#1
|
||||
|
||||
سورة الصف.
الرسالات الكبرى تحتاج فى نصرتها وحمايتها إلى الجد والصدق، ولا يصلح فى مساندتها أهل الكلام والدعوى، ولا الجبناء الذين إذا كلفوا بالجهاد تدور أعينهم كالذى يغشى عليه من الموت! إن المبطلين وأصحاب الأهواء لديهم جراءة فى خدمة ما يعتنقون، ولن يستطيع قهرهم إلا مؤمنون شداد يستميتون فى دعم الحق، ويرخصون فى سبيله النفس والمال، ويتراصون فى مواجهة العدو، كلما استشهد بطل حل مكانه آخر. " ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض " . أما الكلام المرسل والصياح العالى، فلا يجديان فى بلوغ غاية. ولذلك عوتب المؤمنون الذين لا يرتفعون إلى هذا المستوى " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " . إن المؤمن عندما يتفانى فى مرضاة ربه، يتجاوب مع كل شىء فى الكون يسبح بحمد ربه. أما المقصر العاصى، فهو شذوذ فى الكون وخروج على قاعدة الطاعة، ولذلك افتتحت سورة الصف بهذه الآية. " سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم " . ثم وقع بعد ذلك التوبيخ، وذكرت الأمم التى لم تصدق الله، بل حادت الله ورسله. وأول هذه الأمم اليهود الذين آذوا موسى وأتعبوه وفقدوا الشجاعة فى مقاتلة عدوه، وسرعان ما ضيعوا الكتاب الذى نزل عليهم. " وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " . وخذلان أى نبى يكون بالزهد فى تعاليمه والجزع من لقاء عدوه.. ثم ذكرت السورة عيسى وقومه.. فبينت أن عيسى عليه السلام صاحب رسالة محدودة الزمان والمكان، فهو مبعوث إلى خراف بنى إسرائيل الضالة، يربطها بالتوراة التى تمردت عليها، ويعالج ص _456 أمراضها النفسية والاجتماعية، ويمهد لنبوة عامة تهدى البشر كلهم إلى الله الواحد.. " وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد... " . وعندما ننظر فى الكتب التى ألفها تلامذة عيسى، والتى سقيت تجوزا أناجيل، نجد كلمات جديرة بأن نقف عندها متأملين. ففى إنجيل متى فى الإصحاح الرابع والعشرين يقول عيسى عليه السلام ".... ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلون كثيرا، ولكن الذى يصير إلى المنتهى فهذا يخلص ويكرز - أى يدعو - ببشارة الملكوت هذه، فى كل المسكونة، شهادة لجميع الأمم ثم يكون المنتهى... " ونتساءل: من هذا الذى يدعو الملكوت ويعرض نفسه على العالم أجمع ويبقى حتى نهاية العالم؟ هل عرفت هذه الصفات لشخص آخر غير محمد؟ وفى إنجيل يوحنا فى الإصحاح الرابع عشر " إن كنتم تحبوننى فاحفظوا وصاياى، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر يثبت معكم إلى الأبد " وهذه كلمة يونانية تعنى الرحيم الذى يدافع الأحزان! فمن هو هذا القادم الذى تبقى رسالته إلى الأبد؟ إننى أتبع محمدا لأن كتابه تجاوب مع ضميرى! إننى عرفت الله بعقلى بعدما نظرت فى نفسى وفى آفاق العالم الذى يضمنى وسائر البشر. وإذا كان كتاب محمد لا يصلح دليلا على رسالته، فلن يصح فى الأذهان شىء، ولن تصدق رسالة بشر!! والنبوءات التى تشير إلى صدق محمد قد تخدم أصحابها، أما محمد نفسه فحسبه كتابه وسيرته.. يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافر" ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين * ون " . إن العقل أثمن ما وهب الله للناس، والإيمان الذى يقوم على تخدير العقل أو تمويته لا وزن له ولا خير فيه، ولكن جماهير غفيرة تنحى العقل جانبا ثم تتكلم، فكيف نسمع لها؟ وقد ختمت السورة بمعنيين كريمين يصدقان ما بدئت به: الأول أن الحياة إيمان وجهاد " تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم " . وقد اقتبس شوقى هذا المعنى فى قوله: قف دون رأيك فى الحياة مجاهدا إن الحياة عقيدة وجهاد! أما الثانى فهو استعداد المؤمن فى كل موطن لنصرة الله وإعلاء كلمته. إنه يمشى فى دروب ص _457 الحياة مصيخا السمع، فإذا بلغته صيحة تدعو إلى الله هرع إليها ولبى صاحبها وكان رجع الصدى، كما نصدق المؤذن عندما يشق بصوته أجواز الفضاء داعيا إلى الصلاة. وقد اعتمد عيسى على هذا التأييد عندما رأى اليهود يرتابون فيه وينصرفون عنه فصاح: " من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله "! وحواريو عيسى كأصحاب محمد، ككل متجرد للحق يؤنس وحشته ويرفع رايته، هم أمل الرسالات فى قيامها وبقائها. والإسلام فى هذا العصر بحاجة إلى أن نفهم هذه الآية فى ختام سورة الصف " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله..". ص _458 مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ.
الشيخ محمد الغزالي. |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة الصف. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |