#1
|
||||
|
||||
سورة الذاريات.
بدأت سورة الذريات بعدة أقسام تحتاج إلى التأمل ، أولها القسم بالرياح ، فإننا لو حُرمنا الهواء اختنقنا ومتنا . وقد تساءلت عما يملأ صدرى من هذا الهواء : هل نتبادله نحن البشر ؟ هل ما تخرجه رئتاى من هواء يذهب إلى آخرين ؟ إن تيارات الهواء تصعد وتهبط فوق طهر الأرض ، ثم تهب الرياح فتذهب بها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ! وقد يذهب ما ملأ صدرى منها إلى شخص آخر فى أوربا أو أسيا !! من يعلم ذلك ويحدده ويتابعه ؟ الله وحده ! ثم إن هذه الرياح تحمل السحب التى ينتظرها العطاش من البشر والدواب ، أو تنتظرها الأرض الميتة لتحيا . ونحن فى مصر لا نعول على الأمطار فى معايشنا . إن النيل يحمل لنا ما يروينا ، لكن من أين ؟ الأمطار الرسمية القادمة من المحيط الهندى تهمى سيلا بعد سيل ، ويتصل عبابها شاقا طريقه من وسط إفريقية إلى شمالها ، فنشرب فى القاهرة والإسكندرية من هذا الغيث الذى قطع آلاف الأميال إلى أفواهنا .. إن الهواء الرقيق الخفيف يحمل هذه المقادير من المياه التى يجرى بها نهر كبير! " والذاريات ذروا * فالحاملات وقرا * فالجاريات يسرا * فالمقسمات أمرا * إنما توعدون لصادق * وإن الدين لواقع " . لقد كنت أعجب من أن الهواء فى إطارات السيارة يحمل أثقالا باهظة ، حتى التفت إلى أن أنهار الأرض يحملها هذا الهواء سحُبا قبل أن تنزل إلينا مطرا . وقد أقسم الله بالرياح على أن الجزاء حق ، وأن البشر مسئولون بعد قليل عما قدموا وأخّروا ! ثم جاءت بعد ذلك أقسام أخرى "والسماء ذات الحبك * إنكم لفي قول مختلف" . إن آفاق السماء محبوكة لا تسيب فيها ولا فوضى ، وما يسبح فيها يتم وفق نظام رتيب . ص _411 وندع السماء إلى الأرض " وفي الأرض آيات للموقنين ". قلت: ما أثقلنا على ظهر الأرض، وما أثقل الأرض نفسها فى الفضاء. ومع ذلك تنطلق بما تحمل لا تنوء ولا تزيغ! " وفي أنفسكم أفلا تبصرون * وفي السماء رزقكم وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون " . إن جسم الإنسان جهاز بالغ التعقيد، سبحان من خلقه وصوره وشق فيه سمعه وبصره. ومع ذلك يجلس على أريكته امرؤ مغرور يقول: لا إله والحياة مادة! إذا كانت مادة، فمن بناها وضبطها ووضع لها نظمها؟ إننا ندع وسط السورة لننظر فى خواتيمها جواب هذا التساؤل " والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون * ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " . إن الملحد بغبائه وغفلته يوشك أن تدهمه كارثة تودى به، ولذلك يقول الله له ولمثله " ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين * ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين" . لكن الكافرين أوتوا من سلاطة اللسان بقدر ما حرموا من نعمة التوفيق؟ فهم يصفون الدعاة إلى الله بالسحر والجمود والتخلف العقلى! " كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون". وطغيانهم هو الذى أودى بهم بعد مرحلة من الابتلاء. وقد وصفت سورة الذاريات فى وسطها مصاير عدد من هؤلاء الأقوام، وبدأت بحديث عن ضيف إبراهيم المكرمين، وهو حديث يكشف عن سوء فهم الكتابيين للألوهية، وتأثر عقولهم بالفكر الوثنى! لقد كان ضيوف إبراهيم عددا من الملائكة جاءوا بأنباء سارة عن أن الله سيرزقه بغلام عليم، كما أخبروه أن الله سيدمر القرى النجسة التى عجز لوط عن إصلاحها... لكن العهد القديم ساق القصة على نحو آخر، فذكر أن الله هو الذى تناول الغداء مع إبراهيم، وأن إبراهيم قدم لرب العالمين مائدة فاخرة عليها عجل مشوى وخبز، وأن الله أكل حتى امتلأ!! هذا ما ذكره الكتاب المقدس. ص _412 أما القرآن المتهم عند أهل الكتاب، فقد تنزه عن هذا السياق جملة وتفصيلا! لأنه لم يقدر الله حق قدره...!! يقضى على المرء فى أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن! وتحدثت السورة عن فرعون وجيشه، وكيف استباحوا بنى إسرائيل " فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم" - ارتكب ما يلام عليه - لقد رمى فى البحر كما تلقى النواة، ما كلف القدر جهدا، وما بكت عليهم السموات والأرض.. وذكرت عاد التى كانت تتساءل: من أشد منا قوة؟ " وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم * ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم". لقد بادوا دون مقاومة.. وكذلك غيرهم من القرى الظالمة، إن الله بعث إليهم من يعرفهم به ويذكرهم بلقائه ويطالبهم بحقوقه، بيد أنهم عتوا واستكبروا فأبيدوا.. إن الله لا يحتاج إلى خلقه، إنه عنهم غنى، وعندما يكلفهم بعبادته، فما يكلفهم إلا شكر نعمته والشعور بعظمته والفقر إليه، فهل هذا تكليف معنت؟ " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " . على أن الكنود الذى يبديه الناس نحو ربهم لن يمردون مؤاخذة، سيلقون ما لقيه آباؤهم الأقدمون. " فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون". إنه عقاب واحد ومصير مشترك " فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون " ص _4 ص |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة الذاريات. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |