#1
|
||||
|
||||
سورة ق.
فى سورة (قَ) حديث عن البعث والجزاء سبقته الأدلة العقلية التى تشير إلى عظمة القدرة وسعة العلم وإمكان النشأة الآخرة! وقد تدبرت هذه الأدلة وأنا أرقب الطعام الذى أتناوله. إن بعضا منه يتحول إلى طاقة ترفع حرارة الجسم، كيف؟ لا أدرى! وبعض آخر يتحول إلى خلايا تسرى فيها الحياة، ويتكون منها العظم واللحم، وتزدحم فيها خصائص الأجداد والأحفاد. كيف؟ لا أدرى. ويصف علماء الحياة الخلية بأنها كائن يشبه مدينة بها ميادين وحارات وبها أسلاك كهرباء ومواسير مياه!! مع أن الخلية لا ترى بالبصر المجرد! والجزء الباقى من الطعام يعود " بالصرف الصحى " إلى الأرض، ليخرج منها مرة أخرى كيزان أذرة أو سنابل قمح أو شماريخ بلح يأكلها الإنسان ويجدد القصة التى شرحناها آنفا! فى كل جسد موت ونشور يتكرران فى كل ساعة من ليل أو نهار! فهل أستغرب إذا قال الله " ق والقرآن المجيد" ـ لتبعثن ـ " بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب * أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد * قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ " . لماذا تكون إعادة الخلق عجيبة؟ أليس هو الخالق الأول؟ ألا نرى التفاعل المستمر بين أجسادنا والتربة التى نعيش فوقها؟ إن فى كل لحظة بعثا ولكن الكافر بليد ذاهل! لقد بنى القرآن الإيمان على حركة العقل الباحث اليقظ، ثم صاغه فى قالب من البيان المعجز. قال الرواة إن إحدى الصحابيات حفظت سورة " ق.. " من فم الرسول وهو يخطب بها يوم الجمعة، لقد أنتقشت الكلمات فى ذهنها، وثبتت على التكرار، ثم تحولت فى سلوكها إلى خلق وعبادة ومنهج حياة. ص _408 والبعث عندنا ليس فكرة نظرية، إنه شعور حى يستولى على الإنسان وهو يفعل أو يترك. " ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ". إن الفارق بعيد بين حياة الإيمان والحياة التى تقدمها الحضارة المعاصرة، إنها حضارة قلما تذكر الله أو تستعد للقائه أو تشعر بإشرافه! وقد فشلت الأديان السائدة فى إنعاش الضمير الدينى وتعويده رقابة الله.. والموت عند أغلب الأوروبيين والأمريكيين نهاية الوجود، وسيكون ما بعده مفاجأة لم يحسب لها حساب " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" . ومن العرب المسلمين (!) من جرفهم هذا التيار، ومن رفض ضبط الدنيا لحساب الآخرة فهو يقول مع " الزهاوى" : ولا أبدِّل موهوما بمحسوس! الآخرة عنده وهم كما هى عند سادته! وستنتهى الدنيا حتما ويحصد الناس ما قدموا فيها. وفى سورة ق نجد مشهدين: الأول للملك الذى يحصى على الكافر ما صنع " وقال قرينه هذا ما لدي عتيد * ألقيا في جهنم كل كفار عنيد * مناع للخير معتد مريب " . وهنا يقول القرين من الشياطين الذى كان يقوم بوظيفة الإغواء وتزيين الشر "قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد" يعنى أنه كان فاسدا قبل أن أفسده! " قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ". وحديث القرين هنا عن صاحبه المجرم قريب مما ورد فى سورة الأنعام "يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها... ". أما المشهد الثانى فعن مصير الأتقياء الأخيار " وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود" . ومع أن الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء، فإن الله قد يعجل بعض العقوبات للمجرمين ص _409 لتكون نكالا وعبرة؟ فهل ارعوى الطغاة وتابوا؟ كلا " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص" ؟ وعادت سورة ق كما بدأت تتحدث عن العالم وخلقه، فذكرت أن الله أوجد الكون بقدرته، ولم يشعر بإعياء فى هذا الإيجاد! وكيف يشعر بتعب، وأمره بين الكاف والنون؟ ولو شعر بتعب بعد الخلق، فكيف سيدير السموات والأرض ويوفر الطعام لأعداد هائلة من الإنسان والحيوان على امتداد العصور؟ وكيف يسخر النجوم فى مداراتها الرحبة؟ إنه إذا تعب أولا فسيتعب ثانية وثالثة!! ويفلت من يده نظام العالم! ولذلك قال " ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب " . والحق أن نسبة التعب إلى الله حماقة وقع فيها ناس تائهون، ولكن القرآن الكريم نره رب العالمين عن هذا اللغو وأثبت له ما يستحق من أمجاد ومحامد.. والقرآن فى بنائه للإيمان يعتمد على العقل الإنسانى، ورفضه للترهات، ولذلك ختمت السورة بأن محمدا ليس حاكما عسكريا يغير العقائد بالقوة كما يغير الأوضاع المدنية أو الاقتصادية. إنه مذكر صادق وناصح مخلص. " نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد" إن هذا التذكير هو عمل الأنبياء والدعاة إلى آخر رمق. وقد ذكر بعض المفسرين أن ذلك قبل نزول آيات القتال!. وهذا ذهول معيب، فإن القتال لحماية الدعوة وصون الحقوق، وليس للإكراه على الإيمان! ولم يكن محمد جبارا يوما ما، ولا أكره أحدا على الدخول فى دينه قط. ص _410 موخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ. الشيخ محمد الغزالي. |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة ق. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |