#1
|
||||
|
||||
سورة الحشر.
" سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم " تسبيح الله هنا قبل طرد اليهود من ديارهم يشبه تحميده فى سورة الأنعام بعدما استأصل الظلمة وطهر الأرض منهم "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" . إن خلو الأرض من الطغاة نعمة جليلة، وقدرة كل إنسان على الاستمتاع بحقوقه خير عظيم. وما أجمل أن يصبح المرء آمنا فى سربه معافى فى بدنه لا يتسلط عليه ظالم ولا يحيف عليه متكبر.. لقد ظل اليهود فى يثرب وحولها ينتمون إلى التوراة،. فما شرفوا الوحى، ولا نشروا العدل، ولا ناصروا التوحيد، ولا حذروا من اليوم الآخر. فلما جاء الإسلام وشرع يهدى عبيد الأصنام إلى الله، ضاقوا به ونالوا من نبيه وأتقنوا صناعة الحرب وحولوا مواطنهم إلى حصون، وظنوا أنه لن يقدر عليهم أحد "ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين.. " كان من الممكن أن يبقوا لكنهم بغتة فكروا فى قتل الرسول وهو بينهم آمن مسترسل، فلما شعر بغدرهم ترك المكان عائدا إلى المدينة، ثم قرر إجلاءهم"ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب". وهكذا عادوا من حيث جاءوا. والسورة تفيد أن هذا أول الحشر، كأن هناك حشرا آخر ينتظر القوم فى الغد القريب أو البعيد! ونحن ننتظره معهم، فإن اليهود ـ فى غفلة من المسلمين ـ أقاموا لأنفسهم دولة، فماذا صنعوا بدولتهم؟ هل ذكروا الله بخير؟ هل جعلوا الحضارة الحديثة تؤمن باليوم الآخر؟ إنهم انتهزوا عجز المسلمين وتفريطهم، فزادوا الطين بلة واتفقوا مع أوروبا وأمريكا على دحر تراث السماء وعبادة العجل الذهبى. وعندما يثوب المسلمون إلى رشدهم ويصطلحون مع ربهم، فسيرثون الدولة ويرجع بنو إسرائيل إلى الأراضى التى جاءوا منها. وقد منح النبى عليه الصلاة والسلام أرض بنى النضير هدية إلى فقراء المهاجرين، وبذلك أعاد التوازن إلى المجتمع الإسلامى فى المدينة! فإن المهاجرين صودرت ص _450 أموالهم وبيوتهم فى مكة، وتحملوا هذه المحنة فى ذات الله. ومع أن الأنصار واسوهم وفتحوا لهم قلوبهم ودورهم، إلا أن الحل الأمثل فى توريث المهاجرين ما ترك اليهود. والتعليل المذكور فى السورة " كي لا يكون دولة بين الأغنياء". ثم شرح حال أولئك المهاجرين، فقال" للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون". وبذلك رسا المجتمع على قواعد عادلة وشرع يؤدى رسالته. وفى عصرنا هذا كما فى عصر النبوة عرب منافقون لا يرون حرجا فى أن يعيشوا مع اليهود ويقاسموهم حياة خشنة أو ناعمة. والواقع أن الفريقين لا دين لهم. فالدين عند اليهود ليس نقاء قلب وزكاة سيرة وسماحة يد. إنه أثرة طافحة وصلف غريب. والعرب المنافقون لا يصدقون أن الله اختار جنسهم لرفع المستوى الروحى والعقلى للناس، إنهم طلاب حياة وحسب!! فلا عجب إذا ألف أحدهم الآخر وأيده " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون " . وعلاقة اليهود بالآخرة واهية. والأسفار الأولى للعهد القديم ـ التوراة ـ لا تتحدث عن ثواب وعقاب وجنة أو نار، إنها تاريخ جاف لشعب غليظ الرقبة. وهذا الفكر المادى صبغ الحضارة الحديثة، وأغرى الجماهير بعبادة اليوم الحاضر ونسيان ما وراءه. ولم تستطع النصرانية بعدما تخلت عن سيرة المسيح أن تقاوم هذا العوج. فأصاب العالم كله ضر شديد. ولذلك جاءت هذه السورة تدفع الناس دفعا إلى معرفة الله وإيثار ما عنده وقربت الآخرة حتى جعلتها الغد المحقق! " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون " . إن معركة هائلة سوف تدور بين العرب واليهود، ولن يعدم اليهود نصراء لهم من جماهير الأوروبيين الذين يحقدون على الإسلام ولا يعرفون لا عيسى ولا محمدا.. والسؤال الذى لابد من الإجابة عنه: متى يدخل المسلمون فى الإسلام؟ متى يصطبغون بروح الإسلام ويعيشون فى ظل أحكامه؟ متى يمشون تحت علم القرآن؟ إن نبيهم قاد أمته من المسجد، ورفع مستواها العلمى والخلقى من صفوفه المتراصة وراءه. فلما اتصلوا بالمشارق والمغارب نقلوا الجماهير من الأرض إلى السماء ص _451 " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون". لقد ختمت سورة بنى النضير بنحو عشرين اسما من أسماء الله الحسنى.. تشرح طبيعة العلاقة بالله الواحد. وتعلى هذه العلاقة كى تحيط بالنشاط الإنسانى كله. إن العالم فى ظل الديانات القاصرة لا تحكمه إلا غرائز السوء، وهو يكافح من أجل مستوى رفيع للمعيشة هنا.. أما هناك عند الله، وبعد لقائه، فلا فكر ولا استعداد. ص _452 مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ.
الشيخ محمد الغزالي. |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة الحشر. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |