جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
غزة.. الانتصار بطعم آخر/د. محمد عياش الكبيسي
غزة.. الانتصار بطعم آخر الدكتور محمد عياش الكبيسي لم يكن غريباً على غزة أن تحقق مثل هذا الانتصار، رغم الاختلال الكبير في موازين القوى، بيد أن الانتصار اليوم والذي جاء متناغماً مع انتصارات أخرى تحققها الثورات العربية في أكثر من ميدان، كان له طعم آخر.
مصر لم تعد كما كانت أيام مبارك، وكذلك ليبيا وتونس واليمن، فالربيع العربي اليوم كله مع غزة وهي التي تمثل رأس الرمح في المنازلة الطويلة والمريرة مع المشروع الصهيوني وتحالفاته الدولية العميقة من بلفور إلى أوباما. وليس غريباً على قطر أن تتميز بيدها السخية وسياستها الشجاعة، فهذه بصمتها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة، والتي لم تترك فرصة للمقاربة أو المنافسة. تركيا الأردوغانية التي نجحت في صناعة النموذج الناجح للمشروع الإسلامي والمنسجم مع أرقى متطلبات الحياة المعاصرة حتى أصبحت مثالاً يحتذى من قبل الثورات العربية، لم تكن هي الأخرى بمعزل عن صناعة هذا الانتصار الكبير على أرض غزة. كل هذا صحيح ومسلّم به، لكن النكهة التي أعطت لهذا الانتصار عنوانه الجديد إنما صنعت هناك في دمشق ودرعا وحلب وحماة وإدلب ودير الزور، بل ربما لم يكن كل هذا العدوان الصهيوني على غزة إلا مناورة مفضوحة لتخفيف الضغط عن النظام الأسدي وتشتيت الاهتمام الدولي بعيداً عن الساحة السورية. في يوم 12/11/2012 نجحت الدبلوماسية القطرية بتوحيد المعارضة السورية في إطار(الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية) وفي يوم 14/11/2012 قامت الطائرات الإسرائيلية باغتيال القائد القسامي أحمد الجعبري، وهذا التوقيت له أكثر من دلالة، وأياً ما كان مستوى الخلاف بين المراقبين والمحللين، فإن هناك حقيقة تستعلي على هذا الخلاف وهي أن إسرائيل قد قدمت خدمة كبيرة لبشار الأسد في أحرج ظرف يمر فيه، وهو ما يعكس نوع العلاقة بين الطرفين ليس على المستوى الإسرائيلي السوري فحسب بل على مستوى المشروعين الصهيوني والصفوي، وهو ما تؤكده أيضاً طبيعة الأحداث في الساحة العراقية من يوم 9/4/2003 وإلى اليوم. الثورة السورية كشفت ما كان مستوراً تحت لحاف التقية السميك، والذي كان يمارس قدراً كبيراً من التضليل والتمويه، ومع أن المقاومة العراقية كان يفترض بها أن تمارس هي هذا الدور قبل الثورة السورية إلا أن المقاومة ابتليت بنمط من المتحدثين باسمها تعمدوا في كثير من الأحيان أن يغلبوا الخطاب الوطني التجميعي ولو كان على حساب الحق والحقيقة، وربما كان منهم من يجاري الرأي العام والسائد خارج العراق قبل انطلاق الثورة السورية مكان أن يمارسوا دور النصح والتوعية بحقيقة ما يجري على الساحة العراقية. لم يتأخر السوريون يوماً واحداً عن فضح مواقف حزب الله وزعيمه بعد أن لمسوا بأيديهم ماذا يعني حزب الله وما دوره الوظيفي في لبنان والمنطقة، بينما ظل العراقيون يلمعون مقتدى الصدر وما يمثله حتى بعد انكشاف دوره ومليشياته في حرق مساجدنا وذبح علمائنا وشبابنا! وحتى بعد انخراطه المبكر في العملية السياسية والتي يراها هؤلاء خروجاً عن كل الثوابت الشرعية والوطنية، وبسببها عملوا على تسقيط كل المشاركين فيها من أهل السنة، لكنها من التيار الصدري مقبولة أو مغتفرة! لقد تبين بحق أن الأمة لا زالت بخير، وأنها لا زالت تتشبث بهويتها وعقيدتها، وأنها ليست على استعداد للتنازل عن حبها لأبي بكر وعمر واعتزازها بهارون الرشيد وصلاح الدين، وأن أمهات المؤمنين لسن محلاً للمساومة والمقايضة، مهما كان حجم الرشاوى السياسية التي تقدمها إيران لهذا الطرف أو ذاك، وأن الكعبة ستبقى قبلتنا الوحيدة ولن تتحول إلى النجف أو كربلاء كما يتمنى فيلسوف الثورة الإيرانية علي شريعتي. والأمة حقيقة لم تكن بحاجة إلى أكثر من الكلمة الصادقة والمسؤولة، وهذا ما قدمته الثورة السورية بأمانة وشجاعة، مما مثل انعطافة تصحيحية رائدة لا يعرف لها التاريخ مثيلاً إلا تلك التي سطرها صلاح الدين الأيوبي على ضفاف النيل وفي كل الشمال الإفريقي، حيث اقترنت انتصاراته على الدولة العبيدية الفاطمية بانتصاراته على الحملات الصليبية. نعم، لقد كان أمراً نشازاً أن تقترن المقاومة الفلسطينية الباسلة بشعارات حزب الله وتصريحات أحمدي نجاد، وربما كان للضرورة أحكامها، لكن عصا الثورة السورية قد وضعت النهاية الحتمية لهذا الوضع النشاز، فكانت كما قال الشاعر: إذا جاء موسى وألقى العصا * فقد بطل السحر والساحر لقد اكتشف الفلسطينيون اليوم أنهم قادرون على تحقيق النصر من دون صرخات حسن نصر الله ولا تومانات الولي الفقيه، وهم بهذا لا يحققون إنجازاً عسكرياً دفاعياً فحسب، بل يسهمون إسهاماً فاعلاً في رفد الأمة وهي تصارع من أجل هويتها وعقيدتها ودينها، وهم بهذا أيضاً يقدمون ورقة اعتذار صادقة وصافية للفاتحين الأوائل أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام ومن سار على نهجهم من الفاتحين والمجاهدين، فهذا السفر ينبغي أن يبقى نظيفاً نقياً، وهو لعمري أعز لدينا من الأرض وما عليها. ربما يدرك إسماعيل هنية اليوم أو غداً أن الذي يحرق المساجد في العراق وسوريا لا يمكن أن يكون صادقاً في تباكيه على المسجد الأقصى، كما يدرك أيضاً أن الذي لا يؤتمن على عقيدته وتاريخه لا يمكن أن يؤتمن على أرضه وبلده. لقد كان من الممكن لهنية أن يكتشف بنفسه هذه الحقيقة لو تجرأ وذكر عمر بن الخطاب أو صلاح الدين الأيوبي بخير أمام خامنئي أو نجاد كما فعل محمد مرسي بترضيه عن أبي بكر وعمر في قمة عدم الانحياز. إننا حينما نقارع الصهاينة اليوم ندرك حجم الفارق بيننا وبينهم في مستوى التسليح والدعم العالمي، وعليه فإن هذه المقارعة محسومة النتائج لصالح العدو إلا إذا استعلينا بإيماننا وعقيدتنا على كل تلك الحسابات المادية، فكيف نقبل بعد هذا أن يكون هذا الإيمان نفسه محلاً للمقايضة والمساومة؟! ربما لا يلمس الإخوة في غزة أثراً واضحاً للمشروع الصفوي في داخل غزة، لكن عليهم أن يعلموا أن الصفويين ليسوا حريصين على تشييع غزة اليوم قدر حرصهم على استخدام غزة كغطاء شرعي للوصول إلى عواطف الملايين من المسلمين في العالم، وخاصة تلك الشعوب البعيدة عن نقاط الاحتكاك، فهل يجوز أن يكون ثمن المساعدات الإيرانية هو تضليل هؤلاء الملايين ونشر التشيع الصفوي بينهم وإثارة الفتنة الداخلية في كل بلد إسلامي؟! لقد كانت لي أكثر من زيارة للمسلمين في الهند وإندونيسيا إضافة إلى بعض مناطق المغرب العربي، وكنت أجد صعوبة في إقناعهم بخطورة المشروع الصفوي دينياً وأخلاقياً ومجتمعياً، ولم تكن تلك الصعوبة بسبب قوّة المنطق الصفوي، وإنما كانت بسبب بعض التصريحات غير الواعية وغير المسؤولة لبعض القيادات المقاومة في فلسطين. اليوم تعلمت إيران درساً بليغاً، وسيكون الدرس الأبلغ يوم يتمكن الثوار السوريون من تحقيق أهدافهم وتطهير الأرض السورية بالكامل من ذلك اللوث الثقيل الجاثم على صدرها، وعندئذ فقط يمكن أن يستيقظ صوت العقل في القيادة الإيرانية لتنزل من عرش غرورها، فتتعامل معنا كأمة لها وجودها واحترامها وليس كرعايا أو متسولين. إن الانتصار الأكبر الذي تحقق اليوم في غزة هو ليس في منع الكيان الصهيوني من تحقيق أهدافه على أهمية هذا الإنجاز، وإنما في تحرير المقاومة الفلسطينية نفسها من خيمة الولي الفقيه وأصابعه الممتدة في دمشق وبيروت، وهذا التحرير هو المقدمة الطبيعية لتحرير فلسطين كل فلسطين. إن فلسطين التي فتحها عمر وحررها صلاح الدين لا يمكن أن يحررها اليوم إلا أحفاد عمر وصلاح الدين، وهذا ما لاحت بشائره اليوم في عموم الثورات العربية، والروح المتناغمة معها على كل المستويات. عن صحيفة العرب القطرية |
أدوات الموضوع | |
|
|