جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
متى يتحمل الشعب العراقي مسؤولياته الوطنية؟ ..بقلم . د. مثنى عبدالله
تفجيرات تتوزع بالتساوي على خارطته الجغرافية بعدالة أكبر من توزع حقول نفطه ومياهه، والفقر يسري كالطاعون في أزقته البائسة التي تعطيك صورة عراق لحظة دخول هولاكو ورهطه، وليس صورة بلد يعيش في القرن الواحد والعشرين. كهرباء وماء معبأ في قناني مستوردة وحور وغلمان من شركات خدمة يسهرون على خدمتهم ليل نهار. أسيجة وكاميرات مراقبة وعيون ترقب كل حركة خارج وداخل الاسوار. قوات ‘سوات’ ومكافحة الارهاب والمخابرات وعشرات الاجهزة الاخرى فقط تحمي هذا المكان وليذهب كل العراق الى الجحيم. عشرات البرامج في مئات القنوات الفضائية تلتقي بهم في رمضان كل عام، فرادى وجماعات، لتنقل لنا كيف يصومون ويفكرون ويخططون ويتناقشون ويختلفون، وكيف يرفع كل صوته على الاخر ويعلن انسحابه من العملية السياسية والاستقالة من الوزارة تضامنا مع الشعب وحرصا على الوطن، ثم يتعانقون ويعودون ليكملوا مسيرة العداء للشعب والوطن، فهم رحماء بينهم كأنهم جسد واحد. نساء وأطفال يبحثون في القمامة عن شيء يمكن بيعه كي يحصلوا على لقمة خبز، حتى بتنا مادة فيلمية لكل القنوات الفضائية التي تبحث عن العجائب والغرائب، لان كل ما موجود فيه يشير الى اللامعقول. صوم تحت درجات حرارة تصل الخمسين بدون كهرباء ولا ماء، وقطع طرقات تدفع وسائط النقل لتفرغ البشر العائدين من العمل وسط الطريق، فترى أسراب البشر تنضح أجسادهم عرقا وأفواههم همهمات سيرا على الاقدام الى بيوتهم، يتلقفهم صبية على قارعة الطرقات فقدوا حاضرهم ومستقبلهم في ‘العراق الجديد’ ليبيعوا لهم قناني ماء معبأة من النهر، كي يدلقوها على رؤوسهم، أو صحف اليوم الماضي كي يتقون بها شمسا كأنها هبطت الى السماء الدنيا في العراق، لا شيء يبعث على الامل بعد أن بات كل شيء فوق طاقة تحمل البشر. أما الصورة الاخرى فهناك منتجع يسمونه ‘المنطقة الخضراء’ يركن بسلام على جزء صغير من الساحل الايمن لنهر دجلة، يقطن فيه المئات من اصحاب الامتيازات، تجري الاموال بين أيديهم كأنها الماء فتستقر في حسابات خارجية منقولة وغير منقولة. عوائلهم يقضون اوقاتهم في لندن وكندا وغيرها من دول الصقيع، لانهم ولدوا وترعرعوا فيها، لذا لا يعرفون شيئا اسمه الوطن، انهم فقط يعرفون أن ذويهم يعملون في مؤسسة مالية كبرى اسمها ‘العراق’ تدر عليهم أرباحا كبرى. كلا انها ليست مقدمة مجتزءة من رواية تحكي عن حياة سلاطين وعبيد في غابر الازمان، انها جزء صغير جدا من حياة يومية في وطن كان اسمه العراق. كفوا عن الحديث عن عراق السبعة الاف سنة عمرا. دعوا حضارات بابل وسومر وأكد وعصر العباسيين الذهبي وغيرها، لانكم ستوقظون حمورابي وسرجون الاكدي وأبو جعفر المنصور وهارون الرشيد من مراقدهم، فيكفيهم أنهم يتوجعون في كل لحظة على حالنا، وعلى مجدهم التليد المسكوب في قعر الظلام والجهل والامية واستكانة المظلوم للظالم، وليسأل كل منا نفسه اليوم من نحن وماذا نريد، واذا كانت لنا فعلا صلة حقيقية مع كل ذلك الماضي، ومع تلك العصور الذهبية، فعلامنا ارتضينا العيش في زمن الانحطاط، فحكمنا اللصوص وعصابات المافيا الذين تاجروا بكل شيء لدينا حتى أدياننا ومذاهبنا وقومياتنا؟ كيف صدقنا زعيم حزب طائفي يدعونا بقرار سياسي أن نصلي صلاة موحدة في جمعة كل أسبوع كي يقرب بيننا، وكأننا مجاميع من المهاجرين التقوا على جزيرة وسط البحر ويريد أن يجعل منا مجتمعا متجانسا؟ لو لم نتفاعل في ما بيننا لما بقينا نعيش على هذه الارض لحد الان طوال العشرين قرنا المنصرمة. لقد صلينا جميعا بعفوية منذ قرون معا بدون قرار سياسي، لاننا عراقيون قبل أن نكون سنة وشيعة وكردا وتركمانا. ومتى كانت القرارات السياسية هي التي تجمع الشعوب والامم؟ واذا كان هنالك من يقول انهم كانوا في مظلومية طائفية، وانهم مستعدون اليوم لاكل حتى التراب، فقط لانهم يمسكون زمام الحكم والسلطة، وان الطاغية هو ابن الطائفة ولا يجوز الخروج عليه، فهؤلاء يتاجرون بالوطن وسيتنكرون حتى للطائفة التي يؤمنون بها بأنها هي الوطن. واذا كان هنالك من يقول انهم أصبحوا اليوم في مظلومية طائفية، ويتعرضون للظلم والاضطهاد من الطرف الاخر، وان ذلك يفرض عليهم تقديس رموزهم السياسية وعدم المساس بهم لانهم هيبتهم في المجتمع، حتى لو مارسوا الفساد السياسي والمالي والانتهازية وبيع الوطن بثمن الفيدرالية والاقاليم، فهؤلاء دعاة فرقة وتناحر ويعانون من عمى البصيرة ولم يقرأوا جيدا تاريخ وطنهم. ان القول بأن هذا وذاك قد وصلوا الى مناصبهم بالاصوات، كلام قد نقتنع به ونقول انه صائب، لكن يجب أن يعلم القائلون به بأن الديمقراطية لا تختزل فقط بالانتخابات، وان الصندوق يوصلك الى المنصب لكن لا يعطيك الحق بأن تستخدم أكثريتك في فعل ما تريد الى الحد الذي تذبح به شعبك وتمزق به جسد الوطن، عندها يجب أن يتحرك الشعب لنزع الثقة التي منحها لهم. وهل بقي شيء لم نفقده في عراق اليوم كي نبقى صامتين على مأساتنا؟ أم هل لدينا فائض من دماء كي ندعها تسكب بدون وجه حق وأرواح بريئة تزهق ؟ لم يكن شقيقنا البوعزيزي في تونس معارضا سياسيا أحرق نفسه لانه لم يحصل على المنصب، بل فعل ذلك في حالة يأس بعد أن لمس معنى فقدان الكرامة والجوع، فهل بقيت للانسان في العراق كرامة وهو يقطّع مئات القطع بتفجير على قارعة الطريق أو على يد قوات السلطة؟ وهل رأيتم الفاقة والحرمان على شاشات التلفاز التي يوجد منها أفظع وأكبر على ارض الواقع؟ لا تنتظروا فتاوى من أحد كي تخرجوا ضد الظلم، لان الحق واضح كما الباطل واضح أيضا، فالسلطات المعنوية في المجتمع عندما تتدخل في الحياة السياسية، تفقد القدرة على اتخاذ القرار للتدخل في المراحل الوطنية الكبرى، وتصبح عاجزة عن ممارسة دورها الطبيعي كرأس حربة في التعبئة ضد الخطأ والخطيئة، ونحن مع الاسف انغمست سلطات مجتمعنا المعنوية في تأييد هذا وذاك من السياسيين وارتبطت مصالحها بهم. ان أول ما يحتاجه الانسان هو العدالة، بل هي أهم من النظام، والعدالة ليست العنف والاعتقالات العشوائية واغتصاب الحقوق وقتل الابرياء كي يقول الحاكم انه يسيطر على الامور. ان ازدياد العنف المنظم من أجهزة السلطة على حساب العدالة يدفع المضطهدين والمحرومين كي يكونوا أكثر عنفا، وهذا هو القادم في العراق بعد أن انتفى معنى وجود تلك الاجهزة العاجزة عن حمايتهم، بل حتى الدولة فقدت معنى وجودها واضمحلت بعد أن أصبحت خصما لهذا الطرف وذاك، واضمحلال الدولة يؤدي الى تسليح الناس لانفسهم، وهي أخطر المراحل التي تمر بها الشعوب، لذلك لم يعد من طريق لانقاذ البلد الا بنزول الجميع الى الشارع كفريق واحد، كما مسهم الظلم والقهر كفريق واحد، عندها فقط يحق لنا أن نفاخر بصلاتنا الحضارية وعصورنا الذهبية وعمر وطننا الموغل في عمق التاريخ. انها مسؤولية شعب يجب أن يسترجع كرامته ويعيش حياة كريمة يستحقها. يقين نت م |
أدوات الموضوع | |
|
|