جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
سلسلة قراءات فى تاريخ الإسلام والمسلمين - مبايعة معاوية بالخلافة
سلسلة قراءات فى تاريخ الإسلام والمسلمين - مبايعة معاوية بالخلافة
مبايعة معاوية بالخلافة: لما تسلم معاوية الخلافة دخل الكوفة فبايعه الناس، وبايعه كل من كان معتزلًا للقتال، كعبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة } ثم خطب في الناس وأمر الحسن أن يخطب، فقام الحسن فخطب، كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في (دلائل النبوة) بسندهما عن الشعبي قال: "لما صالح الحسن بن علي معاوية قال له معاوية: قم فتكلم، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن أكيس الكَيْس التقى -الكيس هنا يعني: العقل والفطنة-، وإن أعجز العجز الفجور، ألا وإن هذا الأمر -يعني الخلافة- الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق لامرئ، كان أحق به مني، أو حق لي تركته لإرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم، ثم تلا قول الله تعالى: { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } [الأنبياء: 111] ثم استغفر ونزل". وفي رواية أخرى للبيهقي من طريق الزهري أن الحسن قال في خطبته: "أيها الناس إن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة والدنيا دول". ثم لحق الحسن بالمدينة، ومعه أخوه الحسين وبقية إخوته وعشيرته وابن عمهم عبد الله بن جعفر، وجعل كلما مر بحي من شيعتهم يبكتونه على ما صنع من نزوله عن الخلافة لمعاوية، وهو في ذلك البار الراشد الممدوح، لا يجد في صدره حرجًا ولا تلومًا ولا ندمًا على ما فعل، بل هو راض بذلك مستبشر به، وإن كان قد ساء هذا خَلقًا من ذويه وأهله وشيعتهم، ولا سيما بعد ذلك بمُدد وهلم جرًّا إلى يومنا هذا، كما يقول ابن كثير في تاريخه. والحق في ذلك اتباع السنة ومدحه فيما حقن به دماء الأمة، كما مدحه رسول الله في قوله: ((إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) إذًا فالحسن لا يُلام، بل ما فعله هو عين الصواب، وحقق نبوءة جده #، وأصلح به الله بين المتخاصمين، وأصلح بين الطائفتين المتنازعتين وحقن به دماء المسلمين، فرضي الله عن الحسن، ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين. وقد استبشر المسلمون خيرًا بتلك المصالحة، وحمدوا الله تعالى على انتهاء فترة الفتن والحروب، وسموا ذلك العام عام الجماعة، وقد ترك صنيع الحسن هذا صدى عند جمهور المسلمين وعلماء الأمة، فقد أثنى عليه الكثير من علماء أهل السنة، ورأوا فيما فعل تصديقًا لنبوءة جده. ومما قاله ابن تيمية في ذلك: "وهذا الحديث -حديث: ((ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين))- وهذا الحديث يبين أن الإصلاح بين الطائفتين كان أمرًا ممدوحًا يحبه الله ورسوله، وأن ما فعله الحسن من ذلك كان من أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى بها عليه جده النبي. ولو كان القتال واجبًا أو مستحبًّا لم يمدح النبي أحدًا بترك واجب أو مستحب". هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله. وقد أورد القاضي ابن العربي في كتابه (العواصم من القواصم) اعتراض من قال: ألم يكن في الصحابة أقعد بالأمر –يعني: أحق بالخلافة- من معاوية، ومنهم سعد بن أبي وقاص المجاهد الفاتح أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومنهم عبد الله بن عمر الفقيه الثابت على قدم المصطفى في جليل الأمور وفي دقيقها، وغيرهما من هذه الطبقة وقريب منهم ممن ترك لهم الحكمان أمر الإمامة بعد حرب صفين ليروا فيها رأيهم؟ وأجاب ابن العربي على هذا الاعتراض بأن هناك من الصحابة الكثير ممن يتقدم على معاوية في الفضائل وفي المناقب، لكن معاوية اجتمعت فيه خصال، وهي أن عمر جمع له الشامات كلها، وأفرده بها، يعني: جعله أميرًا على الشام كله؛ لما رأى من حسن سيرته، وقيامه بحماية البلاد، وسد الثغور، وإصلاح الجند، والظهور على العدو، وحسن سياسة الناس، وقد شُهد له في حديث صحيح بأنه فقيه. ثم قال ابن العربي: "ولو اقتضت الحال النظر في الأمور لكان والله أعلم رأي آخر للجمهور، يعني: لو كانت الظروف ليست كما حدثت لكان هناك أمر آخر، لكانت هناك فرصة واسعة أن يختار المسلمون أفضلهم للخلافة. قال: ولكن انعقدت البيعة لمعاوية بالصفة التي شاءها الله، على الوجه الذي وعد به رسول الله مادحًا له وراضيًا عنه، راجيًا هدنة الحال فيه لقول النبي: ((ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) وقد تكلم العلماء في إمامة المفضول مع وجود من هو أفضل منه". يعني: أجازوا أن يتولى الإمامة أو الخلافة أو الحكم المفضول مع وجود الأفضل. ويعلق محب الدين الخطيب على كلام ابن العربي الأخير، المتعلق بمسألة إمامة المفضول في وجود الأفضل، يعلق على هذا بقوله: "وهذه المسألة من مسائل الفقه الإسلامي الممحصة المبينة أحكامها على النصوص والأسس الشرعية، التي قام الدين على مثلها في باب جلب المصالح ودرء المفاسد، وتقدير الضرورات بأقدارها. وقال جمهور الفقهاء والمتكلمين: تجوز إمامة المفضول وتصح بيعته، ولا يكون وجود الأفضل مانعًا من إمامة المفضول إذا لم يكن مقصرًا عن شروط الإمامة، كما يجوز في ولاية القضاء تقليد الأقل فضلًا مع وجود الأفضل؛ لأن زيادة الفضل مبالغة في الاختيار، وليست معتبرة في شروط الاستحقاق". معنى كلام هذا وهذا أن معاوية إذا ما تولى الخلافة فليس في ذلك شيء، نعم، لم يكن هو الأفضل من سعد بن أبي وقاص ولا من ابن عمر ولا من الحسن، ولا من بعض الصحابة الموجودين، لم يكن هو أفضل منهم، لكن الظروف التي كانت موجودة كانت تحتم البيعة لمعاوية من باب درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. والصحابة } رضوا بذلك جميعًا، ورأوا أن هذا كان من الأفضل درءًا للفتنة وإنهائها، ووقفًا لسفك الدماء بين المسلمين، فبايعه الصحابة، بايعه ابن عمر، وبايعه بقية الصحابة، ولذلك قال العلماء: يجوز إمامة المفضول في وجود الأفضل للضرورة، ويتعلق هذا بباب مراعاة المصالح والمفاسد. وهناك مسألة نحاول أن نختم بها تتعلق بفرية افتُريت على معاوية، وألصقت به وهي: أنه دسّ على الحسن من وضع له السُّم في الطعام؛ فمات مقتولًا. وهذا من الافتراءات التي يشنع بها الشيعة الرافضة على معاوية. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "لم يثبت ذلك ببينة شرعية ولا بإقرار معتبر، ولا نقل يجزم به، وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم". ويقول القاضي ابن العربي المالكي في رده على هذه الفرية: "هذا محال من وجهين: الوجه الأول: أنه ما كان معاوية ليتقي الحسن بأسًا، وقد سلَّم الأمر، يعني: معاوية لم يكن يخاف من الحسن شيئًا وقد تنازل له الحسن عن الخلافة، فليس هناك ما يدفع معاوية إلى قتل الحسن بالسم، ليس هناك تخوف منه. الوجه الثاني: أنه أمر مُغَيب، يعني: في علم الغيب لا يعلمه إلا الله، فكيف تُحَمِّلونه بغير بينة على أحد من خلقه في زمان متباعد، لم نثق فيه بنقل ناقل بين أيدي قوم ذوي أهواء، فلا يُقبل منه إلا الصافي ولا يسمع فيها إلا من العدل الصميم". يعني: لا بد من وصول دليل صحيح يدل على أن معاوية فعل ذلك، وليس هناك دليل صحيح. وممن نفى هذا الافتراء عن معاوية وقال ببطلانه من المؤرخين الحافظ ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية)، فقد قال بعد أن ساق رواية للواقدي، ورواية أخرى لمحمد بن سعد في قصة السم، وأن فاعل ذلك هو يزيد بن معاوية كما جاء في الرواية قال: "وعندي أن هذا ليس بصحيح، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى". يعني: هذا لم يثبت لا عن معاوية ولا عن ابنه يزيد. http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=5309 |
أدوات الموضوع | |
|
|