جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- استخلاف الصديق للفاروق عمر
سلسلة قراءات فى تاريخ الاسلام والمسلمين- استخلاف الصديق للفاروق عمر
استخلاف الصديق للفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يجب ألا ننسى أحداث السقيفة، وما كان يمكن أن تؤدي إليه أحداث السقيفة من خلاف بين المسلمين، وكيف وقى الله شر هذه الأحداث؛ فمن هذه النقطة جرى التفكير في ذهن الصديق عن أهمية أن يكون هناك من يلي الأمر بعده أو عند وفاته؛ فقد خشي الصديق على المسلمين -خاصة وأن جيوش المسلمين خارج الجزيرة العربية، وقد يحدث خلاف بين المسلمين حول مَن يلي الأمر بعد الصديق. كما سيكون هناك أثر سيئ على جنود المسلمين الذين هم في الخارج أثناء حدوث هذا الخلاف، وبناء عليه من الممكن أن تتعرض الجيوش الإسلامية للهزائم؛ نظرًا لهذا الصراع الذي يمكن أن يحدث على الحكم بعد وفاة الصديق أو على الخلافة بعد وفاة الصديق -رضي الله عنه-. هذه الأفكار كانت تدور في فكر الصديق؛ فخاف على المسلمين أن تنحل عقدة اجتماعهم، ووحدتهم التي فيها قوتهم وعمادهم. كذلك إذا شُغِل المسلمون بأنفسهم عن العدو المتربص بهم ستكون فرصة لهذا العدو، خاصة وأن المسلمين كانوا قد تمكنوا من تحقيق انتصارات هائلة في عصر الصديق على مختلف الجهات، سواء في العراق، أو في فارس، أو في الشام... وهكذا؛ فمن الممكن أن تتوحد جهود الكفر؛ لتشل حركة المسلمين وتحدث هجومًا معاكسًا يخسر المسلمون فيه كل ما حققوه من مكاسب. وكان النظر في أمر الخلافة، وتحديد من يلي أمور المسلمين بعد وفاة الصديق أمرًا في غاية الأهمية، بل كان من الواجبات الشرعية التي كان على الصديق أن يقوم بها؛ بحيث لا يترك الأمور هَمَلًا وإمكانية أن يحدث خلاف بين المسلمين بناء على ذلك. وكانت مهمة الاستخلاف صعبة؛ لعدة أسباب: الأول: تطلع البعض لهذا الشرف العظيم. الثاني: أهمية الوصول لما فيه خير المسلمين بعيدًا عن التحيز والعصبيات والقبليات. الثالث: كثرة من تتوفر فيهم المميزات من الصحابة، ومن يمكن أن يكونوا مؤهلين للقيام بهذا الدور وتحمل هذه المسئولية؛ فعملية الموازنة والاختيار بين هؤلاء ستكون عملية صعبة؛ الاختيار بينهم سيكون أمرًا صعبًا وليس أمرًا سهلًا. فبعد أن شاور الصديق نفسه، وعزم أمره وقع اختياره على الفاروق عمر بن الخطاب؛ ولكن هل يصح أن ينفرد الصديق بهذا الرأي، وأن يأخذ هذا الرأي منفردًا دون العودة إلى جماهير الصحابة وأهل الحل والعقد منهم؟ هل يمكن أن يكون هذا تصرفًا سليمًا؟ طبعًا: لا. من هنا نجد الصديق عزم على أن يشاور أهل الحل والعقد من صحابة رسول الله وألا ينفرد بالأمر، وألا ينفرد بالتصرف؛ بحيث يكون اختياره للفاروق فيه عملية جمع للكلمة وجمع لشمل المسلمين؛ سواء كان من المهاجرين أو حتى من الأنصار. ومن ثم أخذ يسألهم واحدًا بعد واحد، ويستقصي منهم الأمر، ويصر على أن يسمع منهم رأيهم في عمر، وهل يصلح عمر لهذا الأمر أم لا؟ وما الأسباب؟... وهكذا. وهذه الأمور تجعلنا نطمئن إلى أن اختيار الصديق -رضي الله عنه- للفاروق -رضي الله عنه- كان اختيارًا موفقًا وليس عن هوًى؛ كما أنه ليس عن عصبية؛ بل كل ما فيه هو مصلحة الأمة الإسلامية في تلك المرحلة. نعود فنقول: إن الصديق سأل عبد الرحمن بن عوف: أخبرني عن رأيك في عمر؟ فقال: ما تسألني عن أمرٍ إلا وأنت أعلم به مني؛ فقال له والصديق: حتى وإن كان هذا صحيحًا؛ أنا أريد أن أسمع رأيك في عمر- فقال: هو أفضل من رأيك فيه من رجل؛ ولكن فيه غلظة. فقال أبو بكر: ذلك لأنه يراني رقيقًا؛ ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيرًا مما هو فيه، أي: من الشدة والغلظة. ثم دعا عثمان بن عفان وسأله عن رأيه في عمر: أخبرني عن عمر. قال: أنت أعلمنا به. فقال الصديق: ومع ذلك -أي: حتى ولو كان الأمر كذلك- أخبرني عن عمر؛ فقال: اللهم إن علمي به أن سريرته خير من علانيته؛ فقال له أبو بكر: رحمك الله -يا أبا عبد الله- لا تذكر مما ذكرت لك شيئًا. قال: أفعل. كذلك استدعى أسيد بن حضير وسأله، وسعيد بن زيد وجماعة من المهاجرين والأنصار؛ فكلهم قال خيرًا وأثنى عليه. فاستدعى الصديق عثمان بن عفان وهو من كُتَّاب الوحي لرسول الله ، وأملى عليه هذا الكتاب الذي يولي فيه الصديق الفاروق عمر. نص الكتاب باختصار شديد: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلًا فيها؛ حيث يؤمن الكافر، ويؤمن الفاجر، ويصدق الكاذب؛ إني استخلفت عليكم بعدي عمر؛ فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آلُ الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا، فإن عدل؛ فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدَّل؛ فلكل امرئٍ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } [الشعراء: 227]". بعد كتابة هذا النص خرج الصديق، وأشرف على الناس وكانت زوجته أسماء بن عميس ممسكة به؛ لأنه كان مريضًا وكان في آخر أيام حياته -رضي الله عنه- فقال للناس: "أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فإني والله ما آلوت من جهد ولا وليت ذا قرابة، وإني قد وليت عليكم عمر فاسمعوا له وأطيعوا"؛ فقالوا: سمعنا وأطعنا. بهذه الصورة تم الإعلام، وأخبر المسلمون بما يحاول أن يفعله الصديق -رضي الله عنه-. ولكن هنا حدث موقف يستحق التسجيل ألا وهو: اعتراض أحد الحاضرين؛ حيث وقف أحد الحاضرين لأبي بكر وقال له: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلاف عمر علينا، وقد ترى الغلظة التي فيه والشدة التي فيه؟! فقال الصديق: أجلسوني، ووجه كلامه لهذا الرجل: أبالله تخوفني؟! أبالله تخوفني؟! خاب من تزود من أمركم بظلم؛ أقول -يعني: يقول لربه الصديق: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك. ثم قال لهذا الرجل: أبلغ عني ما قلت لك لمن هم وراءك. ثم اضطجع، وأمر الكتاب فختم؛ وأمر عثمان أن يخرج به مختومًا ليقرأه على الناس ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن حضير. فخرج عثمان ومن معه وقال للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم. ورضوا جميعًا وبايعوه. وهنا لا بد لنا من موقفة نحلل فيها هذا الموقف؛ لأن هناك من يقول: إن هذا الأمر كان فيه نوع من التعيين والتوريث؛ فهل يعتبر أبو بكر جانب مبدأ الاختيار -يعني: لم يهتم بفكرة الاختيار بالنسبة للخلافة؟ نقول: طبعًا كلا، لم يحدث؛ لأن الصديق أخذ رأي أولي الأمر أهل الحل والعقد، وشاورهم، وكتب برأيهم الكتاب ليقرأ على الناس المجتمعين في المسجد، وتم اختياره لعمر بعد أخذ الرأي والدراسة؛ كذلك لما له من الصلاحية؛ كما يلاحظ أنه طلب ممن شاورهم إبداء الرأي فيه بصراحة، ولا ينسى أن هناك من اعترض ورفض، وقام الصديق بإقناعه خير إقناع. ومن ثم نستطيع أن نقول: أين التعيين فيما حدث؟! ليس هناك أي شبهة في موضوع التعيين. وعلى أية حال؛ فبعد أن بويع عمر صعد المنبر وخطب خطبة قصيرة، بين فيها منهجه في الحكم والإدارة؛ فقال -بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه-: "إنما مثل العرب كمثل جملٍ آنف تبع قائده؛ فلينظر قائده أين يقوده؛ وأما أنا فورب الكعبة لأحملنكم على الطريق". ومن المعروف أن الجمل الآنف هو الجمل الذلول الذي يأنف من الضرب؛ فهو يحب أن يطيع قائده؛ لأنه يأنف من الضرب؛ ولذلك عرف عن العرب أن الطاعة لأولي الأمر، من هذه النقطة كان على القائد أن يتحمل مسئوليته وأن يقود الأمة إلى بر الأمان، وأن يلزمها بما يرضي الله ويرضي رسول الله ويطبق شرع الله ونهجه فيهم، وهكذا قال عمر: لأحملنكم على الطريق. أي: على الطريق السليم، والطريق الصحيح والطريق الذي يرضي الله ويرضي رسوله صلى الله عليه وسلم http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=17079 |
أدوات الموضوع | |
|
|