جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
من دفتر الذكريات الأندلسية
من دفتر الذكريات الأندلسية د.سعد بن مطر العتيبي في ديار الأندلس يطول النهار هذه الأيام ، فأذان صلاة المغرب حيث نحن يحل الساعة العاشرة مساء بتوقيت مكة المكرمة ، وهذا الطول جعل لنا فسحة وقت بعد انتهاء مهمتنا اليومية ، تلك الفسحة التي حاولنا الإفادة منها قدر المستطاع في زيارة شيء من تراث الأجداد .. فبالأمس كنا نريد رُنده ، لكن الله أراد جبل طارق .. وكان التجوال في الجهة الأندلسية على الأقدام مذهلا ، وهو ما جعلني أسبق الصحبة لأتأمل تيك الأماكن .. تحدثني نفسي : أمن هنا سبق طريف ؟ أم من هنا جاءت خيل طارق .. واليوم انطلقنا من( ميربيّا ) والإسبان ينطقون ( إل ) الإنجليز المضعفة ياء مشدّدة ؛ وأما اسمها الإسلامي فـ ( مربلة ) ! وكانت وجهتنا ( رُندة ) ولا زال اسمها كذلك بضبطها الذي ذكره ياقوت في معجمه ، إنه ذلك البلد الذي اشتهر بشاعره المتألم من سقوط الأندلس ، أعني أبا البقاء الرندي رحمه الله ! اتجهنا من مربلة (مربيا) إلى رُندة عبر طريق جبلي يشبه طريق الهدأ لدينا في الحجاز ، وكان طريقا كثير المنعطفات ، عجيب المنظر ، تغطي سفوحه الخضرة من أشجار وحشائش ، وتتخلله ينابيع ماء تتحدر ، كما يتخلله شيء من حداء بعض الصحبة ، وفواصل من طُرف بعضها .. فلما انتهينا إلى مطل مناسب لتوقف السيارة ، توقفنا تأملا في خلق الله ، ثم صلينا الظهر والعصر جمعا وقصرا ، وانطلقنا بعد أداء الصلاة متجهين نحو رندة مكملين سيرنا في ذات الطريق الجبلي ، حتى إذا دخلنا المدينة ، هالنا تنظيمها التراثي ، وزقاقها الصغيرة المرتبة ، وسورها الهائل ، وأبراجها التاريخية العالية ! توقفنا عند زاوية طريق فيها بقايا مسجد ومنارة كاملة يعلوها صليب ! وذلك في ميدان أبي البقاء : وهكذا اسمه كما ظهر في لوحة مثبتة على أحد الجدر! وكان ثمة موقف للسيارات في ذات الميدان فأوقفنا فيه سيارتنا ، واتجهنا راجلين إلى داخل المدينة ، وتجولنا بين تراث الأجدد ما شاء الله أن نتجول ، حتى مررنا بمتحف يضم من التاريخ أسوأه ، ولقد رأينا ما كنا نسمع عن بعضه فلا نكاد نصدقه ! ولكن هيهات أن نتردد اليوم في صدقه ، بل في قصور ما قرأناه وسمعناه عن بيان الحقيقة ! نعم عندما كنا صغارا قرأنا كتاب : ( دمروا الإسلام أبيدوا أهله ) لمحمد جلال العالم .. ومن الأهوال التي لا زالت عالقة بالذهن من ذلك الكتاب ، ما ذكره بشأن محاكم التفتيش في الأندلس المفقود ! لا زلت أتذكر أنني كنت أحاول استيعاب ما أقرأ لكنني لم أستطع هضم بعض المعلومات ، لا أدري ربما كان لسن البراءة ورقة المشاعر التي لم تبلد جزءا منها ما مرّ بعد ذلك من قراءات ومشاهد وفضائع رأيت بعضها بأم عيني .. لكنني ما إن زرت ( رُندة ) أبي البقاء ، ودخلت هذا المتحف الخاص ، حتى تجددت أحزان الصغر ، بل والله لقد أصبت بذهول جعلني لا أستطيع أن أستجيب لنداءات الرفقة وهم ينتشرون في المتحف البئيس البيئس .. ويبدو أن الصمت الذي كان يلتزمه بعض الصحبة ما هو إلا نتيجة شعور مماثل .. تذكرت الكتاب ، وبدأت أستذكر بعض ما جاء فيه من الوصف الذي تستدعيه المشاهد الوحشية داخل هذا المتحف .. وإليكم بعضا من ذلك الوصف وفق ما جاء في الكتاب آنف الذكر : " تقول الدكتورة سيجريد هونكه: في 2 يناير 1492 م رفع الكاردينال (دبيدر) الصليب على الحمراء، القلعة الملكية للأسرة الناصرية، فكان إعلاناً بانتهاء حكم المسلمين على أسبانيا. وبانتهاء هذا الحكم ضاعت تلك الحضارة العظيمة التي بسطت سلطانها على أوربا طوال العصور الوسطى، وقد احترمت المسيحية المنتصرة اتفاقاتها مع المسلمين لفترة وجيزة، ثم باشرت عملية القضاء على المسلمين وحضارتهم وثقافتهم. لقد حُرِّم الإسلام على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حُرِّم عليهم استخدام اللغة العربية، والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًّا بعد أن يعذّب أشد العذاب. (القومية- ص 174) وهكذا انتهى وجود الملايين من المسلمين في الأندلس فلم يبق في أسبانيا مسلم واحد يُظهر دينه لكن كيف كانوا يعذبون؟!!.. هل سمعت بدواوين التفتيش .. إن لم تكن قد سمعت فتعال أعرفك عليها. بعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس، أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية. تحدث أحد الضباط الفرنسيين فقال: " أخذنا حملة لتفتيش أحد الأديرة التي سمعنا أن فيها ديوان تفتيش، وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها. فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش. فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت "دي ليل" استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!!. قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً. فماذا تريد يا لفتنانت؟!.. قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها. عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة - وكنا نرقب الماء - فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط "دي ليل" من شدة فرحه، وقال ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير. أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة. وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يابني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة. قلت له، يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك!؟!. وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها. وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء. ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض. رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي. رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها. كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم ، وهم في الرمق الأخير من الحياة. كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء. أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور. ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت. وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة. كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً. كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين. وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم (محاكم التفتيش للدكتور علي مظهر. نقلا عن كتاب التعصب والتسامح للأستاذ محمد الغزالي. صفحات 311-318 باختصار). هذا العذاب كان موجهاً ضد الطوائف المخالفة من المسيحيين فماذا كانوا يفعلون بالمسلمين؟؟ ... أشد وأنكى لا شك " . نعم رأينا كثيرا مما ذكر اللهم إلا الهياكل البشرية الحقيقية فقد استبدلت بهياكل مماثلة مصنوعة من الشمع وغيره ، تحكي شيئا من حقيقة ما جرى ، حتى لكأنك تراه رأي العين ! لقد كنا نمشي ونحن نردد لا شعوريا لعنات متتالية على تلك الوحوش اللعينة ، والشياطين التي تستوطن أجسادا بشرية .. أصدقكم القول : لقد عدت من هذه الرحلة إلى الفندق وبقيت ساعات وأنا أتفكر في شأن من مرّ بهذا العذاب من إخواننا المسلمين وأخواتنا المسلمات ، ولا سيما أن كثيرا مما ما تراه من تماثيل على تلك الآلات تجسّد هيئات مسلمين ومسلمات ! نعم لقد جسدت أجسامهم في تماثيل حتى لكأنها أجساد حقيقية محنّطة تبدو على معالمها وتقاسيم وجوها آثار ألوان العذاب وآلامه ! نعم صورنا كثيرا من تلك الآلات ، التي تحتاج لمزيد من للحديث عنها بتفاصيل تناسبها .. لكن القناعة التي خرجت بها : أن الركون إلى الدنيا يؤدي للوهن ، والوهن تسري آثاره إلى الأبرياء ، فويل ثم ويل لمن يوقعون الأمة في الوهن وهم يعلمون .. وحقيقة أخرى تجسّدت أمامي وأنا أرى الحصون الحصينة والأبراج العالية ، والحراسات الفائقة وهي الجزم أن الهزيمة جاءت من داخل النفوس بعد أن مهّد لها طابور خامس ! نعم كنتُ مهتما بأحداث وفاة العمة ( نوري ) رحمها الله ! وكان ذلك يأخذ جزءا من وقتي ما بين اتصالات عزاء ومواساة ومتابعة ودعاء .. لكنني كنت حريصا على تدوين ما رأيت من أمور لا يجوز أن تبقى بعيدة عن الجيل ، فقد رأيت بأم عيني آثار أجدادِ جلاوزةِ جوانتانامو قبل أن أرى آثار أجدادنا الذين نشروا الرحمة والحرية والعدالة الحقة ! ولم يبق في نفسي شيء من الحيرة بين دعاوى الحرية الأمريكية البراقة وغلظة جلاوزة الأمريكيين من تلك الجذور في معتقلات أبي غريب ، وقبلها وبعدها في سجون الاحتلال الصهيوني بفلسطين .. لقد تسببت رؤية بعض المناظر في توقف بعض الإخوة عن الحركة ، والجلوس على مقعد انتظار جانبي ! مررت بأحدهم وقلت له : فلان ! كأنك مصدوم ؟ قال : نعم ! لعنة الله عليهم ! هؤلاء ليسوا بشرا ! لقد كانت المفاجأة عند بداية دخول المتحف أحد كراسي الاعتراف الحقيقية ، تلك الكراسي الوحشية التي كانت محاكم التفتيش اللعينة تشدّ عليها أبناء المسلمين ، بل وبعض اليهود والنصارى من المخالفين للحكم النصراني الإقصائي الاستبدادي والمذهب الذي يذهبه .. ذلك الحكم الذي أفقد أتباع الديانات ممن كانوا يعيشون تحت عدل الإسلام ما كانوا يجدونه من عدل ورحمة .. وأدعكم مع صورة لكرسي الاعتراف والتعذيب في تلك المحاكم ، وهي صورة لكرسي حقيقي كان يمارس التعذيب عليه ، وقد بدأ عليه الصدأ ( الأكسدة ) الذي ربما اعتلاه لكثرة ما مرّ عليه من بقايا رطوبات الأجساد الشاحبة أو تنظيف بالماء بعد كل مرة تقل فيها حدة الدسر والمسامير لما اجتمع عليه من بقايا الأجساد البريئة .. ولكم أن تتأملوا كيف يتم التعذيب لكل طرف ، بل لكل عضو ، من خلال الشدّ على الأسورة الجانبية التي تحيط بالذراع ، والألواح الغليظة التي تشبه الفولاذ في قسوتها ، والتي منها ما صمم لتهشيم القفص الصدري شيئا فشيئا مع شدّ مساميره ، و الفخذين والساقين والعمود الفقري إلخ .. ثم لا يستحي بعض القوم من أن يرددوا : لقد انتشر الإسلام بالسيف !!! وأما الحكايات التي تكشف سرّ انزواء المسلمين في الأندلس وفقد الأندلس الإسلامية فموضوع آخر يطول ! وقد التقطت عددا من صور ذلك الكرسي الذي كنا نسمع عنه ، وما راءٍ كمن سمعا ! وسوف أدع التفاصيل الأخرى لذلك الكرسي وكيفية تصميمه وما يتعلق بذلك للقاريء الكريم ، فالحديث فيه يطول ! والصورة تقرّب ما لم تقربه العبارة .. كم كانت الصدمة مؤلمة إلى درجة الحيرة ، وترديد اللعنات لا شعوريا بمسمع من الناس الذين يتحركون من آلة إلى أخرى في صمت مطبق ! نعم إنّه العار الذي لا يغسله الدهر لتلك الفئة الظالمة المتسلطة المستبدة بوحشية ، حتى لكأنما كانت مهمتهم الرئيسة التفنن في صنع وسائل التعذيب في أغلظ صورها وأشدّها صنعا وبأسا .. وكان من بين تلك الآلات العديدة ، آلات قتل بطيء ، وآلات شنق تعذيبية ، وكلاليب مرعبة ، ومنشار يفصل الجسد من المفرق إلى نصفين ! وزنازين حبس واقفة قاسية ، وأقفاص على حجم الجسد ، منها المستطيلة والدائرية ، وحبال شدّ وقيود هائلة ، حتى لكأنها حبال مرسى بحري لا قيود أطراف بشرية ! وكانت هناك آلة للقتل بالضغط التدريجي على العنق من الخلف برأس حربة غليظة مدببة ، وبجانبها آلة شنق داخل زنزانة فردية معلقة ! وآلة قصم لفقرات الظهر ! ومقصلة ثقيلة الوزن حادّة الحرف ! تنزل على العنق من علو بشدّ حبل ضخم لا زالت على أطرافه من جهة الشدّ آثار تشبه آثار الدهون التي دلّكته وخففت من خشونته ، وذلك بعد تثبيت الضحية في مكان يحبس الرأس عن الحركة في مكان يشبه الخوذة ، ومهما وصفت فلا أصدَقَ في التعبير من تلك القشعريرة التي جعلتني أصرخ بين الإخوة وبعض السائحين الأجانب : هاه ! ويقولون إن الإسلام قد انتشر بالسيف ! تباً لهم ما أغلظ حقدهم ، وما أقسى قلوبهم ، وما أشدّ وحشيتهم .. وكان بين ذلك دمى تحكي المحكمة بكل أشخاص المحاكمة ، بدءا من القضاة الظالمين وأعوانهم وانتهاء بالجلاوزة الوحشيين ، ومرورا بالضحية القابعة أمامهم في هيئة مسلم .. وبقربها دمى أشخاص تحت تنفيذ الحكم تكونت من رجلين وامرأة معلقين بطريقة تعذيب تفوق الحكم بالقتل في شدة ألمها وقسوتها ! وثمة مناظر أخرى قاسية .. لقد كنت أقرأ في المرحلة المتوسطة كتاب : قادة الغرب يقولون : دمروا الإسلام أبيدوا أهله ! السابق ذكره ، وكنت أظن المؤلف قد بالغ في وصف محاكم التفتيش ، لكن تلك المناظر الحقيقية لبقايا تلك الآلات اللعينة ، جعلني أردد : صدق جلال ! بل قصر قلمه عن وصف الحقيقة التي رأيت اليوم بأم عيني ! نعم ! يعدّ الإسبان الشرفاء هذه الأدوات بقايا فضيحة وعار ، لكنهم لم يخفوها ، ليشهد التاريخ بصدقها ، ولنعلم سرّ إخلاء الأندلس من أهلها المسلمين .. وإنَّ في التاريخ لعبرا : ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) .. منقول |
أدوات الموضوع | |
|
|