جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
يوم بدر وموازين القوى.
بسم الله الرحمن الرحيم " قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) " ( صدق الله العظيم ). " أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس " في طريقه من الشام إلى مكة عائدا بعير قريش . وصيحة تعلو في مكة : " يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة . أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أنكم مدركوها " . وترد أصوات من هنا ومن هناك : " أيظن محمد وأصحابه أن تكون عير أبي سفيان كعير ابن الحضرمي . كلا والله ليعلمن غير ذلك " . وخرجت جموع قريش من مكة مزهوة بعددها وعدتها تريد القضاء على المسلمين في دار الهجرة وهو ترى الأمر هينا يسيرا وكأنها خارجة في رحلة صيد . ص 182 جمع المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته من المهاجرين والأنصار . وعرض عليهم الموقف من مختلف نواحيه ثم قال يطلب مشورتهم " " أشيروا علي أيها الناس " . فقام أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب فتحدثا ما شاء لهما إيمانهما , عن فريضة الجهاد والثقة في النصر ثم قام " المقداد بن عمرو ـ وكان خرج من قريش ولحق بالمسلمين في سرية عبيدة بن الحارث ـ ودنا من المصطفى صلى الله عليه وقال : - يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون . فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد ـ بأقصى الجنوب ـ لجالدنا معك دونه حتى تبلغه . دعا له المصطفى بخير ثم التفت صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار ولم يكن أحد منهم قد تكلم بعد وعاد يقول : " أشيروا علي أيها الناس " . سأل نقيبهم " سعد بن معاذ " ـ أحد السعدين : " والله لكأنك تريدنا يا رسول الله " ؟ أجاب المصطفى صلى الله عليه وسلم : " أجل " . فقال سعد رضي الله عنه : " فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة . فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك , فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن نلقى عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك ما تقر به عينك . فسر بنا على بركة الله " . وسار بهم المصطفى صلى الله عليه وسلم على بركة الله حتى نزل على ماء بدر ليسمع أن في جيش المشركين بالعدوة القصوى من صديد قريش عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة والحكم بن هشام ونوفلا وحكيما ابني خويلد والنضر بن الحارث وأمية بن خلف .... ص 183 فالتفت صلى الله عليه وسلم وقال : " هذه مكة قد أخرجت لكم أفلاذ أكبادها " . ثم لمح قريشا تندفع من وراء كثيب هناك هادرة بزئير الوعيد ثملة بنشوة الغرور ومتعة الصيد فرفع صلى الله عليه وسلم وجهه إلى السماء وقال يدعو ربه : " اللهم هذه قريش قد أٌبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك . اللهم فنصرك الذي وعدتني . اللهم أحنهم الغداة " . كم كان عدد المشركين الزاحفين من مكة ؟ ألف مقاتل كاملو العدة والسلاح أو يزيدون ومعهم مائة فرس مدربة على القتال . وتجاههم بالعدوة الدنيا كان جنود المصطفى من حزب الله : ثلاثمائة وأربعة عشر لا يزيدون من المهاجرين ثلاثة وثمانون ومن الأوس واحد وتسعون . ومن الخزرج مائة وأربعون ومعهم من الخيل ثلاثة أفراس فحسب . استضعف المشركون جند الإسلام . فتقدم أحد صناديدهم في صلف وخيلاء يريد أن يقتحم عسكر المسلمين إلى ماء بدر فلم يمهله " حمزة بن عبد المطلب " فسقط مضرجا بدمائه دون بدر . واستكبر طواغيت قريش أن يخوضوا معركة مع هذه القلة المستبسلة : إن انتصروا عليها ضاع النصر في ميزان فقدان التكافؤ وإذا هزموا قضت عليهم الهزيمة بعار الدهر وكانوا سبة في العرب . وبدا لكبيرهم " عتبة بن ربيعة " فخرج من صف المشركين يحتال بين أخيه شيبة عن يمينه وابنه الوليد عن يساره وسأل في استخفاف : - هل من مبارز ؟ فخرج إليه ثلاثة من الأنصار زهد في مبارزتهم عندما سألهم من يكونون فعرفوه بنسبهم في بني قيلة . قال : " مالنا بكم حاجة " . ثم نادى : يامحمد . أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا . فأخرج إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم ثلاثة من صميم البيت الهاشمي القرشي : عمه حمزة بن عبد المطلب . ص 184 وابني عمه : على بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب . ولم تطل المبارزة , وسقط عتبة بن ربيعة وشيبة أخوه وابنه الوليد بن عتبة صرعى مجندلين على ساحة بدر . عندئذ تزاحف الناس وحميت المعركة فأخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم براحته حفنة من حصباء بدر قذف بها عسكر المشركين وهو يقول : " شاهت الوجوه " . ثم التفت صلى الله عليه وسلم إلى جنده فقال : " شدوا " وشدوا على المشركين فما تركوهم إلا بين قتيل وأسير وهارب يشتري النجاة بعار الفرار . وصدق الله وعده ونصر من نصروه وألقى الرعب في قلوب عدوهم فذهبوا عبرة ومثلا . وعاد الجيش الظافر إلى المدينة بالأسرى والمغانم . وعادت فلول المشركين إلى مكة الهزيمة الذل . أحصى " ابن اسحاق " في السيرة النبوية قتلى قريش في بدر سبعين رجلا وبلغ أسراهم نحو ذلك العدد . فكانوا ستة وستين أسيرا , والباقون من الجيش المغلوب لاذوا بالفرار . وأما المسلمون فاستشهد منهم يوم بدر أربعة عشر شهيدا : ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار بذلوا أنفسهم فداء عقيدتهم فذهبوا بمجد الشهادة وشرف الجهاد وثواب الآخرة وتجاوبت آفاق الحجاز بقصائد حماسية بعيدة الصدى . للشعراء الذين أخذوا أماكنهم في الموقع الوجداني للميدان يناضلون بسلاح الكلمة لتعبئة الوجدان العام . في مدينة الرسول كان شعراء الإسلام الذين جندهم المصطفى عليه الصلاة والسلام لنصر الدعوة بألسنتهم يشدون بآية النصر في بدر ويرمون المشركين بشعر وصفة المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال إن وقعه عليهم أشد من نضح النبل . فمن شعر حسان بن ثابت الأنصاري : ألا ليت شعــــــــري هــــل أتى أهــــل مكـــة إبادتنــــــا الكفــــــار في ســـــاعة العســـر قتلنـــــا ســــراة القـــوم عنـــد مجالنـــــــــا فلم يرجعــــــوا إلا بقاصمـــــــــة الظهــــــر تركناهم للعــــــــاديات ينبنهــــــــــــــــــــــم ويصلون نـــــــــارا بعـــــد حاميــــــة القعر لعمـــــــرك ما حــــــامت فوارس مــــــــالك وأشيــــــاعهم يـــــوم التقينــــــا على بـــدر ص 185 ومن قصيدة لكعب بن مالك الأنصاري : ألا هــــــل أتى غســــــان من نأي دارهــــا وأخبـــــر شئ بالأمــــــــور عليمهــــــــا بأن قــــد رمتنـــــا عن قســـــي عــــــداوة معـــــد معــــا إذ أتــــــانا زعيمهـــــــــــا نبـــئ لــــه في قــــومه إرث عـــــــــــــزة وأعــــــــراق صــــدق هذبتهــــــا أرومها فســــــاروا وســــرنا فالتقينــــا كأننـــــــا أســــــود لقـــــــاء لا يرجــــــى كليمهــــا ضربنــــــاهم حتى هـــــوى في مكــــــرنا لمنخـــــــر ســــــوء من لــــؤي عظيمهـا فولــــــوا ودسنــــــاهم ببيـــــض صوارم ســـــواء علينــــــا حلفهـــــــا وصميمهــا وفي مكة , كان شعراء المشركين يهدرون بطلب الثأر ويبكون مصارع الصناديد الذين جندلوا على ساحة بدر . قال ضرار بن الخطاب يرثي أبا الحكم بن هشام أبا جهل , ويستنفر للثأر : ألا من لعيـــــن باتت الليـــــــل لم تنــــــم تـــــراقب نجــــــــما في ســــــواد من الظلــــــم كــــأن قـــــذى فيهـــــا وليس بها قــــذى ســــــوى عبــــــرة مـــن جــــائل الدمع تنسجم فآليـــــت لا تنفـــــك عينــــــي بعبــــــرة على هــــــــالك بعـــــد الرئيـــــــس أبي الحكــم علـــى هــــلك أشجــــى لؤي بن غــــالب أتتــــه المنــــــايا يـــــوم بــــــدر فــــلم يــــــرم فــــلا تجزعـــوا آل المغيــــــرة واصبروا عليــــــه ومـــن يجـــــزع عليــــــه فلم يـــــــلم وجــــــدوا فــــإن المـــوت مكرمــــة لكم ومـــــا بعــــــده في أخــــــر العيـــــش من ندم. وقال " أمية بن أبي الصلت " ـ ذاك الذي آمن لسانه قبل المبعث وكفر قلبه ـ بكائية طويلة ينوح فيها على قتلى در من صناديد قريش ..... وكذلك أخذت الشاعرات من الفريقين مكانهن في المعركة . روى " ابن اسحاق " في السيرة النبوية أربع قصائد لهند بنت عتبة وقصيدتين لصفية بنت مسافر حفيدة أمية بن عبد شمس . كما روى قصيدة لهند بنت أثاثة . حفيدة عبد المطلب ترثي شهيدا لها من شهداء بدر وأخرى لقتيلة بنت الحارث في أخيها النضر بن الحارث الذي قتل صبرا بعد المعركة في " الأثيل " بين بدر والمدينة . ص 186 وفيها تقول : يا راكبـــــا إن الأثيـــــــل مظنـــــــة من صبـــــح خامســــــة وأنـــــت موفــــــق أبـــــــلغ بهــــــا ميتـــــا بأن تحيـة مـــا إن تـــــزال بهـــــا النجــــــأئب تخفـــق منــــي إليــــك وعبــــرة مسفــوحة جــــادت بواكفهــــــا وأخــــــرى تخنــــــــق هـــــل يسمعنـي النضــر إن ناديته أم كيــــف يسمــــــع ميــــت لا ينطـــــــــــق أمحمـــــد يــا خيـــر ضنء كريمة في قومهــــــا والفحــــــل فحـــــل معــــــرق مـــا كـان ضــرك لــو مننت وربما من الفتى وهــــــو المغيــــظ المحنـــــــــــــق أو كنت قــــــابل فديـــــة فليفــدين بأعـــــز ما يغـــــلو بـــه مــــا يتفـــــــــــــق فالنضــر أقــرب مــن أسرت قرابة وأحقهم إن كـــــان عتــــــــــق يعتــــــــــــق فيروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه شعر قتيلة في النضر بن الحارث قال : " لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه " . وبدا النصر عجيبا وغريبا فما تصورت قريش وهي تحتشد في ألف مقاتل كاملي العدة والسلاح أن يغلبهم القائد الرسول في ثلاثمائة من صحابته . ولكن سنن الحياة لا ترى في هذا النصر أي شذوذ أو غرابة . القتال في بدر لم يكن بين فئتين متكافئتين : من حيث العدد والسلاح كان القرشيون يزيدون أضعافا مضاعفة . ولكن المعركة لم تكن متكافئة كذلك من حيث القوى المعنوية : المشركون خرجوا للقتال بطرا ورئاء الناس وإمعانا في البغي والعدوان , وتأمينا لطريق تجارتهم إلى الشام وانتقاما من المصطفى والذين هاجروا معه والذين آووه ونصروه لا يبالون غضب قريش . والمسلمون خرجوا جهادا في سبيل دينهم وتأمينا لحقهم في حرية العقيدة وغضبا لما سامتهم الوثنية القرشية من أذى واضطهاد . ومتى كان القتال بين حق وباطل . بين مستبسل في سبيل ما يؤمن أنه الحق وبين ممعن في البغي والضلال فإن القلة من المؤمنين يغلبون الكثرة من الذين كفروا . ص 187 وتحددت ببدر موازين القوى : فلم يكن الأمر فيها بين كثرة وقلة فحسب ولكنه كان بين كثرة يعوزها سلاح الإيمان , ليس فيها من يقاتل إلا وهويفكر في حماية الجاه الموروث ويرى في خصومة المسلمين صيدا سهلا . وبين قلة مؤمنة صابرة ليس فيها من يقاتل إلا وهو يرجو انتصار الحق ورضوان الله , ويرى الموت في سبيل عقيدته التي آمن بها حياة ومجدا ونصرا . وحزب الله لم يتردد في دخول المعركة حتى يقيس قوته إلى قوة عدوه ولم يتهيب القتال خوفا من كثرة مسلحة مزهوة بعددها وعدتها . بل بادر جنود الإسلام إلى لقاء عدوهم بعد أن جمعوا له كل ما استطاعوا من قوة ورحبوا بالجهاد لا يبالي أحدهم حين يقتل مسلما , كيف ولا أنى يقتل . وإن شاعرهم ليقول : ولست أبالي حين أقتـــــــل مسلمــــــا على أي جنـــــب كــــان في الله مصـــــرعي ص 188 مأخوذ من كتاب مَعَ المُصْطفى صَلى اللهُ عَليْه وَسَلم. دكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ: أستاذ التفسير والدراسات العليا كلية الشريعة بجامعة القرويين. |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: يوم بدر وموازين القوى. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
لا حول ولا قوة إلا بالله(فوائد وثمار | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 1 | 2021-05-30 08:25 AM |