّ القيُّوم» و هما إسمان من أسماء الله جلّ و علا و «الحيُّ» يعني ذو الحياة و أسماء الله لها دلالة على الذات و لها دلالة على الصفات فجميع الأسماء الحسنى تدلّ بالمطابقة على شيئين معًا يفهمهما العقل بمجرّد إطلاق الإسم و هذان الشيئان هما : الذات و الوصف فاسم الله «الحيُّ» نفهم منه أنّه سبحانه و تعالى له الحياة و الحياة موصوف بها ذاته جلّ و علا هذا بالمطابقة و يدلّ الإسم على أحد هذين بالتّضمن فيدلّ إسم الله «الحيُّ» على الحياة بالتّضمن و يدلّ على الذات بالتّضمن و يتضمّن إسم الله «الحيُّ» باللّزوم: السّمع و البصر و الكلام ..إلخ. و حياة الرّحمن سبحانه و تعالى كاملة الكمال المُطلق الذي ليس فوقه من جهة الحياة شيء فحياته جلّ و علا أكمل حياة و لهذا يلزم من ذلك أنّه جلّ و علا لا يعتريه سِنة و لا نوم لأنّ السِنة و النّوم سِمة و صفة و نعت مَن حياته ناقصة، أمّا ذو الحياة الكاملة التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه فهو لا يحتاج إلى راحة لا كما زعم اليهود فقالوا و يا بئس ما قالوا: إنّ الله جلّ و علا تعب من خلق السّماوات و الأرض فاستراح يوم السّبت. تعالى الله عمّا يقولون علوًّا كبيرًا فهذا من وصفهم بالنّقائص لله عزّ و جلّ. حياة الله جلّ و علا لها آثار في ملكوته و لها آثار في نفس عبده المؤمن كما يقول العلاّمة صالح بن عبد العزيز آل الشّيخ حفظه الله في شرحه الماتع على العقيدة الواسطية فيقول حفظه الله: أمّا آثارها في ملكوته جلّ و علا فهي أنّه جلّ و علا جعل الحياة في أصناف كثيرة من خلقه بل كلّ مخلوق لله جلّ و علا فيه حياة خاصّة و الحياة متنوّعة فحياة الملائكة غير حياة الإنس وحياة الجنّ غير حياة الإنس و حياة الحيوانات تختلف عن حياة الإنس و الجنّ و الملائكة إلى آخره حتّى الجمادات فاضت عليها آثار إسم الله جلّ و علا «الحيّ» فكانت حيّة فالجماد هو الذي ليس فيه حياة ظاهرة، لا يُقال ليس فيه حياة فقط فبالنّظر إلى الأدلّة الشّرعيّة فإنّ الجمادات فاضت عليها ما يناسبها من الحياة و إليك بعض الأدلّة من السّنّة المطهّرة على أنّ الجمادات لها حياة خاصّة: 1 ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إلى خيبر فلمّا قدم النّبي صلّى الله عليه و سلّم راجعًا و بدا له أُحد قال: « هذا جبل يُحبّنا و نُحبّه..» [صحيح البخاري كتاب الجهاد: باب فضل الخدمة في الغزو و صحيح مسلم كتاب الحج باب، فضل المدينة رقم: 426]. 2 ـ قصّة حنين الجذع الذي كان النّبي صلّى الله عليه و سلّم يتوكّأ عليه يعني يستند عليه إذا خطب الجمعة ثمّ لمّا اتّخذ النّبي صلّى الله عليه و سلّم المنبر وخرج من بيته يوم الجمعة قاصدًا المنبر و لم يقف عند الجذع كعادته فبكى الجذع و أنَّ لفراق رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و ضج المسجد و بكى الصحابة لبكاء الجذع و نزل النّبي من على منبره و أتى الجذع و وضع يده الشّريفة عليه و مسحه ثمّ ضمّه إلى صدره حتّى هدأ و سكن ثمّ قال صلّى الله عليه و سلّم:« و الذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لبقي يحنّ إلى قيام السّاعة شوقًا إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم». [ رواه أحمد عن جابر بن عبد الله]. قال الحسن البصري رحمه الله :« يا معشر المسلمين الخشبة تحنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم شوقًا إلى لقائه فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إليه» [صحيح ابن حبان 8\151 وسنن الدارمي 1\25 و مسند أبي يعلى5\143 و الشّمائل لابن كثير] و هذا يعني أنّ في الجذع حياة خاصّة تناسبه أحبَّ بها رسول الله صلّى الله عليه و سلّم. 3 ـ و عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم:« إنّي لأعرف حجرًا بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أُبعث إنّي لأعرفه الآن». [صحيح مسلم: كتاب الفضائل باب: نسب النّبي صلّى الله عليه و سلّم و تسليم الحجر عليه قبل النّبوة رقم (2)]. كذلك الأشجار لها حياة خاصّة، حياة النّماء و أيضًا حياة أخرى بها يُسبّح و بها يُوحّد الله عزّ و جلّ. و قد سمع الصّحابة تسبيح الطعام على عهد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كما صحّ ذلك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:« كنّا نسمع التّسبيح على عهد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم من الطعام» [خرجه البخاري]. و هذا كلّه يبيّن أنّ اسم الله جلّ و علا «الحيّ» له آثار في خلقه فكلّ شئ فيه حياة تخصّه و الحياة مراتب و درجات و الذي يعلمها على وجه التّفصيل هو الله جلّ و علا. و أيضًا هذا الاسم و هذه الصّفة لله جلّ و علا و هي صفة الحياة في اسمه «الحيّ» لها أثر في نفس العبد المؤمن، أثر خاص فالمؤمن يشعر و يوقن بأنّه بدون إحياء الله له، لبدنه و لقلبه فإنّه لا حياة له، كذلك يؤمن بأنّ الهداية التي هي حياة القلوب أنّها بيد الله عزّ و جلّ فإذا علم ذلك صار عنده من العلم و الفقه بهذا الاسم الكريم ما يفتح على قلبه أنواعًا من العلوم و الإيمان فالله تعالى يقول: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد1617] فبعد أن ذكر الله تعالى أنّ القلوب تقسو بيّن أنّ من آثار اسمه «الحيّ» أنّه يُحيي الأرض الميتة و يُحيي الأجساد البالية و كذلك يُحيي القلوب الميتة و يُحيي القلوب المريضة فإذن أسماء الله عزّ و جلّ لها آثار عظيمة في ملكوت الله عزّ و جلّ و لها آثار عظيمة في قلب العبد المؤمن. و «القيُّوم»: هو الذي يقوم على كلّ شيء و به قيام كلّ شئ، فهو سبحانه قائم بنفسه غير محتاج إلى غيره و كذلك هو مقيم لغيره، فما من شيء إلاّ و هو قائم به سبحانه لا يستغني شيء و لا أحد عن الله جلّ و علا طرفة عين و قيُّوميّته سبحانه على خلقه لها أصناف كثيرة جماعها: أنّه سبحانه هو المتولّي بقيام النّاس و قيام المخلوقات فلو ترك إقامة هذه المخلوقات لهلكت حتّى العرش و حتّى حملة العرش فإنّ العرش إنّما قام بالله جلّ و علا و إنّ حملة العرش ما قامت إلاّ بالله جلّ و علا و هذا يعني أنّ الخلق جميعا محتاجون إليه أعظم الحاجة و أنّه جلّ و علا هو المُستغني عنهم الذي يفتقر إليه كلّ شيء و هو جلّ و علا مستغن عن كلّ شيء. و بعد هذا الإثبات للأسماء الحسنى و الصّفات العليا يأتي النّفي في قوله تعالى: «لا تأخذه سِنة و لا نوم» و النّفي يتضمّن إثبات كمال الضدّ أي كمال الحياة و القيّوميّة على خلقه سبحانه و تعالى فالنّفي هنا يُقصد به إثبات الصّفة لأنّه جاء مفصّلاً و إذا جاء النّفي فيه تفصيل في القرآن أو السنّة فإنّما يعني به إثبات كمال ضدّه من الصّفات قال سبحانه و تعالى هنا: «لا تأخذه سِنة و لا نوم» و ضدّ أخذ السِنة و النوم الذي هو «الحياة» الكاملة فإذن يكون هنا تأكيد لما سبق ذكره من قوله تعالى:« الحيُّ القيّوم» . قال تعالى:« الله لا إله إلاّ هو الحيُّ القيّوم لا تأخذه سِنة و لا نوم» وذلك لكمال حياته جلّ و علا و لكمال قيُّوميّته جلّ و علا. و السِنة أخف من النّوم، السِنة النّعاس و النّوم أعظم منه و النّوم وفاة و قيل أيضًا إنّ النّوم موت أصغر و هذا صحيح، و السِنة و النّوم يعتريان الإنسان و هذا دليل على ضعف الإنسان و حاجته للرّاحة و الله جلّ و علا مُنزّه عن ذلك كلّه فله الحياة الكاملة الكمال المطلق و من كمال حياته الكمال المطلق أنّه سبحانه لا يحتاج إلى السِنة و لا يحتاج إلى النّوم «لا تأخذه سِنة و لا نوم» يعني لا يغلبه شيء من ذلك و لا يحتاج إليه لكمال حياته و لكمال قيّوميّته جلّ و علا. قال بعدها:«له ما في السّماوات وما في الأرض» معنى ذلك: أنّ الله تعالى له مِلك السّماوات و الأرض و ذلك أنّ اللام إذا أتى بعدها أعيان فإنّها تعني المِلك غالبًا وقوله «مافي السموات وما في الأرض» هذا عام يعني له الذي في السموات والذي في الأرضفيعم كلّ شيء لأنّ «ما» اسم موصول والأسماء الموصولة تعمّ ما كان في حيّز صلتها. وقال بعدها:«من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه» هذا فيه حصر استفيد من مجيء «إلاّ» بعد «مَنْ» يعني لا أحد يشفع عند الله إلاّ بإذنه جلّ وعلا وهذا شرط فالشفاعة لا تكون عند الرحمن إلاّ بعد أن يأذن كما قال سبحانه وتعالى:﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم:26] فلابدّ من الإذن بالشّفاعة فالشفيع عند الله ليس كالشفيع عند الخلق لأنّ الشفاعة عند الخلق لا تحتاج إلى إذن لأنّ الخلق لضعفهم يحتاج بعضهم إلى بعض فيحتاج بعضهم أن يكمل بعضا وأمّا الله جلّ وعلا فهو الغنيّ الأعظم ذو الجبروت و ذوالقهر و ذو العزّة و ذو القوة و ذو الملك التام كل من في السموات والأرض عبدٌ له جلّّ وعلا عبادة اختيار أوعبادة اضطرار لهذا لا أحد يسبق عند الله جلاّ وعلا ويشفع بدون إذنه فالشرط الأول في الشفاعة عند الله أن يأذن الله عزوجلّ وهناك شرط آخر أنه لا يشفع أحد عند الله عزوجلّ إلاّ فيمن يرضاه الله جلّ وعلا بأن يرضى أن يُشفع له والله جلّ وعلا لا يرضى أن يُشفع لغير أهل التوحيد وهم أهل محبّته وتوحيده وطاعته فلا حظّ لمشرك بشفاعة أحد عند الله عز و جلّ حاشا النبيّ صلّى الله عليه و سلّم في شفاعته لأبي طالب بأن يُخفّف عنه شيء من العذاب وهذه شفاعة ليست لإخراجه من النّار لكن بتخفيف العذاب عنه. وقوله «عنده»من الألفاظ التي تدل على علو الله عزّوجلّ لأنّها عندية ذات يعني عنديّة علو «من ذا الذي يشفع عنده» يعني في علوّه جلّ وعلا. قال بعدها:«يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم» هذا فيه إثبات صفة العلم لله جلّ وعلا وصفة العلم لله جلّ وعلا من الصفات الذاتية وعلمه سبحانه متعلّق بما كان وما هو كائن وما سيكون وما لم يكن ولم يشأ الله أن يكون لو كان كيف يكون فإذن علم الله شامل للسابق والحاضر وللآتي وأيضًا شامل لما يحدث في ملكوت الله لو حدث كيف يكون وعلمه جلّ وعلا بكلّ شيء بالجزئيّات والكلّيات بصغار الأمور وبعظام الأمور. والعِلمُ جاء في القرآن- يعني العِلم الذي وُصِف الله جلّ وعلا به-جاء تارة مستأنفاً وتارة بالماضي وتارة بالمستقبل ما كان في معنى الإستئناف فإنّه يراد به إظهار ذلك للخلق لكي يعلموه وذلك في مثل قوله جلّ وعلا: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة:143] الله تعالى يعلم من سيتبع الرّسول ممّن سينقلب على عقبيه من دون هذه الحادثة فقوله «إلاّ لنعلم» أي ليكون العلم بذلك ظاهرا للناّس حتّى تقوم الحجّة عليهم فما ذُكر فيه تعليل الشيء حتّى يعلمه الله جلّ وعلا فهذا يراد به (إظهار العِلم السابق لله جلّ وعلا) لكي يكون العلم به مشتركًا بين سائله وبين الله جلّ وعلا حتّى تكون الحجّة على العباد أعظم. وقال تعالى:﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾ [الأنفال:23] إستدل أهل العلم بهذه الآية على الجزء الأخير من مُتَعَلَّق العلم وهو أنّ الله جلّ وعلا يعلم ما لم يكن لوكان كيف كان يكون. قال هنا سبحانه وتعالى:«يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم». قوله «ما بين أيديهم» يعني من الزمن, ما يستقبلونه ما يفعلونه الآن وما يستقبلونه ويعلم «ما خلفهم»ما خلفوه من الأعمال وهذا متعلّق بالجليل والصغير من الأمور فالكلّ يعلمه الله جلّ وعلاوهذه صفته تبارك وتعالى. قال بعدها:«ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء» عِلمُ الله جلّ وعلا لا يحيط به أحد من خلقه إلاّ إذا علّم الله جلّ وعلا الخلق شيئَا من ذلك فإذن الأصل أنّ الخلق لا يعلمون شيئَا إلاّ بتعليمه من الله جلّ وعلا إمّا من جهة التعليم الغريزي وإمّا جهة التعليم التجريبي وإمّا جهة التعليم الشرعي، يعني من جهة ما يكتسبونه في حياتهم من العلوم كما قال تعالى:﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78] إلى آخره أو العلم التجريبي أوالعلم الشرعي وأمّا علم الغيب فهذا خاص بالله عزّوجلّ لا يعلم أحد علم الغيب إلاّ الله عزّوجلّ إلاّ أنّ الله تعالى يطلع الرسل بخاصة يعني الأنبياء والرسل عن بعض الغيب كما قال سبحانه:﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًاإِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجنّ:2627]. يعني فإنّ بعض الرسل يطلعهم الله تعالى على بعض الغيب ليكون ذلك دلالة على النّبوة والرسالة. كما قال هنا:«ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء» وجه الدلالة أنّ قوله «بشيء» هذه نكرة جاءت في سياق الّنفي في قوله« ولا يحيطون بشيء» وهذه النكرة تدلّ على العموم لأنّها جاءت في سياق النّفي، فالّنفي إذا جاء بعده نكرة دلّ على العموم وأيضًا هذا عموم في الأشياء. والشيء: هو ما يصح أن يُعلم« ولا يحيطون بشيء» و«مِنْ» هنا تبعيضيّة يعني: من بعض علمه وهذا فيه تأكيد آخر. قال« إلاّ بما شاء» يعني: إلاّ بمشيئته فإذن لا أحد يعلم شيئًا من علم الله إلاّ إذا أذن الله جلّ وعلا بذلك. قال بعدها:«وسع كرسيّه السموات والأرض» ومعتقد أهل السنّة والجماعة أنّ الكرسي موضع قدمي ربّ العزّة جلّ وعلا كما ثبت هذا عن عبد الله بن عباسرضي الله عنه أنّه قال:« الكرسيّ موضع القدمين لله جلّ وعلا» وكرسي الله جلّ وعلا هو موضع قدميه وهو ليس العرش ومن فسّره بالعرش من السلف كالحسن وغيره فإنّ هذا غلط فالكرسي شيء والعرش شيء آخر هكذا دلّت السنّة. ومن فسّره بالعلم أيضًا فإنّ ذلك غلط وبيّنا أنّ الأثر الوارد عن عبد الله بن عباس في ذلك لا يصح فالصواب ما ذكرناه أنّ الكرسي موضع قدمي ربّ العزة جلّ وعلا وهذا هو المعتقد الصحيح معتقد أهل السنة والجماعة. فالسموات والأرض في جوف الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة كما دلّت السنّة والعرش لايقْدُرُ قدْرُه إلاّربّه جلّ وعلا. قال هنا :«وسع كرسيّه السموات والأرض ولا يؤوده» يعني لا يثقل الله جلّ وعلا «حفظهما» يعني حفظ السموات والأرض وحفظ السموات والأرض متنوع كما قال عزّ وجلّ في سورة فاطر:﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [فاطر41] فالله جلّ وعلا حافظ للسموات وحافظ للأرض، قامت السموات بأمره وبحفظه وقامت الأرض بأمره وبحفظه. «ولا يؤوده حفظهما» قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:«أي لا يكرثه ولا يثقله حفظهما» ثمّ قال جلّ وعلا:«وهو العليّ العظيم» وهذان اسمان جليلان اسمان آخران مع الأسماء التي سبقت:«وهو العليّ العظيم» « العليّ» يعني مَنْ له العلو الكامل المطلق ذلك أنّ الألف واللاّم هنا إذا دخلت على (عليّ) فإنّها تدلّ على العموم كما هي الألف واللاّم إذا دخلت على « العظيم» لأنّ الألف واللاّم إذا دخلت على اسم الفاعل أو اسم المفعول فإنّها تدل على عموم ما اشتمل عليه اسم الفاعل أو اسم المفعول من المصدر. قال هنا: «وهو العليّ» يعني الذي له جميع أنواع العلو والعلو ثلاثة أنواع: علو الذات وعلو القهر وعلو القدر، والله جلّ وعلا له هذه جميعًا فالله هو العليُّ في ذاته والعليُّ في قهره والعليُّ في قدره جلّ وعلا. وقوله «العظيم» الذي كملت له أنواع العظمة. فآية الكرسي دالّة على الإثبات والنّفي في أسماء الله الحسنى وصفاته العليا كما بيّنا. والله الموفق. منقول للاستفادة. |
أدوات الموضوع | |
|
|